الأحد، 12 سبتمبر 2010

نحن من وطّأ لإهانة القران

نحن من وطأ لإهانة القرآن
بقلم : أ. سعيــد الصرفنــدي
عندما اعلن قس أمريكي عزمه على إحراق القرآن في ذكرى الحادي عشر من ايلول، ثارت مشاعر المسلمين، وحق لها أن تثور، فالقران هو الوحي الوحيد المحفوظ والباقي مما نزل من الكتب على الأنبياء؛ إذ هو الزاد والذخيرة التي لا تنفذ مهما تعددت حاجات البشرية وتغيرت أحوالها، ففيه ما يُصلح البشرية ويَصلح لها الى قيام الساعة، وأي اعتداء على القران هو اعتداء على رمز من أهم رموز الأمة الاسلامية،وهذا ما عبر عنه القس سيء الذكر عندما اعلن أنه لم يقرأ القران ولم يعرف محتواه، مما يؤكد أنه يريد إهانة المسلمين عبر الاعتداء على القران باعتباره رمزاً لهم.
نعم، التعبير عن الاحتجاج والسخط على فكرة احراق القران أمر حسن، ولكن هل جاء هذا التهديد بإحراقه من فراغ، أي هل ساهم المسلمون بالتوطئة لمثل هذه الافكار المنحرفة من قس منحرف ومن يحمل أفكاره، نعم لقد فعل المسلمون ذلك، ومن مظاهر التوطئة لإهانة القران من قبل المسلمين ما يلي :
1. العلاقة الشكلية بين المسلمين والقران: فقد اهتم المسلمون بأحكام التجويد والتلاوة واستظهار القران على حساب العلاقة التي ارادها الله أن تنشأ بين المسلمين وبين القران، وهي علاقة التدبر المفضية الى اكتشاف فضاءات العلم والمعرفة بكل اقسامها وأشكالها، صحيح أن تلاوة القران واستظهاره وفق احكام التجويد أمر مطلوب ، إلا أنه لا يجوز أن تكون على حساب تدبره وفهمه، ولكننا لو نظرنا الى مساحة التدبر مقابل مساحة الشكليات، لوجدناها قليلة جداً وضئيلة جداً.
2. هذه العلاقة الشكلية مع القران، أدت الى التوقف عن تدبر القرأن، وهذا أدى بالضروة الى اعتماد المسلمين على غيرهم في تحصيل العلم والمعرفة، وهذا بحد ذاته يولد الإستصغار لدى الامة مقارنة بأعدائها، فالمسلم الذي يعتمد في معرفته وعلمه وحياته على الآخر، يشعره ذلك بأنه أقل منزلة منه، فالتوقف عن خوض غمار العلوم التي أشار اليها القران وتسخيرها في خدمة الدعوة الاسلامية معناه أننا أصبحنا فتنة للقوم الكافرين وكذلك فتنة لضعاف الايمان والمنافقين، فالتخلف العلمي والمعرفي والاقتصادي والاجتماعي، كل ذلك أدى الى جرأة الكفار على القران. تخيل أخي المسلم، لو أن المسلمين انشغلوا بكل العلوم التي أشار اليها القران وخاصة العلوم الكونية والطبيعية والاجتماعية، فكانوا هم السباقون في كل الميادين، ثم دعوا الاخرين الى الاسلام، الدين الذين كان سبباً في هذا التقدم إضافة الى عقيدة عقلية موافقة لفطرة الانسان، ما الذي يمنع الآخرين من قبول هذا الاسلام العظيم، ولكن لمّا تنكبنا عن الدنيا وعلومها التي اشار اليها القران، أصبح الكفار بتقدمهم العلمي والمعرفي يشعرون أنهم أعلى منزلة من المسلمين وهذا قادهم الى الشعور بأفضلية منطلقاتهم الفكرية مقابل القران الذي يشكل أساس المنطلقات الفكرية عند المسلمين، فكنا بذلك نصد عن دين الله ونجريء الآخرين على ديننا وعلى وجه الخصوص على القران العظيم.
3. إن تعامل علماء المسلمين وتقليد المقلدين لهم مع القران باعتباره كتاب فقه بالمعنى الاصولي لمصطلح الفقه الضيق ادى الى الانشغال بجزء من القران فقط واهمال المجالات الاخرى التي تناولها القران، فآيات الأحكام على خلاف بين العلماء تقع بين 300-500 آيه، وهذا معناه أن هناك الاف الآيات التي تناولت النفس البشرية وتناولت الإشارة الى الكون وما فيه، وقصص الشعوب والأمم الغابرة عبر الاشارة الى السنن الاتماعية التي أهملت من الفقهاء السابقين، وقد يكون هذا الاهمال لاسباب سياسية او غيرها، ولكن النتيجة واحدة، وهي قصر القران على الفقه العملي الذي لا مدخل له في دعوة الكفار الى الاسلام، إذ ما الذي يثير انتباه الكافر الى الاسلام إذا حدثناه عن الحيض والنفاس والطهارة والنجاسة وكيفية الوضوء والاغتسال ومبطلات الصلاة والصيام ...الخ، ولكننا نستطيع لفت انتباهه إذا تحدثنا عن العلوم التي أشار اليها القران في كافة مجالات المعرفة الانسانية، وأشرنا الى السنن الاجتماعية التي تتحكم في حركة المجتمعات البشرية، وأشرنا الى أسس علم النفس الحقيقي التي أشار اليها القرآن...الخ، إن هذا التعاطي مع القران – اي اعتباره كتاب فقه فقط- منع الامة من الاستفادة من علومه ومنجزاته واشاراته الى العلوم الانسانية والطبيعية، وشكل اهانة للقران؛ لان توقف عن تدبر القران، وهو التكليف الالهي الدائم للأمة، قال تعالى" كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته"، فكانت هذه الإهانة من المسلمين وانتقاص قدر القران في حياتهم مقدمة وتوطئة لجرأة الكفار على كتاب الله.
4. الصورة النمطية للشيخ حامل القران كانت سبباً في الجرأة على القران، وهذه الصورة ساهمت فيها الافلام والمسلسلات التي صورت الشيخ باعتباره متكسباً من القران، وسلوكة لا يرقى الى الخلق القراني في الغالب؛ إذ ساهمت هذه الصورة في النفور العام من القران وحملته، فهان القران على الامة التي تعتبر صاحبة القران، فكان أهون على الكافرين الذي لا يؤمنون به.
هذه الاسباب وكثير غيرها ومن ابرزها تغييب احكام القران والحكم به، كانت مقدمة وموطئة لجرأة القس والكفار عموماً على كتاب الله، وهذه الاسباب والمقدمات مصدرها المسلمون ابتداء، مما سهل على الآخرين التطاول على القران، لذلك يكون الرد على دعوة القس ودعوات مشابهة سنشهدها مستقبلاً، عبر تدبر القران والعمل به واعتباره مصدراً للفكر والمعرفة الانسانية، وتطبيق ذلك عملياً من خلال اهتمام علماء المسلمين، كل في مجال اختصاصه ، لإبراز علوم القران، واقتحام مجالات العلم كلها التي أشار اليها القران، وبدون ذلك سنبقى أمة تصدر عن سبيل الله وعن القران، فنتحمل وزر بقاء القران بعيداً عن شعوب الأرض جميعاً.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي