الأحد، 31 أكتوبر 2010

الوهابية والتجسيم

الوهابية والتجسيم
من الأمور المتفق عليها عند العقلاء التشوق الى معرفة صفات الخالق، وكان هذا دأب البشرية منذ نشأتها، ففي الوقت الذي يتبع فيه الناس ما جاءت به الانبياء كانت معرفتهم بالله معرفة حقيقية، أما اذا انقطع الوحي واعتمد الناس على عقولهم وتشوقاتهم لمعرفة صفات الله؛ فإن الضلال مصيرهم لا محالة، فهم يجعلون لله صفات محكومة بإدراكاتهم ومعرفتهم للأشياء، إذ تصبح الأشياء التي يعرفونها بجوهرها وذاتها وصفاتها وافعالها هي المعيار الذي يقيسون به الغائب عنهم وهو الله تعالى.
وقد عرف المسلمون مناهج متعددة في التعامل مع الآيات والأحاديث التي تتناول الصفات، الا أن جوهرها كان إما التشبيه أو التنزيه، وكانت جماهير الأمة تتبع منهج التنزيه؛ لأنه الذي يليق بجلال الله تعالى ومعه الدليل من الكتاب والسنة التي لا تخالفه وكذلك العقل السليم، ومع ذلك فقد ظهرت اتجاهات منحرفة مجسمة كان آباؤها بعض الحنابلة ومن ثم ايتامهم بعد ذلك، من أمثال ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ومن تبعهم ممن لا حظ لهم ولا نصيب من العلم، فاحيوا بدعاً انحرف بها ابن تيمية عن علماء السنة الحقيقيين، من مثل تحريم التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله، وتحريم السفر لزيارة قبره عليه السلام، وهي الفتوى التي اضطرت فقهاء المذاهب الاربعة في حينه لخروج منادٍ في دمشق يقول : من كان على عقيدة ابن تيمية في هذا الأمر فهو كافر حلال الدم، وكذلك تحريمهم وتجريمهم للاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وآله ... الخ هذه التي سموها بدعاً وشغلوا الامة بها، لاظهارهم وكأنهم ملتزمون بالتوحيد دون سواهم من المسلمين، وكان هذا في الحقيقة تغطية على انحرافهم في منهج الصفات.
لقد دلت النصوص على أن معرفة الله غير الإيمان بوجوده؛ إذ أن الايمان بوجود الله لا ينفع ولا ينجي عند الله إذا كان خالياً من معرفته وتنزيهه عن مشابهة المخلوقات، فقد روى البخاري في صحيحه قول النبي صلى الله عليه وآله:" أنا اعلمكم بالله واخشاكم له"، فالعلم المقصود هو علم بذات الله وصفاته وأفعاله، وهو في الحقيقة، العلم الذي يورث التقوى والخشية لله، وهذا موافق لقول الله عز وجل : ( إنما يخشى الله من عباده العماء) فالنبي الأكرم أشد الناس، بل والخلق جميعاً خشية لله؛ لأنه أعلمهم بالله، وجاءت كذلك نصوص الكتاب المبين تطلب العلم بالله عز وجل لقوله تعالى :( فاعلم أنه لا إله الا الله).
ولا يقال أن المسلمين آمنوا دون علم، فقد كان موقف الناس من دعوة النبي صلى اله عليه وآله وسلم :( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ)، اي أنه ليس من السهل عليهم أن يتنازلوا عن دين آبائهم تقليداً لمحمد صلى الله عليه وآله، لو أنهم لم يقتنعوا عقلاً بالصفات الجديدة عن الله، وهي التي جاء بها رسول الله؛ إذ يؤكد علماء السوسيولوجيا أن تمكن العادة والعرف والمألوف من الناس يمنعهم من التغيير في الفكر والسلوك والاستجابة لمن يدعوهم للخروج على المألوف عندهم، ولو كان المخالف معه الدليل، فكيف إذا جاءهم من يدعوهم الى اتباعه بدون دليل، مما يؤكد أن النبي صلى الله عليه وآله كان يدعوهم الى إله أقام الدليل القاطع على أنه لا شريك ولا شبيه له، وجماع ذلك قول الله تعالى :( ليس كمثله شيء).
وقد انقسم علماء المسلمين الى اكثرية منزهة لله جل جلاله، واقلية مشبهة ، وكان منهج الأغلبية في التعامل مع الصفات هو التأويل والتفويض وقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على صحة هذا المنهج، وكان في المقابل منهج الأقلية التي صاغ فكرها ابن تيمية ثم جاء ينشر بدعته محمد بن عبد الوهاب، وقد عانى المسلمون، علماء وعوام من بدعة الوهابية وأفكارهم التي ساهمت ثورة البترودولار في نشرها، فقد هاجموا العلماء المخالفين لهم، دون الالتزام بأدب الاختلاف الذي درج عليه علماء الأمة الأثبات، وفسقوا وبدعوا كل من لم يلحق بهم، وقد ساهم احتكارهم للتدريس والخطابة في الحرمين المكي والمدني، افتتان بعض طلبة العلم بما يقولون، ظناً أن مكة والمدينة هي مهبط العلم، وكل منهما حري بذلك لولا ما فعله الوهابية من الاقتصار على نشر أفكارهم، وكان من أعظم بدعهم التجسيم، فقد جعلوا الله جسماً، وما دام جسماً فإنه لا بد ملتزم بلوازم الجسمية من الخصائص والصفات.
وفي هذه العجالة، اريد تناول الأدلة القرآنية والنبوية وأدلة العقل، التي ترد على كون الله كما تصفه الوهابية بأنه جسم.
اولاً : من القران: قول الله جل جلاله:( ليس كمثله شيء)، وأجد من المفيد ابتداء تعريف المكان باعتباره من أدق لوازم الجسمية، وقد عرف الراغب الاصفهاني المكان بقوله:" المكان عند أهل اللغة الموضع الحاوي للشيء"، وعرفه الفيروزأبادي صاحب القاموس بقوله:" المكان: الموضع، ج: أمكنة وأماكن"، أما كمال الدين البياضي الحنفي فعرفه بقوله:" المكان هو الفراغ الذي يشغله الجسم"، ولم تخرج تعريفات أهل اللغة عن مضمون ما ذكر، وقد نزل القران بلسان عربي مبين، أي ان الذين آمنوا بدعوة النبي صلى الله عليه وآله، فهموا سواء بدلالة الإشارة أو التنبيه أو الاقتضاء، أن الله ليس جسماً، لأن من لوازم الأجسام المكان، وحيث أن الله "ليس كمثله شيء" فإن المكان منتفٍ عن الله، وحيث أن من خصائص المكان الجهوية، فلا مكان خارج الجهة، فلا يشار الى الله أنه في جهة.
كذلك قول الله تعالى :" ولله المثل الأعلى" وقوله :" فلا تضربوا لله الأمثال" أي أن الله لا يوصف بما توصف به المخلوقات من المكان والجهة، فهو لا يشبه شيئاً منها، سواء في ذاته أو صفاته، وأما ابلغ الأدلة وأكثرها صراحة في الرد على من يقول بالجهة فهو قوله تعالى :" فأينما تولوا فثم وجه الله"، فلو كان في جهة لكان التوجه اليها أولى من الجهات الأخرى، فجزم القران بانتفاء الجهة في حق الله.
ثانياً : من السنة النبوية: فقد ذكر البخاري في كتاب بدء الخلق قول النبي صلى الله عليه وآله:" كان الله ولم يكن شيء غيره"، أي أن الله موجود منذ الأزل قبل خلق الزمان والمكان، فلا يحتاج الى جهة ومكان، وقد علمنا بداهة التلازم بين الجهة والمكان، فلا يجوز أن يقال أن الله في جهة.
ويمكن الاستدلال بما رواه مسلم في صحيحه من دعاء النبي صلى الله عليه وآله:" اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء،وأنت الظاهر فليس فوقك شيء،وانت الباطن فليس دونك شيء" وطبيعي أن ما لا شيء دونه ولا شيء فوقه ، لا يصح وصفه بأنه في مكان.
ومن المؤكد عند اهل العلم اجماع المسلمين الا من شذ من المجسمة، على أن الله لا يحويه مكان ولا يحل في مكان وليس على العرش بذاته، فهو موجود قبل العرش والسماء وقبل المكان، وممن ذكر الاجماع على ذلك العلامة الرازي في تفسيره حيث قال:" انعقد الاجماع على أنه سبحانه ليس معنا بالمكان والجهة والحيز"، وكذلك ذكر الآمدي الاجماع على ذلك فقال بعد ذكر اتفاق اهل العلم :" إنه تعالى ليس بمتمكن بمكان ولا متحيز بجهة"
ثالثاً: من العقل: لا شك أن النقل جاء بمجوزات العقل، حيث لا تعارض بين العقل والنقل، والعقل الصحيح ينفي وجود الله في جهة؛ إذ لو كان الله في جهة فهو محتاج اليها، فكيف يكون خالقاً للمكان ومحتاجاً اليه، وما الذي كان ينقصه قبل خلق المكان والتحيز فيه، وقد استفاض علماء الكلام في الاستدلالات العقلية على نفي الجهة عن الله.
التجسيم عند الوهابية اتباع ابن تيمية:
ذكر الامام الحافظ ابن الجوزي، وهو غير ابن الجوزية تلميذ ابن تيمية، بل عاش قبل مئة عام تقريباً من ابن تيمية، وكان على منهج التنزيه، فقال وهو يعيب على بعض العلماء في كتابه (دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه ص 97):" ... صنفوا كتباً شانوا بها المذهب، ورأيتهم نزلوا الى مرتبة العوام، فحملوا الصفات على مقتضى الحس،فسمعوا ان الله تعالى خلق آدم على صورته، فأثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات، وعينين وفماً ولهوات وأضراساً وأضواء لوجهه هي السبحات، ويدين وأصابع وكفاً وخنصراً وإبهاماً وصدراً وفخذاً وساقين ورجلين، وقالوا ما سمعنا بذكر الرأس !!، وقالوا: يجوز أن يَمَسَّ ويُمَس، ويدني العبد من ذاته، وقال بعضهم: ويتنفس، ثم يرضون العوام بقولهم: لا كما يعقل !! وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات،فسموها تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا الى النصوص الصارفة عن الظواهر الى المعاني الواجبة لله تعالى، ولا الى الغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث".
وقال العلامة ابن الأثير في حوادث سنة ثمان وخمسين وأربعمائة : ( وفيها توفي ابو يعلى الفراء الحنبلي، وهو مصنف كتاب الصفات، أتى فيه بكل عجيبة، وترتيب أبوابه يدل على التجسيم المحض، تعالى الله عن ذلك)، وقد أثبت الحنابلة في كتبهم التجسيم الكامل كالكتاب الذي ينسب الى الامام أحمد في الرد على الجهمية، وكتاب السنة لإبنه عبد الله، والمسمى بالسنة، وقد أتى فيه على كل منكر منافٍ لعقيدة التوحيد. كذلك كتاب السنة للخلال الحنبلي، وكتاب العرش لعثمان بن أبي شيبه، وغيرهم كثير، مما يوجب التشبيه وينأى عن التنزيه لمن نزّه ذاته ووصفاته وافعاله بقوله :( ليس كمثله شيء)، ويكفي ان يصف الرازي في تفسيره لكتاب ابن خزيمة المسمى( كتاب التوحيد واثبات صفات الرب) أن يصفه بالشرك.
كل هذه الهفوات والزلات من فكر المجسمة، جاء ابن تيمية ليصوغها مذهباً له ولأتباعه الوهابية من بعده، فقال، وهذا لا يحتاج الى توثيق لأن الحنابلة والوهابية لا ينكرونها:( فالله تعالى جسم لا كالأجسام) وينكر ان في أقوال الصحابة والتابعين نفي الجسمية عن الله.
ومن أنكر الاقوال في كلام ابن القيم، تلميذ ابن تيمية، ما جاء في كتابه المسمى بـ "اجتماع الجيوش الاسلامية" المحقق من الدكتور عواد المعتق ص 109؛ إذ يقول:" ...إن الله عز وجل ينزل الى السماء الدنيا وله في كل سماء كرسي، فإذا نزل الى السماء الدنيا جلس على كرسيه ثم يقول من ذا ... فاذا كان عند الصبح ارتفع فجلس على كرسيه".
ومن العجيب ان الوهابية تقوم بطبع هذه الكتب وما فيها من منكرات وتروج لها باعتبارها العقيدة الصحيحة المنقولة عن سلف الامة، ويمارسون ارهاباً فكرياً على الأمة بوصف مخالفيهم بالشرك والجهمية والتعطيل والخروج من زمرة الفئة الناجية مما يجعل العوام يقبلونهم ويعظمونهم، مع ما هم فيه من المخالفة لفكر الامة وسلفها الحقيقي، حتى أنهم يوافقون على ما جاء في كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، حيث يتنقص من قدر أبي حنيفة النعمان ويتهمه بالجهمية والكفر في اكثر من موقع.
نبرأ الى الله مما يقوله المجسمة الوهابية من الحنابلة واتباع ابن تيمية، ونقر ونؤمن بالله كما قال عن نفسه :( ليس كمثله شيء)
sarafandisaed@yahoo.com
مدونتي الخاصة: " مدونة الصرفندي"

الخميس، 14 أكتوبر 2010

تصريحات عبد ربه اعتراف بعدم شرعية المنظمة

تصريحات عبد ربه اعتراف بعدم شرعية المنظمة
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
التصريحات التي صدرت عن ياسر عبد ربه، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتصريحات المعدلة أيضاً، بحصوص الاعتراف بيهودية الكيان الصهيوني، تأتي منسجمة مع مواقفه السابقة التي وردت في مبادرة جنيف والتي تضمنت التنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ومعلوم أن ياسر عبد ربه كان أحد أركان مبادرة جنيف، ولم يعد جديداً عليه ان يجاهر بموقفه السياسي خاصة وأنه أصبح أحد اعمدة السلطة الأقوياء، والعالمون بخفايا الأمور يقولون أنه رجل لا يمكن اقصاؤه أو تجاوزه، ليس بسبب قوته كزعيم فلسطيني، فهو لا يملك شيئاً من عناصر قوة الزعماء الفلسطينيين على وجه الخصوص أو الزعماء السياسيين في دول العالم الثالث على وجه العموم، أي أنه لا يتزعم حزباً قوياً مؤثراً، وليس منتمياً كذلك الى عائلة عريقة وكبيرة يمكن أن تؤثر في مسار الاحداث كما فعلت العائلية في فتح عند تحضير الحركة لقوائم البلديات في الانتخابات المحلية التي هزمت فيها قبل أن تحدث؛ وإنما بسبب القوى الدولية التي تقف وراءه، حتى أن الكثير من كوادر وأنصار حركة فتح يتساءلون ببراءة : لماذا تكون أمانة سر اللجنة التنفيذية لشخص من خارج حركة فتح، مع أنها العنصر الرئيسي والأقوى والأكبر من العناصر المكونة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
إن اطلاق ياسر عبد ربه لتلك التصريحات، لا يمكن أن تفهم على أنها مواقف شخصية، كما حصل في مبادرة جنيف؛ فلم يكن له حينها أي تأثير على القرار والموقف الفلسطيني، وكلنا يعلم كيف كان يعامله الرئيس الراحل ياسر عرفات، أما اليوم فإن تصريحاته تعبر عن موقف المتنفذين في منظمة التحرير الفلسطينية، خاصة وأن السياق الذي جاءت فيه تلك التصريحات، يؤكد أنها اجابة واستجابة للمطلب الاسرائيلي بالاعتراف بيهودية الكيان الصهيوني، مقابل الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
لذلك فإن تصريحات ياسر عبد ربه الآنفة الذكر، هي تعبير عن الموقف الرسمي لمنظمة التحرير، ما دام عبد ربه في منصبه، ولكن تغير من حقيقة الأمر بعض التصريحات المستنكرة هنا وهناك من ساسة وكوادر في الصف الثاني او الثالث، وإذا اردنا اعتبارها بالون اختبار فهذا دليل على أن الموقف الحقيقي للمنظمة لا يختلف عن المواقف التي عرضها عبد ربه، ولكن الوقت لم يحن للاعلان عنها ببيان رسمي.
لقد تم إنشاء منظمة التحرير الفلسطينيه في حينه من أجل أهداف واضحة، على رأسها، عودة اللاجئين الفلسطينين الى بيوتهم وقراهم ومدنهم التي هجروا منها قسراً، واحتلت هذه المنظمة صفة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، عندما كانت تدافع، ولو لفظياً، عن حق اللاجئين بالعودة الى ديارهم، وكان شعار حق العودة هو الذي يعطي مصداقية لتمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني، لأن جوهر القضية الفلسطينية هو حق العودة، فكان طبيعياً أن تعتبر المنظمة ممثلاً للشعب الفلسطيني.
حتى عندما تم عقد جلسة صورية في غزة لتعديل الميثاق الوطني الفسلطيني، لم يكن هناك تنازل عن حق العودة، ولذلك دافع أصحاب التعديل عن مواقفهم بقوة، وتقبل جزء من الشعب الفلسطيني تلك المهزلة؛ لأنها نصت على الاعتراف بإسرائيل، ولم تتنازل عن حق العودة، أما تصريحات عبد ربه فهي تنازل صريح عن حق العودة، بل تعيبر كذلك تنازل عن حق الفلسطينيين الصامدين على ارضهم في الداخل الفلسطيني.
إن هذه التصريحات تفتح الباب واسعاً لانقسام جديد على الساحة الفلسطينية؛ لأن هناك في الحقيقة من يؤمن سراً بهذه الاطروحة ولكنه ينتظر الوقت المناسب للاعلان عنها وتبنيها، ولذلك فالمطلوب من القادة السياسيين والقوى السياسية والشعبية أن تعلن تراجعها عن اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني، ما دام ياسر عبد ربه في منصبه كأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأن يصدر بيان بخلعه واستنكار تصريحاته وما توحي اليه، وأن حق العودة خط أحمر لا يجوز لأحد أن يقترب منه وأن التنازل عنه خيانة وطنية يعاقب عليها كائناً من كان مرتكبها والمروج لها.
إن ياسر عبد ربه ومن يقف وراءه قد طرحوا بقوة بعد هذه التصريحات مسألة تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني، فمن يتنازل عن حق العودة ويعترف بيهودية الكيان الصهيوني، لا يمكن أن يكون ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، ومن يفعل ذلك فإنه يؤسس لانقسام جديد في الداخل والخارج، وانشاء هيئات ومرجعيات جديدة، واظن أن صاحب هذه التصريحات يعلم ما ستؤول اليه الأمور، وهذا هو الخطر الأكبر، أي تمزيق الشرعيات التي تتحدث باسم الشعب الفلسطيني، وسوف يعترف العالم بالقيادة المتنفذة ممثلاً شرعياً ووحيداً، فتضعف المواقف الفلسطينية داخلياً وخارجياً، وتحقق بقوة الأمر الواقع الاهداف الصهيونية من ابتلاع للاراضي الفلسطينية وتهويد للقدس وطرد العرب منها ...الخ، وعندها تكون قد انتهت حياة هؤلاء، فمن الذي سيحاسبة الشعب الفلسطيني.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونتي الخاصة" مدونة الصرفندي

الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

ماذا بعد قمة سرت

ماذا بعد قمة سرت ؟!
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
الموقف الذي اتخذته قمة "سرت" لم يكن مفاجئاً في عمومه ولكنه في تفاصيله، كان تعبيراً عن قدرات ابداعية للمتحكمين بالشأن الفلسطيني، فقد أغلقت الأبواب وسدت السبل، ولم يكن قادراً على احداث اختراق الا دهاقنة السياسة الذين فقدوا القدرة على استحضار بدائل وخيارات تنم عن كرامة تليق بالعرب ومن قبل ذلك بالفلسطينيين، فقد أثبتت قرارات القمة عجر العالم العربي الرسمي عن اللجوء الى خيارات وبدائل تخرج عن اجترار خيار المفاوضات، وطبيعي ان الاجترار لا يعطي نفس مكونات الطعام الأصلي، وقد أشارت هذه القرارات الى أن المواقف السياسية الرسمية، عربية كانت أم فلسطينية، لا يصنعها العرب، وإنما تفرض عليهم من دول أخرى على رأسها أمريكا واسرائيل، وذلك لاعتبارات داخلية في اغلب الأحيان، وهذا ما يفسر التمسك بخيار المفاوضات، مع علم السياسيين والعوام من قبلهم، أن هذا الخيار لا يمكن أن يحقق الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية.
إذا كان الحكام العرب لا يدركون حتى الآن طبيعة التحولات الفكرية والسياسية داخل المجتمع الإسرائيلي، فتلك مصيبة، وبقائهم على جهلهم وعلى رقاب شعوبهم، مصيبة أعظم، فالوقائع والتغيرات داخل المجتمع الاسرائيلي تدل على أنه مجتمع تتحكم فيه اطروحات يمينية عنصرية، ولذلك يتصلب القادة السياسيون والاحزاب السياسية العنصرية والفاشية في اسرائيل في مواجهة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، فهذه الاحزاب احزاب تعبر حقيقة عن طبيعة الشارع الاسرائيلي، وكل حزب او قائد سياسي تزداد شعبيته بقدر مواقفه المتطرفة من مثل دعم الاستيطان والتنكر لحقوق الفلسطينيين، لذلك فالواقع الاسرائيلي يصرخ بكل قوة : انهم ذاهبون الى مزيد من التطرف ومزيد من الاستيطان ومزيد من التهويد للقدس والمسجد الأقصى، وأن إمكانية التوصل الى سلام حقيقي مع الفلسطينيين امر مستحيل، وهذا ما يعبر عنه ليبرمان الذي يمثل المجتمع الاسرائيلي تمثيلاً حقيقياً، وما هي الا سنوات قليلة حتى يطلق على ليبرمان" روش ممشلات يسرائيل" أي رئيس حكومة اسرائيل، وهذا الواقع لا يحتاج الى متخصصين لإدراكة، بل كل من يقرأ صحيفة يومية ونشرة اخبارية قادر الى التوصل الى هذه النتيجة، فلماذا لا يدرك الحكام العرب والفلسطينيين ذلك لو كانت مواقفهم هم الذين يصنعونها.
لقد أثبتت الأشهر الأخيرة، أن الموقف الأمريكي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية لم يكن مختلفاً ولا مخالفاً للموقف الاسرائيلي، فمصالح امريكا الحيوية والاستراتيجية تتحقق بالتوافق الكامل مع السياسية الاسرائيلية، فلم تكن المواقف الامريكية خلال مسيرة السلام الا غطاء للسياسة الاسرائيلية، فالاستيطان لم تعارضة امريكا منذ انطلاقة المسيرة السلمية، بل تعلم امريكا ان جزءاً من مساعداتها المالية لاسرائيل يذهب للاستيطان، ولذلك كيف يمكن للقادة العرب الاعتقاد بأن اعطاء مهلة شهر او غير ذلك للولايات المتحدة، يمكن أن يحقق اختراقاً له اهميته، فالمسائل التي يجب الاتفاق عليها لم تكن ثمانية عشر عاماً كافية لحلها أو التوصل الى حل وسط بشأنها، فكيف يمكن لشهر ان يفعل ما لم تفعله عشرات السنوات،وما ذلك الا لأن الوقت ليس عنصراً حاسماً في الموضوع، أي لو كان مزيد من الوقت كافياً لانجاز شيء فلا بأس بمزيد من الوقت، ولكن المواقف المعلنة للقيادة الاسرائيلية وتساوق الولايات المتحدة الامريكية معها، يجعل من المستحيل التوصل الى شيء، بل إن ما كان ممكناً قبل سنوات لن يكون ممكناً في المستقبل، فالاستيطان والتهويد وخلق وقائع جديدة على الأرض مستمر من قبل اسرائيل، وليس امام الطرف الآخر الذي لا يملك خياراً آخر غير المفاوضات، الا القبول او القبول او القبول بالعودة الى طاولة المفاوضات من اجل لا شيء، او عقد اتفاق يتم التنازل فيه عن كل الثوابت والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وهو أمر غير ممكن في الوقت الراهن، ولو تم توقيعه من المفاوض الفلسطيني فإن تسويقه فلسطينياً وعربياً ودولياً أمر غير ممكن ان لم يكن مستحيلاً، بل يمكن القول أن توقيع مثل هكذا اتفاق هو أقصر الطرق لاشتعال المنطقة جحيماً، ولذلك فإن توقيع مثل هذا الاتفاق ليس في مصلحة امريكا واسرائيل والدول العربية؛ لأنه سيطلق العنان للخيار الآخر وهو خيار المقاومة بكل قوة، وبالتالي فالمتوقع هو المراوحة في مربع المفاوضات، احياناً مباشرة واخرى غير مباشرة، أو أشكال جديدة لم تعرفها المفاوضات، فالمشكلة الفلسطينية استثنائية بكل المقاييس، وهذا يتطلب ايضاً استثنائية غير مسبوقة في صناعة أشكال من المفاوضات.
ما هو المطلوب، في ظل عقم المفاوضات ولا واقعية الخيارات المطروحة وفي مقدمتها اللجوء الى مجلس الأمن، حيث يعلم القاصي والداني أن اللجوء لهذا الخيار محكوم عليه بالفشل مسبقاً، وهو قنبلة دخانية، للتغطية على العجز الفلسطيني والعربي، واظهار الفريق المفاوض ومن معه، أن خياراته لم تنضب، وأن هناك إمكانية للجوء الى خيارات وبدائل جديدة، تستغرق من الوقت ما استغرقته مسيرة المفاوضات، وتكون اسرائيل حينها قد كسبت المزيد من الوقت الذي يسمح بخلق واقع جديد، وابتلاع المزيد من الارض الفلسطينية، وفرض شروط جديدة من مثل الاعتراف بيهودية الدولة وغيرها.
إذن ما هو المطلوب ، المطلوب انجاز ملف المصالحة الوطنية واجراء انتخابات على أساس مواقف سياسية واضحة للاحزاب التي تخوض الانتخابات، حتى تكون النتيجة تعبيراً سياسياً عن مواقف وخيارات الشعب الفلسطيني الحقيقية،فلا بد من التخلص من موقف التعالي على الشعب الفلسطيني من خلال اعتبار المفاوض والقيادة المتنفذة في منظمة التحرير هي الحريصة على مصلحة الشعب الفلسطيني، وأن الشعب الفلسطيني شعب لم يبلغ سن الرشد فيحتاج لمن يقوده دون اخذ رأيه، وطبيعي ان الحل النهائي يحتاج الى تمثيل حقيقي للشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده، وهذا يتطلب الاسراع في اعادة هيكلة منظمة التحرير على اسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار التحولات البنيوية والفكرية داخل الساحة الفلسطينية في الداخل والخارج، وبدون ذلك ستبقى المفاوضات طريقاً لانهاء القضية الفلسطينية وفق الشروط الاسرائيلية.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونتي الخاصة " مدونة الصرفندي"

الثلاثاء، 5 أكتوبر 2010

المطلوب فلسطينياً

المطلوب فلسطينياً
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
استحالة السلام مع الصهاينة لم يعد أمراً يحتاج الى دليل، فكل الحيثيات والمؤشرات تؤكد أن الحكومات الاسرائيلية تمثل الشارع الإسرائيلي حق التمثيل، فالتعنت الصهيوني مرده الى يمينية المجتمع الاسرائيلي الذي يرى معظمه أن لا داعي لتقديم أي تنازل للفلسطينيين من أجل تحقيق السلام.
عندما قامت دولة الكيان االصهيوني عام 1948 ، كان عدد كبير من سكانها قد شاهد عياناً آثار وبقايا السكان العرب، فالبيت الذي سكنه اليهودي، قد وجد فيه مصحفاً على سبيل المثال او أي كتاب باللغة العربية، او خربشات اطفال على الجدران أيضاً بلغة عربية، مما كان يعني استعداداً نفسياً لقبول حل وسط مع الفلسطينيين، أما المواطن الاسرائيلي الذي ولد وترعرع في ظل الكيان القائم، فإن تربيته المدعمة بالواقع خلقت عنده قناعة بأن هذه البلاد له وحده ولا يجوز ان ينازعه في ملكيتها أحد، وأنه لا يجوز أن يتنازل عن شبر منها لأن ذلك خيانة غير مقبولة، وكل سياسي يريد التنازل فإنه سيعاقب من خلال صناديق الاقتراع، ولذلك أصبحت الحكومات الاسرائيلية أكثر تطرفاً ويمينية؛ لأن الخط البياني للمجتمع الاسرائيلي يتجه بكل قوة الى جهة اليمين والعنصرية.
هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإن هذا المواطن الذي يؤمن بأن هذه البلاد له وحده، ليس مجبراً على التنازل؛ لذلك يكون السؤال عنده مشروعاً ومبرراً، لماذا نتنازل؟ من اجل السلام؟ السلام حاصل، وليس هناك تهديد وجودي يدعو للتنازل، الامن مصان سواء من قوات الاحتلال او أجهزة الأمن الفلسطينية، فلماذا نتنازل عن حقوقنا؟
إزاء هذا الواقع، ما هو المطلوب فلسطينياً :
اولاً: تحقيق المصالحة الفلسطينية، فقد أثبتت الإحصائيات أن التنسيق الأمني والعمليات المشتركة بين الاجهزة الأمنية الاسرائيلية والفلسطينية، ازداد في السنة الأخيرة بنسبة 72% عما كان في العام الماضي، أي ان الأمن متحقق للمواطن اليهودي، فلا يفكر في السلام مع الفلسطينيين وهذا ما اشار اليه مراسل "النيوزويك" في اسرائيل مؤخراً، فالمصالحة الفلسطينية الداخلية تمنع وجود تنسيق أمني ويجب أن تسمح بعمليات عسكرية ضد اسرائيل مما يعني احساساً بالخطر الوجودي المفضي الى الاستعداد للتنازل من أجل الأمن، ويكفي الإشارة الى الاحاديث التي تناولت استعداد رابين للتنازل عن نسبة في خانة التسعينات، انها كانت في ظل او بعد العمليات الاستشهادية التي هزت المجتمع الاسرائيلي، أما الآن وقد تحقق الأمن في ظل الانقسام الفلسطيني فيكون من أوجب الواجبات فلسطينياً إنجاز ملف المصالحة الوطنية على أسس تحفظ حق المقاومة والتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية.
ثانياً: التراجع عن قرارات قمة الرباط عام 1974 التي اعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فالوقائع تؤكد أن اعظم منجزات امريكا واسرائيل على صعيد القضية الفلسطينية كان اعتبار المنظمة ممثلاً شرعيا ووحيداً للشعب الفلسطيني؛ لأن ذلك أعفى العرب من مسؤولياتهم القومية تجاه القضية الفلسطينية، وأصبح الزعماء العرب لا يجدون غضاضة بالقول : لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، وأننا نوافق على ما يوافق عليه الفلسطينيون، وكان الحكام العرب يعلموا ان تحميل القضية للفلسطينيين وممثليهم يعني أنهم سيتنازلون لأنهم سيكونوا معزولين وضعفاء، وهذا ما حصل؛ فمنذ تسلمت قيادة المنظمة زمام الشأن االفلسطيني ونحن ننتقل من إخفاق وفشل الى إخفاق وفشل أكبر، اما ما يزعمه المتحدثون السياسيون والإعلاميون من أن المنظمة استطاعت أن تحافظ على الشخصية الوطنية الفلسطينية وأن تجعل القضية الفلسطينية قضية عالمية، وأن عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين أكبر من الدول التي تعترف بإسرائيل...الخ هذه المعزوفة التي ساهمت في تضليل الشعب الفلسطيني وأوصلته الى ما وصل اليه ووصلت اليه قضيته، فالشعب الفلسطيني الذي يعترف بدولته عدد كبير من دول العالم لا يستطيع رئيسها الانتقال من مدينة الى مدينة الا بموافقة صهيونية، والشعب الفلسطيني الذي تم الحفاظ على هويته الوطنية يرى غول الاستيطان كل يوم يبتلع ارضه ويسرق ثرواته، ثم ينظر الى العالم فيجده غير قادر على اجبار اسرائيل على تجميد الاستيطان، فما معنى كل الشعارات التي حققتها المنظمة، لذلك فالواجب فلسطينياً التخلي عن شعار أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني؛ لأن قضية فلسطين قضية عربية واسلامية بامتياز، فيجب ان يقول العرب والمسلمون قولاً في قضية فلسطين، وأن تبدأ الشعوب العربية والاسلامية بمحاسبة حكامها على التفريض بقضية فلسطين، قضية العرب والمسلمين الأولى.
ثالثاً: ان يتم الاعلان وبموافقة القوى الفلسطينية الفاعلة، عن الثوابت الفلسطينية التي تشكل قاسمأ مشتركاً بين الجميع ، والمتمثلة بـ: حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم التي هجروا منها عام 1948 وحقهم بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم وبأبنائهم حتى اليوم، وحق اقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 67 بما فيها القدس الشرقية_مع الاحتفاظ بحق بعض القوى اعتبار هذا حلاً مرحلياً-، وتكون تلك الحدود الية من أي مستوطنة أو مستوطن يهودي، وأن أي مفاوضات يجب ان تجري فقط حول الترتيبات لانجاز هذه الثوابت، لا ان تكون هذه الثوابت خاضعة للمساومة والتنازل.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونتي الخاصة: "مدونة الصرفندي"

الأحد، 3 أكتوبر 2010

مقاطعة المفاوضات ثم العودة للمفاوضات

مقاطعة المفاوضات ثم العودة للمفاوضات
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
الموقف الصادر عن قيادة السلطة الفلسطينية والقاضي بعدم العودة للمفاوضات المباشرة الا إذا توقف الاستيطان، يحتاج الى وقفة مطولة من كل مراقب ومحلل سياسي؛ إذ لا يعقل أن يصدر هذا الموقف ويكون حاسماً، من سلطة حسمت أمرها فأصبحت مثل قطعة النقد التي إذا القيت مرة أو ملايين المرات فإن النتائج محصورة بين هذا الوجه او ذاك، ومن السذاجة الاعتقاد أن هناك احتمالات تزيد عن وجه المفاوضات المباشرة أو وجه المفاوضات غير المباشرة، لأن هذا الاحتمال المتخيل، بكل بساطة لا وجود له، وكل موقف هو نتاج الفكر السياسي الذي يقود ويسيطر على عقلية القيادة، أو احياناً المواقف الاستثنائية التي تأتي بفعل جملة من الظروف المؤثرة ، وهذه بطبيعتها مواقف استئنائية لا مواقف مبدئية.
اول الوقفات مع القرار المذكور، هو أن التأكيد على عدم العودة الى طاولة المفاوضات المباشرة، معناه القبول بالعودة الى طاولة المفاوضات غير المباشرة، سيما وأن السلطة عرفت هذا الشكل من المفاوضات، ولو كانت هناك جدية في التوقف عن المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي لما أتوا على اصطلاح المفاوضات المباشرة، أي ان قيادة السلطة لن تعود بناء على هذا القرار الى المفاوضات المباشرة، ولكنها ابقت الباب مفتوحاً امام المفاوضات غير المباشرة، فهي أحد التخريجات التي ستشير بها لجنة المتابعة العربية في اجتماعها القادم، وقد لا يكون بصيغة"مفاوضات غير مباشرة" بل يمكن اعتباره تكليفاً، سواء لمدة محددة أو لا، من الفلسطينيين والجامعة العربية لأمريكا للعمل على جسر الهوة بين الطرفين: اسرائيل والسلطة الفلسطينية.
من الملفت للانتباه أنه لم يتم التطرق الى موضوع التنسيق الأمني مطلقاً، وهو الأمر الذي يدل على عدم جدية السلطة في وقف المفاوضات؛ إذ يعتبر التنسيق الأمني اسرائيلياً هو السبب الوحيد لبقاء السلطة الفلسطينية، وتعتبر الخدمات الأمنية التي تقدم للاسرائيليين ، هي احد اسباب التعنت الاسرائيلي، فالمواطن الاسرائيلي، وفق مراسل النيوزويك في الشهر الماضي، لا يهتم بتحقيق سلام مع الفلسطينيين، وكل ما يهمه هو تحقق الأمن، وما دامت السلطة الفلسطينية تحقق هذا الهدف، فلا حاجة لمعاهدة سلام مع الفلسطينيين.
لذلك يجب أن تعلن السلطة فوراً عن وقف التنسيق الأمني، وأن يترافق ذلك مع وقف مطاردة كل من ينتمون الى فصائل المقاومة، والأفراج الفوري عن عناصرهم من السجون والمعتقلات التابعة للسلطة الفلسطينية.
الوقفة الثانية مع قرار مقاطعة المفاوضات المباشرة،والتي تمثلت في كلمات المتحدثين باسم السلطة وباسم حركة فتح، حيث توافقت على أن البديل هو الذهاب الى مجلس الأمن لطرح القضية الفلسطينية، وهذا المشهد يدل على أمرين لا ثالث لهما : إما سذاجة هؤلاء المتحدثين وترديدهم كلاماً لا يدركون حقيقته أو الاستخفاف بعقول الشعب الفلسطيني، فإذا كانت المفاوضات التي قاربت عقدين من الزمن لم تحقق شيئاً، بل لم تحقق اقل القليل، فهل يعقل ان يحقق الذهاب لمجلس الأمن اقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 67 بما فيها القدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة، خاصة وأن أمريكا تمنع حلفاءها في الإتحاد الأوروبي، من التدخل المباشر في مسار المفاوضات بين الفلسطينيين واسرائيل، علماً ان الاتحاد الاوروبي هو الممول الرئيسي للسلطة الفلسطينية، ومع ذلك لا تسمح امريكا بدور فاعل لاوروبا في العملية السلمية لأن مطالب الأوروبيين متقدمة عن مواقف امريكا، وأمريكا تريد سلاماً وفق الرؤية الاسرائيلية، ولا أدل على ذلك من التنظير ومحاولة التسويق سنوات عديدة لرؤية بوش ، وهي الرؤية التي اخذها معه ولم يعد لها وجود، فكيف يتم الحديث الآن عن مجلس الأمن الذي لم يحقق ما هو أقل من ذلك للفلسطينيين.
إن الرباعية بكل مكوناتها لم تستطع أن تلزم اسرائيل باستمرار تجميد الاستيطان، مع أن أطراف الرباعية يؤمنون بأن الاستيطان يعتبر من العقبات الرئيسية امام العودة لطاولة المفاوضات، ولكنهم لا يفعلون شيئاً لاجبار اسرائيل على تجميد الاستيطان، فكيف بإعطاء الفلسطينيين دولة على حدود 67، ثم إن قرار مجلس الأمن 242 ومن قبله قرار 194 المتضمن حق عودة اللاجئين ما زالت موجودة فما الذي يمنع العالم من تنفيذها، الا أن يكون هذا ليس موقف دول العالم، فليست هناك دولة من الدول الفاعلة على مسرح السياسة الدولية تقول بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 67، ولذلك فإن الحديث عن التوجه الى مجلس الأمن هو بمثابة قنبلة دخانية للتغطية على حالة الفشل والاخفاق التي وصلت اليها السلطة الفلسطينية، واظهار القيادة السياسية بمظهر غير العاجز والقادر على المبادرة واللجوء الى البدائل، طبعاً اذا سمحت أمريكا بعرض القضية في مجلس الامن وهذا لن يحدث، لأنه يلغي تفرد امريكا بالامساك بهذا الملف.
المطلوب العودة الى الخيارات التي يطرحها الشعب الفلسطيني عبر قواه الفاعلة، ولكن طرح الذهاب الى مجلس الأمن خطوة استباقية لتعطيل اي خيار آخر حقيقي يمكن اللجوء اليه.
الوقفة الأخيرة، تتمثل بأن هناك شرائح وفئات نشأت مع نشوء السلطة الفلسطينية، ولم يكن لها علاقة بمرحلة الثورة والبندقية، وهذه الفئات مستعدة للتضحية بكل شيء ، بالوطن والمواطن، مقابل الحفاظ على مصالحها، ومصالحها مرتبطة ببقاء المفاوضات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، مما يعني عدم التنازل عن هذا الخيار، وهذا سيؤدي بالضرورة الى حالة قمع لكل معارضة حقيقية ومؤثرة، مع الابقاء على اشكال هزيلة من المعارضة السياسية، في القاعات المغلقة، والتي تكون اجرتها على حساب السلطة.
تأسيساً على ما ذكر، فالعودة للمفاوضات بإحدى أشكالها حتمية، لأنه ليس هناك خيار آخر أمام السلطة، بل هي لا تؤمن الا بهذا الخيار، وهذا دليل على أن الشعب الفلسطيني بحاجة الى التغيير الذي يعبر عن حقيقة اهدافة وثوابته.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونتي الخاصة: مدونة الصرفندي