الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

التعصب الغاء للعقول

التعصب الغاء للعقول
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
مما ابتلي به المسلمون قديماً وحديثاً التعصب للفكرة التي يحملها الإنسان، وكأن تبني هذا الانسان او ذاك لفكرة معينة يدل على صحتها وصوابها، وهذا باطل باتفاق العقول السليمة ، فإن الناس يعتنقون افكاراً مختلفة ومتناقضة، ولو كان مجرد تبني الانسان لفكرة معينة يدل على صحتها لاصبحت الافكار المتناقضة كلها صحيحة ، وهذا محال.
كل نص، مهما كان، يختلف الناس في فهمه، ويتفاوتون في معرفة غاياته ومقاصده، وهناك أسباب كثيرة تسهم في هذا الاختلاف، فامتلاك ناصية اللغة او عدم ذلك بالنسبة الى اللغة التي كتب بها النص يجعل الاختلاف قائما ، وخلفية القارئ عن الموضوع والمعلومات السابقة تؤدي ايضاً الى الاختلاف، والمصلحة كذلك، الى غير من جملة العوامل التي تؤدي الى الاختلاف في الفهم أو تفاوته بين الناس.
لذلك هناك فرق بين تبني الانسان للفكرة والدعوة اليها، فأنت عندما تتبنى فكرة ما، فلست مطالباً بالأدلة عليها، ولكن عندما تدعو الى فكرة فأنت مطالاب بإقامة الدليل عليها حسب طبيعتها، فإن كانت المسألة عقلية فأنت مطالب بإقامة الادلة العقلية عليها، وإن كانت شرعية فأنت مطالب بإقامة الأدلية الشرعية عليها.
ومع ذلك فإن الأدلة العقلية المقنعة لفلان قد لا تكون مقنعة لشخص آخر، وهذا معناه وجوب التسامح مع الآخرين فيما يرونه صحيحاً، ولا يجوز الحجر على عقولهم، بالإدعاء ان ما تحمله أنت هو الصواب المطلق الذي لا صواب سواه.
وهنا اجزم أن التخلي عن التعصب وعدم تسفيه آراء الآخرين كفيل بخضوع الرقاب الى الأدلة المبنية على العقل والمنسجمة مع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها. وهنا يسعى الانسان الى احقاق الحق والوصول اليه بدل فرض تصوراته الشخصية على الآخرين؛ إذ يصبح المهم هو التعريف بالحق واظهاره.
اللهم طهر قلوبنا من التعصب والنفاق، واجعل الحق غايتنا.
وصلى اللهم على محمد وآل بيته الطاهرين0

الاثنين، 8 نوفمبر 2010

ردأ على أحمد بوادي الذي هاجم القرضاوي

رداً على أحمد بوادي الذي هاجم القرضاوي
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
ماجستير الدراسات الاسلامية
على صفحات دنيا الوطن قرأت اليوم ، العنوان التالي ” ردا على القرضاوي في تجويزه خلع الحجاب وكشف الصدور ببرك السباحة وألعاب الرياضة بمدارس الاختلاط “ بقلم : أحمد بوادي، ومن باب الاحترام لعلم من أعلام المسلمين، أفنى حياته علماً وتعلماً، ودعوة الى الله، أحسست بالواجب الملقى على عاتق طلبة العلم الذي أحبوا القرضاوي، أن يبينوا وجه الحق في المسألة، وما أكتبه ليس دفاعاً عن القرضاوي، فهو أجل وأكبر من أن يدافع عنه مثلي، ولكنني لما رأيت عدم الانصاف من الأخ أحمد بوادي كتبت ما يلي:
1. يبدأ الأخ أحمد مقاله بما يلي :" وقوفا عن رغبة الأخيار ، للرد على فتوى البهتان والضلال في كشف الصدور ، وجواز التبرج والسفور . للمتساهل بالأعراض والمتلاعب بالأحكام ، والمدلس على العباد ، والمفسد بالبلاد ، المفتي بجواز انضمام المسلم في جيش الكفار لقتال اخوانه من أهل الإيمان ، المبيح للممثلات التائبات بالعودة للتمثيل ، المترحم على بابا الفاتيكان يوسف القرضاوي "، ولا اعتقد أن أحداً من علماء المسلمين يجروء على وصف الشيخ القرضاوي بهذه الأوصاف، ومن يفعل ذلك فهو واحد من اثنين، أن يكون جاهلاً بما عليه الشيخ من علم وتقوى، أو جاهلاً بطريقة الاسلام في الرد على المخالف، ولا يخفى أن منهج الأخ أحمد في وصفه للشيخ القرضاوي هو منهج من يسمون بالسلفية أو الوهابية، حتى أن احدهم من هذا التيار كتب كتاباً أسماه" الرد الكاوي على الكلب العاوي يوسف القرضاوي"، وهذا يُظهر سوء أدبهم مع المخالفين لهم في المنهج والفهم، ولكنها آفة احتكار الحقيقة التي تجعل الآخرين خونة وزنادقة بل وكفاراً في كثير من الأحيان، والمتأمل في فقه الشيخ القرضاوي يجد أنه مجدد في الفقه، خرج من دائرة النصوص الضيقة الى فضاءات المقاصد، وهذا أمر قديم عرفه العلماء الأفذاذ، وخير من بلور فكرة المقاصد كان العالم الكبير الشاطبي في كتابه الأصولي المسمى ب" الموافقات" وجاء في العصر الحديث الشيخ الطاهر بن عاشور في كتابه العظيم " مقاصد الشريعة الاسلامية" وهو عالم موسوعي في العلوم الشرعية من التفسير كما ظهر في التحرير والتنوير الى علم الاصول الى علم الحديث والفلسفة وغير ذلك كثير، وقد اختلفت تعريفات العلماء لعلم المقاصد ولكنه لا يخرج في جوهره عن:" هو علم يدرس الأدلة إجمالاً والأحكام الشرعية الخاصة ويعتني بدراسة المعاني والحكم التي من أجلها شُرعت الأحكام الشرعية وقد تكون عامة وقد تكون خاصة. فعلم المقاصد حقيقة هو علم مرتبط بأُصول الفقه وبالفقه معاً" ومعنى هذا أن القول بالمقاصد هو قول مستند الى النصوص الشرعية من الكتاب والسنة التي تناولت مقاصد الاحكام، ومن أهمها رفع الحرج عن المكلفين، من مثل قوله تعالى:" ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج" ومن السنة النبوية، أن النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام لما بعث معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن، كان من وصيته عليه الصلاة والسلام لهما:"يسرا ولا تُعسرا وبشرا ولا تُنفرا".
وأيضاً قوله عليه الصلاة والسلام:"بُعثت بالحنيفية السمحة"، وهذا إجمالاً وتفصيله في مظانّه من كتب الأصول، ومن هنا يمكن القول أن اختلاف الفقهاء في مسألة ما، هو اختلافهم على اعتبار المصلحة والحرج، فقد يرى فقيه أن هذا الحكم في هذا الوقت فيه حرج، وليس هذا معناه الاعتراض على الحكم الاصلي، فلا يقول القرضاوي مثلاً بأن السفور جائز، ولكنه قد يرى أن التشدد في مكان ما والتقيد بالنص يفوت فرصة عظيمة على المسلمين، ويوقعهم في دائرة الحرج، وهذا ليس تبديلاً للاحكام الشرعية، كما زعم الأخ بوادي في هجومه على الشيخ القرضاوي، فقد وجد النص ووجد في قباله الاجتهاد بسبب تغير الواقع، وهذا كثير في تراثنا الفقهي بدءً من عمر بن الخطاب رضي الله الذي اجتهد في مقابل نص القرآن المتعلق بالمؤلفة قلوبهم؛ إذ هو نص ثابت بكتاب الله جل جلاله، ولكنه اجتهد فرأى أن هذا النص معلل بضعف المسلمين، علمأ أن النص ليس فيه علة ظاهرة، بل هي علة استنباطية، وهي علة غير منضبطة، يعترف بها هذا الفقية ولا يراها غيره، كذلك اجتهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في اعتبار الطلاق ثلاثاً انه ينفذ بلفظ الثلاث ولو كان مرة واحدة، وهذا مقابل النص القرآني " الطلاق مرتان" ولكنه رأى أن حال الناس تغيرت فتهاونوا بلفظ الطلاق، فكان اجتهاده رضي الله عنه في مقابل النص، وكذلك اجتهاده في منع متعة الحج مع ورود النص القرآني بها، وغير ذلك كثير. ثم جاءت مرحلة جديدة في التعامل مع المقاصد، حيث تمت الإشارة الى المقاصد في ثنايا الكتب الاصولية، ومن أول الأصوليين الذين بحثوا في مصنفاتهم المقاصد الشرعية ، والضروريات الخمسة ، وغيرها من مباحث علم المقاصد : إمام الحرمين الجويني في كتابه :(البرهان في أصول الفقه) ، ثم تلاه الإمام الغزالي في كتابه (المستصفى، ثم تلاه الرازي في كتابه (المحصول) ثم تلاهم الآمدي في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام). ثم جاءت مرحلة متقدمة تم فيها افراد كتب مستقلة في موضوع المقاصد وأول من ألف في هذا العلم هو العز بن عبد السلام، الملقب بسلطان العلماء في كتابه (قواعد الأحكام في مصالح الأنام) الذي اهتم فيه بالقواعد الشرعية عند تعارض المصالح . ثم تلاه القرافي في كتابه (الفروق) الذي يُعد من أعظم المصنفات لأنه يبين الفوارق القياسية بين الأحكام الشرعية، ثُم بعد القرافي جاء الشاطبي والذي يعد شيخ المقاصد فألف كتابه (الموافقات)، ومن ثم كان في العصر الحديث كتاب الطاهر بن عاشور افضل ما كتب في هذا السياق.
هذه الاشارات المطولة عن المقاصد والعلماء الذين اهتموا بها، كانت للتأكيد على أنه أمر مختلف فيه عند العلماء ابتداء من حيث حجية المقاصد قبالة النص، فبعض العلماء لا يقولون بالمقاصد ولا يعترفون بها مقابل النص، فالمسألة خلاف منهجي بين العلماء الذين يأخذون بالمقاصد والذين لا يعترفون بها، والقرضاوي ممن يقولون بالمقاصد ورفع الحرج، فإن وقع اجتهاد في توصيف الواقع أو اعتبار الحرج وفوت المصلحة، فهو اجتهاد مقبول لا ينقضه اجتهاد مجتهد آخر، الا عند من لا يؤمن بأن في غير مدرسته مجتهدين وعلماء، فينكر كل اجتهاد خالف اجتهاده او اجتهاد شيخه، وهذا من ضيق الافق وقلة العلم، فلم يعرف الفقه من لا يعرف الاختلاف؛ إذ الاختلاف مشروع إذا كان بين اهل العلم، ولا نشك مطلقاً بأن الشيخ القرضاوي من اهل العلم والاجتهاد. ولكن طبيعة الموضوع، هي التي جعلت الأخ بوادي يهجم على الشيخ القرضاوي هذا الهجوم العنيف؛ فالمسألة متعلقة بالنساء والاعراض، وهو موضوع تتحكم فيه العادات والتقاليد أكثر مما تتحكم فيه النصوص الشرعية عند كثير من المسلمين.
خلاصة القول ان فتوى الشيخ القرضاوي، سواء قبلنا بها ام خالفناها، فهي ليست تغييراً للاحكام الشرعية، بل هي اجتهاد في فهم الواقع وانطباق النص عليه، وهل يشكل التقيد بهذا النص حرفياً حرجاً للمسلمين وتفويت مصلحة ظاهرة أم لا، ولا يجوز أن تكون هذه الفتوى سبباً لهجوم على الشيخ القرضاوي بهذا الشكل الذي يشكك في دينه بل يشتم منه رائحة التكفير.
2. ثم يقول بعد ذلك :" لم أكن أعلم أن الأمر يحتاج إلى تأصيل وتفصيل بقدر ما يحتاج إلى غيرة ورجولة ومروءة. ولم يكن من الانصاف قول ذلك في حق الشيخ القرضاوي؛ إذ يشير الكاتب الى دياثة الشيخ القرضاوي، وهذا غير مقبول من شخص مغمور قبالة عالم مشهور اعترفت الامة بعلمه وفضله، سواء وافقناه أم خالفناه في كل ما يقول، ولك أن تعتبر فتواه زلة، ولكن لا يجوز الطعن في رجولته وغيرته ومروءته، فإن هذا باب واسع خسر من ولج فيه. ولقد اتهم الكاتب كل من يدافع عن القرضاوي بقوله: " أقول : لمن اشتغل بالدفاع عن القرضاوي لكلامي عليه وأخذته الحمية لعرض القرضاوي ولم تأخذه الحمية لأعراض المسلمات من فتوى القرضاوي فليراجع دينه وليراجع أخلاقه لأن القرضاوى قد خدشها وجعلهم محلا للتهمة عندما ارتضوا الدفاع عنه بما يمس وتنتهك فيه الأعراض".ا.هـ ، وهذا والله عين الباطل، فلم نجد نحن في فلسطين أشد غيرة على اعراضنا من شيخنا القرضاوي.
3. ينكر الأخ بوادي على الشيخ القرضاوي، اعتباره العلم للفتاة في بلاد الغرب من الضرورات التي تبيح المحظورات فيقول: " لكن القرضاوي هنا جعل الضرورة الخروج للدراسة والحصول على الشهادة ويجعل من المكوث بالبيت حالة عارضة وتخلف ورجعية . لكننا لسنا ممن يعطي الدنية في ديننا يا قرضاوي "، هذا الكلام يدل على جهل بفقه الشيخ القرضاوي، فهو قد استند الى متشابه من قول الشيخ ليبني عليه موقفاً معادياً ، ولم يرجع الى المحكم من كلام الشيخ في اعتبار التبرج مخالفاً للاسلام ومخالفاً للنصوص الشرعية القطعية ثبوتاً ودلالة، ولكن لو قال لك أحدهم ايها الكاتب المحترم: إذا كانت المرأة بدون شهادة في الغرب فهي اقرب الى اللجوء الى الرذيلة، أو القيام بمهن تمتهن كرامتها حتى تحصل على لقمة العيش او الحياة الكريمة، ألا يكون موقف شيخنا اقرب الى الحق، سيما ونحن نتحدث عن مجتمعات لا يأكل فيها من لا يعمل، الا يعتبر حصول المرأة في هذا المقام ضرورة تبيح المحظور، قد تقول لا، وقد يقول كثير من العلماء وطلبة العلم: نعم، هي ضرورة، فالمسألة أخي الكريم إذن، هي تقدير الواقع، وهذا أمر يختلف فيه العقلاء، فكل انسان يقرأ الواقع متأثراً بجملة من العوامل منها ثقافته وتراثه وتحصيله العلمي ... الخ، ولذلك لايجوز تبعاً لذلك توجيه سهام مسمومة الى الشيخ القرضاوي بسبب اختلافك معه في قراءة الواقع وتحديد الولويات او الضروريات.
4. ثم بعد حشو كثير يقول الأخ الكاتب: " هذا ليس اجتهادا يا من تدعون العقيدة السليمة والغيرة إنها غثاء بل دياثة"
ولا أدري لماذا يخلط الكاتب بين العقيدة وبين الاجتهاد الشرعي، فكم من عالم ساءت عقيدته ولكن فتواه موافقة للحق، وكم من عالم صحيح العقيدة كانت فتواه مضحكة للعلماء وللعوام، كفتوى البخاري رحمه الله بأن الرضاعة من البهيمة توجب الأخوة من الرضاعة بين الرضيعين !!
5. في الختام لا شك أن الموقف المسبق للكاتب ضد الشيخ القرضاوي هو الذي جعل مقاله طافحاً بالتنقص من قدر عالم معتبر عند الأمة، ونظنه معتبراً عند الله، وهذا نعرفه عند المقلدين الذي يلجأون الى مهاجمة من يخالف شيخهم، ولو عرضت ما هاجمه على انه قول لشيخه لبدأ بالدفاع عن ما هاجمه.

الأحد، 31 أكتوبر 2010

الوهابية والتجسيم

الوهابية والتجسيم
من الأمور المتفق عليها عند العقلاء التشوق الى معرفة صفات الخالق، وكان هذا دأب البشرية منذ نشأتها، ففي الوقت الذي يتبع فيه الناس ما جاءت به الانبياء كانت معرفتهم بالله معرفة حقيقية، أما اذا انقطع الوحي واعتمد الناس على عقولهم وتشوقاتهم لمعرفة صفات الله؛ فإن الضلال مصيرهم لا محالة، فهم يجعلون لله صفات محكومة بإدراكاتهم ومعرفتهم للأشياء، إذ تصبح الأشياء التي يعرفونها بجوهرها وذاتها وصفاتها وافعالها هي المعيار الذي يقيسون به الغائب عنهم وهو الله تعالى.
وقد عرف المسلمون مناهج متعددة في التعامل مع الآيات والأحاديث التي تتناول الصفات، الا أن جوهرها كان إما التشبيه أو التنزيه، وكانت جماهير الأمة تتبع منهج التنزيه؛ لأنه الذي يليق بجلال الله تعالى ومعه الدليل من الكتاب والسنة التي لا تخالفه وكذلك العقل السليم، ومع ذلك فقد ظهرت اتجاهات منحرفة مجسمة كان آباؤها بعض الحنابلة ومن ثم ايتامهم بعد ذلك، من أمثال ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ومن تبعهم ممن لا حظ لهم ولا نصيب من العلم، فاحيوا بدعاً انحرف بها ابن تيمية عن علماء السنة الحقيقيين، من مثل تحريم التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله، وتحريم السفر لزيارة قبره عليه السلام، وهي الفتوى التي اضطرت فقهاء المذاهب الاربعة في حينه لخروج منادٍ في دمشق يقول : من كان على عقيدة ابن تيمية في هذا الأمر فهو كافر حلال الدم، وكذلك تحريمهم وتجريمهم للاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وآله ... الخ هذه التي سموها بدعاً وشغلوا الامة بها، لاظهارهم وكأنهم ملتزمون بالتوحيد دون سواهم من المسلمين، وكان هذا في الحقيقة تغطية على انحرافهم في منهج الصفات.
لقد دلت النصوص على أن معرفة الله غير الإيمان بوجوده؛ إذ أن الايمان بوجود الله لا ينفع ولا ينجي عند الله إذا كان خالياً من معرفته وتنزيهه عن مشابهة المخلوقات، فقد روى البخاري في صحيحه قول النبي صلى الله عليه وآله:" أنا اعلمكم بالله واخشاكم له"، فالعلم المقصود هو علم بذات الله وصفاته وأفعاله، وهو في الحقيقة، العلم الذي يورث التقوى والخشية لله، وهذا موافق لقول الله عز وجل : ( إنما يخشى الله من عباده العماء) فالنبي الأكرم أشد الناس، بل والخلق جميعاً خشية لله؛ لأنه أعلمهم بالله، وجاءت كذلك نصوص الكتاب المبين تطلب العلم بالله عز وجل لقوله تعالى :( فاعلم أنه لا إله الا الله).
ولا يقال أن المسلمين آمنوا دون علم، فقد كان موقف الناس من دعوة النبي صلى اله عليه وآله وسلم :( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ)، اي أنه ليس من السهل عليهم أن يتنازلوا عن دين آبائهم تقليداً لمحمد صلى الله عليه وآله، لو أنهم لم يقتنعوا عقلاً بالصفات الجديدة عن الله، وهي التي جاء بها رسول الله؛ إذ يؤكد علماء السوسيولوجيا أن تمكن العادة والعرف والمألوف من الناس يمنعهم من التغيير في الفكر والسلوك والاستجابة لمن يدعوهم للخروج على المألوف عندهم، ولو كان المخالف معه الدليل، فكيف إذا جاءهم من يدعوهم الى اتباعه بدون دليل، مما يؤكد أن النبي صلى الله عليه وآله كان يدعوهم الى إله أقام الدليل القاطع على أنه لا شريك ولا شبيه له، وجماع ذلك قول الله تعالى :( ليس كمثله شيء).
وقد انقسم علماء المسلمين الى اكثرية منزهة لله جل جلاله، واقلية مشبهة ، وكان منهج الأغلبية في التعامل مع الصفات هو التأويل والتفويض وقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على صحة هذا المنهج، وكان في المقابل منهج الأقلية التي صاغ فكرها ابن تيمية ثم جاء ينشر بدعته محمد بن عبد الوهاب، وقد عانى المسلمون، علماء وعوام من بدعة الوهابية وأفكارهم التي ساهمت ثورة البترودولار في نشرها، فقد هاجموا العلماء المخالفين لهم، دون الالتزام بأدب الاختلاف الذي درج عليه علماء الأمة الأثبات، وفسقوا وبدعوا كل من لم يلحق بهم، وقد ساهم احتكارهم للتدريس والخطابة في الحرمين المكي والمدني، افتتان بعض طلبة العلم بما يقولون، ظناً أن مكة والمدينة هي مهبط العلم، وكل منهما حري بذلك لولا ما فعله الوهابية من الاقتصار على نشر أفكارهم، وكان من أعظم بدعهم التجسيم، فقد جعلوا الله جسماً، وما دام جسماً فإنه لا بد ملتزم بلوازم الجسمية من الخصائص والصفات.
وفي هذه العجالة، اريد تناول الأدلة القرآنية والنبوية وأدلة العقل، التي ترد على كون الله كما تصفه الوهابية بأنه جسم.
اولاً : من القران: قول الله جل جلاله:( ليس كمثله شيء)، وأجد من المفيد ابتداء تعريف المكان باعتباره من أدق لوازم الجسمية، وقد عرف الراغب الاصفهاني المكان بقوله:" المكان عند أهل اللغة الموضع الحاوي للشيء"، وعرفه الفيروزأبادي صاحب القاموس بقوله:" المكان: الموضع، ج: أمكنة وأماكن"، أما كمال الدين البياضي الحنفي فعرفه بقوله:" المكان هو الفراغ الذي يشغله الجسم"، ولم تخرج تعريفات أهل اللغة عن مضمون ما ذكر، وقد نزل القران بلسان عربي مبين، أي ان الذين آمنوا بدعوة النبي صلى الله عليه وآله، فهموا سواء بدلالة الإشارة أو التنبيه أو الاقتضاء، أن الله ليس جسماً، لأن من لوازم الأجسام المكان، وحيث أن الله "ليس كمثله شيء" فإن المكان منتفٍ عن الله، وحيث أن من خصائص المكان الجهوية، فلا مكان خارج الجهة، فلا يشار الى الله أنه في جهة.
كذلك قول الله تعالى :" ولله المثل الأعلى" وقوله :" فلا تضربوا لله الأمثال" أي أن الله لا يوصف بما توصف به المخلوقات من المكان والجهة، فهو لا يشبه شيئاً منها، سواء في ذاته أو صفاته، وأما ابلغ الأدلة وأكثرها صراحة في الرد على من يقول بالجهة فهو قوله تعالى :" فأينما تولوا فثم وجه الله"، فلو كان في جهة لكان التوجه اليها أولى من الجهات الأخرى، فجزم القران بانتفاء الجهة في حق الله.
ثانياً : من السنة النبوية: فقد ذكر البخاري في كتاب بدء الخلق قول النبي صلى الله عليه وآله:" كان الله ولم يكن شيء غيره"، أي أن الله موجود منذ الأزل قبل خلق الزمان والمكان، فلا يحتاج الى جهة ومكان، وقد علمنا بداهة التلازم بين الجهة والمكان، فلا يجوز أن يقال أن الله في جهة.
ويمكن الاستدلال بما رواه مسلم في صحيحه من دعاء النبي صلى الله عليه وآله:" اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء،وأنت الظاهر فليس فوقك شيء،وانت الباطن فليس دونك شيء" وطبيعي أن ما لا شيء دونه ولا شيء فوقه ، لا يصح وصفه بأنه في مكان.
ومن المؤكد عند اهل العلم اجماع المسلمين الا من شذ من المجسمة، على أن الله لا يحويه مكان ولا يحل في مكان وليس على العرش بذاته، فهو موجود قبل العرش والسماء وقبل المكان، وممن ذكر الاجماع على ذلك العلامة الرازي في تفسيره حيث قال:" انعقد الاجماع على أنه سبحانه ليس معنا بالمكان والجهة والحيز"، وكذلك ذكر الآمدي الاجماع على ذلك فقال بعد ذكر اتفاق اهل العلم :" إنه تعالى ليس بمتمكن بمكان ولا متحيز بجهة"
ثالثاً: من العقل: لا شك أن النقل جاء بمجوزات العقل، حيث لا تعارض بين العقل والنقل، والعقل الصحيح ينفي وجود الله في جهة؛ إذ لو كان الله في جهة فهو محتاج اليها، فكيف يكون خالقاً للمكان ومحتاجاً اليه، وما الذي كان ينقصه قبل خلق المكان والتحيز فيه، وقد استفاض علماء الكلام في الاستدلالات العقلية على نفي الجهة عن الله.
التجسيم عند الوهابية اتباع ابن تيمية:
ذكر الامام الحافظ ابن الجوزي، وهو غير ابن الجوزية تلميذ ابن تيمية، بل عاش قبل مئة عام تقريباً من ابن تيمية، وكان على منهج التنزيه، فقال وهو يعيب على بعض العلماء في كتابه (دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه ص 97):" ... صنفوا كتباً شانوا بها المذهب، ورأيتهم نزلوا الى مرتبة العوام، فحملوا الصفات على مقتضى الحس،فسمعوا ان الله تعالى خلق آدم على صورته، فأثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات، وعينين وفماً ولهوات وأضراساً وأضواء لوجهه هي السبحات، ويدين وأصابع وكفاً وخنصراً وإبهاماً وصدراً وفخذاً وساقين ورجلين، وقالوا ما سمعنا بذكر الرأس !!، وقالوا: يجوز أن يَمَسَّ ويُمَس، ويدني العبد من ذاته، وقال بعضهم: ويتنفس، ثم يرضون العوام بقولهم: لا كما يعقل !! وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات،فسموها تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا الى النصوص الصارفة عن الظواهر الى المعاني الواجبة لله تعالى، ولا الى الغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث".
وقال العلامة ابن الأثير في حوادث سنة ثمان وخمسين وأربعمائة : ( وفيها توفي ابو يعلى الفراء الحنبلي، وهو مصنف كتاب الصفات، أتى فيه بكل عجيبة، وترتيب أبوابه يدل على التجسيم المحض، تعالى الله عن ذلك)، وقد أثبت الحنابلة في كتبهم التجسيم الكامل كالكتاب الذي ينسب الى الامام أحمد في الرد على الجهمية، وكتاب السنة لإبنه عبد الله، والمسمى بالسنة، وقد أتى فيه على كل منكر منافٍ لعقيدة التوحيد. كذلك كتاب السنة للخلال الحنبلي، وكتاب العرش لعثمان بن أبي شيبه، وغيرهم كثير، مما يوجب التشبيه وينأى عن التنزيه لمن نزّه ذاته ووصفاته وافعاله بقوله :( ليس كمثله شيء)، ويكفي ان يصف الرازي في تفسيره لكتاب ابن خزيمة المسمى( كتاب التوحيد واثبات صفات الرب) أن يصفه بالشرك.
كل هذه الهفوات والزلات من فكر المجسمة، جاء ابن تيمية ليصوغها مذهباً له ولأتباعه الوهابية من بعده، فقال، وهذا لا يحتاج الى توثيق لأن الحنابلة والوهابية لا ينكرونها:( فالله تعالى جسم لا كالأجسام) وينكر ان في أقوال الصحابة والتابعين نفي الجسمية عن الله.
ومن أنكر الاقوال في كلام ابن القيم، تلميذ ابن تيمية، ما جاء في كتابه المسمى بـ "اجتماع الجيوش الاسلامية" المحقق من الدكتور عواد المعتق ص 109؛ إذ يقول:" ...إن الله عز وجل ينزل الى السماء الدنيا وله في كل سماء كرسي، فإذا نزل الى السماء الدنيا جلس على كرسيه ثم يقول من ذا ... فاذا كان عند الصبح ارتفع فجلس على كرسيه".
ومن العجيب ان الوهابية تقوم بطبع هذه الكتب وما فيها من منكرات وتروج لها باعتبارها العقيدة الصحيحة المنقولة عن سلف الامة، ويمارسون ارهاباً فكرياً على الأمة بوصف مخالفيهم بالشرك والجهمية والتعطيل والخروج من زمرة الفئة الناجية مما يجعل العوام يقبلونهم ويعظمونهم، مع ما هم فيه من المخالفة لفكر الامة وسلفها الحقيقي، حتى أنهم يوافقون على ما جاء في كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، حيث يتنقص من قدر أبي حنيفة النعمان ويتهمه بالجهمية والكفر في اكثر من موقع.
نبرأ الى الله مما يقوله المجسمة الوهابية من الحنابلة واتباع ابن تيمية، ونقر ونؤمن بالله كما قال عن نفسه :( ليس كمثله شيء)
sarafandisaed@yahoo.com
مدونتي الخاصة: " مدونة الصرفندي"

الخميس، 14 أكتوبر 2010

تصريحات عبد ربه اعتراف بعدم شرعية المنظمة

تصريحات عبد ربه اعتراف بعدم شرعية المنظمة
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
التصريحات التي صدرت عن ياسر عبد ربه، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتصريحات المعدلة أيضاً، بحصوص الاعتراف بيهودية الكيان الصهيوني، تأتي منسجمة مع مواقفه السابقة التي وردت في مبادرة جنيف والتي تضمنت التنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ومعلوم أن ياسر عبد ربه كان أحد أركان مبادرة جنيف، ولم يعد جديداً عليه ان يجاهر بموقفه السياسي خاصة وأنه أصبح أحد اعمدة السلطة الأقوياء، والعالمون بخفايا الأمور يقولون أنه رجل لا يمكن اقصاؤه أو تجاوزه، ليس بسبب قوته كزعيم فلسطيني، فهو لا يملك شيئاً من عناصر قوة الزعماء الفلسطينيين على وجه الخصوص أو الزعماء السياسيين في دول العالم الثالث على وجه العموم، أي أنه لا يتزعم حزباً قوياً مؤثراً، وليس منتمياً كذلك الى عائلة عريقة وكبيرة يمكن أن تؤثر في مسار الاحداث كما فعلت العائلية في فتح عند تحضير الحركة لقوائم البلديات في الانتخابات المحلية التي هزمت فيها قبل أن تحدث؛ وإنما بسبب القوى الدولية التي تقف وراءه، حتى أن الكثير من كوادر وأنصار حركة فتح يتساءلون ببراءة : لماذا تكون أمانة سر اللجنة التنفيذية لشخص من خارج حركة فتح، مع أنها العنصر الرئيسي والأقوى والأكبر من العناصر المكونة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
إن اطلاق ياسر عبد ربه لتلك التصريحات، لا يمكن أن تفهم على أنها مواقف شخصية، كما حصل في مبادرة جنيف؛ فلم يكن له حينها أي تأثير على القرار والموقف الفلسطيني، وكلنا يعلم كيف كان يعامله الرئيس الراحل ياسر عرفات، أما اليوم فإن تصريحاته تعبر عن موقف المتنفذين في منظمة التحرير الفلسطينية، خاصة وأن السياق الذي جاءت فيه تلك التصريحات، يؤكد أنها اجابة واستجابة للمطلب الاسرائيلي بالاعتراف بيهودية الكيان الصهيوني، مقابل الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
لذلك فإن تصريحات ياسر عبد ربه الآنفة الذكر، هي تعبير عن الموقف الرسمي لمنظمة التحرير، ما دام عبد ربه في منصبه، ولكن تغير من حقيقة الأمر بعض التصريحات المستنكرة هنا وهناك من ساسة وكوادر في الصف الثاني او الثالث، وإذا اردنا اعتبارها بالون اختبار فهذا دليل على أن الموقف الحقيقي للمنظمة لا يختلف عن المواقف التي عرضها عبد ربه، ولكن الوقت لم يحن للاعلان عنها ببيان رسمي.
لقد تم إنشاء منظمة التحرير الفلسطينيه في حينه من أجل أهداف واضحة، على رأسها، عودة اللاجئين الفلسطينين الى بيوتهم وقراهم ومدنهم التي هجروا منها قسراً، واحتلت هذه المنظمة صفة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، عندما كانت تدافع، ولو لفظياً، عن حق اللاجئين بالعودة الى ديارهم، وكان شعار حق العودة هو الذي يعطي مصداقية لتمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني، لأن جوهر القضية الفلسطينية هو حق العودة، فكان طبيعياً أن تعتبر المنظمة ممثلاً للشعب الفلسطيني.
حتى عندما تم عقد جلسة صورية في غزة لتعديل الميثاق الوطني الفسلطيني، لم يكن هناك تنازل عن حق العودة، ولذلك دافع أصحاب التعديل عن مواقفهم بقوة، وتقبل جزء من الشعب الفلسطيني تلك المهزلة؛ لأنها نصت على الاعتراف بإسرائيل، ولم تتنازل عن حق العودة، أما تصريحات عبد ربه فهي تنازل صريح عن حق العودة، بل تعيبر كذلك تنازل عن حق الفلسطينيين الصامدين على ارضهم في الداخل الفلسطيني.
إن هذه التصريحات تفتح الباب واسعاً لانقسام جديد على الساحة الفلسطينية؛ لأن هناك في الحقيقة من يؤمن سراً بهذه الاطروحة ولكنه ينتظر الوقت المناسب للاعلان عنها وتبنيها، ولذلك فالمطلوب من القادة السياسيين والقوى السياسية والشعبية أن تعلن تراجعها عن اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني، ما دام ياسر عبد ربه في منصبه كأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأن يصدر بيان بخلعه واستنكار تصريحاته وما توحي اليه، وأن حق العودة خط أحمر لا يجوز لأحد أن يقترب منه وأن التنازل عنه خيانة وطنية يعاقب عليها كائناً من كان مرتكبها والمروج لها.
إن ياسر عبد ربه ومن يقف وراءه قد طرحوا بقوة بعد هذه التصريحات مسألة تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني، فمن يتنازل عن حق العودة ويعترف بيهودية الكيان الصهيوني، لا يمكن أن يكون ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، ومن يفعل ذلك فإنه يؤسس لانقسام جديد في الداخل والخارج، وانشاء هيئات ومرجعيات جديدة، واظن أن صاحب هذه التصريحات يعلم ما ستؤول اليه الأمور، وهذا هو الخطر الأكبر، أي تمزيق الشرعيات التي تتحدث باسم الشعب الفلسطيني، وسوف يعترف العالم بالقيادة المتنفذة ممثلاً شرعياً ووحيداً، فتضعف المواقف الفلسطينية داخلياً وخارجياً، وتحقق بقوة الأمر الواقع الاهداف الصهيونية من ابتلاع للاراضي الفلسطينية وتهويد للقدس وطرد العرب منها ...الخ، وعندها تكون قد انتهت حياة هؤلاء، فمن الذي سيحاسبة الشعب الفلسطيني.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونتي الخاصة" مدونة الصرفندي

الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

ماذا بعد قمة سرت

ماذا بعد قمة سرت ؟!
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
الموقف الذي اتخذته قمة "سرت" لم يكن مفاجئاً في عمومه ولكنه في تفاصيله، كان تعبيراً عن قدرات ابداعية للمتحكمين بالشأن الفلسطيني، فقد أغلقت الأبواب وسدت السبل، ولم يكن قادراً على احداث اختراق الا دهاقنة السياسة الذين فقدوا القدرة على استحضار بدائل وخيارات تنم عن كرامة تليق بالعرب ومن قبل ذلك بالفلسطينيين، فقد أثبتت قرارات القمة عجر العالم العربي الرسمي عن اللجوء الى خيارات وبدائل تخرج عن اجترار خيار المفاوضات، وطبيعي ان الاجترار لا يعطي نفس مكونات الطعام الأصلي، وقد أشارت هذه القرارات الى أن المواقف السياسية الرسمية، عربية كانت أم فلسطينية، لا يصنعها العرب، وإنما تفرض عليهم من دول أخرى على رأسها أمريكا واسرائيل، وذلك لاعتبارات داخلية في اغلب الأحيان، وهذا ما يفسر التمسك بخيار المفاوضات، مع علم السياسيين والعوام من قبلهم، أن هذا الخيار لا يمكن أن يحقق الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية.
إذا كان الحكام العرب لا يدركون حتى الآن طبيعة التحولات الفكرية والسياسية داخل المجتمع الإسرائيلي، فتلك مصيبة، وبقائهم على جهلهم وعلى رقاب شعوبهم، مصيبة أعظم، فالوقائع والتغيرات داخل المجتمع الاسرائيلي تدل على أنه مجتمع تتحكم فيه اطروحات يمينية عنصرية، ولذلك يتصلب القادة السياسيون والاحزاب السياسية العنصرية والفاشية في اسرائيل في مواجهة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، فهذه الاحزاب احزاب تعبر حقيقة عن طبيعة الشارع الاسرائيلي، وكل حزب او قائد سياسي تزداد شعبيته بقدر مواقفه المتطرفة من مثل دعم الاستيطان والتنكر لحقوق الفلسطينيين، لذلك فالواقع الاسرائيلي يصرخ بكل قوة : انهم ذاهبون الى مزيد من التطرف ومزيد من الاستيطان ومزيد من التهويد للقدس والمسجد الأقصى، وأن إمكانية التوصل الى سلام حقيقي مع الفلسطينيين امر مستحيل، وهذا ما يعبر عنه ليبرمان الذي يمثل المجتمع الاسرائيلي تمثيلاً حقيقياً، وما هي الا سنوات قليلة حتى يطلق على ليبرمان" روش ممشلات يسرائيل" أي رئيس حكومة اسرائيل، وهذا الواقع لا يحتاج الى متخصصين لإدراكة، بل كل من يقرأ صحيفة يومية ونشرة اخبارية قادر الى التوصل الى هذه النتيجة، فلماذا لا يدرك الحكام العرب والفلسطينيين ذلك لو كانت مواقفهم هم الذين يصنعونها.
لقد أثبتت الأشهر الأخيرة، أن الموقف الأمريكي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية لم يكن مختلفاً ولا مخالفاً للموقف الاسرائيلي، فمصالح امريكا الحيوية والاستراتيجية تتحقق بالتوافق الكامل مع السياسية الاسرائيلية، فلم تكن المواقف الامريكية خلال مسيرة السلام الا غطاء للسياسة الاسرائيلية، فالاستيطان لم تعارضة امريكا منذ انطلاقة المسيرة السلمية، بل تعلم امريكا ان جزءاً من مساعداتها المالية لاسرائيل يذهب للاستيطان، ولذلك كيف يمكن للقادة العرب الاعتقاد بأن اعطاء مهلة شهر او غير ذلك للولايات المتحدة، يمكن أن يحقق اختراقاً له اهميته، فالمسائل التي يجب الاتفاق عليها لم تكن ثمانية عشر عاماً كافية لحلها أو التوصل الى حل وسط بشأنها، فكيف يمكن لشهر ان يفعل ما لم تفعله عشرات السنوات،وما ذلك الا لأن الوقت ليس عنصراً حاسماً في الموضوع، أي لو كان مزيد من الوقت كافياً لانجاز شيء فلا بأس بمزيد من الوقت، ولكن المواقف المعلنة للقيادة الاسرائيلية وتساوق الولايات المتحدة الامريكية معها، يجعل من المستحيل التوصل الى شيء، بل إن ما كان ممكناً قبل سنوات لن يكون ممكناً في المستقبل، فالاستيطان والتهويد وخلق وقائع جديدة على الأرض مستمر من قبل اسرائيل، وليس امام الطرف الآخر الذي لا يملك خياراً آخر غير المفاوضات، الا القبول او القبول او القبول بالعودة الى طاولة المفاوضات من اجل لا شيء، او عقد اتفاق يتم التنازل فيه عن كل الثوابت والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وهو أمر غير ممكن في الوقت الراهن، ولو تم توقيعه من المفاوض الفلسطيني فإن تسويقه فلسطينياً وعربياً ودولياً أمر غير ممكن ان لم يكن مستحيلاً، بل يمكن القول أن توقيع مثل هكذا اتفاق هو أقصر الطرق لاشتعال المنطقة جحيماً، ولذلك فإن توقيع مثل هذا الاتفاق ليس في مصلحة امريكا واسرائيل والدول العربية؛ لأنه سيطلق العنان للخيار الآخر وهو خيار المقاومة بكل قوة، وبالتالي فالمتوقع هو المراوحة في مربع المفاوضات، احياناً مباشرة واخرى غير مباشرة، أو أشكال جديدة لم تعرفها المفاوضات، فالمشكلة الفلسطينية استثنائية بكل المقاييس، وهذا يتطلب ايضاً استثنائية غير مسبوقة في صناعة أشكال من المفاوضات.
ما هو المطلوب، في ظل عقم المفاوضات ولا واقعية الخيارات المطروحة وفي مقدمتها اللجوء الى مجلس الأمن، حيث يعلم القاصي والداني أن اللجوء لهذا الخيار محكوم عليه بالفشل مسبقاً، وهو قنبلة دخانية، للتغطية على العجز الفلسطيني والعربي، واظهار الفريق المفاوض ومن معه، أن خياراته لم تنضب، وأن هناك إمكانية للجوء الى خيارات وبدائل جديدة، تستغرق من الوقت ما استغرقته مسيرة المفاوضات، وتكون اسرائيل حينها قد كسبت المزيد من الوقت الذي يسمح بخلق واقع جديد، وابتلاع المزيد من الارض الفلسطينية، وفرض شروط جديدة من مثل الاعتراف بيهودية الدولة وغيرها.
إذن ما هو المطلوب ، المطلوب انجاز ملف المصالحة الوطنية واجراء انتخابات على أساس مواقف سياسية واضحة للاحزاب التي تخوض الانتخابات، حتى تكون النتيجة تعبيراً سياسياً عن مواقف وخيارات الشعب الفلسطيني الحقيقية،فلا بد من التخلص من موقف التعالي على الشعب الفلسطيني من خلال اعتبار المفاوض والقيادة المتنفذة في منظمة التحرير هي الحريصة على مصلحة الشعب الفلسطيني، وأن الشعب الفلسطيني شعب لم يبلغ سن الرشد فيحتاج لمن يقوده دون اخذ رأيه، وطبيعي ان الحل النهائي يحتاج الى تمثيل حقيقي للشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده، وهذا يتطلب الاسراع في اعادة هيكلة منظمة التحرير على اسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار التحولات البنيوية والفكرية داخل الساحة الفلسطينية في الداخل والخارج، وبدون ذلك ستبقى المفاوضات طريقاً لانهاء القضية الفلسطينية وفق الشروط الاسرائيلية.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونتي الخاصة " مدونة الصرفندي"

الثلاثاء، 5 أكتوبر 2010

المطلوب فلسطينياً

المطلوب فلسطينياً
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
استحالة السلام مع الصهاينة لم يعد أمراً يحتاج الى دليل، فكل الحيثيات والمؤشرات تؤكد أن الحكومات الاسرائيلية تمثل الشارع الإسرائيلي حق التمثيل، فالتعنت الصهيوني مرده الى يمينية المجتمع الاسرائيلي الذي يرى معظمه أن لا داعي لتقديم أي تنازل للفلسطينيين من أجل تحقيق السلام.
عندما قامت دولة الكيان االصهيوني عام 1948 ، كان عدد كبير من سكانها قد شاهد عياناً آثار وبقايا السكان العرب، فالبيت الذي سكنه اليهودي، قد وجد فيه مصحفاً على سبيل المثال او أي كتاب باللغة العربية، او خربشات اطفال على الجدران أيضاً بلغة عربية، مما كان يعني استعداداً نفسياً لقبول حل وسط مع الفلسطينيين، أما المواطن الاسرائيلي الذي ولد وترعرع في ظل الكيان القائم، فإن تربيته المدعمة بالواقع خلقت عنده قناعة بأن هذه البلاد له وحده ولا يجوز ان ينازعه في ملكيتها أحد، وأنه لا يجوز أن يتنازل عن شبر منها لأن ذلك خيانة غير مقبولة، وكل سياسي يريد التنازل فإنه سيعاقب من خلال صناديق الاقتراع، ولذلك أصبحت الحكومات الاسرائيلية أكثر تطرفاً ويمينية؛ لأن الخط البياني للمجتمع الاسرائيلي يتجه بكل قوة الى جهة اليمين والعنصرية.
هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإن هذا المواطن الذي يؤمن بأن هذه البلاد له وحده، ليس مجبراً على التنازل؛ لذلك يكون السؤال عنده مشروعاً ومبرراً، لماذا نتنازل؟ من اجل السلام؟ السلام حاصل، وليس هناك تهديد وجودي يدعو للتنازل، الامن مصان سواء من قوات الاحتلال او أجهزة الأمن الفلسطينية، فلماذا نتنازل عن حقوقنا؟
إزاء هذا الواقع، ما هو المطلوب فلسطينياً :
اولاً: تحقيق المصالحة الفلسطينية، فقد أثبتت الإحصائيات أن التنسيق الأمني والعمليات المشتركة بين الاجهزة الأمنية الاسرائيلية والفلسطينية، ازداد في السنة الأخيرة بنسبة 72% عما كان في العام الماضي، أي ان الأمن متحقق للمواطن اليهودي، فلا يفكر في السلام مع الفلسطينيين وهذا ما اشار اليه مراسل "النيوزويك" في اسرائيل مؤخراً، فالمصالحة الفلسطينية الداخلية تمنع وجود تنسيق أمني ويجب أن تسمح بعمليات عسكرية ضد اسرائيل مما يعني احساساً بالخطر الوجودي المفضي الى الاستعداد للتنازل من أجل الأمن، ويكفي الإشارة الى الاحاديث التي تناولت استعداد رابين للتنازل عن نسبة في خانة التسعينات، انها كانت في ظل او بعد العمليات الاستشهادية التي هزت المجتمع الاسرائيلي، أما الآن وقد تحقق الأمن في ظل الانقسام الفلسطيني فيكون من أوجب الواجبات فلسطينياً إنجاز ملف المصالحة الوطنية على أسس تحفظ حق المقاومة والتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية.
ثانياً: التراجع عن قرارات قمة الرباط عام 1974 التي اعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فالوقائع تؤكد أن اعظم منجزات امريكا واسرائيل على صعيد القضية الفلسطينية كان اعتبار المنظمة ممثلاً شرعيا ووحيداً للشعب الفلسطيني؛ لأن ذلك أعفى العرب من مسؤولياتهم القومية تجاه القضية الفلسطينية، وأصبح الزعماء العرب لا يجدون غضاضة بالقول : لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، وأننا نوافق على ما يوافق عليه الفلسطينيون، وكان الحكام العرب يعلموا ان تحميل القضية للفلسطينيين وممثليهم يعني أنهم سيتنازلون لأنهم سيكونوا معزولين وضعفاء، وهذا ما حصل؛ فمنذ تسلمت قيادة المنظمة زمام الشأن االفلسطيني ونحن ننتقل من إخفاق وفشل الى إخفاق وفشل أكبر، اما ما يزعمه المتحدثون السياسيون والإعلاميون من أن المنظمة استطاعت أن تحافظ على الشخصية الوطنية الفلسطينية وأن تجعل القضية الفلسطينية قضية عالمية، وأن عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين أكبر من الدول التي تعترف بإسرائيل...الخ هذه المعزوفة التي ساهمت في تضليل الشعب الفلسطيني وأوصلته الى ما وصل اليه ووصلت اليه قضيته، فالشعب الفلسطيني الذي يعترف بدولته عدد كبير من دول العالم لا يستطيع رئيسها الانتقال من مدينة الى مدينة الا بموافقة صهيونية، والشعب الفلسطيني الذي تم الحفاظ على هويته الوطنية يرى غول الاستيطان كل يوم يبتلع ارضه ويسرق ثرواته، ثم ينظر الى العالم فيجده غير قادر على اجبار اسرائيل على تجميد الاستيطان، فما معنى كل الشعارات التي حققتها المنظمة، لذلك فالواجب فلسطينياً التخلي عن شعار أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني؛ لأن قضية فلسطين قضية عربية واسلامية بامتياز، فيجب ان يقول العرب والمسلمون قولاً في قضية فلسطين، وأن تبدأ الشعوب العربية والاسلامية بمحاسبة حكامها على التفريض بقضية فلسطين، قضية العرب والمسلمين الأولى.
ثالثاً: ان يتم الاعلان وبموافقة القوى الفلسطينية الفاعلة، عن الثوابت الفلسطينية التي تشكل قاسمأ مشتركاً بين الجميع ، والمتمثلة بـ: حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم التي هجروا منها عام 1948 وحقهم بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم وبأبنائهم حتى اليوم، وحق اقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 67 بما فيها القدس الشرقية_مع الاحتفاظ بحق بعض القوى اعتبار هذا حلاً مرحلياً-، وتكون تلك الحدود الية من أي مستوطنة أو مستوطن يهودي، وأن أي مفاوضات يجب ان تجري فقط حول الترتيبات لانجاز هذه الثوابت، لا ان تكون هذه الثوابت خاضعة للمساومة والتنازل.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونتي الخاصة: "مدونة الصرفندي"

الأحد، 3 أكتوبر 2010

مقاطعة المفاوضات ثم العودة للمفاوضات

مقاطعة المفاوضات ثم العودة للمفاوضات
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
الموقف الصادر عن قيادة السلطة الفلسطينية والقاضي بعدم العودة للمفاوضات المباشرة الا إذا توقف الاستيطان، يحتاج الى وقفة مطولة من كل مراقب ومحلل سياسي؛ إذ لا يعقل أن يصدر هذا الموقف ويكون حاسماً، من سلطة حسمت أمرها فأصبحت مثل قطعة النقد التي إذا القيت مرة أو ملايين المرات فإن النتائج محصورة بين هذا الوجه او ذاك، ومن السذاجة الاعتقاد أن هناك احتمالات تزيد عن وجه المفاوضات المباشرة أو وجه المفاوضات غير المباشرة، لأن هذا الاحتمال المتخيل، بكل بساطة لا وجود له، وكل موقف هو نتاج الفكر السياسي الذي يقود ويسيطر على عقلية القيادة، أو احياناً المواقف الاستثنائية التي تأتي بفعل جملة من الظروف المؤثرة ، وهذه بطبيعتها مواقف استئنائية لا مواقف مبدئية.
اول الوقفات مع القرار المذكور، هو أن التأكيد على عدم العودة الى طاولة المفاوضات المباشرة، معناه القبول بالعودة الى طاولة المفاوضات غير المباشرة، سيما وأن السلطة عرفت هذا الشكل من المفاوضات، ولو كانت هناك جدية في التوقف عن المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي لما أتوا على اصطلاح المفاوضات المباشرة، أي ان قيادة السلطة لن تعود بناء على هذا القرار الى المفاوضات المباشرة، ولكنها ابقت الباب مفتوحاً امام المفاوضات غير المباشرة، فهي أحد التخريجات التي ستشير بها لجنة المتابعة العربية في اجتماعها القادم، وقد لا يكون بصيغة"مفاوضات غير مباشرة" بل يمكن اعتباره تكليفاً، سواء لمدة محددة أو لا، من الفلسطينيين والجامعة العربية لأمريكا للعمل على جسر الهوة بين الطرفين: اسرائيل والسلطة الفلسطينية.
من الملفت للانتباه أنه لم يتم التطرق الى موضوع التنسيق الأمني مطلقاً، وهو الأمر الذي يدل على عدم جدية السلطة في وقف المفاوضات؛ إذ يعتبر التنسيق الأمني اسرائيلياً هو السبب الوحيد لبقاء السلطة الفلسطينية، وتعتبر الخدمات الأمنية التي تقدم للاسرائيليين ، هي احد اسباب التعنت الاسرائيلي، فالمواطن الاسرائيلي، وفق مراسل النيوزويك في الشهر الماضي، لا يهتم بتحقيق سلام مع الفلسطينيين، وكل ما يهمه هو تحقق الأمن، وما دامت السلطة الفلسطينية تحقق هذا الهدف، فلا حاجة لمعاهدة سلام مع الفلسطينيين.
لذلك يجب أن تعلن السلطة فوراً عن وقف التنسيق الأمني، وأن يترافق ذلك مع وقف مطاردة كل من ينتمون الى فصائل المقاومة، والأفراج الفوري عن عناصرهم من السجون والمعتقلات التابعة للسلطة الفلسطينية.
الوقفة الثانية مع قرار مقاطعة المفاوضات المباشرة،والتي تمثلت في كلمات المتحدثين باسم السلطة وباسم حركة فتح، حيث توافقت على أن البديل هو الذهاب الى مجلس الأمن لطرح القضية الفلسطينية، وهذا المشهد يدل على أمرين لا ثالث لهما : إما سذاجة هؤلاء المتحدثين وترديدهم كلاماً لا يدركون حقيقته أو الاستخفاف بعقول الشعب الفلسطيني، فإذا كانت المفاوضات التي قاربت عقدين من الزمن لم تحقق شيئاً، بل لم تحقق اقل القليل، فهل يعقل ان يحقق الذهاب لمجلس الأمن اقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 67 بما فيها القدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة، خاصة وأن أمريكا تمنع حلفاءها في الإتحاد الأوروبي، من التدخل المباشر في مسار المفاوضات بين الفلسطينيين واسرائيل، علماً ان الاتحاد الاوروبي هو الممول الرئيسي للسلطة الفلسطينية، ومع ذلك لا تسمح امريكا بدور فاعل لاوروبا في العملية السلمية لأن مطالب الأوروبيين متقدمة عن مواقف امريكا، وأمريكا تريد سلاماً وفق الرؤية الاسرائيلية، ولا أدل على ذلك من التنظير ومحاولة التسويق سنوات عديدة لرؤية بوش ، وهي الرؤية التي اخذها معه ولم يعد لها وجود، فكيف يتم الحديث الآن عن مجلس الأمن الذي لم يحقق ما هو أقل من ذلك للفلسطينيين.
إن الرباعية بكل مكوناتها لم تستطع أن تلزم اسرائيل باستمرار تجميد الاستيطان، مع أن أطراف الرباعية يؤمنون بأن الاستيطان يعتبر من العقبات الرئيسية امام العودة لطاولة المفاوضات، ولكنهم لا يفعلون شيئاً لاجبار اسرائيل على تجميد الاستيطان، فكيف بإعطاء الفلسطينيين دولة على حدود 67، ثم إن قرار مجلس الأمن 242 ومن قبله قرار 194 المتضمن حق عودة اللاجئين ما زالت موجودة فما الذي يمنع العالم من تنفيذها، الا أن يكون هذا ليس موقف دول العالم، فليست هناك دولة من الدول الفاعلة على مسرح السياسة الدولية تقول بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 67، ولذلك فإن الحديث عن التوجه الى مجلس الأمن هو بمثابة قنبلة دخانية للتغطية على حالة الفشل والاخفاق التي وصلت اليها السلطة الفلسطينية، واظهار القيادة السياسية بمظهر غير العاجز والقادر على المبادرة واللجوء الى البدائل، طبعاً اذا سمحت أمريكا بعرض القضية في مجلس الامن وهذا لن يحدث، لأنه يلغي تفرد امريكا بالامساك بهذا الملف.
المطلوب العودة الى الخيارات التي يطرحها الشعب الفلسطيني عبر قواه الفاعلة، ولكن طرح الذهاب الى مجلس الأمن خطوة استباقية لتعطيل اي خيار آخر حقيقي يمكن اللجوء اليه.
الوقفة الأخيرة، تتمثل بأن هناك شرائح وفئات نشأت مع نشوء السلطة الفلسطينية، ولم يكن لها علاقة بمرحلة الثورة والبندقية، وهذه الفئات مستعدة للتضحية بكل شيء ، بالوطن والمواطن، مقابل الحفاظ على مصالحها، ومصالحها مرتبطة ببقاء المفاوضات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، مما يعني عدم التنازل عن هذا الخيار، وهذا سيؤدي بالضرورة الى حالة قمع لكل معارضة حقيقية ومؤثرة، مع الابقاء على اشكال هزيلة من المعارضة السياسية، في القاعات المغلقة، والتي تكون اجرتها على حساب السلطة.
تأسيساً على ما ذكر، فالعودة للمفاوضات بإحدى أشكالها حتمية، لأنه ليس هناك خيار آخر أمام السلطة، بل هي لا تؤمن الا بهذا الخيار، وهذا دليل على أن الشعب الفلسطيني بحاجة الى التغيير الذي يعبر عن حقيقة اهدافة وثوابته.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونتي الخاصة: مدونة الصرفندي

الأحد، 12 سبتمبر 2010

نحن من وطّأ لإهانة القران

نحن من وطأ لإهانة القرآن
بقلم : أ. سعيــد الصرفنــدي
عندما اعلن قس أمريكي عزمه على إحراق القرآن في ذكرى الحادي عشر من ايلول، ثارت مشاعر المسلمين، وحق لها أن تثور، فالقران هو الوحي الوحيد المحفوظ والباقي مما نزل من الكتب على الأنبياء؛ إذ هو الزاد والذخيرة التي لا تنفذ مهما تعددت حاجات البشرية وتغيرت أحوالها، ففيه ما يُصلح البشرية ويَصلح لها الى قيام الساعة، وأي اعتداء على القران هو اعتداء على رمز من أهم رموز الأمة الاسلامية،وهذا ما عبر عنه القس سيء الذكر عندما اعلن أنه لم يقرأ القران ولم يعرف محتواه، مما يؤكد أنه يريد إهانة المسلمين عبر الاعتداء على القران باعتباره رمزاً لهم.
نعم، التعبير عن الاحتجاج والسخط على فكرة احراق القران أمر حسن، ولكن هل جاء هذا التهديد بإحراقه من فراغ، أي هل ساهم المسلمون بالتوطئة لمثل هذه الافكار المنحرفة من قس منحرف ومن يحمل أفكاره، نعم لقد فعل المسلمون ذلك، ومن مظاهر التوطئة لإهانة القران من قبل المسلمين ما يلي :
1. العلاقة الشكلية بين المسلمين والقران: فقد اهتم المسلمون بأحكام التجويد والتلاوة واستظهار القران على حساب العلاقة التي ارادها الله أن تنشأ بين المسلمين وبين القران، وهي علاقة التدبر المفضية الى اكتشاف فضاءات العلم والمعرفة بكل اقسامها وأشكالها، صحيح أن تلاوة القران واستظهاره وفق احكام التجويد أمر مطلوب ، إلا أنه لا يجوز أن تكون على حساب تدبره وفهمه، ولكننا لو نظرنا الى مساحة التدبر مقابل مساحة الشكليات، لوجدناها قليلة جداً وضئيلة جداً.
2. هذه العلاقة الشكلية مع القران، أدت الى التوقف عن تدبر القرأن، وهذا أدى بالضروة الى اعتماد المسلمين على غيرهم في تحصيل العلم والمعرفة، وهذا بحد ذاته يولد الإستصغار لدى الامة مقارنة بأعدائها، فالمسلم الذي يعتمد في معرفته وعلمه وحياته على الآخر، يشعره ذلك بأنه أقل منزلة منه، فالتوقف عن خوض غمار العلوم التي أشار اليها القران وتسخيرها في خدمة الدعوة الاسلامية معناه أننا أصبحنا فتنة للقوم الكافرين وكذلك فتنة لضعاف الايمان والمنافقين، فالتخلف العلمي والمعرفي والاقتصادي والاجتماعي، كل ذلك أدى الى جرأة الكفار على القران. تخيل أخي المسلم، لو أن المسلمين انشغلوا بكل العلوم التي أشار اليها القران وخاصة العلوم الكونية والطبيعية والاجتماعية، فكانوا هم السباقون في كل الميادين، ثم دعوا الاخرين الى الاسلام، الدين الذين كان سبباً في هذا التقدم إضافة الى عقيدة عقلية موافقة لفطرة الانسان، ما الذي يمنع الآخرين من قبول هذا الاسلام العظيم، ولكن لمّا تنكبنا عن الدنيا وعلومها التي اشار اليها القران، أصبح الكفار بتقدمهم العلمي والمعرفي يشعرون أنهم أعلى منزلة من المسلمين وهذا قادهم الى الشعور بأفضلية منطلقاتهم الفكرية مقابل القران الذي يشكل أساس المنطلقات الفكرية عند المسلمين، فكنا بذلك نصد عن دين الله ونجريء الآخرين على ديننا وعلى وجه الخصوص على القران العظيم.
3. إن تعامل علماء المسلمين وتقليد المقلدين لهم مع القران باعتباره كتاب فقه بالمعنى الاصولي لمصطلح الفقه الضيق ادى الى الانشغال بجزء من القران فقط واهمال المجالات الاخرى التي تناولها القران، فآيات الأحكام على خلاف بين العلماء تقع بين 300-500 آيه، وهذا معناه أن هناك الاف الآيات التي تناولت النفس البشرية وتناولت الإشارة الى الكون وما فيه، وقصص الشعوب والأمم الغابرة عبر الاشارة الى السنن الاتماعية التي أهملت من الفقهاء السابقين، وقد يكون هذا الاهمال لاسباب سياسية او غيرها، ولكن النتيجة واحدة، وهي قصر القران على الفقه العملي الذي لا مدخل له في دعوة الكفار الى الاسلام، إذ ما الذي يثير انتباه الكافر الى الاسلام إذا حدثناه عن الحيض والنفاس والطهارة والنجاسة وكيفية الوضوء والاغتسال ومبطلات الصلاة والصيام ...الخ، ولكننا نستطيع لفت انتباهه إذا تحدثنا عن العلوم التي أشار اليها القران في كافة مجالات المعرفة الانسانية، وأشرنا الى السنن الاجتماعية التي تتحكم في حركة المجتمعات البشرية، وأشرنا الى أسس علم النفس الحقيقي التي أشار اليها القرآن...الخ، إن هذا التعاطي مع القران – اي اعتباره كتاب فقه فقط- منع الامة من الاستفادة من علومه ومنجزاته واشاراته الى العلوم الانسانية والطبيعية، وشكل اهانة للقران؛ لان توقف عن تدبر القران، وهو التكليف الالهي الدائم للأمة، قال تعالى" كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته"، فكانت هذه الإهانة من المسلمين وانتقاص قدر القران في حياتهم مقدمة وتوطئة لجرأة الكفار على كتاب الله.
4. الصورة النمطية للشيخ حامل القران كانت سبباً في الجرأة على القران، وهذه الصورة ساهمت فيها الافلام والمسلسلات التي صورت الشيخ باعتباره متكسباً من القران، وسلوكة لا يرقى الى الخلق القراني في الغالب؛ إذ ساهمت هذه الصورة في النفور العام من القران وحملته، فهان القران على الامة التي تعتبر صاحبة القران، فكان أهون على الكافرين الذي لا يؤمنون به.
هذه الاسباب وكثير غيرها ومن ابرزها تغييب احكام القران والحكم به، كانت مقدمة وموطئة لجرأة القس والكفار عموماً على كتاب الله، وهذه الاسباب والمقدمات مصدرها المسلمون ابتداء، مما سهل على الآخرين التطاول على القران، لذلك يكون الرد على دعوة القس ودعوات مشابهة سنشهدها مستقبلاً، عبر تدبر القران والعمل به واعتباره مصدراً للفكر والمعرفة الانسانية، وتطبيق ذلك عملياً من خلال اهتمام علماء المسلمين، كل في مجال اختصاصه ، لإبراز علوم القران، واقتحام مجالات العلم كلها التي أشار اليها القران، وبدون ذلك سنبقى أمة تصدر عن سبيل الله وعن القران، فنتحمل وزر بقاء القران بعيداً عن شعوب الأرض جميعاً.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

الثلاثاء، 20 يوليو 2010

الى المدعو"ابو سعيد" ومن على مذهبه

الى المدعو "ابو سعيد" ومن على مذهبه
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
في البداية أحمد الله أنه لا يتصدى لمقالاتي الا سفيهٌ بضاعتة من العلم مزجاة، مثل المدعو "ابو سعيد"، والقراء الكرام، يلمسون ذلك ويعرفونه حق المعرفة، فهو لا يحسن الا الشتم والسب والتكفير، خلافاً لمنهج الحق الذي عليه أهل السنة، وعندما أقول أهل السنة، فهم أهل السنة الحقيقيون، لا من يزعمون افتراءً على الله ورسوله، أنهم اهل السنة والجماعة، أو من يسمون بالسلفية زوراً وبهتاناً.
ومن آخر ما كتب "أبو سعيد" رداً عليّ، مقال أسماه" المذهب(الصرفندي) أحدث المذاهب الدخيلة على الاسلام" وهو يرد فيه بطريقة تدل على وقاحته وحقده، بطريقة تخلو من الأدب الذي يتحلى به كل من له باع ولو كان قصيراً في العلم الشرعي، وكذب بإنكار أحاديث صحيحة، سنأتي عليها في مكانها.
مقالي، الذي رد عليه"ابو سعيد" كان عنوانه" لا تحريف في القران بإجماع المسلمين" سقت فيه بعض الأدلة العقلية والنقلية على خلو القرآن من التحريف ، وهذا الموقف أثار المدعو "أبو سعيد"، واعتبرأن فيه دفاعاً عن الشيعة الذين يقولون كلهم-حسب زعمه- بتحريف القران، وحيث أن هذا المقال المسمى ب" المذهب(الصرفندي) أحدث المذاهب الدخيلة على الاسلام" فيه ما فيه من الكذب والتدليس والوقاحة والبذاءة والشتم والتحقير؛ آثرت أن أرد على المسائل العلمية وأترك الوقاحة والكذب والتدليس عليّ ليوم يقتص فيه للجلحاء من القرناء .
1. يحاول المدعو "ابو سعيد " ان يشكك في أنني أحمل شهادة علمية، وهذا لا يسوقه من يكتب باسم مستعار، أما أنا فأكتب باسمي الذي يعرفني به ابناء فلسطين وطلابي في بيوت الله، الذين يسألونني أين سيكون درسك المقبل، في أي مسجد، فأنا ولله الحمد القي دروسي في مساجد محافظة أريحا منذ أكثر من عشرون عاماً، وأنا احمل درجة الماجستير في الدراسات الاسلامية المعاصرة من جامعة القدس/ أبو ديس، يعرفني الناس في طول البلاد وعرضها، وأنا ملتزم بالسنة في هيئتي، فأنا صاحب لحية بيضاء طويلة جداً، وألبس الثوب الفضفاض ....و .... ، ولذلك أقول لك عرفتنا فشتمتنا ولو عرفناك لشتمناك.
2. عندما أقول أن هناك من علماء الشيعة المعتبرين من لا يقول بتحريف القران، لا يعجبه ذلك، مع أنني قادر على سوق أسماء العشرات منهم، ولكنني لو فعلت ذلك هنا فأنا استدل بالدليل على من لا يحتاج الى دليل، لأن هذا الامر يعلمه كل طالب علم منصف، وهو لا ينكر وجود بعضهم، وأنا عندما اقول بأن من علمائهم من ينكر التحريف، فهل هذا دفاع عن من يقول بالتحريف أم شهادة لمن لا يقول بالتحريف، ولكنه العمى والعمه الذي امتد الى قلوب فتاهت عن الحق وغاصت في اوحال الجهل. مع أن مقالي " لا تحريف في القران بإجماع المسلمين" أعلن فيه بكل صراحة أن القول بتحريف القرآن زيادة او نقصاً هو كفر لا شك فيه، ولكنني متبع لمنهج الحق في التكفير، فأقول يعتبر الفعل كفراً ولا يشترك أن يكون فاعله كافراً، الا بشروطه وانتفاء موانعه، واعتقد أن هذه الجملة" الا بشروطه وانتفاء موانعه" أشكلت على المدعو "ابو سعيد" لم يفهمها لأنها من اختصاص طلبة العلم وأنى لمثله أن يفهمها، مع أن هذا الموضوع مما كتب به ابن تيمية، وأذكر أنني كتبت بحثاً في مرحلة الدراسات العليا عن منهج التكفير لابن تيمية، وسقت له اقوالاً كثيرة في هذا السياق وهذا المعنى. أو أن المدعو "ابو سعيد" ينكر أن هناك موانع للتكفير، لأنه يتنبى منهج التكفيريين الذين يكفرون كل من خالفهم.
3. اما إنكارك للروايات التي يفهم منها التحريف في كتب السنة، فهو دليل على جهلك وعدم اطلاعك على هذا الموضوع، ولن أسوق الأقوال ف هذا المقام لأنها طويلة وكثيرة جداً وتحتاج الى مقال مستقل، رغم أنك افتريت على بقولك انها قراءات مختلفة، وأنكرت ما نسب الى ابن مسعود فيما يتعلق بالمعوذتين، مع انه حديث بل روايات كثيرة صحيحة، سأجمعها بالتفصيل في مقال مقبل إنشاء الله، مما اكشف فيه كذبك وتدليسك وانحرافك عن الحق.
4. اما انكارك أن بعضاً من الفلسطينيين يحملون نجمة داوود ويغيرون اسماءهم عندما يكونون بين اليهود، فهذا يعرفه كل اهل فلسطين، ولم يكن من الادب تكذيب أمر لم تسمع عنه من قبل، وهذا ليس منكراً فهو من التقية التي اجازها الاسلام في خالة الخوف من أذى الكفار، لذلك كان الأدب منك يقتضي ان لا تأتي على ذكره لأن اهل فلسطين سيكذبونك ويقولون : يهرف بما لا يعرف.
5. اما عن موقفي من الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فإني اتولاهما والعن من يلعنهما ويكفرهما ، ومن يقول بأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها زنت فهو كافر مكذب لكتاب الله، ولكنني ، ومن يتابع سفاهاتك تجاهي، يعلم أن حقدك علي لأني اهاجم الامويين ومنهم سيدك يزيد اللعين.
هذا ما حضرني على عجالة في الرد على سفاهاتك، ولكنني لن اتوقف عن الكتابة ، ليس للهجوم عليك بل لرد ما تقول وما يقوله اصحابك من الوهابية المنحرفة.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

الاثنين، 19 يوليو 2010

تخريجة العودة للمفاوضات...!!!

تخريجة العودة للمفاوضات ...!!!
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
أحياناً يتفاجأ حتى المحللون السياسيون والكتاب من قدرة السياسيين المحترفين على اجتراح حلول إبداعية لقضايا يظهر أنه لا حل لها، وهذا طبيعي جداً، فالسياسي المحترف لا يقف عاجزاً امام أية معضلة، بل لا يكون سياسياً من لا يستطيع البحث عن بدائل وخيارات جديدة، ولذلك فإنني أجزم أن العودة للمفاوضات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، أو صنف ثالث لا نعرفه حتى الآن، ستكون قريبة جداً، فنحن نثق بقدرات السياسي الفلسطيني والعربي على فتح الاقفال المغلقة على الكتاب والصحفيين والمحللين السياسين، لا ندري كيف سيكون ذلك، ولكننا متأكدون انه سيكون !!!
يأتي هذا بعد أن وصلت مسرة المفاوضات الى طريق يبدو أنه مسدود، ولكن لا بد من الإشارة أن هناك باب آخر مسدود وهو باب الخيارات، فلم يعد أمام الفلسطينيين والعرب الا خيار المفاوضات سواء كان هذا اختيارهم بمحض ارادتهم أم هو الخيار الوحيد الذي يملى عليهم مقابل الاستقرار النسبي القائم في بلادهم.
ومع ذلك فإنه ليس محرماً أن نحاول معرفة التخريجة المقترحة للعودة الى أحد أشكال المفاوضات، سيما إذا استعرضنا الحالة الفلسطينية والعربية، التي تؤكد أن العودة للمفاوضات حتمية لا محالة.
فلسطينياً، السلطة الفلسطينية التي أعلنت على لسان كبير مفاوضيها الدكتور صائب عريقات قبل عدة أشهر عن فشل خيار المفاوضات، كانت أعجز من أن تطرح خيارات أخرى غير الخيار الفاشل، وكان هذا في الحقيقة سقوطاً مدوياً من ناحية سياسية، فالقيادة السياسية للشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت نير الاحتلال، تعلن فشل خيارها الوحيد وهو "المفاوضات" ، وتعجز عن التلويح بأية خيارات أخرى، وهذا معناه إظهار العجز، بل الإعلان عنه بطريقة إبداعية!، وكان من الطبيعي بعد ذلك، أن يتنبه من أعلن عن فشل المفاوضات، أو أن يتم تنبيهه، أن هذا الموقف كان خاطئاً من ناحية سياسية، فالشعب الفلسطيني بدأ ثورته ضد الاحتلال الصهيوني وهو لا يعرف الا خياراً واحداً ، وهو المقاومة، وهو خيار لم يستعمل حتى نهايته الطبيعية، فقد تم إفشاله قسراً من خلال الدخول في لعبة الحل السلمي، ثم توقيع أتفاقية اوسلو سيئة السمعة والصيت، وقد تم إقناع جزء من الشعب الفلسطيني بالحالة الوردية التي سيعيشها كمحصلة للمفاوضات، ولكن بعد الاعلان عن فشل المفاوضات فإن الحديث عن خيار المقاومة سيتعزز، فكراً وممارسة، فالشعب الفلسطيني سيكون سعيداً لسماع ثقافة المقاومة حتى لو لم يتم ممارستها عملياً، وهذا كان أحد الأسباب الرئيسية للعودة الى طاولة المفاوضات بشكل ابداعي، وهو المفاوضات غير المباشرة، فالشعب الفلسطيني، لم يرَ خلال فترة المفاوضات الا مزيداً من الاستيطان، والتهويد، وخلق وقائع على الأرض، لا يمكن ازالتها في المستقبل، فيزداد غضبه على الاحتلال وعلى من يفاوض هذا الاحتلال، ويميل نفسياً الى من يتحدث عن المقاومة، أو على الأقل ثقافة المقاومة، التي تفترض في حدها الادنى كراهية الاحتلال والأمل بالتخلص منه، والنظر اليه باعتباره عدواً لا صديقاً نتبادل معه العناق والقبل. من هنا فإن مصلحة السلطة الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح،أن لا تتوقف المفاوضات؛ لأن هذا يشكف عجزها وعدم أهليتها لقيادة الشعب الفلسطيني، ويسمح بتعالي الأصوات المؤيدة لخصمهم السياسي، ومن هنا فالسلطة بحاجة الى أي تخريجة يتم من خلالها العودة الى طاولة المفاوضات.
عربياً، أظهرت الدول العربية تاريخياً عجزها، بسبب ارتباطها بالسياسة الأمريكية، عن تقديم أي انجازات على صعيد القضية القومية الأولى للشعوب العربية، وكان من أعظم لحظات السعادة العربية رسمياً، دخول منظمة التحرير الفلسطينية في مفاوضات مع اسرائيل؛ إذ استطاعت هذه الدول جر المنظمة الى المربع الذي يمنع أحداً من المزاودة عليها، فقد جربت هذه الدول خيار الحرب بنية الهزيمة، واقنعت الشعوب العربية بعجزها عن اللجوء الى خيار الحرب مرة أخرى، فلم يبقَ الا خيار السلام من خلال المفاوضات، فكان خيار المفاوضات فعلاً هو الخيار الذي تملكه الدول العربية في التعامل مع القضية الفلسطينية، وتوقف هذا الخيار معناه كشف عوراتهم؛ ويكشف ضعفهم وعجزهم، وتخاذلهم وتنازلهم أمام الحكومة الإسرائيلية، فهم-أي العرب- بحاجة الى بقاء مسار المفاوضات مع علمهم أنها لن تحقق شيئاً، ومستعدون للضغط على الفلسطينيين اذا تمنعوا من أجل العودة الى طاولة المفاوضات، وهذا مقتضاه البحث بشكل خلاق وابداعي عن التخريجة المطلوبة.
أما اسرائيلياً وأمريكياً، فلا نحتاج الى تحليلٍ لموقفهما ومعرفة حاجتهما الى التخريجة المطلوبة، حتى لو لم تضمن الحفاظ على ماء وجه الفسطينيين والعرب، ما دامت هذه المفاوضات قادرة على ابتزاز المفاوض الفلسطيني وانتزاع غطاء للاستيطان والتهويد.
السياريوهات المحتملة: احدها، التئام اجتماع عربي، يعلن هجوماً لفظياً قاسياً على نتانياهو، ووصفه بأنه يسعى لتخريب العملية السلمية، وانه ليس من مصلحة اسرائيل التوصل الى حل نهائي للقضية الفلسطينية ، وأن العودة لطاولة المفاوضات هي حصار لحكومة نتنياهو وهي حرب شرسة لا بد خوضها، ولن يتناسى البيان الإشادة بصمود الشعب الفلسطيني وقيادته العظيمة والحكيمة . وهذا من أكثر السياريوهات سذاجة ولكن الدول العربية لا تعبأ بذلك، فالمهم العودة الى طاولة المفاوضات.
أما الاحتمال الآخر فهو تقديم ضمانات أمريكية فضفاضة، سواء كانت مكتوبة أو شفوية، يفسرها الفلسطينيون والعرب على غير مقصدها ومرادها، ويعتبرونها كافية للعودة الى طاولة المفاوضات دون تحديد سقف زمني الى أن تتغير الأوضاع الاقليمية والدولية، بشكل يخدم السياسة الامريكية والاسرائيلية فتكون" الاعطيات والهبات الاسرائيلية" غاية يتم النضال من أجلها في المستقبل.
وهناك سيناريو اخر يمكن حصوله وهو: اعلان امريكي بالضغط العلني على الفلسطينيين عبر الاعلان عن وقف المساعدات الاوروبية المقدمة للسلطة اذا لم يتم انجاز تقدم على المسار السياسي، مما يجبر السلطة على العودة الى المفاوضات تحت ضغط الاحتجاجات الجماهيرية التي يقودها الموظفون الذين لم يقبضوا رواتبهم حتى حينه، وهذا هو اكثر السناريوهات المرضية لإسرائيل حتى تمارس تأييدا علنياً لمصلحة الحزب الديموقراطي في انتخابات الكونغرس المقبلة.
أما السيناريو الآخر، فهو اسقاط حكومة نتنياهو بدعم أمريكي غير معلن، حيث تدخل "العملية السلمية" فترة سبات يمتد لأكثر من عام، ترتاح فيها الدول العربية والسلطة الفلسطينية من ضغط وقف المفاوضات، ثم من المؤكد في ظل الخارطة الحزبية في اسرائيل أن تكون الحكومة القادمة اكثر يمينية، والحكومة الأمريكية القادمة ستكون على الاغلب جمهورية، فتعود المفاوضات مرة أخرى لتدور في دوامة جديدة بحجة أن التوازن الدولي ليس لمصلحة العرب والفلسطينيين وأن المفاوضات هي الخيار الوحيد الواقعي.
ومع ذلك قد يفاجئنا العرب بتخريجة لم ترها عين ولا سمعتها أذن ولا خطرت على قلب بشر.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

الأحد، 18 يوليو 2010

لا تحريف في القرآن بإجماع المسلمين

لا تحريف في القرآن بإجماع المسلمين
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
أجمع المسلمون على أن القرآن الموجود بين أيدينا اليوم، هو الكتاب المنزل من الله بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام، على قلب الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ( نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِن رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمينَ ) وأجمعوا أنه-أي القرآن- هو المصدر الأول للعقائد والأحكام والتشريعات، وهو المعجزة الخالدة الدالّة على صدق رسول الله، قامت به الحجة على المخالفين والخصوم في زمانه صلوات الله وسلامه عليه، وتقام أيضاً به الحجة على الناس جميعاً الى يوم لقيامة، أنه الكتاب المنزل من الله شاهداً بصدق ادعاء النبوة.
لقد نزل القرآن على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، في حياته، فكان يأمر أصحابه الكرام بكتابة الوحي المنزل، ويندبهم الى حفظة واستظهاره، وكان هو صلوات الله وسلامه عليه يقرأه لهم في الصلاة، ويقرأه المسلمون كما سمعوه، فأصبح متواتراً بكل حرف فيه، وما توهم التحريف في القرآن، الا وهم من قلوب مريضة وعقول سقيمة، رفعت منزلة أحاديث ساقطة عن الاعتبار او أحاديث آحاد تعارض ظاهر القرآن، وظاهر القرآن حجة، فلا يحتج بما يخالفه من الروايات بغض النظر عمن رواها، والتي تفيد تحريف القرآن، سواء كان التحريف نقصاً أو زيادة، لأنه مناقض لنص القرآن، فالزيادة ممتنعة لأن الله يتحدى به ولو أضاف بشر اليه شيئاً لاستطاع المتحدى أن يأتي بمثله والله يقول: ( قُل لئنِ اجتَمَعَتِ الاِنسُ والجِنُّ عَلَى أن يأتُوا بمِثْلِ هَذا القُرْآنِ لا يأتُونَ بِمِثْلِهِ وَلوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً )، وكذلك النقص مردود بكتاب الله إذ تكفل الله بحفظه، ولا معنى للحفظ إذا نقص منه شيء، سواء كان النقص بكتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقوله جل جلاله:( وَلَو تَقَوَّلَ عَلَينا بَعضَ الاَقاوِيلِ *لاخذنا مِنهُ باليَمِينِ* ثم لَقَطعنَا مِنهُ الوَتِينَ ) ، أو النقص مطلقاً بفعل العباد لقوله تعالى( إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكرَ وإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)
كذلك فإن التحريف بالزيادة يخالف قوله تعالى: ( وَإنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ * لا يأتِيهِ البَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )..
وقد حرص المسلمون على التصدي لأي خطأ يصدر بقصد أو بدون قصد، فقد روي أن عثمان رضي الله عنه قرأ قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ يَكنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ ولا يُنفِقُونَها في سَبِيلِ اللهِ...) بدون الواو، فقال أُبيّ : لتلحقنّها أو اَضعنّ سيفي على عاتقي ؛ فألحقوها، وما روي عن قراءة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقوله تعالى ( والسَّابقُونَ الاولُونَ مِن المُهاجِرينَ وَالاَنْصَار والَّذِينَ اتَّبَعُوهُم باحْسَانٍ ) فرفع (الانصار) ولم يلحق الواو في (الذين) فقال له زيد بن ثابت : ( وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم باحْسَانٍ )! فقال عمر : (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُم باحْسَانٍ) . فقال زيد : أمير المؤمنين أعلم . فقال عمر : ائتوني بأُبيّ بن كعب ، فأتاه فسأله عن ذلك ، فقال أُبيّ : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهم باحْسَانٍ ) فقال عمر : فنعم ، إذن نتابع أُبيّاً، وكان أبي بن كعب من فقهاء الصحابة وكتاب الوحي وممن جمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومع ذلك لا شك أن كتب كلا الفريقين، سنة وشيعة، اشتملت على أحاديث وروايات يفهم منها تصريحاً أو تلميحاً أن هناك تحريفاً في القرآن، ولكن هذه الروايات لا تلزم كلا الفريقين بالقول بالتحريف، ومن العجيب ان تجد من يقول بنسخ التلاوة، ولا يتهم بالقول بالتحريف، فنسخ التلاوة معناه أن ايات أو سورا من القرآن كانت تقرأ وتعتبر من القرآن فنسخت تلاوتها سواء بقي حكمها او نسخ حكمها مع تلاوتها، وهذا من أسقط الاقوال التي عرفها المسلمون ؛ حيث أن القرآن لا يثبت الا بالتواتر، فكيف تم اعتبار بعض الأقوال آيات ثم القول بنسخ تلاوتها، دون أن تثبت بالتواتر أنها من القرآن ابتداءً.
كيف لا يعتبر ما نسب الى ابن مسعود قوله أن المعوذتين ليستا من القرآن، قولاً بتحريف القرآن، ولكن هذا مما انكره علماؤنا فلا يلزمنا كون هذه الرواية موجودة في كتبنا، وهذا أيضاً موجود تصريحاً في روايات الشيعة، ولكن ذلك ليس بلازم للمذهب، ويعامل كل من يقول بتحريف القرآن معاملة فردية، ولا يحكم بكفر القائل بتحريف القرآن الا إذا كان قوله مستوفياً لشروطه دون وجود موانعه.
إن إنكار علماء معتبرين عند الشيعة التزامهم بالقول بتحريف القرآن ؛ فإننا نحكم أنهم لا يقولون بتحريف القرآن، ولا يقال هنا ان قولهم هذا تقية، مع أن التقية من الفكر الاسلامي الأصيل، ولكنها بشروطها وأحكامها المفصلة في موقعها في كتب التفسير والفقه، فالمسلمون سنة وشيعة يستخدمون التقية مع الكفار، ففي فلسطين مثلاً، تجد شاباً مسلماً إذا دخل بين اليهود اظهر على صدره سلسلة فيها ما يعرف ب"نجمة داوود" واحيانا يكون اسمه محمد ولكن اذا سئل قال ان اسمه"ديفد" مثلاً، ولذلك فإن قولهم-أي الشيعة- في تحريف القرآن لا يصح أن يكون تقية، إذ خطابهم لمسلمين ، الا ان يثبت تكفيرهم لأهل السنة جميعاً، وهذا ما لم نسمعه من أحد منهم، لذلك نقبل منهم هذا القول باعتبارهم مسلمين؛ لأن الأصل في المسلم أنه عدل ثقة حتى يثبت العكس، أي ما يعرف اصطلاحاً ببراءة الذمة.
خلاصة القول أن هذا الموضوع: القول بتحريف القرآن يجب الا يبقى مثار جدل ونقاش دون بينة، وألا يبقى سبباً للقطيعة بين جناحي الامة المسلمة، سنة وشيعة، لأن هناك إجماعاً أن لا تحريف في القرآن.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

الاثنين، 12 يوليو 2010

تحفظات حماس هي تحفظات الشعب الفلبسطيني

تحفظات حماس هي تحفظات الشعب الفلبسطيني
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
عندما تصاعد الحديث عن المصالحة الفلسطينية بعد واقعة اسطول الحرية، كانت الشكوك كثيرة حول نية المتحدثين عن المصالحة؛ لأنها كانت في جوهرها تنحصر في ضرورة توقيع حماس على الورقة المصرية ثم الاتفاق أو التعهد بالأخذ بملاحظاتها على الورقة المصرية، ثم إظهار حركة حماس وكأنها هي التي تعطل المصالحة بتعنتها وعدم قبولها بتوقيع الورقة المصرية، وكان من الطبيعي أن لا توقع حركة حماس دون ادراج ملاحظاتها على الورقة سواء كان ذلك باتفاق فلسطيني-فلسطيني أو كجزء ملحق مع الورقة المصرية نفسها، لأن جوهر ملاحظاتها منسجم مع الموقف الشعبي ، وهذه الملاحظات كما تعلن عنها قيادات حركة حماس محصورة في مسألتين: القيادة المؤقتة لمنظمة التحرير حتى اجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، ولجنة الانتخابات المركزية والتعهد بقبول نتائج الانتخابات.
لا شك أن الحديث عن شرعية منظمة التحرير الفلسطينية بتركيبتها الحالية، أصبح حديثاً ممجوجاً، فلا شرعية لها في الحقيقة الا عند الاسرائيليين والامريكان والانظمة العربية الرسمية؛ إذ لم تعد هذه المنظمة تعبر عن طموحات الشعب الفلسطيني بعد إن تخلت عن شعاراتها ومبادئها التي قامت على أساسها، وأهمها عودة اللاجئين وعدم الاعتراف بدولة الاحتلال، وأن فلسطين من البحر الى النهر، وأن الكفاح المسلح هو طريق تحرير فلسطين، فلقد نشأت هذه المنظمة في ظروف غير التي تعيشها في هذه الايام، وتغيرت شعاراتها بحكم تغير الواقع، لكن هذا التغيير لم يكن من حق القيادة بمعزل عن الشعب الفلسطيني؛ إذ استحقت منظمة التحرير شرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني عند انطلاقتها ولو كان ذلك بدون انتخاب،كل ذلك بسبب التصاقها بأهداف وثوابت الشعب الفلسطيني، ولكن عندما دخلت دوامة العملية السلمية كان من المفروض ان تتم العودة للشعب الفلسطيني ليستفتى على المنهج والمنحى الجديد الذي التزمته منظمة التحرير، حتى تكون هناك شرعية حقيقية لتمثيلها للشعب الفلسطيني، وهذا ما تخشاه القيادة المتنفذة، فالشتات الفلسطيني لم يعد مؤيداً لهذه المنظمة بتوجهاتها الحالية ، ولا يمكن أن يفوز رموزها الحاليين بتوجهاتهم الحالية في أي تجمع فلسطيني في الخارج؛ إذ فلسطينييو الشتات متعلقون بقوة بحق العودة الذي اسقطته قيادات ورموز المنظمة الحالية، فلا مجال والحالة هذه أن يكون هناك تفويض وتأييد ومباركة من الخارج الفلسطيني للقيادة المتنفذة في منظمة التحرير وسياساتها وتوجهاتها، وطبيعي أن أي فشل لهم في التركيبة المستقبلية إذا جرت انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، معناه رفع السيف المسلط على رقاب الشعب ا لفلسطيني، وهو الالتزام بالاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير، وهذا معناه التراجع عن العملية السلمية ومنهج المفاوضات العبثية.
تغيير تركيبة المنظمة في المستقبل والقبول بقيادة مؤقتة حتى إجراء الانتخابات، هو مطلب فلسطيني بامتياز، والذين يعارضون ذلك هم امريكا واسرائيل والدول العربية، إضافة للقيادة الفلسطينية الحالية، التي تستخدم مومياء المنظمة كلما ارادت القيام بما يخالف توجهات الشعب الفلسطيني، وهنا يجب الاعلان بكل قوة أنه لا يجوز الحديث مطلقاً عن بقاء هذه المنظمة الى قيام الساعة مدعية تمثيلها للشعب الفلسطيني وهي لا تمثل في الحقيقة الا مصالح فئة ارتبطت مصالحها بالعملية السلمية التي حققت كل شيء ما عدا انجاز حقيقي واحد للشعب الفلسطيني.
اما على المستوى الداخلي، اي الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد كانت النتائج واضحة، الشعب الفلسطيني لا يعطي حق التمثيل لقيادة هذه المنظمة، فلا يعقل بعد ذلك ان تبقى التركيبة الحالية مهيمنة ومسيطرة على الشعب الفلسطيني، ومن يدعي غير ذلك عليه أن يوافق على اجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، ومطلب حماس بتشكيلا قيادة مؤقتة حتى اجراء هذه الانتخابات هو مطلب فلسطيني، وليس مطلباً لحركة حماس فقط، فلا أدري ما هو وجه الاعتراض من حركة فتح على هذا التحفظ إذا اراتدت المصالحة الحقيقية.
أما المطلب الثاني، وهو تشكيل لجنة الانتخابات المركزية بالتوافق، وضمان الاعتراف بنتائج الانتخابات، فهو أيضاً ليس مطلباً لحركة حماس فقط،بل مطلب فلسطيني بامتياز؛ إذ كيف يطلب من الشعب الفلسطيني المشاركة في الانتخابات واعتبار التصويت واجب وطني ثم لا يلتزم المشاركون بنتائج هذه الانتخابات، بل إن عدم الموافقة على هذا المطلب يعتبر اهانة للشعب الفلسطيني.
اما لماذا يعتبر هذا الأمر مهماً قبل اجراء الانتخابات، فقد حققت حركة حماس اغلبية ساحقة في الانتخابات التشريعية عام 2006، وتعالت الاصوات في اليوم التالي من بعض قيادات حركة فتح تطالب باجراء انتخابات مبكرة، مما يعني فعلاً عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات، وهذا معناه أنه اذا حصلت الانتخابات بدون ضمانات للاعتراف بنتائجها فإن دوامة العنف والاقتتال الداخلي مرشحة للعودة مرة أخرى، مما يعني انقساماً جديداً في حينه.
إن عدم الموافقة على لجنة انتخابات بالتوافق، معناه التلميح للتزوير في الانتخابات المقبلة، وهذا ما لا يقبله الشعب الفلسطيني مطلقاً، فقد جرت انتخابات نزيهة في المرة السابقة، ولا يمكن أن تكون نزيهة مرة أخرى الا بلجنة يتم تشكيلها بالتوافق بين مكونات الشعب الفلسطيني وأطيافه السيياسية .
إذا كانت هذه هي ملاحظات حركة حماس فهي في الحقيقة ملاحظات الشعب الفلسطيني كله، فلماذ1ا تعطيل المصالحة حتى الآن .
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

السبت، 10 يوليو 2010

اوباما ونتنياهو يجران عربة واحدة

اوباما ونتنياهو يجران عربة واحدة
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
منذ عدة أشهر اعتقد كثير من المراهنين على الخلاف الظاهري بين نتنياهو واوباما ان الأخير سيتخد مواقف حاسمة من قضية الصراع في الشرق الاوسط لصالح الطرف الفلسطيني، وهذه المراهنة كان لها ما يبررها عند كتاب الاعمدة اليومية الذين يتعاملون وكأنهم مراسلين سياسيين وليسوا محللين سياسيين، مغفلين استراتيجيات امريكا الثابتة في المنطقة والمتعلقة باسرائيل والشرق الاوسط، والحقيقة أن وسائل الاعلام المضللة والرسمية العربية، ساهمت بشكل مقصود في تضخيم الخلاف الظاهري بين اوباما ونتنياهو لتبرير التعلق بالسياسة الامريكية التي تسعى لحل عادل للقضية الفلسطينية وتحاول الضغط على اسرائيل، كما كانت وسائل الاعلام تلك تصور المشهد الامريكي الاسرائيلي.
العلاقة بين أمريكا واسرائيل، وخاصة فيما يتعلق بالشرق الاوسط، تأتي في سياق مشهد اوسع واهم من القضية الفلسطينية؛ إذ يعتبر الملف النووي الايراني احد الاضلاع المهمة في العلاقة الاسرائيلية الامريكية، فالادارة الامريكية تعلم أن البرنامج النووي الايراني لا يمكن وقفه، فهو مثل كرة الثلج التي تنحدر من أعلى القمة ومساحة السفح طويلة جداً، واسرائيل، تعلم حقيقة هذا البرنامج ولكنها تبتز الادارة الامريكية للتغاضي عن طرح حل ملزم للقضية الفلسطينية، وللاستفادة من التعاطف الدولي بسبب التهديد الايراني المزعوم.
الزيارة التي قام بها مؤخراً نتنياهو للبيت الأبيض أظهرت مدى العلاقة الحميمة التي ترتبط بها الادارة الامريكية مع اسرائيل، وتحديداً مع نتنياهو، فقد كان متوقعاً أن اوباما سيوبخ نتنياهو ويجبره على تقديم تنازلات للفلسطينيين، لكن النتائج جاءت مخالفة لكل تلك التوقعات، فلم يعد نتانياهو من البيت الابيض بخفي حنين، بل وضع خفيه على الطاولة امام الفلسطينيين، ليتحدث معهم بلغة جديدة تظهر قوته وتثير الفزع في قلوب الساسة الفلسطينيين، الذين كانوا كولد لجأ الى ابيه لينصفه من ابن الجيران الذي اعتدى عليه، فما كان من الأب الا ان دافع عن ابن الجيران ووبخ ابنه.
لم تناقش امريكا الاهانة التي تم توجيهها لها اثناء زيارة نائب الرئيس الامريكي للمنطقة، جو بايدن، وما عرف في حينه بأزمة "رمات شلومو" التي اعتبرت اهانة قاسية للسياسة الامريكية، وكان هذا دليلاً واضحاً على قبول تام بسياسة الاستيطان التي تمارسها حكومة نتنياهو، وأن الخلاف حول الاستيطان هو خلاف تكتيكي، يسعى كل طرف لتحقيق انجازات سياسية، فنتنياهو يريد ان يثبت أنه الطرف القوي الذي لا تلين له قناة في مسألة الاستيطان، حفاظاً على انجازات شخصية وحزبية، وكذلك الحفاظ على الائتلاف اليميني في الحكومة الاسرائيلية الحالية، اما اوباما فيريد من خلال التعامل مع قضية الاستيطان ان لا يتم اضعاف مصداقيته امام الاطراف الفلسطينية والعربية، لأن ذلك يشكل خطراً على مصالح امريكا في المنطقة ويقوي تيار الممانعة مقابل تيار الاعتدال
العوامل الحزبية الداخلية في امريكا لها ايضاً اعتبارات قوية، فانتخابات الكونغرس المقبلة تضغط على الحزب الديموقراطي لكي يتخذ اوباما موقفاً تصالحياً بل داعماً لاسرائيل ولنتنياهو على وجه الخصوص، حتى تبقى صورة اوباما باعتباره صديقا حميما لاسرائيل، وكان من اوضح مظاهر صورة الصداقة الدعم الامريكي لبرنامج اسرائيل النووي.
كل ذلك يؤكد أن الاتصالات مع الفلسطينيين ستبقى تراوح في مكانها، ولن يتم انجاز حقيقي على مستوى القضية الفلسطينية، وأن كل الجهود والزيارات المكوكية للسيد متشل هي لادارة الصراع وليس لحله، ولن يكون هناك تصادم ولو بالحد الأدنى بين اوباما ونتنياهو، لأن هناك مصالح مشتركة وكل من الحصانين يجر العربة نفسها.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

الجمعة، 9 يوليو 2010

هل انتهت صلاحية حركة فتح؟!

هل انتهت صلاحية حركة فتح ؟!
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
عندما علمت اسرائيل وأمريكا أن حركة فتح هي العمود الفقري للنضال الوطني الفلسطيني، والتي استطاعت أن تصهر في بوتقتها كل أطياف ومكونات الشعب الفلسطيني من الماركسي والتروتسكي الذي كان يرى في شعاراتها وخاصة الكفاح المسلح ،عداء للامبريالية وجزءً من الثورة العالمية ضد الاستعمار الكولونيالي واعوانه من الرجعية العربية... الى آخر شعارات اليسار من الستينات الى اواخر ثمانينات القرن الماضي، الى الفلسطيني المتدين ، والذي كان يرى في شعار الكفاح المسلح الذي طرحته حركة فتح شكلاً من أشكال الجهاد ضد اليهود المحتلين لفلسطين، عند ذلك أدركت أمريكا واسرائيل أن إضعاف الشعب الفلسطيني يقتضي إضعاف حركة فتح واخراجها عن سكة المبادئ والقيم التي قامت عليها، الى سكة المصالح التي يصعب مقاومتها، ولم تتنبه قيادة حركة فتح الى أن التفاف الشعب الفلسطيني حولها لم يكن لسواد عيون قادتها ولا لانهم شخصيات كارزماتية عجز رحم الشعب الفلسطيني ان يلد مثلها، بل لالتصاق شعاراتها ومبادئها بمصالحه وتعبيرها عن آماله وطموحه، ولذلك كان من الطبيعي أن يصفع الشعب الفلسطيني حركة فتح في انتخابات المجالس المحلية 2005 وانتخابات المجلس التشريعي عام 2006،عندما لمس أن هذه الحركة سخرت مقدرات الشعب الفلسطيني لخدمة اهداف شخصية وفئوية وجهوية، وضحت بمصالح الشعب على مذبح مصالحها الخاصة ، بل مصالح فئة اختطفت حركة فتح وسخرت تاريخها الناصع لتاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم الأسود، فالشعب الفلسطيني له ثوابت واهداف وغايات ، يحمل على أعناقه كل من ينادي بتحقيقها،سواء كان المنادي بها والعامل لتحقيقها حركة فتح أو حركة حماس أو غيرهما؛ إذ ليس المهم من هو التنظيم الذي يدّعي حمل الثوابت والدفاع عنها، بل المهم هو من يحمل هذه الثوابت حقيقةً ويدافع عنها ويضحي من أجلها.
كانت البداية بتوقيع اتفاقات أوسلو، والنهاية بسلطة تدفع رواتب الموظفين مقابل غطاء للاحتلال وجرائمه من تهويد القدس، الى غول الاستيطان الذي يبتلع الأض الفلسطينية صبيحة كل يوم جديد، ويخلق أمراً واقعاً لا يمكن تجاوزه والقفز عنه عند توقيع اتفاق نهائي بعد أن تصاب اسرائيل بتخمة الاستيطان وعسر الهضم فلا تستطيع بعد ذلك قضم شبر فلسطيني جديد.
كان المنطق الحزبي والحركي يفترض ان تحل حركة فتح نفسها باعتبارها حركة تحرر وطني، وينتظم اعضاؤها في الاحزاب والحركات الفلسطينية القائمة او يشكلوا احزاباً جديدة بحسب الرؤى والافكار التي يحملها كل انسان ويراها طريقاً صحيحاً لبناء الدولة الفلسطيية المستقلة؛ ولأن هذا الأمر لم يحدث، لم تستطع حركة فتح أن تشكل جامعاً حقيقياً لكل أعضائها، فسادت بينها الشللية والمحسوبية والمناطقية والعشائرية، وهذه العناصر لا توجد في جماعة إلا أهلكتها، لأنها تثقل جسم الجماعة فلا تسمح لها بالسير بنشاط وحيوية الى الامام، بل تنشغل عن أهدافها وغاياتها لتضميد جراحها الداخلية، وهذا فعلاً ما جعل حركة فتح غير قادرة على السير الى الامام بل المراوحة في مكانها مما استنفذ طاقتها وجهدها، وجعل جراحها عميقة تستنزف ليس فقط قدراتها، بل وقدرات الشعب الفلسطيني في محاولة لوقف النزيف.
لقد أثبت الاجواء التي سادت مرحلة ما قبل الغاء الانتخابات المحلية؛ ان حركة فتح فقدت قدرتها على قيادة الشعب الفلسطيني، بل فقدت قدرتها على الحفاظ على وحدتها التنظيمية، وهذا طبيعي جداً، فمرحلة ما بعد بناء السلطة الفلسطينية، هي مرحلة جديدة غير تلك التي وجدت وانطلقت فيها حركة فتح؛ إذ الانطلاقة كان يكفيها ان ترفع شعار الكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني وعودة اللاجئين الىديارهم، ليلتف حولها الشعب الفلسطيني كله، فهذه الشعارات كانت تعبر عن كل مكونات واطياف الشعب الفلسطيني، الذي كان يرى المسألة بكل بساطة: شعبٌ اغتصبت ارضه وطرد منها، وطريق استعادة البلاد وعودة العباد هي الكفاح المسلح وأشكال النضال الأخرى التي تجعل المحتل يدفع ثمناً غالياً لغطرسته واحتلاله واستيطانه وتهويده للقدس، فلم يكن يحتاج الفلسطيني البسيط جهداً في اقناعه بالالتحاق بحركة فتح، بل هو جزء منها بطبيعته حتى دون أن ينتمي إدارياً وتنظيمياً لهذه الحركة.
لقد جاءت انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، بزلزال ما زالت ارتداداته تفعل فعلها على الأرض حتى الآن، مما يؤكد أن استمرار حركة فتح بحالتها الهلامية، فكراً وتنظيماً، لا يمكن أن تكون لصالح الشعب الفلسطيني، فنحن الآن امام منعطف خطير يتعلق بمستقبل الشعب الفلسطيني، يتطلب اجتيازه تحديد سياسات وبرامج واضحة فيما يتعلق بالثوابت الفلسطينية وآليات تحقيقها، فلا يمكن دخول حرب جديدة بأسلحة قديمة، إذ على حركة فتح أن تحدد بوضوح تام للشعب الفلسطيني ،ما هو موقفها من الاحتلال والثوابت الفلسطينية ، وما هي الاسترتيجيات التي تؤمن بها للحفاظ على الثوابت وتحقيقها؛ لأن الزمن لا ينتظر، فسوف يتجاوزها وتصبح من الماضي الذي انتهت صلاحيته.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

الأربعاء، 7 يوليو 2010

عباس: الآن حان موعد الاستقالة

عباس: الآن حان موعد الاستقالة
بقلم : أ. سعيــد الصرفنــدي
أوساط كثيرة كانت تتوقع أن اوباما استدعى نتنياهو لتوبيخه وتطويعه من أجل تقديم تنازلات تدفع بالجانب الفلسطيني للعودة الى طاولة المفاوضات المباشرة، ولكن الواقع جاء مخالفاً لكل تلك التوقعات، حيث جاءت الزيارة ناجحة بكل المقاييس الاسرائيلية، فقد كان الاستقبال دافئاً وودياً مما يشعر بأن الضيف القادم الى البيت الابيض هو ضيف عزيز سيتم اكرامه وقد حصل ذلك.
لقد كانت المواقف متقاربة بدعوة الطرفين لضرورة استئناف المفاوضات المباشرة بين الاسرائيليين والفلسطينيين، وهذا معناه الضغط على الجانب الفلسطيني للعودة الى المفاوضات العبثية دون تحقيق اي شرط فسطيني، او ما تعتبره السلطة استحقاقاً على الجانب الاسرائيلي.
العودة الى طاولة المفاوضات المباشرة التي توقفت بسبب استمرار الاستيطان، معناه أن السلطة لا تملك من أمرها شيئاً، وهي مستعدة للعودة للمفاوضات بدون شروط مسبقة، وسوف يتم التوجه الى جامعة الدول العربية لأخذ الضوء الأخضر باستئناف المفاوضات المباشرة بعد أن فشلت المفاوضات غير المباشرة في تحقيق أي شيء يذكر، لأن المرجعية للسلطة أصبحت جامعة الدول العربية.
الموقف المطلوب من السيد محمود عباس والسلطة الفلسطينية هو التوقف عن الارتهان للموقف الامريكي والاسرائيلي، فقد فشل نهج التفاوض في تحقيق اية مكاسب عملية للشعب الفلسطيني، وثبت أن استمرار المفاوضات المباشرة وغير المباشرة يعطي اسرائيل الفرصة لخلق امر واقع يصعب معه التوصل الى اتفاق نهائي تكون الدولة الفلسطينية فيه على حدود عام 1967، حتى لو تم التوصل لاتفاق التبادل بغض النظر عن النسبة اتي سيتم الاتفاق عليها.
لقد كان اعتراف السلطة بفشل منهج المفاوضات أمراً ايجابياًً، ولكن السلبية تمثلت بعدم الحديث عن بدائل امام السلطة الفلسطينية ، وكان هذا في الحقيقة سقوطاًَ مدوياً للمفاوض الفلسطيني الذي جعل خياره الوحيد هو التفاوض ثم التفاوض، ضارباً بمصالح الشعب الفلسطيني وثوابته عرض الحائط، حيث لم يعد منهج المفاوضات مقبولاً من الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات، ولكن السلطة في الحقيقة لا تستطيع وقف المفاوضات لأسباب عديدة منها ، أن وقف المفاوضات يعني ارتفاع الصوت الذي يهمس بوجوب العودة الى خيار المقاومة.كذلك فإن وقف المفاوضات معناه وقف المساعدات المالية التي تشكل عصب الحياة للسلطة وخاصة الفئة المتنفذة التي ارتبطت مصالحها بمشروع التسوية.
الملفت للانتباه أن السلطة، وتحديدا الجهات التي تمارس التفاوض، بدأت تشعر بالاعياء وعدم القدرة على تسويق مواقفها، فكان البديل جاهزاً وهو الاتصالات التي يجريها وسيجريها سلام فياض مع الاسرائيليين، وهي ذات طابع سياسي بحت بغض النظر عن توصيفها من جهة محمود عباس.
الموقف المشرف الذي يمكن أن يقوم به محمود عباس هو الاستقالة من منصبه والعودة للشرعية الفلسطينية ، وليس التوجه الى جامعة الدول العربية لاستخراج فتوى بالعودة الى المفاوضات المباشرة، وهذا الموقف بالتأكيد هو القادر على خلق ضغط حقيقي على الاحتلال وعلى الادارة الامريكية، أما ان يبقى منصب الرئاسة غطاءً لكل ما تفعله اسرائيل من استيطان وتهويد وخلق وقائع على الارض، ثم الحديث عن السلام والمسيرة السلمية وتمسك الجانبالفلسطيني بالثوابت الوطنية فهو أمر لا يمكن فهمه على الاطلاق.
هذا هو الوقت المناسب لاستقالة محمود عباس، واعتقد أن الشعب الفلسطيني سيدعم هذا التوجه؛ لأن شعبنا ملّ الحديث عن المفاوضات وعن السلام في الوقت الذي يرى فيه غول الاستيطان يبتلع الارض الفلسطينية، والتهويد للقدس لم يتوقف منذ مسيرة اوسلو بحيث اصبح الحديث عن تقسيم القدس امراً غير واقعي.

الأربعاء، 26 مايو 2010

فتح تخسر في الانتخابات المحلية

فتح تخسر في الانتخابات المحلية..!!
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
ليست كل انتخابات يعرف الفائز والخاسر فيها بالضرورة بعد الإعلان عن النتائج؛ إذ يمكن أن يفوز فريق قبل اجراء الإنتخابات، ويمكن أن يخسر فريق أيضاً قبل إجراء الانتخابات، ويبدو أن حركة فتح خسرت الإنتخابات المقبلة للبلديات والمجالس المحلية، وذلك قبل خوضها، ومن المؤشرات على ذلك ما يلي :
1.أن هذه الإنتخابات في حال عقدها وإجرائها في الموعد المقرر؛ ستتفتقر الى المنافسة الحقيقية، وذلك لغياب حركة حماس وعدم مشاركتها، وهي الحركة التي حازت أغلبية واضحة في الإنتخابات السابقة سواء كانت البلدية أو التشريعية، وبالتالي فإن حركة فتح ستنافس قوائمها التي ستنشق عنها أو القوائم الوهمية التي ستتم صناعتها لاهداف تجميلية، وهذا معناه أن حركة فتح ستفور بمن صوت، حتى لو كانت الأصوات التي حازت عليها أقل من 20% من اصوات من يحق لهم التصويت، وهذا في الحقيقة ليس انتصارا ولا فوزاً؛ لأن الإنتصار والفوز لا يكون الا بعد المنافسة حيث لا منافسة.
2. مما يقال، بدأ همساً، والآن في وسائل الاعلام، أن حركة فتح عاجزة عن تشكيل قوائم موحدة لأعضاء الحركة، وخاصة في المدن الكبرى التي يتنافس فيها ابناء العائلات الكبرى كمدينة نابلس والخليل، وهذا الأمر يعكس حالة التردي التي وصلتها حركة فتح، من تأثير العشائرية والشللية والمناطقية، حتى أصبح التنظيم لا يعرف شيئاً عن الالتزام بمقررات الحركة، وطبيعي أن خوض قوائم متعددة مستقلة على رأسها كوادر فتحاوية لا يعني في حال انتصارها أنها انتصار لفتح، مع ان المتوقع ان تتبنى حركة فتح كل الفائزين سواء من تمت تسميتهم من قبل الحركة او الفتحاويين الذين خاضوا الانتخابات بقوائم مستقلة؛ ليظهر بأن فتح حققت انتصارا كاسحاً في هذه الانتخابات، وفي هذه الحالة لا يمكن القول ان فتح انتصرت وفازت. وانا على يقين أن كل من سيفوز من المستقلين الفتحاويين لن يمانع تبني فتح له بعد الانتخابات لأنهم هم أيضاً سيكونون بحاجة الى حركة فتح، بل سيتم القول بأنهم كانوا يمثلون قوائم فتح الشرعية، ولكن هناك اعتبارات كثيرة حالت دون الاعلان عنهم انهم هم الممثلون الرسميون لفتح، ومعنى ذلك أن اصوات المستقلين الذين لم يصوتوا لقائمة فتح سيجدون اصواتهم قد ذهبت لحركة فتح ، وطبيعي أن هذا ليس انتصاراً، بل هزيمة اخلاقية لحركة فتح.
3. اعداد المرشحين الفتحاويين حتى الآن كبيرة جداً، وكثير من هؤلاء المرشحين لا يأملون بالفوز بل لا يريدون المنافسة أصلاً، وسبب ترشحهم هو الابتزاز والحصول على مكاسب وظيفية؛ إذ يتم الحديث عن وعود لكثير ممن سجلوا اسماءهم حتى الآن بترقيتهم الى مدراء C وBو A ، إذا انسحبوا لمصلحة القائمة الموحدة وهذا يدل على أن فتح ستفوز بهدر مقدرات عامة هي من حق الشعب الفلسطيني وليس من حق فتح، مما يعني في الحقيقة خسارة فتح لأنها لم تعتمد على مقدراتها وطاقاتها، وهذا الامر سيجعل المواطن المستقل الذي يطمح بالتنافس على الوظائف العامة والترقيات الوظيفية إذا كان موظفاً، يشعر بأن فتح تبيع هذه الوظائف والمناصب من اجل الفوز بهذه الانتخابات وهذا بحد ذاته خسارة فادحة.
4. أن هذه الإنتخابات تجري في ظل الإنقسام بين غزة والضفة، هذا الإنقسام الذي لم تنجح حركة فتح في احتوائه، بل يمكن القول أن حركة فتح تتحمل مسئولية كبيرة في عدم انجاز ملف المصالحة حتى الآن، ولو كانت القضايا التي تطالب بها حركة حماس لتوقيع ورقة المصالحة شكلية كما تدعي حركة فتح، فالاولى بها التنازل والقبول باقتراحات حماس من أجل المصلحة الوطنية، ولكن الذي يحدث هو العكس، تمسك فتح بشروطها، والتي هي في الحقيقة شروط الرباعية، يجعل اي انتخابات في الضفة بدون توافق وطني، تعميقاً للانقسام، فالفوز في الانتخابات على حساب المصلحة الوطنية التي تتحق بالمصالحة، لا يمكن اعتباره فوزاً، بل هو هزيمة منكرة، فما قيمة انتصار في انتخابات محلية مقابل خسارة الوحدة الوطنية.
5. حركة فتح تجند كل طاقاتها وطاقات السلطة للفوز في هذه الانتخابات، وليس هذا لاهمية الانتخابت المحلية، بل لأن حركة فتح تفتقر الى الشرعية الحقيقة التي تؤهلها لقيادة الشعب الفلسطيني، فهي تسيطر على منظمة التحرير الفلسطينية التي انتهت صلاحيتها وصلاحية كل المؤسسات المنبثقة عنها، وكذلك خسارتها في انتخابات المجلس التشريعي جعلها تفقد أي شرعية منتخبة، لذلك فهي بحاجة الى الفوز في هذه الانتخابات للقول بأنها تمتلك شرعية القيادة، مع أن حركة فتح لم تقبل بوصف فوز حماس في انتخابات البلديات عام 2005 بأنه فوز سياسي، ولكنها ستقبل- اي حركة فتح- بوصف هذه الانتخابات بأنها انتخابات سياسية.
6. هذه الشرعية التي تطمح لها حركة فتح، من خلال الفوز في انتخابات البلديات والمجالس المحلية، تريد توظيفها لمسار المفاوضات، بعد أن فقد هذا المسار شعبيته حتى بين الاعضاء والمؤيدين لحركة فتح، ولكن فتح اختارت مسار المفاوضات حتى الممات، وهذا ما يشكل هاجساً عند قيادتها، فقد فقدت عملية المفاوضات زخمها وحتى قبول الشارع الفلسطيني بها، مما يمثل حالة من الانفصال بين الشارع وبين قيادة فتح، وفي حال الفوز ستقول قيادة فتح بأن هذه النتائج استفتاء على برنامجها السياسي ومواقفها السياسية ومن ضمنها نهج المفاوضات، وستعتبر فوزها مبايعة من الشعب لنهج المفاوضات.
لهذه الأسباب وغيرها، سيكون فوز حركة فتح في الانتخابات المحلية القادمة خسارة مدوية ، إذ ليست النتائج مهما كانت انتصارا حقيقياً، وهذا ما يجب على العقلاء من حركة فتح تداركه قبل فوات الأوان.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

السبت، 22 مايو 2010

كيف نفهم القرآن؟

كيف نفهم القرآن ؟!
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
لو أن محاضراً تحدث أمام جمع من الناس في موضوع ما، فإن استيعاب السامعين يتفاوت بحسب تفاوت قدراتهم، فمن كانت عنده معلومات سابقة عن الموضوع، كان استيعابه أكثر ممن لا خلفية له عن موضوع المحاضرة، ومن كان تحصيله العلمي اعلى، كانت نسبة استيعابه اعلى ممن هو أدنى منزلة منه، فلا يمكن أن يكون استيعاب الجميع وفهمهم واحداً مع أن الكلام الذي تحدث به المحاضر هو نفس الكلام الذي سمعه جميع الحاضرين، وقد يُفهم الكلام على مقتضى مصلحة السامع او مخالفتها، كذلك تقاس فكرة المحاضر وفق المعايير الفكرية التي يتبناها السامع، فإذا وافقها كان المتكلم ممدوحاً وإذا خالفها كان مذموماً.
ومع الفارق بين كلام الله وكلام البشر، الا أن التفاوت في فهم كلام الله حاصل لا محالة بين الناس، ولا يمكن أن يقال بأن أحداً من أتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم استطاع أن يحيط بمدلولات القرآن المطلقه، لأن ذلك معناه حصر دلالة القرآن بزمان أو مكان؛ وهذا ممتنع لأن القرآن لا تنقضي عجائبه، فلا يفهم الا وفق ضوابط وشروط وأحوال، منها:
1. أن كلاً منا يأخذ من القرآن بحسب إنائه، وطبيعة البشر المحسوسة تدل على تفاوت آنية البشر، فمنهم من يضيق إناؤه الى مستوى الكأس، فلا يأخذ عند قراءته للقرآن الا بحسب هذا الإناء، ومنهم من يكون إناؤه كالبحر المحيط، فيأخذ من القرآن أقصى ما تستطيعه الطبيعة البشرية، وطبيعي أن تكبير الآنية أو تصغيرها يعود في بعض جوانبه الى الإنسان نفسه، فالإخلاص عند قراءة القرآن يزيد من قدرة الانسان على الفهم لكلام الله، وتقوى الله في كل جوانب الحياة تورث فهماً وعلماً لهذا الكتاب العظيم.
2. إن فهم القرآن يتجاوز حدود الزمان والمكان، فلا يمكن حصر فهمه في زمان أو مكان معين؛ لأن القرآن كتاب هداية للبشرية جمعاء، فهو قادر على الهيمنة على كل معطيات الوجود الانساني الى قيام الساعة، فالآيات التي فهمت في الزمن القديم على نحو ما، يمكن أن تتسع دلالاتها لتفهم فهماً جديداً فتعالج مشكلاتٍ حادثةٍ ومستجدةٍ في حياة المسلمين وحياة البشرية جمعاء.
3. إن القول بأننا ملزمون بفهم سلف الأمة للقرآن فيه تجنٍ على القرآن وعلى سلف الأمة أنفسِهم، ولا يفهم من هذا اهمال وتجاوز فهم السلف الصالح للقرآن، فهو فهم يستأنس به ولكنه ليس فهماً مطلقاً للقرآن؛ إذ هو محكوم بالزمان والمكان الذي عاشه سلف الأمة، وهو فهمهم في زمانهم، ويجب أن يكون لنا فهمنا في زماننا، خاصة اذا كانت المسائل التي نتناولها مسائل حادثةٍ ومستجدة. ومن أعجب ما نسمعه من المتمسكين بفهم السلف الصالح، أنهم يخالفون السلف أنفسَهم، فالسلف الصالح تميز بالإجتهاد وبذل الوسع في فه القرآن وعدم التقليد، فجاء من يزعم السلفية ليقلدهم ويتوقف عند فهمهم بدل الاقتداء بهم باعتبارهم مجتهدين.
4. القرآن تناول الماضي، وذلك بالحديث عن الأمم والرسالات السابقة، وتناول الحاضر عبر الوجود النبوي الذي ترجم القرآن ترجمة لا يقدر عليها الا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتناول المستقبل عبر صياغة القواعد والنظريات التي تكشف سنن المجتمعات البشرية لنتكئ عليها في فهم ومعالجة القضايا الناشئة الى قيام الساعة.
5. هناك منطوق للنصوص القرآنية، وهناك مفهوم ومقاصد. صحيح أن علماء الأصول قرروا انه يقدم المنطوق على المفهوم في حال تعارضهما، ولكن هذا ليس هو المقصود هنا، إذ المقصود هو تجاوز حدود دائرة النص الضيقة والخروج الى فضاءات المقاصد لتلك النصوص، وقد كان من المبدعين في هذا السيق الامام الشاطبي في كتابه الشهير " الموافقات"، فنكون بذلك قد تجاوزنا مرحلة القطيعة والأمية في القرآن، ويكفي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول للبيد عندما اشكل عليه قول الرسول ان العلم يذهب، فقال له ثكلتك امك يا لبيد او ليس هؤلاء اليهود والنصارى بأيديهم التوراة والإنجيل ولا ينتفعون بشيء مما فيهما.
6. القرآن منهج صحيح لا شك فيه، ولا يحتاج الى تجريب لاختباره، ومن الأحكام العقلية المسلّم بها عند العقلاء أن العلة الواحدة لا تنتج معلولات متناقضة، فالقرآن كان ولا يزال مصدر اشعاع فكري وسلوكي،ولا يمكن ان يأتي زمان يكون فيه مصدر جهل وظلم فكري وسلوكي، ولذلك فالأمة لا تفتقر الى المنهج؛ إذ المنهج موجود، ولكنها تفتقر الى فهم يوصل الى تحقيق المنهج، فالتمسك بالموروث القديم لا ينتج فهماً يواكب الحاضر، إذ يجب التحرر من تقديس أفهام السابقين وإنزال هذه الأفهام منزلة الوحي المنزل.
7. سواء كانت " إقرأ " اول كلمة نزلت من القرآن، أو أن القرآن اشتمل عليها، فإنه لا يعقل أن تكون هناك قراءة للقرآن بدون تدبر، بل عاب الله جل جلاله على من يقرأ القرآن دون تدبر لقوله تعالى :" أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها"، ولا يكون التدبر الا بالفهم العميق الموصل الى انكشاف كل شيء بنور القرآن ، فلا يكفي الإهتمام بأحكام تلاوته وحفظه غيباً دون تدبره، فإن هذا مخالف للغاية المقصودة من إنزاله وهي التي بينها الله بقوله :" كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر اولوا الألباب"، فإن الأمة إن لم تفعل ذلك اقترب منها وصف الله حيث يقول:" والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعميانا".
8. عندما نقرأ القرآن فالمطلوب منا ان نترقى الى مستوى القرآن، فتسمو ارواحنا وتتسع مداركنا وتتفتح ابواب العلم وتغلق ابواب الجهل امامنا، ولا يجوز أن نشد القرآن عندما نقرؤه الى مستوانا، بل أن نرتفع نحن الى مستوى القرآن.
والى لقاء مقبل عبر نسمات القرآن العظيم.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

الأربعاء، 19 مايو 2010

كيف يجب أن نقرأ القرآن

كيف يجب أن نقرأ القرآن
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
القرآن هو الوحي الوحيد الذي تكفل الله بحفظه لقوله جل جلاله :"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، فقد تنزل الوحي بكتب ورسالات عديدة على الأنبياء والرسل الذين سبقوا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن القرآن هو الوحي الوحيد الباقي من تلك الرسالات والكتب، وما ذلك إلا لعظمة هذا القرآن، وهو ما يوجب التعامل معه بخصوصية نحاول من خلالها الترقّي الى أعلى المستويات البشرية أثناء قراءته.
هل نقرأ القرآن كما نقرأ أي كتاب من كتب البشر،فيتطرق الشك الى نفوسنا أنه يمكن أن يعتريه النقص في الوصف أو المبالغة لاعتبارات بشرية، أو مخالفة الواقع الذي يتناوله، أو التدليس أو الكذب ... الى غير ذلك مما يعتري كتابات البشر، أم يجب أن نقرأ القرآن ونحن نؤمن إيماناً لا شك فيه ولا ريب ، أن ما هو موجود في التدوين موافق لما في التكوين، فما من وصف لله أو لأحد مخلوقاته إلا والوصف مطابق لما تناوله، فالله الذي بدأ القرآن بقوله:"بسم الله الرحمن الرحيم" موافق لما في التكوين وهو بدء كل شيء من عند الله، فليس قبله شيء، وأنه رحمن بكل خلقه مطيعهم وعاصيهم، ورحيم بالمؤمنين، فنؤمن أنه ما من شيء إلا وتتسع له رحمة الله، وما من مؤمن الا واختصه الله بشيء زائد عن الرحمة وهو أنه به رحيم.
وعندما نقرأ قول الله عز وجل :" وما كان لنفس أن تموت الا بإذن الله كتاباً مؤجلاً "، فإن هذه الكلمات دلالتها قاطعة على أن الموت لا يكون الا في الوقت الذي اقته الله وأجله، وأن الموت لا يكون إلا لهذا السبب، أي انتهاء الأجل، فلا يقع موت الا بإذن الله، ولا يكون موت الا بانتهاء الأجل، فالإنسان قد يموت في حالات متعددة ولكنه لا يموت الا بسبب واحد وهو انقضاء الأجل، عند ذلك لا يكون المسلم جباناً فهو يتذكر قول خالد بن الوليد الذي يقول فيه : " ما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، ثم أموت على فراشي كما يموت البعير" ، فيدرك المسلم أن طعنة الرمح لو كانت تقتل لقتلت خالداً، وكذلك ضربة السيف، فالموت كائن لا محالة عند انتهاء الأجل وليس لعروض حالات الموت، فقد يموت انسان في حالة لا يموت فيها غيره،وقد لا يموت في حالة يموت في مثلها غيره، لماذا يكون هذا؛ لأن الله يقول:" وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلا"، فلا يكفي أن نقرأ هذه الكلمات ولا نعتقد أن لها واقعاً خارجياً، بل يجب اليقين على أن هذه الكلمات المدونة في كتاب الله لها ما يماثلها في الواقع التكويني.
وعندما نقرأ مثلاً قول الله عز وجل:" وما من دابة في الأرض الا على الله رزقها"، فلا يكفي أن نعلم أننا نحن من الدواب التي تشملها هذه الآية، بل يجب أن يقع اليقين في قلوبنا أن رزقنا على الله وحده، وأن الرزق بيد الله وحده، سواء كان الرزق كثيراً أو قليلاً فهو من الله، وأنه عندما يعطي فإنما يعطي من خزائنه التي لا تنضب، وعندما يمنع فليس لشح ولا لقلة او نضوب للرزق، بل قد يكون هذا لمصلحة العبد. عندما نؤمن أن الرزق من الله فلا تحاسد ولا تباغض بين المؤمنين، ولا يعني هذا الإيمان عدم الأخذ بالأسباب، فقد جعل الله الأسباب غالباً تؤدي الى النتائج، ولولا ذلك لما كانت هناك عمارة لهذا الكون من قبل الإنسان.
لا يمكن حصر الأمثلة ، ولكن المهم هو الإيمان أن ما في كتاب الله من آيات متلوة ليست كالشعر الذي يقوله الشعراء ، ابيات تنضخ شجاعة وعزة في رجال لباسهم الذل والخنوع ، بل القران كلام له واقع مطابق له في الكون، فعندما نقرأ عن الله أنه "سميع" لا بد أن يقع في نفوسنا وقلوبنا أن الله فعلاً سميع بحيث لا يعزب عنه صوت في الكون كله ، فيسمع كل ما يسمع وما لا يسمع، وكذلك عندما نقرأ عن الله أنه "بصير" فهو فعلاً كذلك، فيرى النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، بذلك فقط نخجل من الله السميع البصير أن نرتكب المعصية وهو يرانا ويسمعنا، فيستقيم سلوكنا في الحياة الدنيا.

مدونة الصرفندي

السبت، 15 مايو 2010

الفساد السياسي سبب ضعف الأمة

الفساد السياسي سبب ضعف الأمة
بقلم: أ. سعيـــد الصرفنـــدي
كلما تفكر أحد من أبناء الأمة عن سبب ضعف الأمة مع وجود مقومات الدول العظمى عندنا؛ فإن المؤشر يقوده جبراً الى السبب الأعظم، وهو الفساد السياسي، فالدول الكبرى والأمم العظمى تحتاج الى مقومات منها الثروات الطبيعية والثروة البشرية والموقع الاستراتيجي، وكلها موجودة عند الأمة العربية الاسلامية، ولكنها عناصر جامدة ومعطلة لا تفعل فعلها بسبب الأنظمة الاستبدادية التي تعاني منها هذه الأمة، وطبيعي أن الأنظمة المستبدة تلجأ الى كبت الطاقات والقدرات الفردية والجماعية، كل ذلك بالقوة والجبروت ؛ لأنها تفتقد الحجة والدليل الذي يبرر وجودها وبقاء تسلطها على رقاب الأمة، فليس لهم من سبيل ودليل الا قول فرعون لقومه كما جاء في كتاب الله عز وجل :" ما أريكم الا ما أرى وما أهديكم الا سبيل الرشاد".
لقد عرفت الأمة الإستبداد السياسي منذ بداية الدولة الأموية، فقد سلب معاوية حق الأمة في اختيار الحاكم، عندما أجبر الناس على مبايعة يزيد خليفة له، وقد كانت سنة سيئة عمل بها المسلمون حتى اليوم، وفي هذا مخالفة للقرآن العظيم الذي جعل امرهم شورى بينهم لقوله تعالى : " وأمرهم شورى بينهم"، ومعلوم أن النكرة تفيد العموم، أي ان لفظ "أمرهم" يعم كل أمر من امور المسلمين، ومن أعظم أمورهم تنصيب الحاكم بينهم، فدل على أن تنصيب الخليفة أو الحاكم يجب أن يكون شورى بين المسلمين، فهو في هذه الحالة فقط يستحق السمع والطاعة، أما حين يسلط على العباد والبلاد فيجعل ثرواتها نهباً له ولأعداء الأمة فلا سمع ولا طاعة الا جبراً وقهراً، وهذا هو حال الأمة الاسلامية المقهورة والمغلوبة من حكامها بقوة أجهزتها الأمنية التي تراقب وتعاقب على كل أمر يمس مصلحة الحاكم وأسياده.
الفساد السياسي يتطلب من الحاكم الفاسد واعوانه اموراً عديدة منها الفساد الأخلاقي، وهذا أمر متحقق في البلاد العربية والاسلامية، بل هو محمي بقوة السلطان، فالمجون والخمر والدعارة خرجت من الأماكن المظلمة التي كانت تمارس فيها، لتصبح في الهواء الطلق، وفي بعض الدول التي كانت تغلق البارات والأندية الليلية في شهر رمضان، لم تعد تفعل ذلك منذ سنوات، فالخمر والدعارة مباحة حتى في شهر رمضان، كذلك فإن الفساد السياسي يقتضي إفساد عملية التعليم ، وهذا حاصل أيضاً في معظم البلاد العربية والاسلامية، فمناهج التعليم مناهج غريبة على الطالب الذي تربى وفق قيم محددة؛ إذ معظم المناهج وخاصة في العلوم الانسانية، كانت نتاج تجارب بحثية على عينات تعيش في ظروف مختلفة كل الاختلاف عن المجتمعات العربية والاسلامية، فجاءت هذه المناهج كبذرة تزرع في غير أرضها، فكانت غير منتجة، وهكذا الفساد في كل جوانب الحياة.
ومن مستلزمات الفساد السياسي وجود علماء وفقهاء يشغلون الناس بالحديث عن الطهارة والنجاسة وفتاوى الحيض والنفاس، ويحرمون على الناس وعلى أنفسهم الاشتغال بالسياسة، صحيح أن الطهارة والنجاسة من أمور الدين التي يجب على المسلم معرفتها لأن الطهارة شرط من شروط صحة الصلاة، ولكن كثيراً من الناس لا يفهم لماذا يتم تضخيم أمور الطهارة والنجاسة مع أن الآيات والأحاديث التي تناولتها قليلة جداً، وفي المقابل لا يتم الحديث عن شروط الحاكم الواجب الطاعة حسب نصوص الكتاب والسنة، ولا يتم الحديث عن محاسبة الحاكم كما فعل المسلمون مع الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم.
لقد وجد من كتب عن السياسة من علماء المسلمين ، وكانت هذه الكتابات تبريراً للظلم السياسي والزاماً للأمة على طاعة الخلفاء، وما كتبه الماوردي في كتابه " الاحكام السلطانية" خير مثال على ذلك؛ إذ اعتبر أن مبايعة واحد من أهل العقد والحل يوجب طاعة الأمة للخليفة المبايع من هذا الفرد، وغالباً ما يكون هذا الفرد من حاشية السلطان الذين يأكلون من "باطيته".
الفساد السياسي هو الذي يمنع الأمة من استنهاض طاقاتها الإبداعية في كل جوانب الحياة، لذلك لا يكون الخلاص من حالة التخلف والتردي التي تعيشها الأمة بالنهضة الاقتصادية والعمرانية والتعليمية، بل بعودة أمر تنصيب الحاكم الى الأمة مرة ثانية، فلا يجوز أن تبقى الأمة مطية لطبقة أو عائلة حاكمة هنا وهناك، بل لا بد من مشاركة الأمة كلها في اختيار الحاكم، والطريقة المثلى هي الانتخابات، حيث يتنافس الاشخاص او الاحزاب على طرح برامج للحكم، فإذا فشلوا اختارت الأمة غيرهم، وهذا يقودنا الى القول بالعقد الاجتماعي Social Contract بين الحاكم والحكوم.
الدولة الاسلامية دولة مدنية بمرجعية دينية، وهذا هو الطريق للتخلص من الفساد والاستبداد السياسي الذي تعاني منه الأمة في هذا الزمان، ولن تقوم لها قائمة الا اذا ازالت عن كاهلها هؤلاء الحكام الذي نصّبوا على رقابها بالقوة والبطش والجبروت فجعلوا ثروات الأمة وكرامتها مستباحة مقابل الحفاظ على عروشكم وامتيازاتهم.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

الخميس، 6 مايو 2010

مقاطعة ممنتجات المستوطنات اعتراف بإسرائيل

مقاطعة منتجات المستوطنات اعتراف بإسرائيل
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
كتبت بالأمس مقالاً بعنوان" تساؤلات حول مقاطعة منتجات المستوطنات"، ونشر على صفحات دنيا الوطن، وهذا المقال تضمن تساؤلات متعددة حول فكرة المقاطعة، وعندما قرأت المقال ثثانية وثالثة، وجدت أن هناك أفكاراً كثيرة، ولكنها لم تركز كثيراً على جوهر المسألة وهو الاعتراف بدولة اسرائيل.
قد تبدو هذه الفكرة مشككة من البداية ولكنها زبدة المسألة؛ إذ تزيل اللثام عما يعده اللئام من الاعتراف بدولة اسرائيل، فالمبالغة في إظهار هذا الأمر باعتباره شكلاً من أشكال النضال يثير الريبة والشك، فحكومة فياض أضعف من القيام بخطوة يتحدى فيها دولة الاحتلال، ويهدد مصالحه المادية، وهو الذي يعلم أكثر من غيره طبيعة النظام الرأسمالي القائم على تحقيق امر واحد هو المنفعة والمصلحة المادية، وأن حروب النظام الرأسمالي شنت لتحقيق مصالح مادية أو للحفاظ على تلك المصالح المادية.
إن المدقق في مسألة مقاطعة منتجات المستوطنات يجد أنها ابعد واعمق من تحقيق مصلحةٍ للرأسمال الفلسطيني الذي يسعى للسيطرة على السوق المحلية، فالأمر اعقد من ذلك بكثير، خاصة وان السلطة الفلسطينية التي تعرضت لاستفزازات كثيرة من قبل الكيان الصهيوني، لم يكن لها رد عملي بحجة عدم السماح لاسرائيل بتصوير الجانب الفلسطيني باعتباره معطلاً لعملية السلام، فما الذي جرى حتى تقوم حكومة فياض والسلطة الفلسطينية باصدار قرار يتم بموجبه مقاطعة المنتجات الاسرائيلية التي منشؤها المستوطنات.
الشعب الفلسطيني أظهر من خلال نتائج انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 ، أنه ليس مع اتفاقيات اوسلو سيئة السمعة والصيت، وهي الاتفاقات التي كان جوهرها الاعتراف بالكيان الصهيوني، وما زالت حكومة غزة وحركة حماس ومن ماثلها من الحركات الاسلامية تعاني من الحصار والمقاطعة من اجل الاعتراف بشروط الرباعية والتي يعتبر الاعتراف باسرائيل ايضاً هو جوهرها، فلو اعترفت حماس باسرائيل لقضي الأمر .
تلك النتائج، أظهرت أن الشعب الفلسطيني لا يوافق على الاعتراف بإسرائيل، وأن الغاية التي يسعى اليها هي اقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل التراب الفلسطيني، لا فرق بين الخليل وبين تل ابيب، ومن هنا كان الانقلاب على نتائج هذه الانتخابات، بدءً من المقاطعة الدولية بوقف تدفق الاموال على السلطة مما خلق حالة من الارباك الداخلي تم استغلاله من حركة فتح باعلان الاضراب في لمؤسسات الحكومية،مروراً بسلسلة المراسيم الرئاسية التي عطلت قدرة الحكومية الشرعية على تنفيذ برنامجها.
تعهدت اوروبا بدعم الكيان الفلسطيني او السلطة الفلسطينية الناتجة عن اتفاق اوسلو؛ لأنها تعترف باسرائيل، فهي المرة الأولى التي يعترف فيها جسم فلسطيني بحق اسرائيل في الوجود فكانت المكافأة هي الاموال التي تتدفق على وزارة الحكومةالفلسطينية، وعندما اصبحت هذه الحكومة لا تعترف باسرائيل، فقد سقطت كل المبررات لتقديم الدعم لها، فالدعم المالي للسلطة مرهون باعترافها باسرائيل، هكذا بكل وضوح.
لقد ايقنت الدول الأوروبية وامريكا، أن سيطرت حكومة حماس أفشل الرهان على الاعتراف الفلسطيني باسرائيل مقابل المال، فبدأت كل الأطراف مجتمعة للإلتفاف على خيار الشعب الفلسطيني، واجباره على الاعتراف عملياً بدولة اسرائيل من خلال التمييز بين اسرائيل ومنتجاتها وبين المستوطنات ومنتجاتها، واصدار اوامر بمقاطعة منتجات المستوطنات الاسرائيلية المقامة على اراضي الضفة، إذ أن الأمر بالتأكيد لا يشمل القدس الشرقية ولا المستوطنات المقامة عليها.
إن مقاطعة المنتجات الاسرائيلية الاستيطانية لا يعني الا أمراً واحدا : الاعتراف بدولة اسرائيل، فالشعب الفلسطيني عبر انتخابات المجلس التشريعي اعلنها مدوية وصريحة :" لا اعتراف بدولة الكيان الصهيوني"، أي لا فرق بين الضفة الغربية والداخل الفلسطيني، وأن كل منتج في السوق الفلسطينية من انتاج اسرائيلي هو اسرائيلي، سواء كان مصدره المستوطنات أو حيفا ويافا وتل ابيب، وأنه مجبر على التعامل معها ما دامت السوق بحاجة اليها.
الملفت للإنتباه هو الضجة المفتعلة لقرار المقاطعة، وتصويره بأنه قرار ينضح وطنية وشجاعة، مع أنه من أخطر القرارات التي تتخذها السلطة الفلسطينية في رام الله وحكومة فياض، لاجبار الشعب الفلسطيني للتعامل واقعياً مع فكرة الاعتراف بالكيان الصهيوني، فمقاطعة البضائع المنتجة في المستوطنات غير شرعية والبضائع المنتجة في تل ابيب وحيفا شرعية، اليس هذا فعلاً اعتراف بشرعية الكيان الصهيوني في فلسطين، وهو الأمر الذي يرفضه الشعب الفلسطيني، ولكنه اعتراف عملي وليس اعترافاً نظرياً، وهو اعتراف من كل الشعب الفلسطيني وليس فقط اعتراف من القوى السياسية الفلسطينية التي تعترف باتفاقية اوسلو وبالتالي التي تعترف باسرائيل.
إن سلاح المقاطعة يمكن ان يكون فعالاً لو كانت المقاطعة لكل البضائع الاسرائيلية ، وذلك ليس على الاطلاق؛ الا اذا كانت المقاطعة من الخطوات النهائية لانجاز مرحلة التحرر الوطني، اما تصوير المقاطعة الآن وكأنها تخدم فكرة بناء بنية تحتية للدولة الفلسطينية، فهذا مخالف للواقع والمنطق السليم.
نعم، لا يرى المدقق في قرار المقاطعة الا اعترافاً باسرائيل، عبر التمييز بين بضائع شرعية من "اسرائيل" وبضائع غير شرعية من المستوطنات الاسرئيلية، ولكنه اعتراف يتم تصويره بأنه وطنية وبطولة، ولا يقال هنا بأن هذا رؤية للنصف الفارغ من الكأس؛ إذ الكأس كله فارغ في الحقيقة
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

الأربعاء، 5 مايو 2010

تساؤلات حول مقاطعة منتجات المستوطنات

تساؤلات حول مقاطعة منتجات المستوطنات
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
لأن العلاقة ودية بين السلطة الفلسطينية واسرائيل فإن قرار مقاطعة المنتجات الاسرائيلية التي منشؤها المستوطنات ينظر اليه بكثير من الشك والريبة، ويحتاج الى جملة ايضاحات من الحكومة والرئاسة وردود مقنعة على تساؤلات منها:
1. ما هو تعريف المستوطنات؛ إذ لا بد من تحرير المفردات المستخدمة في هذا الشأن، وتحديدها تحديداً دقيقاً، فالمستوطنات إذا قصد منها كل تجمع يهودي اقيم على ارض الضفة الغربية، فإن هذا يشمل القدس والمستوطنات الكبرى مثل "معالية أدوميم" ومثيلاتها ، فهل يشمل القرار فعلاً هذه المناطق، وإذا كانت كذلك فكيف يوفق المواطن بين تصريحات كثيرة سمعها عن موافقة السلطة على مبدأ " التبادلية" في الحل النهائي وبين فكرة مقاطعة منتجات المستوطنات، إذ المفاوض الفلسطيني موافق على بقاء هذه المستوطنات الكبرى باعتبارها أمراً واقعاً لا يمكن أزالته والقفز عنه أو تجاوزه، وهنا تكمن الإشكالية التي يصعب حلها، فإذا قالت السلطة إن القدس والمستوطنات الكبرى مشمولة بقرار المقاطعة وقعت في تناقض مع موقفها السياسي، وإذا قالت أنها مستثناة من القرار فإن هناك شكوكاً كثيرة حول هذا القرار باعتباره خدمة لشرائح معينة وليس باعتباره جزءا من العمل الوطني للخلاص من الاحتلال وافرازاته وأهمها الربط العضوي بين الاقتصاد الفلسطيني والاقتصاد الاسرائيلي بشقيه التابع للمستوطنات والتابع ل"إسرائيل" .
2. هل يعتبر هذا القرار اعترافاً من الشعب الفلسطيني، أو إجباراً للشعب الفلسطيني بالإعتراف باسرائيل، فالشعب الفلسطيني بأغلبيته لا يميز بين مستوطنة معاليه أدوميم وبين تل أبيب، والمنتجات منهما سواء بسواء، فانا اعتبر منتجات بلدتي المسماة ب"صرفند الخراب" قضاء الرملة مثل منتجات مستوطنات غور الأردن، فقد اقيمت مستوطنات هنا واقيمت مستوطنات هناك.
3. المستوطنات الاسرائيلية في القدس والضفة الغربية اقيمت بدعم حكومي اسرائيلي، وليس هناك حكومة تدعم الاستيطان مثل الحكومة الحالية ، فهي تحالف من قوى سياسية أقواها ممثلو المستوطنين، وهنا يبرز السؤال المشروع: كيف نتعامل مع حكومة تصر على دعم الاستيطان، بل لا تقبل بالاعلان عن تجميد الاستيطان من اجل " السلام"، ونقاطع منتجات هذه الحكومة الا وهي المستوطنات، فالمطلوب مقاطعته أولاً هو الحكومة الاسرائيلية التي ترعى الاستيطان بل إن بعض وزرائها يقيم في المستوطنات ويعتبرها جزءً من أرض اسرائيل.
4. خطوة كهذه تحتاج الى دراسة مستفيضة ومعمقة لنتائجها، وهذا ما لم يحصل، ولا أقصد بالدراسة العميقة الحديث بالشعارات الرنانة التي سمعناها من المسئولين في وسائل الاعلام، بل دراسة تستوجب ايجاد بديل لآلاف العمال المهددين بالطرد من اماكن عملهم، وما سمعناه من بعض الوزراء، انهم – اي العمال- سينضمون الى جيش العاطلين عن العمل، فليس هناك دولة نسبة البطالة فيها صفر....!! هذا الكلام يدل على ارتجالية لا تليق بقرار كهذا، فايجاد البديل لهذه الآلاف هو عمل وطني بامتياز، لأن هناك آلاف البيوت التي تعتمد على عمل هؤلاء العمال في المستوطنات الاسرائيلية، وكان الأحرى بهذا الوزير أن يحاسب القيادة السياسية التي انفقت المليارات دون التفكير بايجاد بدائل وطنية لهؤلاء العمال، إذ تم انفاق الأموال على أمور تتعلق بسيادة تافهة ومظهرية للسلطة على حساب العمل لايجاد بنية تحتية تستوعب كل العمال الفلسطينيين ، حتى اذا جاء اليوم الموعود كنا فعلاً قادرين على تنفيذ القرار.
5. رأس المال الفلسطيني لا يختلف في مجمله عن اي رأسمال آخر، والدليل على ذلك الأرباح الخيالية التي حققها كثير من التجار عبر اعادة تغليف المنتجات "الإسرائيلية" في المستوطنات واعادة بيعها في الاسواق الفلسطينية بعد شرائها بأثمان زهيدة، والسؤال هل يمكن ضبط المواد الخام وعدم تسريبها للمصانع المحلية التي يهتم معظم أصحابها بالربح ولا شيء غير الربح.
هذه جزء من الأسئلة التي لا بد من الإجابة عنها قبل الشروع بتنفيذ هذا القرار علماً أن هذا الأمر لن يكون الا في مصلحة شرائح صغيرة، وهي التي تدفع بكل قوة بهذا الاتجاه.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

الثلاثاء، 27 أبريل 2010

فتح وحكومة فياض بقلم: أ. سعيد الصرفندي

فتح وحكومة فياض
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
عندما تشكلت السلطة الوطنية الفلسطينية وفق اتفاقية أوسلو سيئة السمعة والصيت، كانت حركة فتح هي التي مثلت الطرف الفلسطيني في هذه الإتفاقية، فلم لم تكن منظمة التحرير سوى مظلة مهترئة، مع أن هناك فصائل تتشكل منها منظمة التحرير ولم تكن تعلم عن الاتفاق شيئاً، بل إن كثيراً من قيادات فتح لم تكن على اطلاع بما يجري في اوسلو؛ حيث كانت الاضواء مسلطة على الوفد الفلسطيني المفاوض في امريكا، وعلى رأسه حيدر عبد الشافي.
ومما يقوي واقعية هذا التصور أن حركة فتح هي التي سيطرت سيطرة مطلقة على مقاليد وزارات السلطة ومؤسساتها بعد تشكلها، وأن ما اعطي من رتب عسكرية لبعض عناصر التنظيمات المنضوية تحت لواء منظمة التحرير، كان شكلياً مئة بالمئة، فقد تم الاكتفاء برتب عالية رواتبها ايضاً عالية، ولكن بدون مهمات أو مسؤوليات حقيقية؛ وهذه التنظيمات لم يكن لها وجود حقيقي في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل إن بعضها لم يسمع به العوام الا بعد دخول السلطة.
حركة فتح انغمست في الواقع الجديد دون خطة انسحاب من هذا الواقع الذي زالت فيه الفوارق بين حركة فتح وبين مؤسسات السلطة، فلم يعد الاهتمام بفتح كحركة تحرر وطني، بل طغى وجود السلطة الفتحاوية على حركة فتح نفسها، وكأن الحركة استكملت مهماتها كحركة تحرر وطني، ولم يعد لها من مهمات سوى بناء السلطة الفلسطينية وقيادتها.
هذا الواقع كان له ارتدادات عنيفة على حركة فتح، كان اولها خسارة الحركة في انتخابات المجالس المحلية والبلديات، ثم كانت الصاعقة بالفوز الساحق الذي حققته حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي 2006 ، ثم كان الحسم العسكري في قطاع غزة، مما أدى الى غضبة فتحاوية لهذا الواقع الذي تحياه حركة فتح.
بعد أحداث غزة لم تكن حركة فتح قادرة على السيطرة على الضفة الغربية سيطرة فتحاوية محضة، فقد كانت الضفة على موعد مع القائد الجديد سلام فياض؛ إذ ارسى فياض بقوة المال قواعد جديدة في النظام السياسي الفلسطيني، بحيث لا تقوم لهذا النظام قائمة بدون المال الدولي الذي أعلن أنه لن يكون الا من خلال فياض. هذا الواقع تعاملت معه حركة فتح بكثير من الاستخفاف والمصلحية، فالاستخفاف كان بقدرات فياض؛ إذ اعتقدت حركة فتح أن نفوذها وتجربتها قادرة على تحجيم فياض لأن دوره مقصور- حسب اعتقادهم في حينه- على ترسيخ الشفافية ووقف هدر المال العام والفساد الاداري، وكذلك كانت المصلحية في التعامل مع فياض بسبب الصراع مع حركة حماس بعد الحسم العسكري في غزة.
هذه العلاقة بين الطرفين، لم تكن علاقة متكافئة، ولم تكن لها استراتيجيات واضحة، مما أدى الى ضعف حركة فتح وتقوية فياض، ليصبح الرجل الأول في السلطة الفلسطينية، بل لقد تشكلت حكومة فياض بعد احداث غزة من وزراء لا علاقة لهم بحركة فتح، واستمر الغطاء والسكوت الفتحاوي لحكومة فياض نكاية في حركة حماس وتعبيراً عن حالة العجز التي تعيشها حركة فتح.
منذ احداث غزة الى الآن، أصيبت حركة فتح بضعف واضح، ولم ينجح مؤتمرها السادس في وقف حالة التدهور والإنكماش التي سيطرت عليها؛ بل يمكن القول أن ما تمخض عن المؤتمر من برنامج سياسي هلامي، اعطى الفرصة الكافية لبروز برنامج سلام فياض السياسي، باعتباره برنامجاً واقعياً مدعوماً من دول العالم قاطبة وعلى رأسها الولايت المتحدة وأوروبا.
لا شك أن هناك حالة غضب فتحاوية من سلام فياض، ولكن حقيقة هذا الغضب لا تنبع من برنامجه السياسي، بل من تحييد فتح وابعادها عن مركز القرار، حتى وصل الأمر الى الحديث عن تحجيم شخصيات فتحاوية في وزارات مختلفة من وزارات السلطة، مما يعني سلب الامتيازات والانجازات الشخصية التي تحققت في المرحلة السابقة، وهذا ما دعى توفيق أبو خوصة، للقول في احدى مقالاته : أن حماس سيطرت على غزة، وفياض على الضفة، فماذا بقي لحركة فتح...
الآن، هناك حديث عن تعديل وزاري في حكومة فياض، سيكون من نتائجه مشاركة قيادات فتحاوية من الصف الأول في هذه الوزارة، وهذا سيبدو انجازاً وانتصاراً على فياض، ولكن الحقيقة غير ذلك؛ إذ ستكون هذه الوزارات بلا اهمية على الأرض ولن تمنع فياض من الاستمرار في تنفيذ خطته لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عام 2011، فالمشاركة الفتحاوية لن تكون سوى مناصب شخصية للوزراء وليس لحركة فتح.
فياض سيظهر من خلال المشاركة الفتحاوية في وزارته أن هناك اجماعاً فلسطينياً على خطته السياسية، مما يعزز سيطرته المطلقة بدون منازع على الأجهزة الأمنية والوزارات المدنية، ويؤسس لمرحلة جديدة، تشارك فيها حركة فتح في الحكومة بشكل شخصي دون البرنامج السياسي، فالمشاركة لن تكون سياسية، بل حصولاً على جزء من كعكة السلطة التي حرمت منها فتح بعد أن أدمنت على مذاقها.
لم يعد فياض شخصاً يحارب الفساد المالي والإداري فقط، بل شخص له برنامج سياسي يحاول تنفيذه بدعم دولي من خلال المال والاجهزة الأمنية التي تمت صياغتها وفق رؤية دايتون، وهنا مكمن الخطر في مشاركة فتح في التعديل الوزاري المقبل، فهي مشاركة لن ترقى الى المشاركة السياسية، بل سيتم تطويعها لخدمة البرنامج السياسي لسلام فياض.
إن مشاركة حركة فتح في الحكومة المعدلة دون تصور سياسي ودون برنامج سياسي، ودون استراتيجيات واضحة للتعامل مع الاحتلال في ظل الجمود على المسار السياسي، وكذلك في ظل الانقسام الفلسطيني ، لن يكون الا كارثة جديدة تحل بالقضية الفلسطينية .
sarafandisaed@yahoo.com
ssarafandi@hotmail.com
مدونة الصرفندي