الثلاثاء، 22 ديسمبر 2009

موقف فتح من جدار الموت هل يمثل دفاعاً عن مصالح الشعب الفلسطيني؟

فتح من جدار الموت هل يمثل دفاعاً عن مصالح الشعب الفلسطيني؟!بقلم:أ. سعيد الصرفندي


تاريخ النشر : 2009-12-22القراءة : 17




موقف فتح من جدار الموت هل يمثل دفاعاً عن مصالح الشعب الفلسطيني؟!
بقلم: أ. سعيد الصرفندي
جدار الموت الذي تؤكد الشواهد الحية على البدء بإنشائه، هو فكرة إسرائيلية –أمريكية، تم التفاهم عليها بين ليفني ورايس إبان العدوان الهمجي الإسرائيلي على غزة قبل عام، وكان التفاهم الأمريكي الإسرائيلي يقضي بتحميل مصر مسئولية القيام بخطوات يتم بموجبها منع حماس من التسلح مرة أخرى، وحيث أن أمريكا قادرة من خلال سيطرتها على البحر، وإسرائيل عبر السيطرة على حدودها مع قطاع غزة؛ فإن المطلوب من مصر القيام بخطوات من جهتها، لمنع وصول السلاح الى غزة.
وقد استطاعت حركة حماس من خلال الأنفاق، ليس فقط تهريب السلاح الذي يمكنها من خوض مواجهة ثانية في المستقبل، بل الحد من الحصار القاتل الذي يشمل حبة الدواء والغذاء، فقد استطاعت حماس وسكان قطاع غزة عبر الأنفاق من الصمود حتى الآن، مما جعل الاعتماد على لعبة الوقت ليس لصالح إسرائيل، فالحياة مع قسوتها في قطاع غزة، إلا أنها تسير، وفي نفس الوقت تظهر مصر وإسرائيل باعتبارهما طرفاً واحداً يحاصر اهل غزة، مما يزيد من التعاطف مع حركة حماس، ويحمّل مصر وإسرائيل مسئولية أخلاقية عن موت كل طفل أو مريض في قطاع غزة بسبب هذا الحصار الظالم.
هذا الواقع، بقدر ما أزعج أمريكا واسرائيل ومصر، بقدر ما يزعج السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فقد راهنت هذه السلطة على عامل الوقت الذي يخنق الحياة اليومية مما يضعف شعبية حركة حماس، وبالتالي التنازل سياسياً عن ثوابت الحركة في الحوار الذي كانت تتولاه المخابرات المصرية لإنجاز مصالحة وطنية فلسطينية، ولكن حركة حماس لم تفقد شعبيتها، ففي الضفة الغربية يزداد التعاطف معها بسبب الإعتقالات اليومية من قبل الاحتلال من جهة ومن الأجهزة الأمنية الفلسطينية من جهة أخرى، ويزداد هذا التعاطف مع اعتراف السلطة على لسان أبرز مسؤول فيها- الدكتور صائب عريقات- عن فشل منهج المفاوضات، كذلك في قطاع غزة؛ فإن مهرجان ذكرى انطلاقة حركة حماس دلل بشكل قاطع على أن شعبية حركة حماس لم تتأثر بفعل الحرب والحصار، وإنما تزايدت بشكل مقلق لإسرائيل والسلطة الفلسطينية، مما حدى بوسائل الاعلام الاسرائيلية تسليط الضوء على هذه الجزئية من احتفالات حماس وهي العدد الضخم الذي شارك فيها، ولا شك أن هذا سيكون محرجاً لحركة فتح التي ستحتفل بعد أيام بذكرى انطلاقتها، حيث لن تنجح بحشد نصف العدد الذي حشدته حماس في غزة في ذكرى انطلاقتها؛ لأن ذكرى انطلاقة حركة فتح ستكون في 1/1/2010 أي يوم الجمعة، وهذا معناه عدم مشاركة الطلاب والموظفين من خلال تأمين الباصات والحافلات عند المدارس والدوائر الحكومية أيام الدوام الرسمي، فالكثير ممن شارك في احتفالات فتح بذكرى انطلاقتها في السنوات السابقة كانوا من الطلاب والموظفين الذين وجدوا في المشاركة يوم عطلة، أما ان يتنازل الموظف والطالب عن يوم عطلته الرسمية ليشارك في ذكرى انطلاقة فتح؛ فإن الدوافع ستكون ضعيفة جداً، مما سيشكل احراجاً لحركة فتح، ولا أشك عندي مطلقاً بأن حركة فتح لن تعلن عن مهرجان مركزي في ذكرى الانطلاقة، بل ستكون هناك مهرجانات فرعية في كل منطقة وربما على مدى ايام متعددة، للخروج من مأزق العدد الذي سيلفت انتباه المراقبين مقارنة بالعدد الضخم الذي حشدته حركة حماس في ذكرى انطلاقتها في غزة.
إذن فلسطينياً، فالسلطة وحركة فتح من أكثر المتضررين من صمود حركة حماس في قطاع غزة، ، وحيث أن وجود حركة نشطة في الانفاق يعتبر من أهم مقومات الصمود ، فكانت المواقف التي اطلقتها قيادات في السلطة وفي حركة فتح حول بناء "جدار الموت" تعبيراً عن الصراع السياسي مع حركة حماس.
إن مواقف حركة فتح وقولها بأن بناء السور يعتبر شأناً داخلياً مصرياً، يلاقي غضباً فلسطينياً في الضفة والقطاع والشتات الفلسطيني بأكمله، فالحصار خطيئة اخلاقية في نظر العالم كله وقواه المحبة للسلام، ولذلك تنطلق حملات التعاطف مع غزة لكسر الحصار، فكيف في نظر الفلسطينيين أنفسهم، وقد شهدت صلوات التراويح في رمضان الماضي في كل العالم الاسلامي بما فيه الضفة الغربية، دعاء وبكاء وتضرعاً الى الله أن يفك الحصار عن قطاع غزة .
إن حركة فتح رسمياً ضد فرض الحصار على قطاع غزة، ولكن موقفها من جدار الموت واعتباره شأناً داخلياً مصرياً، يضر بشعبيتها، ويجعل الفلسطيني في كل مكان ينظر اليها باعتبارها شريكاً للاحتلال في حصاره لقطاع غزة.
جدار الموت ليس شأناً مصرياً داخلياً، فهو نتاج تفاهمات امريكية اسرائيلية لتركيع قطاع غزة وحركة حماس للتسليم بشروط الرباعية الدولية، ولا يجوز لحركة فتح ان تتساوق مع المخططات الامريكية الاسرائيلية لخنق قطاع غزة، فهذا لن يزيد من شعبيتها؛ بل سيزيد من شعبية حركة حماس، خاصة في ظل سيطرة حركة فتح على الضفة الغربية التي تشهد كل يوم مزيداً من الاستيطان وتهويد القدس والاعتداء على المسجد الأقصى، وصعوبة الحياة الاقتصادية للمواطن الفلسطيني وانخفاض القيمة الشرائية لرواتب الموظفين التي تتآكل كل يوم بسبب ثباتها من جهة وغلاء الاسعار من جهة أخرى.
لذلك يكون السؤال مشروعا في هذا السياق: هل موقف فتح من جدار الموت يمثل دفاعاً عن مصالح الشعب الفلسطيني؟! الجواب إذا صدر عن سياسيين قادرين على قلب المعطيات والحقائق سيكون نعم، ولكن السؤال نفسه لو عرض على الشعب الفلسطيني؛ فإن الجواب قطعاً سيكون لا، لا يمكن لهذا الموقف من حركة فتح تجاه جدار الموت أن يكون معبراً عن مصالح الشعب الفلسطيني؛ لأن تهاوي أو ضعف اي جزء من أجزاء الشعب الفلسطيني امام اسرائيل ومخططاتها يعني اضعافاً للكل الفلسطيني.
المطلوب من حركة فتح الآن أن تعلن أن بناء جدار الموت يضر بالمصلحة الفلسطينية، سواء كان ذلك آنياً أو على المدى البعيد، وأن هذا الجدار ليس من أجل الحفاظ على المصالح القومية لمصر، بل من اجل الحفاظ على مصالح اليهود؛ فقطاع غزة لم يكن في يوم من الايام خطراً على مصر وامنها القومي، بل ان مصر تتحمل مسئولية اخلاقية في إغاثة غزة لأن قطاع غزة تم احتلاله عام 1967 وهو تحت النفوذ المصري، فالمصريون مطالبون بتقديم كل شيء نصرة لغزة لا أن يقفوا عائقاً وسداً في طريق صمودها، من خلال تشديد الحصار عبر بناء جدار الموت الذي يقصد منه تركيع حماس سياسياً، صحيح أن هناك صراعاً بين حركة فتح وحركة حماس، ولكن هذا الصراع يتطلب المحافظة على ثوابت اخلاقية ووطنية اثناء ادارته، فلا يعقل ان تتخلى حركة وطنية كحركة فتح عن مصالح الشعب الفلسطيني بتأييد بناء جدار الموت .
sarafandisaed@yahoo.com
ssarafandi@hotmail.com
مدونة:

الأحد، 20 ديسمبر 2009

ردا على الأخ رمضان عيسى

رداً على الاخ رمضان عيسى بقلم:أ. سعيد الصرفندي
طرح الاخ رمضان عيسى مجموعة من الأسئلة في تعليقه على مقال بعنوان " الإخوان المسلمين بين الاممية وسايكس-بيكو للدكتور زياد سعد ، وكانت الأسئلة كما يلي:
هل الايمان بالله ورسوله يوصل المؤمن للجنة ، أم لا ؟ هل يجب لدخول الجنة الانتماء لتنظيم ديني ؟ هل الانتماء للتنظيم والاخلاص له لا يخل بوحدانية الايمان بالله ؟ هل انشقاق المنظمات الدينية وتكوين منظمات جديدة بنفس الفكر ، هو انشقاق لمصلحة أفراد ، أم بمبررات دينية ؟ هل الموت في معارك بين المنظمات الدينية يوصل للجنة ؟
وسوف أحاول الإجابة على تلك الأسئلة بدءً من السوال الأول :
هل الايمان بالله ورسوله يوصل المؤمن للجنة ، أم لا ؟
لا شك أن الإيمان بالله من أعظم أركان الإيمان في الاسلام، والايمان بالله يتطلب التعرف على الله، ولا تكون المعرفة يقينية الا إذا كان العقل هو الطريق لهذا الايمان، وحيث أنني تعرفت –بحكم دراستي الأكاديمية- على معظم العقائد والديانات والأفكار، فلم أجد أحداً غير المسلم مطالبٌ باستعمال عقله لاثبات عقائده، وأبرزها الإيمان بالله.
والإيمان بالله لا ينفصل عن الإيمان بأسمائه وصفاته، فالإيمان فقط بوجود الله لا فضل فيه ولا ينجي يوم القيامة؛ لأن هذا الإيمان فطري، فلم تعرف البشرية الإلحاد إلا في العصر الحديث، أما قديماً فلم يكن الإلحاد الا حالات فردية لم تتحول الى تيار فكري او شعبي، وقد أثبت الله جل جلاله أن المشركين كانوا يؤمنون بوجود الله، فقالوَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ * اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ" حتى أن الآلهة التي صنعوها بأيديهم لم يزعموا انها الإله الخالق الكبير، فقالوا :" مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ".
فالفطرة التي يمكن تشويهها أحيانا ولكن لا يمكن إلغاؤها، تعترف في ظروف معينة بوجود الله وضرورة التوجه اليه لطلب الغوث والمعونة عندما تنقطع الأسباب المادية، وهذا يجده كل إنسان في نفسه، وإن كابر وأنكر ذلك بعقله.
ولذلك عندما يطالبنا الله بعبادته، فإنه يطلب منا معرفته، فلا عبادة على الحقيقة الا بمعرفة المعبود، ولا تتحقق العبادة بالمعنى الكامل، اي المملوكية لله الا بمعرفته، فالله يملكنا ملكية مطلقة وليست ملكية اعتبارية كملكيتنا للاشياء، فالإنسان قد يملك عبداً ولكنه لا يستطيع حرقه أو تعذيبه لأن ملكيته له مقيدة باحكام، والانسان كذلك يملك اعضاءه ولكنه لا يستطيع بترها؛ لأنه يملكها ملكية مقيدة، أما الله فإن ملكيته لنا ملكية مطلقة، يجب أن نكون بكل فكرنا وإحساسنا، بكل جوارحنا عبيداً لله الواحد الأحد.
فالإيمان الذي ينجي عند الله ويدخل صاحبه الجنة هو الإيمان المبني على العقل في أصله، فالموجودات كلها إما مخلوقة لخالق أو غير ذلك، ونحن كمسلمين نقر بأنها مخلوقة لخالق، فالنظام الذي تخضع لها الكواكب مثلاً، إما أن يكون من الكوكب على انفراد أو من اجتماع الكواكب أو من الله أو من قوة غير الله، والقول بأن كل كوكب وضع نظامه فاسد عقلاً ولا يقول به أحد من العقلاء، وكذلك اجتماع الكواكب لوضع نظام لها فهو أفسد من سابقه، فلا يبقى الا القول بأن النظام من عند الله أو من عند غيره، والكواكب تسير وفق نظام دقيق مرده العلم، فلا بد من القول بان الخالق عالم، وهذا الخالق عندنا هو الله، فمن هو عند من لا يؤمن بالله. وما هو مصدر النظام عند من لا يؤمن بالله.
معرفة الله والإيمان به تدخل الطمأنينة على قلب المؤمن، فهي تجيب على السؤال العظيم في حياة البشر : من أين جاء الانسان، وما هي الغاية من وجوده، والى أين المصير بعد الموت؟ وكل من لم يؤمن بالله فإنه يعيش خوفاً واضطراباً فكرياً وسلوكياً لأنه لم يجد جواباً مقنعاً لعقله وموافقاً لفطرته.
اما الإيمان برسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو جزء من الايمان بفكرة النبوة التي توافق العقل، فالله جل جلاله جعل هناك نظاماً وناموساً لهذا الكون، وخرقه عقلاً لا يتأتى الا بموافقة الله، وعندما جاء الانبياء بالمعجزات الحسية التي تخرق ناموس الكون استسلمت عقولهم لذلك وآمنوا بأن الذي يفعل ذلك نبي مرسل من عند الله، اما بخصوص محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فكانت معجزته القرآن، وكل عاقل مضطر للنظر في مصدرية القرآن يجب ان يقول : القرآن إما من عند محمد وادعى أنه من عند الله ، أو أن هناك من ساعده على كتابته ونسبة ذلك الى الله، أو يكون من عند الله حقاً ، والحقيقة أنه ليس هناك مصدر رابع حتى يناقشه العقل. والمسألة بكل بساطة أن العرب مجتمعين وهم أهل الفصاحة والبلاغة عجزوا مجتمعين مع حاجتهم الى اثبات كذب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عجزوا عن معارضته والإتيان بمثله، وما يصدق عليهم من العجز ينسحب عليه كفرد، فما عجزوا عنه مجتمعين يعجز عنه منفرداً، فلا يبقى إلا الاعتراف بأنه من عند الله. وبذلك فكل من آمن بالله ورسوله وعمل بمقتضى هذا الايمان فإنه يستحق دخول الجنة؛ لأن الله لا يليق به الكذب، وقد وعد من آمن وعمل صالحاً أن يدخل الجنة، والأمر كذلك. وليت المقام يتسع للتفصيل ولكن بما قلناه كفاية في هذا الأمر.
اما السؤال الثاني : هل يجب لدخول الجنة الانتماء لتنظيم ديني ؟
هذا لم يقل به أحد من المسلمين، فالإنتماء لتنظيم ديني ليس فرض عين، ولكن عمل التنظيم قد يكون فرض كفاية، فالجهاد مثلاً إذا قام به تنظيم ما فإنه فرض كفاية، أي اذا قام به البعض سقط الإثم عن باقي المسلمين، وقد يكون عمل التنظيم أو الجماعة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا بطبيعته لا يستطيعه كل الناس لأنه يتطلب العلم الشرعي وعلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا أمر لا يستطيعه كل مسلم؛ لذلك لم يقل أحد من علماء المسلمين أن الانتماء لتنظيم ديني من مستلزمات دخول الجنة.
أما السؤال الثالث: هل الانتماء للتنظيم والاخلاص له لا يخل بوحدانية الايمان بالله ؟
لا أدري إذا كان السؤال مضبوطاً، ولكنني سأحاول الإجابة: إذا كان الانتماء لتنظيم ديني باعتبار انه وسيلة لخدمة الاسلام فإن المنتمي للتنظيم الديني مأجور، فما لا يتم الواجب الا به فهو واجب – مع الإشارة الى تقسيم الواجب الى عيني وكفائي-، أما اذا كان الانتماء للتنظيم من أجل المصلحة الشخصية أو الحزبية، والطاعة العمياء للتنظيم حتى لو أمر بما يخالف امر الله قطعاً، فهو شرك لا شك فيه.
اما السؤال الرابع: هل انشقاق المنظمات الدينية وتكوين منظمات جديدة بنفس الفكر ، هو انشقاق لمصلحة أفراد ، أم بمبررات دينية ؟
إذا كان الإنشقاق على أساس الأفكار نفسها التي قام عليها التنظيم الأم، دون اختلاف في الاصول او الفروع؛ فإنه لا يكون من أجل الله ولكن من أجل المصلحة الفردية ولو كانت المبررات دينية.
أما السؤال الأخير: هل الموت في معارك بين المنظمات الدينية يوصل للجنة ؟
لا شك أن الذي يحمل السلاح على المسلمين باعتبارهم مسلمين فليس منهم؛ أما إذا كان يغلب على الظن أن القتال لخدمة الاسلام فإن الله يحاسب الناس على نياتهم وإن أخطأوا، وهذا ليس تبريراً للقتل، فلا يجوز قتل المسلم الا خطئاً، لقول الله جل جلاله:" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً".
لا اقول انني اجبت إجابات شافية، خاصة لمن لا يؤمن بالاسلام؛لأن هناك مسائل فرعية لا يقبلها الا من آمن بالأصول وهي: الإيمان بالله ورسوله وأن القرآن من عند الله .
sarafandisaed@yahoo.com
ssarafandi@hotmail.com
مدونة: sarafandisaed.blogspot.com

السبت، 12 ديسمبر 2009

اجوبة على اسئلة حميد الشاكر حول الدين والدولة

اجوبة على أسئلة حميد الشاكر حول الدين والدولة/أ سعيد الصرفندي الخميس 09 /7/ 2009
عندما قرأت المقال المنشور على صفحات دنيا الوطن بعنوان " من يجيب على اسألتي في قصة الدين والدولة" للكاتب حميد الشاكر ايقنت أن هناك من يطرح قضايا جدية تحتاج الى جواب مقنع، وأن كثيراً من الإنحرافات الفكرية عند جيل الشباب سببها عدم اتساع عقول وقلوب الشيوخ للإجابة عنها؛
ذلك أن هناك من يعتقد أن ما أقنعه في زمانه يجب أن يقنع الآخرين بالضرورة ، وأن ما قاله العلماء السابقون يجب أن يكون مسلمات عند الجيل الحاضر، وأن السلف افقه وأتقى من جيلنا الحاضر...الخهناك فرق بين الدين وبين الفكر الديني، فالدين هو النصوص المنزلة من عند الله سبحانه وتعالى، والفكر الديني هو الفهم البشري لتلك النصوص، وهذا الفهم يتغير ويتبدل بسبب جملة من العوامل منها: المصالح الشخصية لمن يفسر النص الديني، فالأمويون ومن بعدهم العباسيون مثلاً كان علمائهم يفسرون كثيراً من النصوص لتصب في خانة "القدرية" التي تؤمن بأن أفعال الإنسان موافقة لقدر الله، في محاولة لإثبات أن الظلم والبغي والعدوان من حكامهم وولاتهم مكتوبٌ عليهم من الله وموافق لما أراده الله، في محاولة لإسقاط العقوبة عن جرائمهم وظلمهم، فالله هو الذي يخلق أفعال الإنسان ويجبره على أفعاله فهو مسير لا مخير، وما دام الله هو الذي يسيرنا كما يشاء فلا اعتراض على أفعالهم لأنها من خلق الله وكل اعتراض من الناس على أفعالهم هو بمثابة اعتراض على الله، فكان هذا الفهم يحقق مصلحة للحكام. وعندما أراد المعتزلة أن يكشفوا الغطاء الشرعي عن الحكام، قالوا أن أفعال الإنسان لا يخلقها الله ؛ ولكن الإنسان نفسه هو الذي يخلق أفعاله واذا كان هو الذي يخلق هذه الأفعال بمحض اختياره فهو معاقب على فعله إن كان شراً ويثاب على فعله إن كان خيراً، فالحاكم الظالم الذي يأكل أموال الناس ويجلد ظهورهم لا يعفى عن أفعاله . وفي كل الأحوال ليس هذا هو الدين ولكنه فهم للدين يحقق مصلحة لأصحابه أو منظريهم. كذلك من عوامل اختلاف الفهم للنص الديني هو التعصب المذهبي، فقد يتم لَيّ ٌ عنق النص ليوافق ما تقرر عند أصحاب هذا المذهب أو ذاك، وتفصل النصوص أحيانا عن بعضها البعض ليستخرج منها مجتزأة ما يوافق المذهب . كذلك من اسباب الاختلاف في فهم النص الديني الزمان والمكان، فقد يفهم الناس نصاً على وجه ما بسبب عدم الاحاطة بالواقع الذي يتناوله النص ثم يتغير هذا الفهم بسبب تراكم المعرفة البشرية التي استطاعت استكشاف الواقع بشكل أفضل.هذه المقدمة اردت أن اسوقها قبل البدء بالإجابة على أسئلة حميد الشاكر، الذي بدأ بالتساؤل عن علاقة الدين بالدولة، ولأن السائل لم يحدد أي دين يقصد فإنني اجيب من باب إجابة السائل الى ما قد يحتاج اليه عملاً بمنهج النبي صلى الله عليه وآله المأخوذ من جوابه للسائل الذي سأل : يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل القليل من الماء فإن توضئنا منه عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال عليه السلام : هو الطهور ماءه الحل ميتته" فالسائل يسأل عن ماء البحر ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجيبه عن ما يؤكل لأنه قد يسأل عنه ما دام يركب البحر.أفترض أنه يسأل في البداية عن الدين بشكل مطلق وعن الدولة كذلك بشكل مطلق، فأقول : أن الدين فطري في الانسان باعتباره إنساناً ، فلا تجد أثراً لتجمع بشري الا وفيه آثار لأماكن عبادة أو أدوات عبادة، ولقد عرف التاريخ البشري شعوبا ليس لها علاقة بالفلسفة أو الفن أو الموسيقى ، ولكننا لا نعرف شعباً لم يعرف الدين.ومن الملفت للنظر أن القرآن خلا من التركيز على أدلة وجود الله ولكنه ركّز على فكرة التوحيد؛ ذلك أن توضيح الواضحات من المشكلات، إضافة الى أن انكار وجود الله لم يكن موجوداً في الأمم السابقة، فلم تحتج الاديان لإثبات فكرة الألوهية عند من لا ينكرها .أما حقيقة الفكرة التي يتدين بها الناس فهي مسألة أخرى،فلا يمكن أن نحكم على دين الا من خلال أمرين : ابتناؤه على العقل ، أي تم التوصل الى فكرته الاساسية من خلال العقل، كوجود خالق لهذا الكون، وبما ان حكم العقل قد لا يكون مطلقاً لاعتبارات كثيرة ، فكان لا بد من مصدر آخر يصادق على صحة الفكرة : وهي كونها موافقة لفطرة الإنسان، ومن هنا يحكم على الدين وفق المعيارين السابقين .هل هناك من تدين بدون التحقق من صدق الفكرة الدينية ؟ نعم حصل هناك انحراف في التصور الديني والفكر الديني عن الكون والانسان والحياة ، نتيجة عوامل كثيرة أهمها وجود فئة تقوم على خدمة الدين وتعليم الشعائر الدينة، هذه الفئة ظهرت لها مع الزمن مصالح ارادت الحفاظ عليها من خلال تشويه الفكر الجمعي حتى يكون خاضعاً لهم ويحقق مصالحهم ،وطبيعي أن قيام مناسك دينية جماعية يعني وصول هذا المجتمع الى مستوى من التطور التنظيمي والسياسي الذي يفترض وجود قوة تحافظ على توازن المصالح في هذا التجمع الانساني،وهي نواة الدولة، فكانت الدولة والدين تعيشان علاقة جدلية، فلا يمكن وجود الدولة الا في ظل وجود فكرة التدين ، وكذلك الحفاظ على مصالح الفئة المنتفعة التي شوهت الدين وحرفته لمصالحها يقتضي وجود آله قمع إذا لم يستجب الناس طواعية فيؤدوا ما عليهم من التزامات مادية تجاه سدنة الدين.بقي هذا الأمر حتى اعتنقت أوروبا الديانة المسيحية فقويت أواصر العلاقة بين المؤسسة السياسية" الدولة" وبين المؤسسة الدينية. ويمكن القول باختصار أن الدولة والدين كانتا من مقتضيات بقاء اوروبا على ما هي عليه.عندما انتصرت الثورة الصناعية في اوروبا الاقطاعية التي كانت ذات علاقة وطيدة بالمؤسسة الدينية، بدأت تتضارب المصالح بين الفئة الرأسمالية الصاعدة التي تريد التخلص من سلطان الكنيسة لسن قوانين تحقق مصالح هذه الفئة الناشئة ، وبين المؤسسة الدينية التي تحافظ على مصالح دولة الاقطاع، ومن هنا كانت سمة مفكري ومنظري الثورة الصناعية أنهم ملحدون، حتى أن المنصفين في علم الاجتماع قالوا ان نظرية داروين " النشوء والإرتقاء" لم تكن نظرية علمية بقدر ما كانت نظرية سياسية ، فقد أرادت الطبقة الرأسمالية الناشئة أن تنهي سيطرة الكنيسة على الانسان من خلال اثبات أن هذا الانسان ليس مخلوقاً لله، وبالتالي ليس من حق ممثليه " الكنيسة" أن تسيطر على القوانين التي يخضع لها الانسان.وانتهي النزاع بين الكنيسة باعتبارها ممثلة للطبقة الاقطاعية وبين الطبقة الرأسمالية بفصل الدين عن الدولة، وكان هذا الأمر مقبولاً في اوروبا لأن الدين المسيحي لا يشتمل على فكرة الدولة وإن كان هذا الدين قد تحالف مع الدولة.الناس في أوروبا لم يكونوا بحاجة الى الدين لأنه لا يشتمل على تنظيم الحياة السياسية والاقتصادية وغيرها من الأنظمة المتحكمة في حياة المجتمع.إذن حينما نتحدث عن الدولة والدين في اروبا ، فإن ما تقدم يبين طبيعة العلاقة بينهما.أما عند الحديث عن الاسلام باعتباره ديناً وبين الدولة،فإن الحديث مختلف ، فالدين الاسلامي تناول كل جوانب الحياة، وطلب من الناس أن يحكموا بشرع الله، وهذا لا يكون الا من خلال دولة؛ الا أن الاسلام لم يحدد في نصوصه تفاصيل الدولة الاسلامية، وكل ما يقال في هذا السياق هو جزء من الفكر الديني وليس من الدين، حتى أنني بذلت جهداً في محاولة التعرف الى تعريف الفقاء والعلماء للدولة الاسلامية فغلم أجد شيئاً متفقاً عليه مما يدل على أن تعريف الدولة الاسلامية يخضع في التفاصيل لوجهه نظر هذه الجماعة او الحزب أو ذاك.الدولة مصطلح متغير في دلالته، فالدولة التي اقامها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليست هي الدولة التي يريدها المسلمون اليوم، فقد كانت دولة النبي عليه الصلاة والسلام دولة تتناسب مع الزمن الذي نشأت فيه، دولة بسيطة تتناسب مع بساطة المهمات التي كانت تطلب منها.ثم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقيت الدولة مشابهة لدولته بسبب التغيرات البطيئة ليس فقط في الدولة الاسلامية وإنما على مستوى كافة الدول في ذلك الزمان، اما بعد خلافة الخلفاء الاربعة بدأت الدولة علاقة جديدة مع الدين؛ إذ تم توظيف الدين لخدمة الدولة ، فتم تغيير شكل النظام السياسي من نظام يعتمد على الشورى الى نظام ملكي، يشابه الدول العظمى في ذلك الزمان، وأوجد علماء السلاطين فهما دينياً بعيد في بعض الاحيان عن الدين. لمصلحة الدولة .وبقي ذلك حتى نهاية الدولة العثمانية. الدولة تستغل الفكر الديني لتحقيق مصالح الفئة الحاكمة. لذلك إذا اردنا الحديث عن الدولة الاسلامية الآن فهي دولة حديثة ، يتفق الناس على آليات انتخاب الحاكم ومدة حكمه، فلا يجوز أن يحكم الحاكم مدى الحياة لأنه ثبت أن طول البقاء في السلطة يخلق مصالح للحاكم تخلق الاستعداد للقمع والقهر للدفاع عنها.كذلك فإن الطريق الى إقامتها ليست من الدين وإنما من الفكر الديني، فلا يوجد نص على كيفية اقامة الدولة وهيكلها الاداري؛ لذلك نحن مطالبون بإقامة دولة تطبق من الاسلام ما تستطيع دون تهاون منها في تطبيق ما لا تستطيع ، فإن الدولة أو المجتمع المسلم ليست نسخة واحدة، قد تفقد الدولة والمجتمع المسلم اليوم بعض الصفات التي كانت ملازمة لدولة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء الراشدين من بعده، ولكنها تبقى دولة اسلامية.هذا ما حضر في الذهن سريعا للرد على تساؤلات الاخ حميد الشاكر على أمل أن تكون هناك ردود اوسع لاحقا .

هل يشكل حزب التحرير حماية للحكام من شعوبهم

هل يشكل حزب لتحرير حماية للحكام من شعوبهم؟! بقلم: أ. سعيد الصرفندي
تاريخ النشر : 2009-07-01
القراءة : 2697

حزب التحرير :هل يشكل حماية للحكام من شعوبهم ؟!بقلم: أ. سعيد الصرفنديبعد سقوط الدولة العثمانية عام 1924، والتي تسمى عند حزب التحرير "دولة الخلافة العثمانية"، بدأ العمل عند البعض لإعادتها منذ ذلك الوقت، باعتبارها دولة أوجب الشرع على المسلمين إقامتها والحفاظ عليها، وقد تفاوت الجهد المبذول في ذلك، حتى عرفت الأمة نشوء حزب التحرير عام 1952، وهو الحزب الذي ارتبط اسمه بدولة الخلافة، مما أدى الى أن يكون الجهد كله، ثقافة وتثقيفاً واتصالاً بالناس، مرتبطاً بفكرة اقامة دولة الخلافة الاسلامية.ومن العجيب أنهم يعتبرون الدولة العثمانية التي هدمت عام 1924 هي دولة خلافة توقفت الحياة الاسلامية عندها ولا بد من استئنافها، علماً أن تلك الدولة التي كانت تسمى بالرجل المريض كانت تنتظر منذ مئة عام أن يتفق الاوروبيون على تقاسمها، فهي دولة ضعيفة استجابت لإملاءات الدول الاوروبية في حينه سواء فيما يتعلق بالدستور او الامتيازات التي حصلت عليها الجاليات الغربية ومن أهمها وجود محاكم خاصة تحكم بقوانين الدول الغربية، الى الصمت المريب تجاه احتلال مصر وفلسطين من قبل بريطانيا، الى غير ذلك من الانجازات العظيمة التي فعلتها الدولة العثمانية، كالفقر الذي تفشى في البلاد العربية والجهل بحيث أنك كنت لا تجد في سبعة قرى من " يفك الخط" ، ايعقل هذا في دولة تقوم على أساس الكتاب والسنة وشعوبها من أهل العربية لا يقرأون القران ولا يعرفونه، بل هناك قرى كثيرة لم يكن فيها مسجد تقام الصلاة فيه، هل هذه هي دولة الخلافة التي توقف تطبيق الاسلام عندها وتريدون استئنافها. دولة فقدت كل صلة وصفة بدولة الخلفاء الراشدين، ولم يبق الا صفة " دولة الخلافة" ، هل أصبح تقديس الاسم على حساب الجوهر والمضمون هو المطلوب. إنني اتفهم ويتفهم كل مسلم لو كان الهدف هو استئناف حكم الاسلام الذي كان في عهد الخلفاء الراشدين وهدمه معاوية حين اغتصب الحكم وسلمه لابنه حتى اصبحت الخلافة كرة يتلاعب بها بنو أمية ومن بعدهم عائلات كبرى جعلت الحكم ميراثها الذي لا ينازعه فيه أحد، وكل خروج عليهم هو خروج على الله.لم يكن هناك من يدرك عند الحزب أن الدولة التي أقامها النبي صلى الله عليه ةآله وسلم لها شقان، الشق الأول هو التشريع الذي لا تتغير ثوابته العقائدية والتعبدية؛ لأنه خارج سياق الزمان والمكان، فهو تصور كلي عن الكون والانسان والحياة: من أين جاءت وما هي الغاية من وجودها والى اين المصير بعد الموت وما اعده الله جل جلاله للمتقين وللكافرين. أما الشق الآخر فهو الشق المتعلق بالنظام السياسي حيث لا يمكن اعتباره ثابتاً لأنه وليد مستوى معين من تطور المجتمع، يتغير بفعل لزمان والمكان.قبل سقوط الدولة العثمانية بدأت الدولة القومية في الظهور تأثراً بالدولة القومية التي ظهرت في أوروبا، وكان هذا التأثر بالشكل قوياً جامحاً، فقد كانت أوروبا تقول للعرب والمسلمين من خلال نظامها أن الحاكم ليس سيداً للأمة بل هو خادم أو موظف عند الشعب، يمكن استبداله إذا تجاوز حدوده، كانت أوروبا تقول ذلك لأمة عاشت مئات السنين لا تعرف من السياسة الا التأمين على دعاء الشيخ للخليفة، ولا تملك الا أن تقول عاش الخليفة ... مات الخليفة وعاش الخليفة الجديد. وهذا ما جعل الناس يحاولون تقليد النظام السياسي الاوروبي مع بقائهم مسلمين، فهم أرادوا استبدال النظام السياسي بنظام جديد ولكنهم لم يسعوا الى استبدال عقيدتهم وتشريعاتهم الثابته، حتى لو جاءت حكومات تلغي كثيراً من التشريعات الاسلامية في حياتهم .إذن أصبحت الدول القائمة دولاً بعيدة عن الاسلام،واستطاعت من خلال المجالس النيابية والتشريعية الحفاظ على مصالحهم،فكان واجب الأمة خلعهم والتخلص من شرهم، وهنا كانت اشكالية الطريقة لفعل ذلك. هل هناك طريقة شرعية أم طريقة سياسية تتعامل مع الواقع القائم ؟لقد قفز حزب التحرير الف واربعمئة عام ليستحضر طريقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاقامة دولة الاسلام، وهي الطريقة التي كانت مناسبة ومنسجمة مع ذلك الزمان، إذ لم يكن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يخالف زمانه في الطريقة والاسلوب، فكان طلب النصرة طبيعياً في زمانه، بل لا يمكن لأي جماعة تنشأ في ذلك الزمان أن تقفز على طلب النصرة، فهي الطريقة الوحيدة لوصول المظلوم الى حقه، ومن هنا كان حلف الفضول على أثر مظلمة حصلت في قريش، فكان الضعيف يلجأ الى ذوي القوة والمنعة لانصافه من أجل تحقيق هدفه، وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، طلب النصرة من زعماء القبائل، وكان هذا واقعة حال لا يترتب عليها حكم شرعي، ومعنى واقعة الحال هو حصول أمر لا يفهم منه أنه قيد أو شرط أو صفة، فصلاة الجمعة التي حصلت أول مرة في المدينة حضرها حسب بعض الروايات ربعون رجلاً، فجاء من يقول لا تنعقد الجمعة الا بأربعين رجلاً فما فوق، وهذا باطل لأن العدد لم يكن شرطا، بل هكذا حصل، فلا يبنى على ذلك حكم شرعي لأنه واقعة حال.وهكذا حصل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يترتب على طريقته في إقامة الدولة الاسلامية ما يلزمنا بنسخ طريقته، سيما وان مفهوم الدولة في زمنه صلى الله عليه وآله يختلف عن مفهوم الدولة في زماننا، فالدولة مصطلح تتسع دلالته بتغير الزمان والمكان لأنه مرتبط بالمجتمع الذي يتغير باستمرار ولا ينكر هذا الا شقي.إذن التغيير في زماننا يحتاج الى طريقة ناجعة وقادرة على التغيير، فخرج من بين المسلمين من يقول إن التغيير يمكن ان يكون باستغلال هامش الحرية التي التزمها الحكام القائمون، ويمكن أن يتم هذا من خلال الانتخابات التي توصل حتماً الى فوز المسلمين في بلاد جل اهلها من المسلمين، والتجارب اثبتت ذلك، بل إن التجارب تثبت أن الكفار وعملاؤهم من الحكام يعملون المستحيل كي لا ينتخب الناس الحركات الاسلامية التي اختارت هذا الطريق .في هذا السياق الذي اصبح مقبولاً فيه التغيير من خلال الانتخابات لقلع نفوذ الحكام من المجالس التشريعية والنيابية، وهي المجالس التي ثبتت هؤلاء الحكام واعطتهم الشرعية امام شعوبهم، في هذا السياق يأتي حزب التحرير ليقول أن هناك طريقة واحدة لإقامة الدولة الاسلامية، وهي طلب النصرة من الجيش لتسليم الحكم لحزب التحرير. الا يعلم هؤلاء أن جيوش المسلمين هي التي تعمل ضد الاسلام وأهله وتمنع تطبيق شرع الله، وأنهم أصبحوا مثل سادتهم لهم مصالح يدافعون عنها ولو وصل الأمر الى حد القتل . الا يعلم هؤلاء أن الجيوش التي شاهدت القتل والدماء للاطفال والنساء والشيوخ في غزة ولبنان، ولم تحرك ساكناً بل كانت تقمع المتظاهرين المتضامنين مع غزة، هؤلاء لن يستجيبوا لجهاز النصرة من حزب التحرير، وستظل تلك الجيوش حصناً امام التغيير لا طريقاً للتغيير.امام هذا كله، وامام تحريم الحزب للتغيير من خلال الانتخابات أو الثورة المسلحة ضد لحكام، وتأثيم كل من يشارك في آليات التغيير التي لا يرضاها الحزب،بحجة أن هناط طريقة شرعية للتغير واقامة الدولة الاسلامية وهي طريقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، امام ذلك كله الا يكون السؤال مشروعاً وهو : هل هل يشكل حزب التحرير حماية للحكام من شعوبهم؟!सरफंदिसेद@याहू.com

حول السنة والشيعة وأشياء اخرى

حول السنة والشيعة وأشياء أخرى / أ. سعيد الصرفندي
الكاتب : مكتب القاهرة أضيف بتاريخ :26-07-2009 2:33:53 PM [ قراءة : 894128 مرة ]
حول السنة والشيعة وأشياء أخرى / أ. سعيد الصرفندي كثيراً ما نقرأ مقالات مكتوبة من أهل السنة تقدح في الشيعة وتكفرهم، كذلك نجد في كتابات الشيعة ما يماثل ذلك، والأنكى من هذا كله أن تجد في هذه الكتابات أو تلك شتماً أو حقداً يُستدعى خلاله الموروث التاريخي الذي لا يعرف العوام في الجهتين تفاصيله بل يقفزون إلى النتائج المقررة عند كلٍ منهما تقليداً وثقة بما قاله العلماء السابقون عندهم.هناك من يقول أن الأصل في المسلم أنه ليس سنياً ولا شيعياً، بل مسلم ينتمي إلى الإسلام قبل أن ينقسم الناس إلى سنة وشيعة، ثم بعد ذلك ينظر في أدلة كل طرف فيختار ما يغلب على ظنه أنه الحق، أما تزكية مذهب على مذهب دون إقامة الدليل على ذلك فهو من التعصب المذموم وإتباع للهوى وليس إتباعاً لأمر الله ورسوله، فلو ولد الخميني أو أحمدي نجاد في عائلة سنية لما استنكف عندما يذكر أمامه أبا بكر وعمر أن يقول:" رضي الله عنهما" ، ولو ولد ابن تيمية وابن عثيمين في "قُم" لعائلة شيعية لقال كلما ذكر المهدي أمامه : عجل الله فرجه.السنة ليسوا فريقاً منسجماً لا على مستوى العقيدة ولا على مستوى الفقه العملي، وقد تجد أحيانا من الخلاف بين أهل السنة ما يفوق الخلاف بينهم وبين الشيعة، كذلك تجد أن الشيعة مختلفين في مسائل عقائدية وعملية.لو نظرنا إلى اختلاف أهل السنة لوجدناه بينهم في أدق المسائل العقائدية، فهناك من يقول برؤية الله يوم القيامة عياناً وهناك من ينكر من أهل السنة ذلك، وهناك من يقول بأن الاستواء على العرش حقيقي وهناك من يعتبر ذلك تجسيماً لا يليق بالله، وهناك من يثبت صفات الله وهناك من ينكرها، وهناك من يتأول الصفات وهناك من يجريها على الحقيقة ، هناك من يقول بالحقيقة وهناك من يقول بالمجاز في صفات الله.وعلى مستوى القرآن فهناك من أهل السنة من قال أن القرآن مخلوق وهناك من كفّر من قال ذلك وهم من أهل السنة، وحجة المعتزلة الذين قالوا ان القرآن مخلوق: أن القول بأزلية القرآن يعني تعدد القدماء وهذا شرك . كذلك وجد من أهل السنة من يقول بأحاديث يفهم منها أن القرآن فيه نقص، وهناك من رد هذه الأحاديث دراية لأنها تخالف ظاهر القرآن .أما بخصوص النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " فهناك من يقول بعصمته بعد النبوة فقط وهناك من يجعل عصمته قبل النبوة لأنها من مؤيدات النبوة، وهناك من ينسب اليه الخطأ بعد النبوة في المسائل الدنيوية وهناك من يقول أن هذا لا يليق نسبته اليه، وهناك من يقول بأن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " سحر بناء على الأحاديث الصحيحة وهناك من ينفي ذلك ويرده بقول الله سبحانه وتعالى : " والله يعصمك من الناس " أو لأن هذا يجعل الكفار صادقين بدعواهم " إن تتبعون الا رجلاً مسحوراً " وهكذا نجد أن هناك خلافات عقائدية كبيرة بين أهل السنة، علماً أن اصطلاح " أهل السنة" غير منضبط فهناك من يجعل الأشاعرة والماتوريدية والمعتزلة ليسوا من أهل السنة، وهذا معناه إخراج جمع كبير من علماء الأمة من مذهب السنة، بل يمكن القول أن معظم علماء الأمة السابقين كانوا أشاعرة في العقيدة.كذلك لا يمكن وضع الشيعة في سلة واحدة فهناك من ينسب الى التشيع وهو كافر عند الشيعة، فغلاة الشيعة من الاسماعيلية والدروز والعلوية هم كفار عند الشيعة الامامية، إذ يقولون بالحلول والاتحاد وهي عقيدة كفر عن الاثنا عشرية، وكذلك هناك الزيدية التي ترى أفضلية علي عليه السلام على أبي بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم-ولكنهم يصححون خلافة ابا بكر ويقولون بجواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل وهو علي .كذلك هناك من يقول من الإثنا عشرية بأن القرآن فيه تحريف وهناك منهم من يسوق عشرات الأدلة النقلية والعقلية على أن القرآن الذي بين أيدينا هو الذي نزل به الروح الأمين على قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لذلك لا يجوز التعميم كما عند ابن تيمية في منهاج السنة: والشيعة يقولون يتحريف القرآن"، لأن هذا لا يعم الشيعة كلهم.هذا كله يدل على أن السنة والشيعة ليستا دائرتين محددتي المعالم بدقة، فليس كل من قال أنه سني يكون بالضرورة على صواب وليس كل من قال أنه شيعي لا بد أن يكون على صواب .أما القول بأن علياً عليه السلام كان أولى بالخلافة من أبي بكر فهذا لا يصحح مذهب الشيعة وكذلك لا يصحح مذهب السنة قول البعض أن الشيعة يسبون الصحابة؛ إذ صحة المذهب لا تثبت هكذا.عندما تحدث العلامة يوسف القرضاوي – أطال الله عمره- عن المد الشيعي في المجتمعات السنية ، تحدث أيضاً عن واقع هذه المجتمعات، ونهم من جملة ما قاله أن هناك تقصيراً من علماء السنة في خلق الوعي الاسلامي المطلوب لمنع هذا الاختراق ، فكثير من علماء السنة وعلى وجه الخصوص اصحاب المناهج السلفية وغيرهم الذين يهتمون بطرح قضايا هامشية ويكتبون ويؤلفون عنها الكتب الكثيرة، أما القضايا المهمة والتي تهم المسلمين اليوم فلا يتطرق اليها الا القليل النادر منهم،إذ أنني لا استطيع أن أفهم ما جدوى آلاف الكتيبات التي تتحدث عن القبوريين وعن الذبح للجن في الوقت الذي تذبح فيها أمريكا أبناء المسلمين ولا تجد من علماء السلاطين من يحرض الأمة عليها.الخلاف السني الشيعي لا يبرز هذه الايام الا لأسباب سياسية،صحيح أن هناك خلافاً في الأصول والفروع بين السنة والشيعة، ولكنه خلاف يستند الى أدلة معتبرة عند كل فريق ،ولكن المستفيد من إذكاء هذا الخلاف هم أعداء الأمة الاسلامية وعلى وجه الخصوص أمريكا .إن حب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أمر مشترك بين السنة والشيعة، هناك من يغالي في حبهم وهو معذور في ذلك، لأنه يصلي عليهم في كل صلاة ولا تصح صلاة المسلم الا بالصلاة على آل محمد، وهذا الأمر قطعي، والظني هو من هم آل محمد، هناك من حصر آل محمد في علي وفاطمة والحسن والحسين وهذا له أدلة من الأحاديث التي يرويها أهل السنة ،وهناك من جعلهم كذلك وأضاف اليهم أزواج النبي وأقاربه المؤمنين استدلالاً بعموم القرآن في تحديد ال آل .ما الذي نريده الآن : الاختلاف بين السنة والشيعة لا يمكن أن يزول ولكن التعايش بين السنة والشيعة مع اختلافهم ممكن . لا بد من التنبه أن الأمة الإسلامية سنة وشيعة تمتلك من الإمكانيات والطاقات المادية والبشرية ما يمكنها من لعب دور مهم على المسرح الدولي . والأهم من ذلك أن فكرة الدولة وشكلها عند الطرفين لم تعد هي الفكرة التقليدية، فلا أهل السنة الآن يسعون الى إقامة خلافة على أسس معاوية ويزيد، ولا الشيعة عندهم إمام معصوم يسوس الأمة بفكر ومنهج آل البيت .

المسلمون بين النص الديني والمقاصد

المسلمونَ بين النص الديني والمقاصد بقلم: أ. سعيد الصرفندي

تاريخ النشر : 2009-07-28 03:19:36
الزيارات : 701
التعليقات : 1

المسلمونَ بين النص الديني والمقاصد
بقلم: أ. سعيد الصرفندي
كلما ظهرت أصواتٌ مجددةٌ في صفوف علماء المسلمين ومفكريهم، في محاولةٍ منهم لفهم النص الديني فهماً منسجماً مع بعدي الزمان والمكان ، ظهرت في المقابل فئة تستل سيف النص لتشهره في وجوه المجددين وتتهمهم بأقذع التهم، فهم خارجون على النص القطعي الدلالة ، وأنهم جهلة لا يمتلكون مقومات الاجتهاد المعتبرة، فلا يجوز لهم اصدار أحكام توصف بالشرعية.
هناك نصوص كثيرة، يسوق الفقهاء وأصحاب العلوم الشرعية مناسبة نزولها إن كانت قرآناً، وسبب قولها إن كانت من أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فمناسبة النزول تمكننا من فهم النص فهماً يتناسب مع الواقعة التي نزل في شأنها، ولكن الأهم من ذلك ما يمكن أن نطلق عليه " أجواء النزول وفضاءاته" ، وهو مبحث يحتاج الى كتابات مستفيضة، تؤكد على أن النص جاء منسجماً مع ما هو أكبر من الواقعة التي نزل بشأنها، فهم منسجم مع العرف الدولي الذي كان سائداً ومنسجماً مع حال المجتمع المسلم في قوته وضعفه ...الخ. إن التمسك بالشكل يعني وقوف بعض المسلمين عند حدود النص دون الوقوف على مقاصد النص وأن مفاعيل هذا النص ومصاديقه متغيرة بحسب الحال الذي يقرأ فيه.
إن الإهتمام بحفظ النصوص والمتون في مراحل مبكرة من التاريخ الفقهي الاسلامي، أضعف القدرة على رؤية العلاقة الجدلية بين النص وابعاده المختلفة ومن ضمنها بعدي الزمان والمكان ، وأصبح استدعاء النص هو الأسهل، فكلما حدثت واقعة جديدة تم اشهار النص بدلالاته القديمة ليحكم في هذه المسألة المستجدة، مع أن النص الذي تم استحضاره جاء في ظروف وأحوال تختلف عن الأحوال والظروف التي جاءت فيها الواقعة الجديدة.
قد يأتي النص في واقعة ما ليحقق مصلحة معتبرة شرعاً، ولكنه يهمل تحقيق مصالح شرعية أخرى لأنها أقل منها شأناً في حينه، ولكن الواقع الجديد قد يتطلب تحقيق مصلحة أخرى غير المصلحة التي حققها أو اراد النص تحقيقها في حينه؛ لذلك كان البحث عن المقاصد أولى من التمسك بالشكل والقالب، وطبيعي أن هذا متعلق بالمتغير وليس بالثابت ، مع الإعتراف بأن حل اشكالية الثابت والمتغير في الاسلام ليس سهلاً.
إن الإهتمام بالشكل والقالب على حساب المقاصد أدى مع الزمن الى إحساس كثير من المسلمين أن الفكر الإسلامي لا يستطيع وضع حلول للقضايا الناشئة والمستجدة في حياة البشرية، علماً أن عالمية الإسلام تفترض أنه قادر على معالجة كل ما يستجد ، وأن هذه الخاصية ليست في النص وحده بل في مقاصد النص وغاياته ومآلاته، فبدل أن تتسع دائرة تأثر المجتمع بالاسلام من خلال الخضوع لمقاصد النص تتقلص مساحة تأثيرة من خلال الوقوف عند حدود الشكل والقالب.
من الأمثلة على الوقوف عند حدود الشكل والقالب التقليدي ما يكون عند الحديث عن المجتمع والدولة، فهناك من لا يرى المجتمع المسلم الا صورة طبق الأصل لمجتمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومجتمع الخلفاء الراشدين ، وما عداه ليس مجتمعاً اسلامياً بل قد يصفه بالمجتمع الجاهلي مع ظهور معظم شعائر الاسلام فيه، وهذا تصور قاصر للمجتمع، فإنه لو فقد بعض خصائصه وبقيت فيه أغلب خصائص المجتمع المسلم فإنه مجتمع مسلم . كذلك عند الحديث عن الدولة والنظام السياسي فهناك من لا يرى هذا النظام الا في حدود النص الذي كان في الأصل منسجم مع زمانه ومكانه، فلا يجوز الوقوف عند النص الوارد في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم " من بايع إماماً فأعطاه صفقة يدة ..."، لنقول بأن البيعة للحاكم يجب ان تكون باليد وأن يكون هناك صفق أي إخراج صوت عند المصافحة بقصد البيعة، هذا فهم عقيم للنص، لأن النص جاء في وقت كان فيه الحاكم ومن بايعه في مكان لا يزيد عن حي من أحياء القاهرة مثلاً ، أما عندما تكون البيعة من الملايين فلا يمكن أن تتم بصفق اليد .
من المخجل أن نرى من لا يستطيع متابعة التغيرات التي تجري على المجتمع، متمسكاً بالشكل والنص، مع أن هناك من الفقهاء القدامى من تنبه الى ذلك، فمثلاً الأحناف قالوا بجواز إخراج قيمة زكاة الفطر مالاً ، أي يتم تقويم ما جاء في النص من تمر أو إقط أو غيره، فيتم اخراجه مالاً ، مع أن هناك من يصر حتى في زماننا أن يخرج زكاة الفطر طعاما، مع عدم حاجة الفقير للطعام في زماننا؛ فالطعام كان غاية الغايات للفقير في زمانه ، اما الآن فهناك احتياجات للفقير تتجاوز الطعام.
إن التمسك بالشكل والقالب قد يكون لأسباب عدة منها الخوف والحرص على نقاء الاسلام، إذ يعتقد هؤلاء أن فتح باب التجديد والاجتهاد وفهم النص مرتبطاً بتغير الزمان والمكان قد يُدخِلُ الى الاسلام ما ليس منه، كذلك قد يكون السبب هو البلادة الفكرية ، لأن ملاحظة المقاصد وربط النص بها يحتاج الى عقول متحفزة متابعة لكل جديد، قادرة على رؤية القوانين التي تحكم في المجتمع، وتقدير المصلحة المتحققة من إعمال روح النص ومقاصده.
يمكن تقسيم الاسلام الى عقائد وعبادات من جهو والى معاملات من جهة أخرى، ومما يلفت الإنتباه أن القرآن يجمل ويفصل في العقائد والعبادات وتحتل الآيات التي تتناول هذا الجانب مساحة كبيرة، وفي نفس الوقت كانت مساحة المعاملات أضيق من ذلك بكثير مع أن مساحة المعاملات في حياة أي مجتمع هي أوسع من دائرة العقائد والعبادات، وما ذلك إلا لأن المعاملات تقع في دائرة المتغيرات لا في دائرة الثوابت، فما كان يحقق مصلحة في زمان ما قد لا يحققها في زمان آخر.
إن علماء الأمة ومفكريها مدعوون الى الجمع بين الاجتهاد في فهم النص والإجتهاد في تنزيل النص على الواقع، والتخلص من الفصل التعسفي بين النص والواقع،فالإسلام الذي تناول كل فضاءات المعرفة الإنسانية لا يعجزه وضع حلول لكل مستجدات الحياة من خلال الفهم المتجدد للنصوص، فلا يبقى المسلم أسيراً للشكل والقالب على حساب المضمون .
sarafandisaed@yahoo.com

الأربعاء، 9 ديسمبر 2009

الرد على الأخ احمد النعيمي

الرد على الأخ أحمد النعيمي
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي*
منذ بدأت الكتابة على صفحات"دنيا الوطن" انبرى عدد محدود من الاخوة الكتّاب يعارضون بعد الأفكار التي تضمنتها مقالاتي، مقارنة بعدد كبير من الكتّاب والمعلقين الذين يثنون على ما أكتب، وقد تبين لي أن كوكبة المعارضين هذه تملك وجهة نظر محددة، يتمسكون بها ويدافعون عنها، وهذا حقهم، وأنا لا أنكر حق المخالفة لمن خالفني، ولكن الملفت للإنتباه أن هذه المجموعة بينها مشترك آخر غير الفكرة التي يدعون اليها، وهذا المشترك يتمثل في مفردات الشتم والتخوين والتكفير لكل من خالفهم، مما يدل على ضيق أفقهم، وقلة بضاعتهم من العلم.
ومن الذين يتصدون لمقالاتي الأخ أحمد النعيمي، وكنت كتبت مقالاً ارد عليه بعنوان" أحمد النعيمي : لن أرد عليك بطريقتك"، وكان مقاله قد تضمن الكثير من الشتم والقدح والتخوين الذي يترفع عنه أهل العلم، وقد عزمت أن لا أرد على أحد من تلك المجموعة، إلا أن المقال الأخير الذي كتبته بعنوان " كيف نفهم الحديث والسنة النبوية" قد تصدى للرد عليه الأخ أحمد النعيمي بمقال تحت عنوان"الرد على الشبه التي أثارها الأستاذ الصرفندي ، وأستاذه غاستون ويت"، مما جعلني ملزماً بالرد عليه لما فيه من أباطيل وأراجيف بما يلي :
1. كل من قرأ مقالي يجد أن النعيمي يسوق في مقدمته مدحاً لشيء غير موجود في المقال، فقد اخترع شيئاً يوافق رأيه وادعى إنني قلته، وهذا يدل على عدم قرائته قراءة تؤهله للرد على مقالي؛ إذ الرد يحتاج الى قراءة متأنية متدبرة، وهذا ما لم يفعله الأخ النعيمي انطلاقاً من موقفه المسبق من شخصي، وهذا قمة السقوط، وهو دليل على ما اردده دائماً أن هناك جملة من العوامل التي تؤثر في فهم النص، منها موقف القاريء المسبق من الكاتب؛ فإذا كان موافقاً له مدحه وتأول أقواله، وإذا كان مخالفاً له فإنه يحوّر اقواله التي يتفق فيها معه ليؤكد على التعارض والاختلاف بينهما.
2. فرية التأثر بالمستشرقين، فالأخ النعيمي، مثله كمثل باقي الكوكبة الرائعة التي تهاجمني، يتهمني بالتأثر بأقوال المستشرقين، ومع أن هذه الشبهة كنت قد رددت عليها كثيراً ومطولاً الا أنني اجدني مضطراً لتلخيص موقفي من هذه المسألة على النحو التالي:
· بعد الاطلاع على أقوال المستشرقين وجدت أنه لا يجوز وضع المستشرقين في سلة واحدة، فمنهم من بدأ دراساته الاستشراقية وليس عنده نتائج مسبقة، فحيثييات البحث هي التي كانت تقوده الى النتائج، وهؤلاء لا يجوز مهاجمتهم مطلقاً لأنهم مستشرقون، وقد استفاد الباحثون من المناهج التي اعتمدها هؤلاء المستشرقون، فهي مناهج علمية بحته، وهناك مستشرقين اعلنوا اسلامهم ودافعوا عن الاسلام مثل روجيه غارودي المستشرق الفرنسي ،فالباحث الذي يضع النتائج قبل بداية البحث ثم يحرّف المعطيات ليسوقها الى النتائج المسبقة، لا يكون باحثاً على الحقيقة، وإنما جزء من آلة فكرية يكون منظّراً لها.
· هناك قسم آخر من المستشرقين، على النقيض من القسم الأول، بدأوا دراساتهم الاستشراقية من أجل الوصول الى نتائج وضعت مسبقاً، كدراسات المستشرقين اليهود الذين حاولوا التأكيد على مقولاتهم التوراتية المحرفة من خلال تحريف الأدلة أو اختراعها للتناسب مع أهدافهم.
· لا يكون الرد على المستشرقين بكل أقسامهم من خلال القول "هذا رأي المستشرقين" و"هذا تأثر بالمستشرقين"، فالمستشرقون اصحاب النوايا السيئة نشروا أفكارهم في العالم كله، وممن تلقى أفكارهم واطلع عليها أبناء المسلمين أيضاً، وقد أثارت شُبَهُ المستشرقين أسئلة جدية حول الاسلام بشكل عام، ولما طرح ابناء المسلمين تلك الشبهات على علماء ليس لهم من العلم الا الإسم، كانت الإجابة "هذه أفكار مستشرقين"، فبقيت الشبهات دون رد علمي يبطلها ويفندها؛ لذلك من المخجل أن يتم الرد على كل ما قاله المستشرقون بجملة واحدة" هذه اقوال المستشرقين"، بل يجب مناقشة ما قاله المستشرقون حتى تزول تأثيراتهم على ابناء المسلمين.
3. اما في ما يتعلق برواية الحديث بالمعنى، فهو مما لا ينكره الا أعمى البصر والبصيرة، انظر ما قاله الشيخ ابراهيم بن عبد الله اللاحم من علماء المنهج السلفي، في شرحة لكتاب اختصار علوم الحديث:" فرع آخر: وأما رواية الحديث بالمعنى فإن كان الراوي غير عالم ولا عارف بما يحيل المعنى، فلا خلاف أنه لا تجوز له روايته الحديث بهذه الصفة، وأما إن كان عالما بذلك بصيرا بالألفاظ ومدلولاتها وبالمترادف من الألفاظ ونحو ذلك، فقد جوز ذلك جمهور الناس سلفا وخلفا، وعليه العمل كما هو المشاهد في الأحاديث الصحاح وغيرها " أي أنه لا ينكر رواية الاحاديث بالمعنى مع وجود ضوابط عقلية لا دليل عليها من الشرع. ومن الأمثلة على ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المعروف:" ولا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" فقد رواه هشيم عن شيخه الزهري بالمعنى فقال:" ولا يتوارث اهل ملتين شتى"، فانظر كيف اختلف المعنى ، فالحديث الأول يمنع التوارث بين المسلم والكافر، أما هشيم فجعل التوارث ممنوعاً بين أهل ملتين، وشتان بين المعنى المقصود من حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين ما قاله هشيم، فقد جعل التوارث ممنوعاً بين اهل ملتين فلا يرث المنصراني اليهودي ولا المجوسي ..الى غير ذلك، وهذا مما لا يقول به أحد من علماء المسلمين. وكذلك حديث ابن مسعود " الصلاة على وقتها" رواه البخاري: مواقيت الصلاة، 527، وهذا مهناه أن الصلاة في أول الوقت أو في آخره فهي سواء؛ لأن الصلاة فرض موسع يؤدى في اول الوقت أو في آخره ولا فضل لمن أداها في أول الوقت عمن أداها في آخر وقتها، ولكن هناك من روى الحديث بالمعنى فقال:" الصلاة في أول وقتها" فقال العلماء إنه رواه بما فهمه من الحديث وأخطاء في هذا الفهم. .. رواه بالمعنى. فيكون هذا الأمر ثابت عند العلماء الراسخين، أما من يحاول السباحة على شواطئ العلم فيظن أنه أمر منكر. وأما ما سقته من أمثلة فهي يست أكثر من كلام انشاء نقلته بالقص واللصق فلا يستحق الرد
4. اما عن قولي في صحيح البخاري ومسلم، فهذا قول كثير من أهل العلم، أن هناك تناقضات في البخاري ومسلم، ولكن لا يعرفها الا اهل العلم، ودعنى اسوق لك قول ابن باز في الامام مسلم: " ومما اخذ على مسلم- رحمه الله-رواية حديث ابي هريرة: أن الله خلق التربة يوم السبت ..الحديث ، والصواب ان بعض رواته وهم برفعه للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من رواية ابي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار،لأن الآيات القرآنية والاحاديث الصحيحة كلهاكلها قد دلت على أن الله سبحانه قد خلق السموات والارض وما بينهما في ستة أيام ...وغلط كعب الاحبار ومن قال بقوله في ذلك وانما ذلك من الاسرائيليات الباطلة" مجموع فتاوى ومقالات، الجزء الخامس والعشرون، جمع واشراف الدكتور محمد بن سعد الشويعر، دار القاسم. فماذا تقول انت ، هل في صحيح مسلم اسرائيليات واباطيل ام لا، وسوف يكون لي إنشاء مقال مستقل في تناول صحيح مسلم وصحيح البخاري.
5. اما ادعاؤك بأن الله تكفل بحفظ السنة، فالحديث السابق دليل على كذب هذا الادعاء وأن الله بريء منه، فكيف يكون الله تكفل بحفظ السنة وفي أصح الكتب ما يوصف بأنه من الاسرائيليات الباطلة.
أي عقل ذلك الذي في رأسك ، وعمن تعلمت العلم يا نعيمي .
هداك الله الى الحق، واكتفي بالرد عليك لعل في هذا كفاية.
sarafandisaed@yahoo.com
ssarafandi@hotmail.com
مدونة: sarafandisaed.blogspot.com

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2009

البيان الأوروبي ضراط على البلاط ...!!!

البيان الأوروبي ضراط على البلاط ...!!!
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي*
البيان الصادر في بروكسل عن الاتحاد الأوروبي، والذي اعتبر بموجبه القدس "العاصمة المستقبلية لدولتين" فلسطينية واسرائيلية في اطار تسوية يتم التفاوض بشأنها ، يعتبر هذا البيان إمعاناً في التضليل والتزوير، فالبيان المتوقع كان غير ذلك؛ إذ اعتبرت الأطراف التي تراهن على نزاهة الموقف الاوروبي وانعتاقة عن الموقف الامريكي أن الموقف المتوقع يقضي بالاعتراف بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، ولكن التعديلات التي جرت على صيغة البيان تدل على أن سياسة الإتحاد الأوروبي تدور في فلك السياسة الاسرائيلية والأمريكية.
لا بد من التذكير أن أوروبا من خلال زعيمتها بريطانيا، تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن مأساة الشعب الفلسطيني التي بدأت بإصدار وعد بلفور، مروراً بتسهيل قيام دولة يهودية في فلسطين وما نتج عن ذلك من تشريد لأهل فلسطين استمر حتى الآن.
لقد تضمن البيان استياء وزراء خارجية الدول الأوروبية و"قلقهم العميق" من تعطيل العملية السلمية، وهذا يكشف عن حقيقة المراد من هذا البيان، وهو الضغط على الجانب الفلسطيني للعودة الى المفاوضات، ليس من أجل تحقيق شيء من وراء هذه المفاوضات، ولكن للإبقاء على العملية السلمية امعاناً في التضليل والمراوغة، فهم يعلمون أن هذه المفاوضات لم تحقق شيئاً للجانب الفلسطيني، وأكثر العالمين بخفايا تلك المفاوضات هو كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات، الذي اعلن خلافاً لكتابه الشهير " الحياة مفاوضات"، أن المفاوضات لم تحقق شيئاً.
البيان الأوروبي محاولة مكشوفة لملئ الفراغ الحاصل بعد توقف المفاوضات، إذ يأتي البيان محاولة لجعل موضوع الصراع الفلسطيني موضوعاً حياً في وسائل الاعلام، تلوكه السنة السياسيين بين مؤيد ومعارض، وإظهار أوروبا باعتبارها طرفاً يملك طوق نجاة للمفاوضات الغارقة.
اوروبا من خلال بيان بروكسل تؤكد أن الحل المستقبلي يكون من خلال اتفاق الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، وهذا معناه أن اسرائيل هي التي تحدد مستقبل القدس، وإسرائيل تقوم في الوقت نفسه بخلق أمر واقع يستحيل معه الآن، وليس بعد عشرات السنين، العودة الى ما كان الوضع عليه قبل حرب حزيران عام 1967، فالقدس اليوم ليست كما كانت في عام 1967، إذ كان يمكن الضغط على اسرائيل للعودة بسهولة الى حدود الرابع من حزيران 1967،خاصة مع وجود قرار مجلس الأمن رقم 242، الذي كان يمثل الشرعية الدولية، أما الآن فالاتحاد الاوروبي يعلم علم اليقين أن القدس لا يمكن أن تقسم لأسباب عديدة منها السياسية والديموغرافية والأهم من ذلك الاسباب الدينية والعقائدية، فلا يمكن لحزب او قائد في اسرائيل أن يتنازل عن القدس؛ لأن هذا يمثل انتحاراً سياسياً لأي زعيم أو حزب في اسرائيل، وهذا الزعيم أو الحزب ليس له وجود في الوقت الحالي ولا في المستقبل، فالشعب الاسرائيلي يزداد تطرفاً في كل يوم، ودليل ذلك الخارطة السياسية التي تدل على توجه الإسرائيليين الى الاحزاب المتطرفة والدينية وزوال حزب كبير كحزب العمل كان يعتبر حزباً يسارياً يمكن تحقيق تسوية سلمية بينه وبين الفلسطينيين، ليصبح هذا الحزب عبر زعيمه باراك، لاهثاً وراق حقيبة وزارية في حكومة الليكود، الذي خرج منه الاقل تطرفاً بتشكيل كاديما، ليبقى حزب الليكود متطرفاً نقياً ليس فيه تيارات "معتدلة".
الملفت للإنتباه هو تقبل السلطة الفلسطينية لهذا البيان، مع اعتباره محطة وليس نهاية، على حد قول الدكتور سلام فياض، فالبيان يتحدث عن المفاوضات التي خبرتها السلطة الفلسطينية خلال ثمانية عشر عاماً، واكتشفت أنها مفاوضات عقيمة لا تؤدي الى شيء، فلماذا الترحيب بالبيان الأوروبي الذي يحيل الى مفاوضات خاسرة سلفاً.
يبدو أن المقصود من البيان الأوروبي هو إجبار السلطة الفلسطينية على العودة الى طاولة المفاوضات، فهي ، أي اوروبا، التي تمول نفقات السلطة الفلسطينية،فلا يجوز أن تبقى ممولة للسلطة دون أن تتأثر السلطة بمواقفها، وهذا معناه عودة سريعة لمسار المفاوضات، فأي تلكوء في العودة الى طاولة المفاوضات معناه التوقف او التلويح بالتوقف عن دعم نفقات السلطة الفلسطينية، وهذا معناه نهاية السلطة عملياً، ولأن هذا الأمر غير ممكن لاعتبارات كثيرة أهمها ارتباط مصالح المتنفذين بوجود السلطة، مما يعني استعدادهم للعودة للمفاوضات وإزلة العقبات التي تقف في وجه ذلك ولو أدى الى اقالات أو تصفيات جسدية.
ومع ذلك فلا يمكن وضع أوروبا كلها في سلة واحدة، فهناك دول تتصاعد فيها لهجة الاعتراف بالماساة الفلسطينية على يد اسرائيل، ولكن هذه المواقف لا تكفي لاحقاق الحقوق الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها مرحلياً إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران عام 1967। بدون دعم هذا المطلب واتخاذ اجراءات عملية لمعاقبة اسرائيل فإن هذا البيان يبقى ضراط على البلاط.
*كاتب وباحث في القضايا الاسلامية والفكرية
sarafandisaed@yahoo.com
ssarafandi@hotmail.com
مدونة: sarafandisaed@blogspot.com

كيف نفهم الحديث والسنة النبوية

كيف نفهم الحديث والسنة النبوية ؟
بقلم : أ. سعيــد الصرفنــدي*
لا خلاف بين المسلمين على اعتبار السنة النبوية الشريفة بأنها الأصل الثاني من أصول الدين بعد القرآن الكريم، وأنه لم يكن هناك علم من العلوم الشرعية استغرق من وقت العلماء وجهدهم كما اسستغرق علم الحديث بكل أقسامه، وأن هناك مناهج إبداعية في علوم الحديث عرفتها الامة الاسلامية ولم تتوفر لغيرها من الأمم، إلا أن هذه المناهج كانت مناهج علمية، مما يقتضي عقلاً أنها ليست مناهج مقدسة، فكثير من المناهج العلمية في البحث والتأليف لا يمكن فصلها عن مستوى المعرفة التي تراكمت في زمانها، فما يمكن أن يكون قد حاز درجة الكمال في زمان، يمكن أن يكون دون ذلك بكثير في زمن آخر.
لقد بذل العلماء المسلمون جهوداً جبارة في اثبات نسبة الأحاديث الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن هذه الجهود كانت غالباً منصبة على سند الأحاديث، ولم يكن هناك مؤلفات مستقلة تتناول متن الأحاديث بالنقد خاصة ما صح سندها عند العلماء؛ لأن منهجهم كان اعتبار الحديث صحيحاً بصحة سنده؛ لذلك كان تقسيم علم الحديث الى سند ومتن، تقسيماً نظرياً وليس تقسيماً واقعياً.
وقد كان هناك جهود جبارة أيضاً في شرح متون الأحاديث ومحاولة فهم معانيها، ولكن هذا الشرح كان تجزيئياً(اي فهم كل حديث بمعزل عن النصوص الأخرى)ولم ينتج عنه فهم للاحاديث على أساس قواعد الاسلام العظيمة التي ترجمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته. فقد يأتي حديث نبوي يعالج واقعة محددة في حياة المجتمع المسلم أو حياة الفرد المسلم، وهذه المعالجة قد تكون خاضعة لمحددات زمانية ومكانية، فلا يجوز تعميم هذه المعالجة في كل زمان ومكان. وليس معنى هذا القول بعدم صلاحية الاسلام لكل زمان ومكان، ولكنه قول بأن النص الواحد الذي يرتبط بالزمان والمكان لا يجوز أن يكون قاعدة عامة، بل يفهم في سياق القواعد العامة التي جاء بها الاسلام. ولفهم المقال لا بد من المثال: يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" لا تبع ما ليس عندك"، وهذا الحديث واضح في دلالته؛ إذ لا يجوز عقد البيع إذا كان المبيع أي محل العقد غائباً. هذا الحديث لا يجوز أن يكون قاعدة عامة في البيوع، فلا يقال أن محل العقد يجب ان يكون حاضراً في يد البائع كلما جرى عقد بيع، لأن هذا يشكل حرجاً على الناس.
وفي المقابل اباح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيع السَلَمْ، وهو بيع يسلّم فيه المشتري الثمن الى البائع مع تأخير تسليم السلعة، كأن يشتري التاجر زيتاً أو تمراً في وقت لا يكون فيه الزيت أو التمر موجوداً، فيبيع التاجر ما ليس عنده، مع ان الحديث الأول نهى عن بيع ما ليس موجوداً عند البائع. مما يدل على أن النهي عن بيع ما ليس عندك، ليس نهياً مطلقاً، فما يمكن أن يكون موجوداً في وقت التسليم ولو بغلبة الظن، يمكن بيعه، أما ما لا يمكن تسليمه بغلبة الظن فلا يجوز بيعه، كأن يشتري انسان من صيادٍ سمكاً قبل أن يصيده، فهو بيع لما لا يقدر على تسليمه. وهنا تتجلى عظمة التشريع الاسلامي الذي يمنع الغش والخداع في البيع والشراء، ولو من باب الاحتمال، وينشيء قواعد عامة في البيوع إن لم تكن لها مخالفة فالبيع صحيح.
الثابت أن كثيراً من الأحاديث رويت بالمعنى، مما يفقدها كثيراً من مقاصدها، فالراوي عن اثنين أو ثلاثة قبله، قد يروي الحديث بالمعنى دون الفقه في معاني الحديث ومقاصد الشريعة ومعرفة أحوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيأتي بالفاظ ومعانٍ غريبة أحياناً عن سياق الشريعة الاسلامية. حتى أن الاختلاف الناتج عن الرواية بالمعنى لم يسلم منه صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كاختلاف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مه أبي هريرة، وعمر بن الخطاب وابنه عبد الله، وابن عباس مع عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهم-. وقد أحجم كثير من الصحابة عن الإكثار من الرواية خوفاً من فوضى الرواية بدون دراية، فقد يروى أحدهم قولاً أو فتوى يتوهم السامع أنها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أفتى أبا هريرة بأن من أصبح جنباً فلا صيام له، مع أن هذا يخالف ظاهر القرآن، الذي أحل الجماع حتى آخر لحظة من الليل، قال تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ)، وطبيعي أن من جامع حتى ىخر لحظة من الليل في رمضان فقد أصبح جنباً، ولكن صيامه صحيح؛إذ ليست الطهارة شرطاً من شروط صحة الصيام حسب الآية الكريمة.
يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه فقه السيرة : إن ما عانت منه الامة الاسلامية على مر التاريخ من الفهم الخاطئ والتأويل الفاسد للحديث والسنة لم تعانه من آلاف الاحاديث الموضوعة المختلقة"، وقيل : كم من قول صحيح آفته الفهم السقيم. وقد أدى هذا الإشكال، أي الفهم السقيم للنص الصحيح، الى خلاف بين فقهاء المسلمين وأهل الحديث، فقد أتهم أهل الحديث الفقهاءَ بأنهم يخالفون النص الصريح، في حين اتهم الفقهاءُ أهلَ الحديث بأنهم لا يفكرون فيما يروونه وينقلونه.
لذلك كان العلاقة بين المنقول وفهمه تحتاج الى منهج جديد، فلا يكفي الاعتناء بسند الحديث ومتنه ثبوتاً ونفياً، دون تطوير منهج سليم في فهم دلالات النصوص لاستخراج قواعد شرعية عامة يمكن من خلالها اعطاء حكم لكل المستجدات، ويمكن أن يكون هناك مناهج مختلفة، لأن الذي يقول بخطأ أو نسبية الحق في المناهج العلمية لا يصح أن يقول بأن هذا المنهج هو الحق الذي لا حق سواه.
من هنا فلا بد من محاولة وضع تصور للمنهج الذي يغلب على الظن أنه اقرب الى الصواب في فهم الحديث والسنة.
1. هناك فرق بين المنطوق وبين المفهوم، فالمنطوق هو ما يفهم مباشرة من سماع النص أو قراءته، والمفهوم هو ما ينتج عن اعمال الفكر في النص لاستخراج دلالات ليس موجودة فيه. صحيح أن المنطوق يقدم على المفهوم في حالة التعارض، ولكن المفهوم أرقى من المنطوق؛ لأنه ناتج عن التدبر والتفكر والتحليل للنص، فقد يشتمل النص على خصوصية لا يراها الانسان في النص؛ إذ قال علماء الأصول بالعلة الاستنباطية، وهي علة موجودة في المفهوم وليس موجودة في المنطوق، فالمنطوق دلالاته ضيقة بحسب الألفاظ، أما المفهوم فإنه أوسع دلالة من المنطوق لأنه يحتاج الى استحضار مجموعة من النصوص والقواعد للوصول اليه. وبذلك يكون الفهم الصحيح لنصوص الحديث والسنة مرتبطاً بمعرفة كافية للحالة التي ورد النص في سياقها، وعلاقته بالنصوص الأخرى ضمن قواعد اللغة العربية واصول الشريعة الاسلامية والاطلاع على سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
2. اعتبار نصوص الحديث والسنة نصوصاً يستدل بها على الأحكام الجزئية عندما لا يوجد دليل من المفهوم المستنبط من مجموع نصوص الكتاب والسنة.
3. إذا تعارض منطوق القرآن أو مفهومة مع ما وصلنا منسوباً الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى لو صح سنده فإننا نؤخره؛ لأن القرآن مقطوع بنسبته الى الشارع وما وصلنا حتى بسند صحيح فهو مظنون فيه.
4. يقتضي فهم الجديث والسنة فهماً صحيحاً، الاطلاع على الظروف والاحوال التي لابست النص؛ إذ أن مناسبة الحديث فقط لا تكفي لاستنباط الحكم؛ بل لا بد من معرفة الأجواء التي جاء في سياقها النص، ويفضل معرفة الفضاءات التي ورد في ظلها النص، فقد يكون هناك نص جاء في حالة ضعف المسلمين في المدينة، كما هو اقتراح النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أهل المدينة باعطاء ثلث الثمار لغطفان؛ إذ لا يعمل بهذا في حالة قوة المسلمين.
5. كثير من أفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم نقلت الينا من قبل الصحابة رضي الله عنهم، وهذا معناه أن الناقل للفعل ينقل فهمه، وهذا الفهم يتأثر بجملة من العوامل والمؤثرات، فلا يجوز أن يصبح قاعدة خاصة إذا تعارض هذا النقل بعد تحوله الى نص مكتوب مع نقل آخر لنفس الحادثة.
لا أدعي أنني كتبت وأصلت لمنهج محدد في فهم الحديث والسنة ولكنها مدخل لتناول هذا الموضوع بالبحث والكتابة مستقبلاً من ذووي الاختصاص في العلوم الشرعية.
sarafandisaed@yahoo.com
ssarafandi@hotmail.com
مدونة: sarafandisaed.blogspot.com

الأحد، 6 ديسمبر 2009

التوجه الى مجلس الامن امعان في التضليل

التوجه لمجلس الأمن امعان في التضليل بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
تاريخ النشر : 2009-11-14
القراءة : 511

التوجه لمجلس الأمن امعان في التضليلبقلم: أ. سعيــد الصرفنــديبعد الإعتراف علناً بما كان متوقعاً لنتائج التسوية على المسار الفلسطيني، وخاصة بعد اعتراف كبير المفاوضين الفلسطينيين بأن ثمانية عشر عاماً من المفاوضات لم تحقق شيئاً، مع أن هذا الاعتراف ناقص، فالمفاوضات لم تحقق شيئاً للجانب الفلسطيني، ولكنها حققت الكثير للجانب الإسرائيلي، فقد بني الجدار في عهد المفاوضات، وتغولت المستوطنات في عهد المفاوضات، وتم تهويد القدس والتحضير لهدم الاقصى في عهد المفاوضات. بعد كل ذلك، اي فشل نهج التسوية، يحاول اطرافها، واصدقاؤهم اقليميا وعربياً ودولياً، ممارسة لعبة جديدة تمكن الاحتلال من استكمال اهدافه وخلق واقع يصعب عمليا تغييره.لقد كان اول اعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية أنها الممثل الشرعي والوحيد، هو اعتراف عربي ، وكان هذا الاعتراف يقصد منه اضعاف القضية الفلسطينية، فقد كانت قضية عربية بامتياز، وعجز العرب مجتمعين عن تقديم شيء ايجابي للقضية الفلسطينية، وارادوا من الاعتراف بالمنظمة ممثلاً شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني القاء هذا الحمل الثقيل عن ظهورهم، وتحميله للشعب الفلسطيني وحده، فكيف لما عجز العرب عن تحقيقه أن يحققه الشعب الفلسطيني الأعزل المشرد في المنافي والشتات.من هنا فإن الاعلان عن فشل نهج المفاوضات، يعني أن الشعب الفلسطيني لم يستطع حل قضيته، وهذا معناه اعادة الكرة الى الملعب العربي، وحيث أن العرب لا يستطيعون الآن، كما في الماضي والمستقبل، أن يلعبوا دوراً فاعلاً على مستوى القضية الفلسطينية، فلا يريدون بقاء الكرة في ملعبهم، حتى لا يظهر عجزهم، لذا يريدون قذفها في ملعب مجلس الأمن. وهنا لا بد من تسليط الضوء على مجلس الأمن، وهذا التسليط لا يحتاج الا الى جملة واحدة تختزل واقعه وهي: مجلس الامن دائرة من دوائر وزارة الخارجية الامريكية.معنى ذلك ، أي دفع القضية الفلسطينية الى مجلس الأمن، معناه دفعها الى الولايات المتحدة الامريكية، وهنا لا بد من طرح سؤال منطقي ومنسجم مع الوقائع: هل كان ملف المفاوضات في يد أحد غير الولايات المتحدة؟لقد كانت الولايات المتحدة تمانع في تدخل أي دولة في حل الصراع العربي الاسرائيلي، فقد كانت هي الدولة المرجعية والدولة المتفردة، فهل يستطيع مجلس الامن أن يصدر قرارا يخص القضية الفلسطينية دون أن توافق عليه امريكا،تلك الدولة التي سخرت المنظمات الدولية لتحقيق استراتيجاتها في الشرق الاوسط وأهمها بقاء اسرائيل دول مسيطرة ، تقدم ما تشاء وتأخذ ما تشاء، أي أن اعادة القضية الى مجلس الامن معناه تسليم القضية الفلسطينية الى اسرائيل.إن المتابع لمسيرة المفاوضات التي قادتها السلطة الفلسطينية عبر كبير مفاوضيها، صائب عريقات، والذي اعترف ان المفاوضات فشلت، يعلم علم اليقين، أن المهم كان عند الاطراف الثلاث، الفلسطيني والاسرائيلي والامريكي، من العملية السلمية هو العملية بحد ذاتها، فلم يكن المطلوب اكثر من بقاء العملية، أما السلام فلم يكن هو الغاية، فقد قدم المفاوض الفلسطيني، اعظم تنازل يمكن لشعب ان يقدمه، وهو الاعتراف بالكيان اليهودي كياناً شرعياً في فلسطين، ومع ذلك لم يستطع الفلسطينيون تحقيق شيء.إن اعادة القضية الفلسطينية لمجلس الامن، هو تأمين الذئب على القطيع، وهو مؤامرة جديدة يشترك فيها العرب بالتواطؤ مع الفلسطينيين، فسوف يستمر تداول القضية سنوات ليخرجوا علينا بقرارات قد يقبلها هذا الطرف ويرفضها ذاك، فيعود النقاش مجددا بين معتدلين ومتطرفين، بعد أن تكون اسرائيل قد خلقت واقعا جديداً، يستند اليه الواقعيون في محاولة تمرير الحلول المطروحة، والتي ستطرح، لا من اجل قبولها، بل من اجل اثارة الشقاق فلسطينيا وعربياً.يجب ان تعمل الاطراف الفلسطينية مجتمعة، من خلال انجاز المصالحة الوطنية، على اجهاض هذا التوجه، لأنه سيعيد القضية الفلسطينية سنوات طويله الى الوراء.sarafandisaed@yahoo.com

ماذا فعلت المفاوضات في الجبهة الداخلية الفلسطينية

الصرفنــدي
تاريخ النشر : 2009-11-15
القراءة : 504

ماذا فعلت المفاوضات في الجبهة الداخلية الفلسطينية؟!بقلم : أ. سعيــد الصرفنــديكان الإعتراف بفشل المفاوضات من فم كبير المفاوضين الفلسطينيين قد مر بسهولة ويسر، ودون تداعيات على المؤسسة الحاكمة في السلطة الفلسطينية، وكان يفترض أن يكون للاعتراف بهذا الفشل اقالات واستقالات، ولكن شيئاً من هذا كله لم يحدث.في هذا المقال لن يكون التركيز على فكرة الفشل، بل على ما فعله منهج المفاوضات وتأثيره على الجبهة الداخلية الفلسطينية.عند نشأة القضية الفلسطينية، كانت المسألة استيطان يهودي وشراء للأرض من قبل اليهود من أجل تحقيق وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.الشعب الفلسطيني، كأي مجموعة تعيش مجتمعة؛ فإنها تتماسك بقدر وجود مشترك بينها، وتضعف بقدر تفكك هذا المشترك، ولذلك كان التصدي أو الرفض على الأقل هو ما يجمع الشعب الفلسطيني تجاه مؤامرة إقامة دولة لليهود، ثم بعد ذلك عندما اصبحت الخطط لاقامة هذا الكيان حقيقة واقعة على الأرض.بعد عام 1948، وبعد أن أفاق الشعب الفلسطيني من الصدمة، كان مجمعاً على شعارات وثوابت منها: عدم الاعتراف بدولة "اسرائيل"، حق العودة للاجئين الفلسطينيين، دون الحديث عن دولة فلسطينية بجانب دولة اسرائيل، بل كان هذا الطرح يعتبر خيانة عظمى من المجموع والكل الفلسطيني. وبدأت بعد ذلك تتركز مشاعر الهزيمة في الشباب الفلسطيني المثقف الذي انشأ التنظيمات والفصائل الفلسطينية، وما ان جاءت هزيمة عام 1967 حتى بدأت المقاومة المسلحة هي الشعار الوحيد المجمع عليه .إن كون الإنسان يعيش في جماعة، وهذا ما يناسبه، كما قال ابن خلدون:" الإنسان مدني بالطبع"، فإنه لا يستطيع العيش وفق افكاره ومعتقداته الفردية فقط، بل لا بد من فكر واعتقاد جمعي، من أجل صياغة الاهداف والأفكار وتجنيد الطاقات بل واستنهاضها من أجل تحقيق الغايات التي يسعى اليها المجتمع.كانت هناك أفكار تجمع الشعب الفلسطيني، ولم يكن حولها خلاف، بل استطاعت تلك الافكار والقيم أن تصهر الاختلافات الفكرية بين المجموعات الصغيرة لصالح الأفكار الجمعية، فكانت حركة كحركة فتح مثلاُ، تضم اناساً متدينين يؤمنون بأن الكفاح المسلح جزء من الجهاد الذي أمر به الدين الاسلامي، وكان كذلك الماركسي يرى في الكفاح المسلح جزءاً منسجماً مع أفكار الثورة العالمية ضد الرأسمالية والاستعمار، وهكذا، ففكرة الكفاح المسلح ضد عدو سلب الارض واغتصبها، كانت تحظى باجماع، ولم يكن الشعب الفلسطيني يفكر في استبدال هذا الخيار حتى تتحقق اهدافه في هدم كيان اليهود وعودة اللاجئين، بل يمكن القول انه لم يكن يفكر في دولة مستقلة، وفي هذا رد على الدكتور صائب الذي كان يردد دائماً أن منظمة التحرير حولت القضية الفلسطينية من قضية لاجئين الى قضية هوية وشعب،يريد بناء دولته المستقلة، وهذا فيه تضليل كبير، فالشعب الفلسطيني لو كان يريد دولة بجانب دولة " اسرائيل" لوافق على قرار التقسيم الذي اعطاه الحق في دولةٍ مساحتها أكبر من مساحة الدولة التي تسعى منظمة التحرير الى إقامتها ولن تفلح في ذلك.لقد كان هناك اجماع على مقاومة الاحتلال، فكانت الوحدة الوطنية حقيقة واقعة، لا تحتاج حتى الى تنظيمات واحزاب، فالشعب الفلسطيني ككل شعوب العالم، ينهض لقتال من جاء يسلبه ارضه، بغض النظر عن افكار أفراده، بل العبرة في الفكرة الجمعية التي يؤمن بها مجموع افراد الجكاعة أو المجتمع.لذلك لو تتبعنا الخط البياني"Graph " لشعبية منظمة التحرير بعد رفع غصن الزيتون مع البندقية،لوجدناه في هبوط، فقد بدأ الشعب الفلسطيني ينقسم الى من يحمل البندقية فقط وبين من يحمل مع البندقية غصن الزيتون، ولم يكن هذا الإنقسام برغم اهميته ، ليؤثر بشكل حاسم على الوحدة الوطنية، لأن حركة فتح مع تلويحها بغصن الزيتون، فقد استمرت في التناغم مع الكل الفلسطيني عبر الابقاء على البندقية فكراً وممارسة.اما بعد اتفاق اوسلو، فقد حدث شرخ عميق على الساحة الفلسطينية، هناك من يؤمن بمنهج المفاوضات، ولو كان ذلك حتى الممات، وهناك من يؤمن فقط بالمقاومة لتحقيق الاهداف الفلسطينية، وهذا معناه، وجود حالة استقطاب حادة؛ لأن من يؤمن بالمفاوضات فقط هم تيار قوي له وزنه على الساحة الفلسطينية.معنى ذلك، أنه اصبحت للشعب الفلسطيني، اهداف متغايرة، مما اضعف حماسة الشعب الفلسطيني لكلا الخيارين، فكل فريق له اساليبه في الوصول الى الغاية، واختلاف الغايات معناه عدم القدرة على حشد الطاقات كلها في اتجاه واحد.نقول هذا بعد الاعتراف بفشل نهج المفاوضات، أي أن التأثير السلبي لهذا المنهج كان عميقاً جداً على الساحة الفلسطينية، وعقيماً فلم يحقق شيئاً غير تمزيق الساحة الفلسطينية، فكرياً ومشاعرياً، واصبحت اعادة اللحمة صعبة إن لم تكن مستحيلة؛ لأن التيار الذي آمن بالمفاوضات فقط ، نشأت له مصلحة سوف يدافع عنها بكل ما اوتي من قوة، وسوف يجترح مبادرات جديدة لكسب الوقت عشرات السنين للإبقاء على الحالة الراهنه.لقد مزق نهج المفاوضات الحالة الجمعية التي كانت سائدة قبل ظهوره، ومما زاد الطين بلة، ان هذا المنهج لم يحقق شيئاً غير تخفيف اعباء الاحتلال، فقد أصبح أرخص احتلال في العالم. لا بد من العودة الى ما يجمع الشعب الفلسطيني كله، والتخلص سياسياً ممن شقه فجعله أجزاءً متناثرة لا حول لها ولا قوة.sarafandisaed@yahoo.com

مجلس الامن ثم ماذا ايتها السلطة المبجلة

مجلس الأمن ثم ماذا أيتها السلطة المبجلة؟ بقلم: أ. سعيــد الصرفندي
تاريخ النشر : 2009-11-16
القراءة : 264

مجلس الأمن ثم ماذا أيتها السلطة المبجلة؟بقلم: أ. سعيــد الصرفنديعندما تستمع الى كبير المفاوضين الفلسطينيين وهو يتحدث مبتسماً باللغة الإنجليزية، عن الخطوات المقبلة لسلطة رام الله، ومنها التوجه الى مجلس الأمن، لتحصيل دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران بما فيها القدس الشرقية، تكاد تجزم أن هناك من لا يعبأ بعقلك ولا بمشاعرك ولا بالقضية من أصلها.ما هو المقصود من هذا التوجه المدعوم عربياً، بعد فشل المفاوضات التي كانت مدعومة عربياً ايضاً، بل اجبر الفلسطينيون على حضورها في مؤتمر مدريد بضغط عربي. من أجل تسليط الضوء على الموضوع اتناول النقاط التالية:1. إن من يعلن بعد ثمانية عشر عاما من المفاوضات، أن هذا النهج كان عقيماً ولم يحقق شيئاً يذكر، لا يحق له أن يضع بدائل وخيارات لقضية الشعب الفلسطيني ومسارها المستقبلي، لا سيما انه كان يناطح من اجل اقناع الآخرين أن المفاوضات هي السبيل الوحيد لتحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية، فمثل هؤلاء يجب ان يحاسبوا على تضييع نضالات الشعب الفلسطيني وتضييع وقت طويل وثمين من أجل لا شيء، ومن المخجل أن لا نرى انسحابات واقالات واستقالات في صفوف معسكر المفاوضات، وقد أصبح من الأعراف السائدة أن القيادات التي تخفق في أقل من هذا، تقدم استقالتها وانسحابها من الحياة السياسية، اما الاستمرار فلا يعني الا شيئاً واحدا يمكن اختصاره ب"عدم احترام هذا الشعب"، ذلك أن هذه القيادات فصلت على مقاسات غير مناسبة للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني.2. ماذا يعني التوجه الى مجلس الأمن، متسلحين بالموافقة العربية، علماً أن الزعماء العرب هم الذين تخلوا عن ابو عمار ولم يجرؤ أحد منهم أن يرفع سماعة التلفون للإتصال به، فقد استسلموا للإرادة الغربية وتحديدا الامريكية والاسرائيلية القاضية بالتخلص منه لأنه تنبه فقط الى أن المطلوب منه التنازل ثم التنازل ثم التنازل، فما الذي تغير على الواقع العربي ليطرح هذا التوجه أو يوافق عليه لولا أن هذا الامر بايعاز من أمريكا والدول الغربية.3. طرح هذا الموضوع يقصد منه تضليل الشعب الفلسطيني، ومحاولة إقناعه أن هناك بدائل لنهج المفاوضات الذي اعلن اصحابه أنه منهج عقيم لا يحقق شيئا، وبما ان شعبنا غفر للمفاوضين فشلهم فهو سيغفر لهم فشلهم مرة اخرى بعد سنوات طويله حينما يقف كبير المفاوضين، هذا اذا امد الله في عمره، بعد ثمانية عشر عاما، ليقول :" إن العالم متعاطف مع اسرائيل وقد خذلنا فلم يحقق مجلس الامن لنا حقاً ولا باطلاً"، وقد يطرح مبادرة جديدة في حينه مفادها:" لا بد من العمل على تغيير نظام مجلس الأمن الظالم، وعلى القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني الانتظار ريثما يحصل ذلك.4. طرح التوجه الى مجلس الأمن أيضاً تضليل للشعب الفلسطيني مرة ثانية، فالقيادة السياسية تريد اقناع الشعب الفلسطيني انها لم تفلس سياسياً، وانها قيادة مبادرة مهتمة بمستقبل القضية الفلسطينية، وأنها تستحق البقاء في موقع المسؤولية؛ لأن لديها افكار ومبادرات خلاقة لحل القضية الفلسطينية وتحقيق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.5. هل يمكن لأمريكا التي استخدمت حق النقض الفيتو تجاه قرارات أقل بكثير من مستوى الموافقة على دولة فلسطينية عاصمتها القدس، أن توافق على مثل هكذا قرار، واعتقد أن من يقول : نعم، وأن هذا الأمر ممكن، يستحق ان تنصب له مشنقة على دوار المنارة لأنه يتاجر بالقضية لمصالح شخصية، أو حزبية، فمجلس الأمن لم يخالف في يوم من الأيام ما تريده أمريكا، وهي الدولة التي لم تستخدم مجلس الامن الا من اجل مصلحتها ومصلحة اسرائيل، فما هي المتغيرات الدولية التي يمكن ان تدفع امريكا للموافقة على قرار يشكل طعنة قاتلة لإسرائيل.6. الاعتماد على امريكا كراعية لعملية السلام جعلها تتراجع حتى عن شرط تجميد المستوطنات لبدء المفاوضات العبثية، وما ذلك الا لأن المفاوض الفلسطيني لم يكن أهلاً للتفاوض؛ فهو لم يدرك أن المفاوضات الحقيقية لا تجري هكذا، فلم يفاوض شعب من شعوب الأرض محتليه بمثل الطريقة التي فاوض فيها كبير المفاوضين.7. من المخجل حتى الآن أن تتوقف مسيرة المصالحة الفلسطينية لأن أصحاب منهج المفاوضات الفاشل يطلبون من حماس الاعتراف بإسرائيل وبشروط الرباعية، حتى لا يبقى في يد الشعب الفلسطيني أيٌ من عناصر القوة.8. الى من يقول ما هو البديل بعد كل هذا :هو ما اختاره ابو عمار، عدم التنازل، وهو ما اختاره الشعب الفلسطيني: لا نستطيع حل القضية الآن، الا أننا لن نسمح للمحتل ان ينام قرير العين؛ إذ يجب ان يدفع المحتل ثمن احتلاله، وشعبنا مستعد لذلك.sarafandisaed@yahoo.com

هل فقد صائب عريقات لقب"كبير المفاوضين"

هل فقد صائب عريقات لقب" كبير المفاوضين"؟!بقلم: أ. سعيــد الصرفندي
تاريخ النشر : 2009-11-16
القراءة : 511

هل فقد صائب عريقات لقب" كبير المفاوضين"؟!بقلم: أ. سعيــد الصرفنديبدايةً، لسنا ندري، أو على الأقل فأنا لا أدري، على وجه اليقين، من الذي اسبغ على الدكتور صائب عريقات لقب "كبير المفاوضين"، فقد ظهر هذا اللقب في وسائل الإعلام دون الإشارة الى تسلسل في درجات طاقم المفاوضات، ابتداءً من الصغير الى الأكبر الى كبيرهم الدكتور صائب عريقات.ولأن كل لفظ في عالم السياسة له دلالاته وإشاراته وخلفياته التي تحتاج الى شرح وتفسير؛ فإنه ليس من باب الصدفة أو التباهي والتفاخر تم اطلاق لقب كبير المفاوضات على الدكتور صائب عريقات.من المعلوم، أن هناك فرقاً بين الفكر السياسي والفعل السياسي، فالفكر السياسي هو مجموعة المنطلقات والأفكار المعيارية التي يؤمن بها السياسي، ولكن هذه الأفكار غالباً ليست من صنع السياسي بل هي من صنع المفكرين السياسيين في هذا البلد أو ذاك؛ إذ في كل دولة أو أمة أو شعب، مجموعة من المفكرين الذين يقومون بصياغة الفكر السياسي المعبر عن الأهداف والغايات التي يسعى الشعب لتحقيقها، ولو تتبعنا كثيراً من الفعل السياسي في الدول الغربية منذ الثورة الفرنسية حتى الآن، لوجدنا هذا الفعل مرتبطاً بالفكر السياسي الذي صنعه المفكرون والكتاب، فأصبح هناك خلفية واضحة للسياسي عندما يقوم بالفعل السياسي. بعد انتهاء الحرب الباردة ظهرت أفكار سياسية جديدة، منها مثلاً ما كتبه صامويا هانتنغتون في كتابه الشهيرClash Of Civilizations " صدام الحضارات"، كذلك ما كتبه فرانسيس فوكاياما في كتابهEnd Of History أو "نهاية التاريخ"، فقد أصبحت تلك الأفكار وغيرها هي الموجه للسياسة الأمريكية، إضافة طبعاً الى الفكر السياسي الذي تراكم في تراث ال"Neoconservatives" أو المحافظين الجدد .أي أن هناك مرجعية فكرية للعمل والفعل السياسي، فالفكر السياسي أكبر من السياسي الذي يمارس الفعل السياسي، وفي حالة التخبط والتردد من السياسي أو مواجهة مسائل مستعصية، فلا بد من العودة الى الخلفيات الفكرية أي الى الأكبر.من هنا استطيع القول بلا تردد أن وصف الدكتور صائب عريقات بكبير المفاوضين الفلسطينيين، كان المقصود منه اعتباره هو المرجعية الوحيدة في المفاوضات، فما يقوله مقبول وما يرفضه مرفوض، وهذا التفسير له الغلبة والأرجحية على ما سواه؛ لأن المتأمل في فكر الدكتور السياسي، وهذا من التسلط، فلا يجوز أن يكون شخص ما، مهما كبر اسمه ونسبه ولقبه، هو مرجعية شعب.بعد فشل منهج المفاوضات، وبعد أن لم يعد من بين المفاوضين من يوصف بصغيرهم ولا كبيرهم، هل يكون الدكتور صائب عريقات قد فقد اسم ولقب كبير المفاوضين؟لا اعتقد أن الامر كذلك؛ فسوف يبقى صائب عريقات هو كبير المفاوضين سواء فوضه الشعب بذلك أم لم يفوضه، فمسيرة المفاوضات ستبقى قائمة، فالحياة مفاوضات، ولا يمكن أن تتوقف المفاوضات، وما الاعلان الجديد بالتوجه الى مجلس الأمن الا محاولة يائسة للضغط على إسرائيل لتقديم فتات لهم يسوقوه باعتباره انجازاً عظيماً.امريكا، لن تسمح بخروج الملف الفلسطيني الاسرائيلي الى جهات دولية؛ لأن هذا اعتراف أن قضية الصراع تهم العالم كله، وهذا مخالف لسياسة امريكا القاضية بأن النزاع بين الفلسطينيين والاسرائيليين فقط، ولذلك عملت خلال السنوات الماضية على اخراج الدول العربية من دائرة الصراع، بل تضغط عليهم من اجل التطبيع مع اسرائيل، حتى لا يبقى للقضية الفلسطينية اي علاقة بالعالم العربي، فكيف ستسمح بجعلها قضية دولية.سوف يعود صائب عريقات الى المفاوضات ولن يفقد لقب "كبير المفاوضات"، فالمفاوضات ثم المفاوضات هي السبيل الذي تم رسمه للتعاطي مع القضية الفلسطينية، لقد كانت هناك انتفاضة مباركة عبَّر الشعب الفلسطيني من خلالها عن رفضه للاحتلال بطريقة عنيفة حتى اصبح المحتل غير قادر على دفع ثمن احتلاله لشعب آخر، فكانت المفاوضات هي التي أطفأت جذوة الانتفاضة، وبدونها ستسحب الV.I.P، وكذلك ستهدم المشاريع التي اقيمت في عهد السلطة والتي كانت نتيجة المفاوضات.سيعودون للمفاوضات مع اول شيء يلقى اليهم، ثم يعلنوا التوبة والندم على قولهم بأن المفاوضاتت فشلت، وسيبقى الدكتور صائب عريقات كبير المفاوضين دون أن نعلم من هو صغيرهم.sarafandisaed@yahoo.com

المطلوب التوجه الى حماس وليس الى مجلس الامن

المطلوب التوجه الى حماس وليس الى مجلس الأمن بقلم: أ. سعيـــد الصرفنـــدي
تاريخ النشر : 2009-11-20
القراءة : 412

المطلوب التوجه الى حماس وليس الى مجلس الأمن بقلم: أ. سعيـــد الصرفنـــديبعد الإعتراف بفشل منهج المفاوضات الذي استمر ثمانية عشر عاماً دون أن يحقق شيئاً، فإنه لا يجوز الإرتجال في قضية مهمة على مستوى القضية الفلسطينية، فالفشل كان يستوجب الوقوف مطولاً لدراسة أسباب الفشل والظروف والملابسات التي احاطت بعملية المفاوضات منذ انطلاقتها في مؤتمر مدريد وحتى اعتراف كبير المفاوضين بفشلها.إن مسار المفاوضات لم يكن خياراً فلسطينياً في حقيقة الأمر، فقد كانت الإنتفاضة الأولى التي انطلقت أواخر عام 1987، خيار الشعب الفلسطيني في الرد على الإذلال والمهانة التي توجه له من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وكانت في الحقيقة توجهاً شعبياً ثم أصبحت خياراً للفصائل الفلسطينية من خلال تشكيل القيادة الموحدة للإنتفاضة، حيث تحولت من فعل شعبي عفوي الى عمل منظم عبر الفعاليات التي كان ينص عليها بيان القيادة الموحدة، وبقيت الإنتفاضة في عنفوانها حتى حرب الخليج، فقد فترت نسبياً ثم توقفت عمليا مع انطلاق المفاوضات في مؤتمر مدريد وتوقيع اتفاقية اوسلو عام 1993.صحيح أن الانتفاضة لم تحقق دولة، ولكنها بلورت الأهداف البعيدة للشعب الفلسطيني عبر التأكيد على الهوية الوطنية الفلسطينية، فأكدت من ضمن ما أكدته الانتفاضة أنه لا يجوز النظر للشعب الفلسطيني على أنهم مواطنون اردنيون، بل شعب مستقل، لهم حق في دولة مستقلة، اي أن الانتفاضة، هي التي ابرزت الهوية الوطنية الفلسطينية وليس منظمة التحرير عبر وجودها خارج الوطن كما يحلو لكثير من منظري السلطة قوله.الا أن الملفت للنظر ان اتفاقية اوسلو لم تكن بحجم التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، أي انه لم يكن هناك استثمار للحالة التي خلقتها الانتفاضة محليا وعربيا ودولياً، وهذا معناه عدم وجود ووضوح استراتيجية العمل لمنظمة التحرير بعد مرحلة الانتفاضة، فقد طرح على الشعب الفلسطيني في اتفاقيات كامب ديفيد أكثر مما طرح عليه في اتفاقية اوسلو، مع أنه لم تكن هناك انتفاضة، ولم تكن هناك بلورة للهوية الوطنية الفلسطينية .لقد أصبح خيار منظمة التحرير هو خيار المفاوضات والتسوية السياسية دون أن يتم الاعتراف بهذا الخيار من قبل القوى الفاعلة على الصعيد الفلسطيني، حتى أن اتفاقيات اوسلو وقعت دون علم شخصيات قيادية للمنظمة وللشعب الفلسطيني، فقد وقعت الاتفاقيات وخضع الشعب الفلسطيني لنتائجها دون مشورته وموافقته، ولكن الآلة الإعلامية المتنفذة، إضافة الى وسائل الاعلام العربية والعالمية، استطاعت تصوير الاتفاقيات وبناء السلطة الفلسطينية باعتباره انجازاً ضخماً وجبارا، وأن الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي مر بها الشعب الفلسطيني منذ الانتفاضة، سوف يزول ويتحسن الوضع لتصبح مناطق السلطة سنغافورة الشرق الاوسط.باختصار كان التوجه لمسار المفاوضات والتسوية السلمية استجابة لظروف عربية واقليمية ودولية، وليس استثماراً للحالة النضالية التي نشأت في الضفة الغربية وقطاع غزة بفعل الانتفاضة وتداعيات ذلك ايجابيا على المستوى العربي والعالمي. فقد كان بمقدور مفاوض حقيقي أن يأخذ أكثر مما اعطي للمنظمة في هذه الاتفاقيات، وكلنا نعلم أن رسائل لالاعتراف المتبادل بين عرفات ورابين نصت على الاعتراف بدولة اسرائيل، مقابل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيدا للشعب الفلسطيني، وقد كان الاعتراف من المنظمة بدولة اسرائيل اعظم انجاز اسرائيلي واعظم تنازل من قبل المنظمة بحقوق الشعب الفلسطيني، فقد كان يفترض في المفاوض الفلسطيني أن يؤجل مسألة الاعتراف بدولة اسرائيل الى ما بعد اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ولكن الاعتراف بها حتى قبل بناء سلطة الحكم الذاتي اعطى اسرائيل الحق ان تفعل ما تشاء لأن اعظم ورقة كان يمكن للفلسطينيين استخدامها قد سقطت من ايديهم.إن خيار المفاوضات فشل، وهذا يتطلب الوقوف كما اسلفت لدراسة الحالة مطولاً، وليس الانتقال بهذا الشكل الأكروباتي، من الاعتراف بفشل المفاوضات الى خيار التوجه لمجلس الأمن لاستصدار قرار بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، فالفشل بعد ثمانية عشر عاماً كان يتطلب اجراء مراجعات واستخلاص دروس.لا يعقل أن ينتقل الشعب الفلسطيني من خيار فاشل الى خيار مجهول بنفس الأسماء، لا يعقل أن ينعى الدكتور صائب عريقات منهج المفاوضات وفي نفس المقابلة التلفزيونية يعلن عن خيار جديد وهو التوجه الى مجلس الأمن؛ لأن هذا الخيار يحتاج كما اسلفت الى دراسة نقدية لمنهج المفاوضات، ثم صياغة استراتيجية جديدة بمشاركة كل القوى السياسية الفاعلة على الساحة الفلسطينية، وهنا قد يقفز الى الذهن سؤال مشروع، لماذا كان هذا الخيار وبهذه السرعة.الجواب على ذلك، هو التغطية على حالة الفشل والمأزق الذي تعيشه السلطة الفلسطينية في رام الله، فالنقاش والتشاور مع القوى السياسية معناه توجيه انتقادات لاذعة للطريقة التي تمت فيها قيادة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية في الفترة السابقة، وضرورة مشاركة تلك القوى في الخيارات المستقبلية مما ينهي حالة الاستفراد التي عاشتها القضية الفلسطينية منذ سنوات طويلة.لقد كان للشعب الفلسطيني خيار واحد هو خيار المقاومة قبل خيار المفاوضات، وهو الخيار الذي فرض على الشعب الفلسطيني وقواه السياسية دون موافقة منه، وبعد فشل خيار المفاوضات فإن الوضع الطبيعي هو العودة الى خيار المقاومة حتى يتم دراسة الحالة الناشئة عن الاعتراف بفشل منهج المفاوضات، وهذا معناه توجه السلطة الى حركة حماس لدراسة الوضع الفلسطيني والخروج بموقف موحد، بعد انهاء حالة الانقسام، يكون هذا الموقف معبراً عن الشعب الفلسطيني وقواه الحية، ويعطي أي توجه وخيار جديد زخماً افتقده خيار المفاوضات.هذا الخيار امام السلطة هو الخيار الذي يعبر عن مصالح الشعب الفلسطيني، ويصون قضيته من المهاترات والتجاوزات، وبناء الاستراتيجات على اساس المصلحة الوطنية وليس على اساس المصلحة الفردية والحزبية، لا مناص امام السلطة قبل التوجه الى مجلس الأمن من التوجه الى حركة حماس باعتبارها الحركة الأقوى والأكثر شعبية كما دلت على ذلك نتائج الانتخابات التشريعية عام 2006، فالقضية الفلسطينية لم تعد تحتمل الإرتجال ولا الارتهان للاجندة الخارجية؛ والا فمن يدري، ربما يخرجون بعد سنوات ليقولوا أن خيارهم الجديد في التوجه الى مجلس الامن قد فشل، حتى دون أن يعتذروا للشعب الفلسطيني وشهدائه ومعتقليه وجرحاه.sarafandisaed@yahoo.comssarafandi@hotmail.com

ردا على محمود طرشوبي

رداً على محمود طرشوبي : اين الأدلة الشرعية؟!بقلم : أ. سعيـــد الصرفنـــدي
تاريخ النشر : 2009-11-21
القراءة : 557

رداً على محمود طرشوبي : اين الأدلة الشرعية؟!بقلم : أ. سعيـــد الصرفنـــديكتب الأخ محمود طرشوبي، مقالاً يرد فيه عليّ بعنوان" حتمية الخلافة عقلاُ و شرعاً : رداً علي سعيد الصرفندي"، وهذا المقال يأتي رداً على مقال لي دفاعاً عن الدكتور محمد العوا، الذي بين أن الخلافة أمر سياسي وليس شرعي.مقال الأخ طرشوبي جاء تحت عنوان يوحي أن الخلافة عليها أدلة شرعية وعقلية، وهذا ما دفعني لإتمام المقال وقراءته، لعله قد غاب عني دليل شرعي قاطع، فاتبعه طاعة لله ورسوله، ولكنني للأسف لم أجد لا أدلة عقلية ولا شرعية كما يقول، بل وجدت حفنة من الشتائم والتهم والأباطيل التي تدل على إفلاسه وسوف استعرضها للتدليل على تهافت الأفكار التي يحملها الأخ طرشوبي :1. لقد بينت في مقالي المذكور ومقالات أخرى حول نفس الموضوع، أن الخلاف بين الصحابة في سقيفة بني ساعدة، دل على أن الأمر سياسي، ولم يستشهد أحد من الصحابة بدليل شرعي على المسألة، وهنا كان المفروض أن تأتي بدليل يشهد لك، وأنا اتحدى أن يأتي أحد برواية صحيحة تقول ان الصحابة استدلوا بدليل شرعي على هذا الأمر، والفرق بيني وبينك أنك حُمّلتَ هذه الافكار فحملتها دون أن يتبين لك الحق من الباطل، أما أنا فإنني باحث، وليكن في علمك أن الفرق بين الباحث وغيره، أن الباحث يدخل الى المسألة دون مواقف مسبقة، أو على الاقل دون أن يتأثر بمواقفه المسبقة، فحيثييات الموضوع وحقائقه هي التي تقود الى النتئائج، أما ان يبدأ الباحث في بحثه وهو يحاول الوصول الى نتائج مقررة سلفاً، فهذا من التعصب المذموم الذي يهبط بصاحبه الى مقام الجهلاء، لذلك فإنني أطالبك بقراءة كل ما جاء في كتب التاريخ والسير حول واقعة السقيفة، واذا وجدت دليلاً من اقوالهم على أن الخلافة أمر شرعي، فأتني به لعل أحداً من القراء يعذرك على فكرك، أما إذا قلت لي : الدليل هو اجماع الصحابة، فهذا منقوض بامتناع علي بن ابي طالب وسعد بن عبادة عن مبايعة أبي بكر، وإن جاءت روايات تقول ان علياً بايع بعد ستة أشهر، الا أن سعدأً مات ولم يبايع، فاتنقض الاجماع المدعى في هذا المقام.2. تقول أن رأيي واقتبس: "رأيه لم يكن صبيان المسلمين في دولة الخلافة يقولون به و لم نسمع به في بلاد المسلمين إلا بعد الهجمة الغربية علي بلاد المسلمين "، إن هذا القول لو قاله عالم في مناظرة علمية لضرب بالنعال، فإذا كان هذا القول لم يقل به صبيان المسلمين، فماذا تقول في رأي المعتزلة الذين نفوا وجوب الخلافة شرعاً، وقد كان من الممكن أن تصبح الامة بغالبيتها معتزلة لولا انقلاب نظام الحكم العباسي ضدهم، فالمناهج التي كانت تسود في الدولة الاسلامية هي مناهج الحكام على الاغلب، فالمعتزلة وهم من كبار علماء الامة لم يقولوا بما يقوله صبيانكم في حزب التحرير، إضافة الى أن هناك طائفة عظيمة من طوائف المسلمين وهم الشيعة، لا يقولون بما يقوله صبيانكم ايضاً، افلا ترى أن جملتك التي ذكرتها تتهاوى وتتساقط، وأنه كان من الأليق بك عدم ذكرها؛ لأن المقام مقام استدلال بالدليل وليس استعراضاً لقاموس بذيء وسيء لا يعرف الا قدح المخالفين.3. تتحدث عن المستشرقين وعملائهم وفكرهم وتتهمني بأنني واحد منهم ، وأقتبس قولك:" و بدأ هذا الجيل في العمل علي ضرب فكرة الخلافة و إنها ليست نظاماً للحكم في الإسلام و الأسماء كثيرة و الكتب التي كتبوه أكثر و تلاميذهم انتشروا في بلاد المسلمين ــ أظنك يا أستاذ سعيد واحد منهم". هذه الطريقة عفا عليها الزمن في الطعن في الخصوم. أن يتهم هذا بأنه ماسوني، وهذا عميل وهذا يحمل افكار المستشرقين ..الخ، فهذا لم يعد مسموعاً ولا مقبولاً عند العقلاء، بل هو تعبير عن العجز عن مواجهة الفكرة بالفكرة والدليل بالدليل، فما أسهل ان تتهم أحداً يخالفك بأنه يعمل لصالح الغرب وفكره، ولكن الأصعب وهو ما لا تستطيعه، إقامة الدليل على ما تقول، فليس كل فكرة قالها احد يخالفك ترد عليها بأنها من فكر المستشرقين، وقد كانت مواضيع الاستشراق والمستشرقين من المساقات التي درستها في مرحلة الدراسات العليا، وكتبت ابحاثاً حول فكرهم، ولكنني كما قلت لك سابقاً، الباحث لا يدخل الى المسألة بنتائج مسبقة؛ لذلك وجدت، وهذا ما لا تعرفه، أنه لا يجوز وضع المستشرقين كلهم في سلة واحدة، فمنهم اليهود خصوصاً وضعوا نصب اعينهم من بحوثهم ودراساتهم اهدافاً خبيثة ارادوا الوصول اليها، فلم يكن بحثهم يوصف بالبحث العلمي وأنما بالبحث المسيس والمأدلج، ولكن هذا لا ينطبق على كل المستشرقين، فمنهم من أسلم بعد سنوات من دراسة الاسلام لأن منهجه كان نزيهاً وموضوعياً وعلمياً؛ لذلك لا يجوز الرد على كل فكرة لا تتوافق مع فكرك بأنها من افكار المستشرقين، بل الرد على ما يقال بأدلة تقوم بها الحجة على الخصم في المناظرة، وليكن في علمك أن معظم كتابنا المسلمين استفادوا من منهجية البحث النزيهة عند بعض المستشرقين. فلا أرى بقولك هذ الا تهافتاً وتهاوياً من خلال اتهامي بالتأثر بالمستشرقين، وهذا لا يزيد مقالك الا ضعفاً.4. أن اعتبارك من يعمل لاعادة الخلافة هم المخلصون من بين الأمة الذي قيضهم الله لاعادة الخلافة، فهذا تهويش لا طائل من وراءه، لأن نسبة قليلة من ابناء الامة تعرفهم، فشرح نظام الاسلام وغيره في حلقات ولو كانت مكثفة؛ فإنها لا تعني الصدق والاخلاص، لأن هذه معاني نسبية كلٌ يقيس بمقاييسه، فقد يعتبرك أحداً عميلاً لأمريكا بناء على أسلوبك في حمل الدعوة، ولكن هذا لا يكفى فالعبرة بصواب الفكرة أو خطئها، ومع ذلك فالفكرة المعيارة لا يحملها احد بمفرده او حزباً بعينه.5. قولك وانا اقتبس:" كانت هذه مقدمة لابد منها في الرد علي كل من يقول بان الخلافة ليست من الشرع وأن الدولة بشكلها الحالي هي من الشرع, و ينسب ذلك إلي مجموعة من الفقهاء المعاصرين الذين أصابتهم الهزيمة النفسية أمام الفكر الغربي". إذن، انا، والقراء المهتمين ننتظر ان تبدأ بطرح ادلتك بعد هذه المقدمة لنرد عليها، راجياً أن يتسم طرحك بالأدب، وان تعتمد على الأدلة فقط لا على التهم والإنشاء الذي لم يعد ينطلي على أحد.sarafandisaed@yahoo.comssarafandi@hotmail.com

دلالة الافراج عن الاسيرات

دلالة الإفراج عن الأسيرات بقلم : أ. سعيــد الصرفنــدي
تاريخ النشر : 2009-09-30
القراءة : 217

دلالة الإفراج عن الأسيراتبقلم : أ. سعيــد الصرفنــديتناقلت وسائل الاعلام هذا اليوم 30/09/2009، خبر نية الاحتلال الصهيوني بالافراج عن 20 أسيرة فلسطينية، مقابل شريط لشاليط يظهره حياً، هذا الخبر كانت له دلالات وتداعيات مختلفة بحسب اختلاف الموقع الذي يقف فيه هذا الانسان أو ذاك.أهالي وذوي الأسيرات استقبلوا هذا الخبر بفرح بالغ،وحق لهم أن يكون وقعه عليهم كذلك، صحيح أننا شعب معطاء رجاله ونساؤه، شيبه وشبانه، وهذا معناه احتمال وقوع عدد من نساءنا وبناتنا في الأسر؛ لأن هذا الوطن لكل أبنائه، ومع ذلك فإن اعتقال فتاة أو إمرأة يكون اشد وطئأ على الأهل من اعتقال الرجال؛ لذلك فإن هذا الخبر يستقبله اهالي الأسيرات ومساحة الفرح تملأ قلوبهم.وهناك أيضاً من نظر الى هذا الخبر نظرة مناكفة سياسية مع أنه لم يفصح في وسائل الاعلام عن ذلك، فهو سبب في ازدياد نفوذ حماس، بسبب الاحترام الذي يكنه اهالي الاسيرات والاسيراتُ أنفسهن لحركة حماس. وشعر البعض أن التوقيت يفيد حركة حماس سياسياً؛ فالحديث عن الانتخابات بدأت تشتد وتيرته، وأي انجاز كهذا يفيد حركة حماس ، فكيف إذا تمت الصفقة الكبرى بالإفراج عن شاليط مقابل ألفٍ من المعتقلين الفلسطينيين، والتي يمكن أن تتم قبل الإنتخابات في حالة حدوثها بناء على توافق وطني بين حركة حماس وحركة فتح وباقي الفصائل الفلسطينية.كل ذلك قد يكون صحيحاً، فحركة فتح تطمح أن يكون الإفراج عن المعتقلين عن طريقها، بل لقد تم التطبيل والتزمير لخطوات احادية الجانب من قبل الاحتلال في الافراج عن عدد قليل من الاسرى الذين كانت احكامهم قصيرة و" لم تلطخ ايديهم بالدماء" حسب التعبير الصهيوني، ومع ذلك كان يخرج علينا من يحاول تسويق تلك الخطوات باعتبارها انتصارا وانجازاً لنهج المفاوضات مع أنها في الحقيقة كانت محاولات اسرائيلية لتزيين وتمليع أصحاب منهج المفاوضات .وصحيح أيضاً أن حركة حماس سوف تستفيد سياسياً من هذه الخطوة، او من الصفقة الكبرى مستقبلاً ، ومن حقها أن تفعل ذلك، فهي تثبت أن طريق خطف شاليط ، التي اعتبرها البعض وقتها وبعدها خطوة مغامرة لن تؤدي الا الى مزيد من المعاناة والضغط على الشعب الفلسطيني .كل ذلك صحيح، ولكن ما هي دلالات هذه الخطوة في الوقت الراهن ؟!أولاً : إن هذه الخطوة والصفقة الكبرى إذا حصلت، تدل دلالة واضحة لا لبس فيها، أن المقاومة وإن كانت فصائلية؛ إلا أن نتائجها وثمارها يمكن أن يقطفها الشعب الفلسطيني كله بكل فصائله وتنظيماته . فالتنوع في قائمة الاسيرات فصائلياً يدل على أن الجميع مستفيد من خطف شاليط.ثانياً : إن الشعب الفلسطيني كان تهب عليه رياح الإنقسام والتشرذم في حالات الهزيمة والاخفاق، وكان يتوحد أيضاً في حالة الانتصار، فهذه الصفقة والصفقة الكبرى ستؤدي الى الاحساس بالوحدة بين ابناء الشعب الفلسطيني، لأنها ستكون انتصارا حقيقياً لا ينكره الا من كانت مشاعره واهواؤه غير منسجمة مع مشاعر الشعب الفلسطيني .ثالثاً : إن طريق المفاوضات العبثية لم تحقق أي انجاز يذكر منذ 16 عاماً، وأن هذا الطريق ليس قدراً للشعب الفلسطيني؛ إذ يمكن أن تكون هناك بدائل للشعب الفلسطيني، يحقق من خلالها أهدافه وغاياته.رابعاً : أن الضغط والحصار على الشعب الفلسطيني لا يؤتي ثماره؛ خاصة إذا كان هناك ايمان بعدالة الأهداف والغايات التي يسعى الشعب الفلسطيني الى انجازها في هذه المرحلة، وأن الصمود يمكن أن يحاصر أعظم حصار.خامساً : التفكير جدياً من القيادات السياسية في وضع استراتيجيات قادرة على تخليص الاسرى من عذاباتهم، تلك العذابات التي تتضاعف عندما يرى أهالي المعتقلين أن منافع السلطة توزع على غير من زرع، مما يعمق الإحساس ان الواقع القائم ليس نتيجة العذابات والتضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني ، بل ترتيب يقصد منه حماية الاحتلال على ايدي فلسطينية.sarafandisaed@yahoo.com

رسالة عاجلة للرئيس جورج بوش

رسالة عاجلة للرئيس جورج بوش بقلم:سعيد الصرفندي
تاريخ النشر : 2008-01-09
القراءة : 696

رسالة عاجلة للرئيس جورج بوشسعيد الصرفندي - أريحا " مؤقتا"السيد الرئيس :أرجو أن يكون لديك الوقت لقراءة رسالتي القصيرة ، أو ان يكون هذا الوقت متوفراً لأحد من مساعديك أو أعوانك .هناك أمر كان يحيرني منذ صغري ، وهو : لماذا أنت وأجدادك أصدقاء لليهود الصهاينة الذين احتلوا بلادي وأقاموا عليها دولة لهم ؟ ، ولكن اعذرني ايها السيد الرئيس ، فعندما قرأت تاريخ آبائك وأجدادك وما فعلوه مع الهنود الحمر عرفت السبب ، هناك أمور مشتركة بينك وبين آبائك وأجدادك وطريقة بنائهم لدولتهم وبين " دولة إسرائيل " ، وهنا تبددت الحيرة .أنا من قرية اسمها " صرفند الخراب " ، لو بحثت أيها السيد الرئيس في الخارطة فإنك لن تجدها ، وذلك ليس لأنها قرية وهمية ، أو أنني اكذب عليك ، بل لأن هذه القرية قد تم هدمها من قبل اليهود الصهاينة عندما أعلنوا أن قريتي وكل القرى والمدن الفلسطينية اصبح اسمها " دولة إسرائيل " .بصفتك التي تنتحلها أمام العالم ، وهي أنك ممثل لدولة تقاتل وتناضل من أجل الحق والديموقراطية فإنني أقول لك أنني وملايين مثلي أصحاب حق مسلوب من قبل أصدقائك في " دولة إسرائيل " ونحن نأمل منك – مع علمنا أنك لن تفعل ذلك – أن تعيد لنا حقنا المسلوب وترفع الظلم الذي يعاني منه شعب فلسطين المحاصر ، وأنت تعلم ما معنى الحصار ، فأنت قد قتلت في حصارك للعراق أكثر من مليون إنسان .أريد أن أقول لك أن بيت جدي الذي هدمه أصدقاؤك ، بيت مليء بالذكريات ، ذكريات مع البقرة التي كانت تعيش في "حوش" الدار ، ذكريات مع الطابون ، ذكريات مع شجر البرتقال الذي كان ينمو ويربوا كما الأولاد .... ذكريات لا تتسع رسالة قصيرة لذكرها ، إلا أن هذه الذكريات قد تم توثيقها ولن ننساها حتى يعود أحد من الأجيال المقبلة لترجمتها على أرض الواقع .قد تقول أننا سننسى كما فعل الهنود الحمر ، وأن الزمن كفيل بتغيير موقفنا ، قد تقول ذلك ، ولكن هذا يدل على عدم معرفتنا ، وعدم معرفة ثقافتنا العربية الإسلامية ، لن ننسى الا إذا تم القضاء على الاسلام وهذا أمر مستحيل ، وإن شككت في ذلك فاسأل صامويل هانتنغتون وفوكاياما ليقولوا لك أن هذا الأمر مستحيل .سعيد الصرفندي - أريحا

فتح وحماس

فتح وحماس بقلم: سعيد الصرفندي
تاريخ النشر : 2007-10-16
القراءة : 623

فتح وحماسبقلم: سعيد الصرفنديهل أصبح إفساح أحدهما المجال للآخر حتمياً؟!ما زال كثير من المحللين والباحثين يحجمون عن الغوص في أعماق الصراع والنزاع بين فتح وحماس ، مع أن هذاالغوص تفرضه طبيعة أي بحث علمي عندما نريد تناول مثل هذه القضايا .حركة فتح نشأت في وقت لم يكن للقضية الفلسطينية من يمثلها ، فقد التبس الأمر على كثير من الناس حول طبيعة القضية الفلسطينية: هل هي قضية اسلامية أم قضية قومية عربية أم قضية وطنية فلسطينية .كان الأصل في القضية الفلسطينية أنها قضية إسلامية لأن هذا الاعتبار كان قادراً على تجنيد الطاقات الإسلامية والعربية لحلها ، ولكن ضعف الرابطة أو الجامعة الإسلامية عندما تم اغتصاب فلسطين ؛جعل القضية الفلسطينية تظهر وكأنها قضية قومية ، بل قضية العرب الأولى بلا منازع ، وقد ساهم في إظهار هذا البعد بروز التيار القومي على صعيد الفكر والممارسة . إلا أن أهل فلسطين وهم أصحاب القضية ، لم يلمسوا في الحقيقة أن قضيتهم هي قضية العرب الأولى ، أو على الأقل لم يلمسوا توازناً بين التنظير والممارسة العملية ؛ فكان لا بد من ظهور تيار فلسطيني تركزت فيه مشاعر الإحباط والغضب على اغتصاب فلسطين ليتحول إلى مقاومة للاحتلال وإشارة مرورية باتجاه ساحة العمل المسلح ضد الكيان الصهيوني ، وكان هذا التيار هو حركة فتح .عندما تشكلت حركة فتح لم يكن هناك توجه ايديولوجي ، ولم يكن من الصائب في حينه اشتمال توجهات الحركة على بعد ايديولوجي ، فالتوجهات في ذلك الحين لم تكن سوى تقدميةاو رجعية ، ومعلوم أن التقدمية في حينه تقتضي ولو أثراً ضعيفا ًللفكر الماركسي اللينيني ، وهذا معناه الابتعاد عن الجماهير التي يشكل الدين أهم مكونات الوعي واللاوعي فيها . أما إعلان نوجهات رجعية او علمانية فمعناه الارتماء في أحضان الدول العربية ، وهي التي كانت سبب الإحباط بل إحدى مبررات وجود تيار فلسطيني مستقل . لذلك كانت حركة فتح تمثل الشارع الفلسطيني الذي فقد ثقته بالنزعة القومية ، وخاصة بعد فشل التيار القومي عام 1967 من الحفاظ على ما تبقى من فلسطين ؛ فلم يكن الشعب الفلسطيني في ذلك الوقت يريد الحديث عن الأفكار والأيديولوجيا ، مع أن الفكر الشيوعي عرف امتدادا واسعا في تلك الفترة ، ولكنه امتداد في أوساط الإنتلجنسيا التي كانت بفعل جملة من العوامل متمردة على الواقع بشكل لا عقلاني ، وكان الشارع الفلسطيني يهتم بفكرة المقاومة والتحرير ، لذلك كان من المقبول اعتبار الاتحاد السوفياتي صديقا وهو الذي يمثل المعسكر الشيوعي ، ما دام " الكلاشنكوف " الذي نقاتل به إسرائيل من صناعتها .نشأت حركة فتح باعتبارها حركة تمثل طموحات الشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال وحلم العودة ؛ فكان من الطبيعي أن يحتضن الشعب الفلسطيني هذه الحركة ؛ ليس لأنها تمثل تيارا فكريا وإنما لأنها مثلت تيارا شعورياً جمعيا يعكس الحالة النفسية التي يعيشها الشعب الفلسطيني ، خاصة وأن المعارك الأولى مع الاحتلال كانت على أيدي رجال حركة فتح ، فقد كانت فكرة الكفاح المسلح هي الفكرة التي تستطيع الحصول على إجماع فلسطيني ، ولم يكن من الممكن أن يستحوذ أي تيار مهمته التنظير ولو أبدع في ذلك على الاجماع الفلسطيني ما دام لا يتحدث عن الكفاح المسلح والمقاومة وحق عودة اللاجئين ...حركة فتح استطاعت باعتبارها حركة مسلحة ودون ايديولوجيا محددة أن تستقطب قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني ، فهي تيار يضم في عضويته كل من يريد مقاتلة اسرائيل ، كل من يريد حمل السلاح دو ن النظر الى قناعاته الفكرية والعقائدية ، فكان في هذه الحركة منذ البدايات رجال متدينون يعتبرون حملهم للسلاح ومقاتلتهم اليهود جهادا في سبيل الله ، وكان فيها من يعتبر حمله للسلاح امتدادا وتعبيراً لأفكار تروتسكي ومبادئ الثورة العالمية الدائمة ضد الاضطهاد والاستغلال، ولكن المساحة بين هذا وذاك كانت تختفي في بوتقة فتح وفي معسكرات التدريب لقتال اليهود .من الطبيعي أن استمرار الثورة لسنوات عدة كان يفرض بشكل موضوعي ان تنشأ علاقات مع أحزاب وحركات تحرر بل اكثر من ذلك ، علاقات مع دول مستقلة بل دول فاعلة على مسرح السياسة الدولية ، هذه العلاقات كانت تحتاج الى محترفي عمل سياسي كما هي الحاجة الى محترفي عمل عسكري ، كل ذلك بدأ يفرض حالة تتشكل عبرها - في الثورة بوجه عام وفي حركة فتح بوجه خاص – فئة لها مصالح مادية ومعنوية على مستوى السياسيين وبتدرجات اقل تلونا لمجموعة من العسكريين ، كل ذلك لم يمنع التفاف الجماهير حول حركة فتح لأنها كانت حركة تمارس الكفاح المسلح فكراً وعملاً .بعد عام 1974 بدا واضحاً أن هناك حالة من الإنقسام الشعوري بين حركة فتح وبين قطاعات بدأت بالتوسع ، فالسلام والحديث عن غصن الزيتون معناه الاعتراف بدولة اسرائيل وإن كانت هذه الفكرة قد رسمت لوحة للمستقبل لكنها كانت بخطوط باهتة لا تستطيع الجماهير قراءتها في ظل العمل المسلح الذي كان يشنف أسماعها . الا أن هذه الخطوط بدأت تتضح معالمها لقطاعات اوسع من الشعب الفلسطيني بعد الدورة السادسة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني الذي خرج باعلان الاستقلال ، الذي لم يكن في الحقيقة الا اعترافا بإسرائيل ولكن في جو احتفالي قصد منه التعمية على الشعب الفلسطيني ، فالنصف الممتلئ من الكأس كان الاعتراف باسرائيل والجزء الفارغ منها اعلان الاستقلال .في هذه الاثناء وقبلها، كانت الثورة الإيرانية، إضافة الى عوامل موضوعية كثيرة قد أعطت زخماً للتوجهات الدينية ؛ فبدأت تيارات اسلامية بالظهور، هذه التيارات لم تكن بحاجة الى مساحات كبيرة من التنظير الفكري والأيديولوجي لاستقطاب الجماهير الفلسطينية ، لأن مجرد وجود تيار ديني يعني أن مساحات التلاقي مع الجماهير واسعة وكبيرة ، فكيف إذا كانت هذه الحركات حركات مقاومه وحركات مسلحة .إذن كان هناك تراجع عن الفكرة الاساسية التي قامت عليهاحركة فتح باعتبارها حركة مسلحة هدفها تحرير فلسطين من البحر الى النهر ، وكذلك بروز اشخاص وتيارات داخل الحركة تتبني العلمانية بشكل واضح لا لبس فيه .في هذه الاثناء جاءت الانتفاضة الأولى ، حيث ظهرت حركة حماس بقوة تجاوزت قدرات المحللين والخبراء ، فهي حركة تشابهت مع حركة فتح في تبني العمل العسكري والكفاح المسلح ، وفوق ذلك هي حركة ذات توجهات ومرجعيات دينية ، فكانت جماهيرها على الأغلب هي جماهير فتح ذات التوجه الديني .ثم جاءت بداية التسعينات لتشهد امورا عظاما ، كهزيمة الاتحاد السوفياتي في افغانستان على يد المجاهدين ومنهم من كان له دور مركزي كالدكتور عبد الله عزام وهو فلسطيني ، ثم انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية ؛ الذي اعتبر في حينه نتيجة طبيعة لنظام قام على اساس الالحاد ومحاربة الدين ، كل ذلك شكل بطريقة عفوية مقدمات قوية لاتساع تأثير التيار الديني الذي وجد الظروف الملائمة لاستدعاء مخزوم التراث الاسلامي الذي يمجد الجهاد والاستشهاد في سبيل الله .مع كل ذلك لم يكن هناك فرق كبير بين برنامج تلتزمه حركة فتح ، وهو برنامج ليس مكتوبا ، ويمكن تسويقه حسب الجمهور الذي يقدم اليه ، فهناك فئات من خارج فتح ومن داخلها ، ما زالت تعتقد أن حركة فتح هي نفسها التي نشأت في الستينات ، وأن كل ما يحدث ليس الا تكتيكا ابدعت في استخدامه حركة فتح .هذا التصور على بساطت وسذاجته عندما ساد قطاعات كبيرة من جماهير فتح ، أصبح احد عناصر الأزمة المتأزمة في داخل حركة فتح ، فقد كانت التوجهات الرسمية في انتخابات الرئاسة الفلسطينيةً تقضي بدعم محمود عباس الذي أعلن أيام الرئيس الراحل ياسر عرفات أنه ضد المقاومة وضد عسكرة الانتفاضة ، فكان من الطبيعي أن لا تعطي الجماهير غير الحزبية اصواتها لحركة فتح في اتخابات المجلس التشريعي ، وأن تتوجه باصواتها الى حركة حماس التي طرحت برنامج المقاومة ، وهذا يعني أن الشعب الفلسطيني ما زال يملك مقاييسه المعيارية التي كانت منذ نكبته الأولى ، نلك المقاييس التي تدور حول المقاومة والكفاح المسلح ، ولو كان ذلك على مستوى التنظير دون الممارسة في أغلب الاحيان .لقد بدأت جماهير الشعب الفلسطيني تدرك أن هناك من استلم زمام الامور في حركة فتح ومن ثم السلطة وبدأ يتعاطى مع الواقع الجديد بعد دخول السلطة باعتبار أن القائم هو دولة ، أو أن هناك حاجة الى عبقرية تستطيع التعامل مع الواقع باعتباره استقلالا وفي نقس الوقت السعي لانجاز مرحلة التحرر الوطني .هذه العلاقة الجدلية بين الاستقلال ومرحلة التحرر الوطني كانت بحاجة الى اكاديميين وطلاب علوم سياسية وقانون دولي ليفهموا ما يجري ، ولم يكن هناك من يستطيع إفهام الجماهير ما ليس بمفهوم . فكانت النتيجة ما جرى في انتخابات المجلس التشريعي .ماذا يعني هذا : يعني أن البرنامج السياسي لحركة فتح إذا عاد الى ما يريده الشعب الفلسطيني ، عاكسا لاحلامه في التحرر والاستقلال والعودة ، فإنه قادر على اعادة الجماهير إليه ، ولن يكون حتميا التصادم بين فتح وحماس ، ولن يكون من الضروري أن يفسح احدهما المجال للآخر على الساحة الفلسطينية ، أما أن يكون البرنامج السياسي عاكسا لرؤية الآخرين للصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، وهو الصراع الذي ان سببا في وجود الحركات الفلسطينية ، فإن ذلك يقود الى نتيجة واحدة : يجب أن يخلي برنامج أحدهما المجال للآخر على الساحة الفلسطينية .sarafandisaed@yahoo.com

منهج التكفير وخطره على المجتمع المسلم

منهج التكفير وخطره على المجتمع المسلم بقلم:أ. سعيد الصرفندي
تاريخ النشر : 2009-08-15
القراءة : 603

منهج التكفير وخطره على المجتمع المسلمبقلم:أ. سعيد الصرفنديالتكفير، بمعنى تبني مجموعة من الأفكار وكل من يخالفها فهو كافر، ليس جديداً في التاريخ الإسلامي، فقد كان الآباء الأوائل للتكفيريين وهم الخوارج الذين كفروا أمير المؤمنين علي عليه السلام، قد تبنوا فكرة أن الحكم لله، فيكون علي رضي الله عنه كافراً لأنه قبل بالتحكيم بينه وبين الباغي معاوية، وكان من السهل على من تبنى تلك الفكرة ان يتنازل عنها إذا تبين له أن الحق في خلاف ما تبني، فقد حاور ابن عباس رضي الله عنه الخوارج بالحجة الدامغة المستندة الى النصوص وفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم،فقد كانت اعتراضات الخوارج على علي تنحصر في ثلاثة امور يرى من ليس عنده فقه أن مصيب فيما ذهب اليه من منهج التكفير.قالوا بأن علياً بقبوله التحكيم قد نفى عن نفسه صفة أمير المؤمنين، والناس عندهم إما مؤمن أو كافر، فيكون علي رضي الله عنه أمير للكافرين ، فرد عليهم ابن عباس مذكراً اياهم بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي يوم الحديبية، بعد أن احتج كفار قريش على الصيغة التي تدل على أن محمداً رسول الله، فقالوا لو كنا نعلم أنك رسول الله ما منعناك من دخول مكة وما حاربناك، فقال ابن عباس للخوارج : إذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قبل أن يمحو عن نفسه صفة النبوة من أجل تحقيق مصلحة للمسلمين ، الا يجوز لعلي أن يمحو عن نفسه صفة أمير المؤمنين لحقن دماء المسلمين، مع أن الإمارة ثابتة له قطعاً كما كانت النبوة ثابتة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قطعاً . فقبل جزء منهم حجة ابن عباس رضي الله عنه .ثم قالوا بأن علياً قبل بتحكيم الرجال والله يقول " إن الحكم الا لله" ، فرد عليهم ابن عباس ليصحح فهمهم السقيم للآية ، فقال لهم إن الله جل جلاله يقول في حق المحرم الذي قتل صيداً أن عليه كفارة ولكن هذه الكفارة ليست محددة في النص ، بل جعل الله تحديدها للمسلمين بقوله " يحكم به ذوا عدل منكم" أي يحكم اثنان من المسلمين في تقييم الدم الذي أصابه المحرم ، فقال لهم: إذا كان الله رضي حكم العدول من المسلمين في دماء البهائم ، ألا يقبل حكم العدول منهم في دماء المسلمين . فقبل جزء آخر منهم حجة ابن عباس .ثم قالوا : أن علياً أمر بقتال المخالفين ولم يأمر بسبي نسائهم، فإما أن يكونوا كفاراً ويقاتلون قتال الكفار فتسبى نساؤهم ، أو يكونوا مسلمين فلا يجوز قتالهم. فقال ابن عباس رضي الله عنه : لم نسمع أحداً من المسلمين يأمر بسبي أمه ، وقد كانت عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الطرف المخالف لعلي ، فإما ان تنكروا ان عائشة رضي الله عنها هي أم المؤمنين وتكونوا بذلك قد كفرتم لأنكم خالفتم القطعي من القرآن الذي أثبت أن ازواج النبي هن امهات المؤمنين، وإما أن تقبلوا بأنها –أي عائشة رضي الله عنها- أم المؤمنين فلا يجوز أن يأمر أمير المؤمنين عليه السلام بسبيها.لقد كانت النتيجة أن رجع عدد كبير من الخوارج الى صف علي رضي الله عنه . وبقي عدد قليل منهم هزمهم علي في معركة النهروان.بعد ذلك لم يعد فكر الخوارج المنحرف يجد من يدافع عنه ، فقد تصدى علماء الأمة لبيان انحراف هذا الفكر وخطره على الأمة الاسلامية.في العصر الحديث ظهر الفكر المنحرف مرة أخرى من جماعة التكفير والهجرة في مصر ، ومعظم هؤلاء كانوا ممن اعتقل في سجون عبد الناصر ، فقد تم تعذيبهم تعذيباً شديدا حتى خرج من يقول أن النظام الذي يفعل بالمسلمين كل ذلك لا يمكن ان يكون نظاما اسلامياً ولا الفرد فيه فرد مسلم، فقالوا بكفر النظام وكفر من لم يكفره من عوام المسلمين ، واستندوا الى اقوال اجتزأها هؤلاء من قاعدة اثبتها ابن تيمية وهي : من لم يكفر الكافر فقد كفر ، والقاعدة صحيحة لو تم فهمها كما قالها ابن تيمية، فالكافر المقطوع بكفره كاليهود والنصارى وغيرهم ممن نص القرآن على كفرهم يجب على المسلم أن يكفرهم ومن حكم بغير ذلك فقد كذّب الله وهذا أيضا يعتبر كفراً ، أما المسلم الذي شهد شهادة التوحيد فلا يجوز تكفيره ولو أظهر فعلاً كفرياً؛ لأن الفعل يمكن أن يكون كفراً الا أن فاعله ليس بكافر ، فقد نص الامام أحمد على كفر من قال بأن القرآن مخلوق وهو قول المعتزله ، ولكن ذلك لم يمنعه من الصلاة على موتاهم ولا من الصلاة خلف أئمتهم ، فالقول بخلق القرآن عنده كفر ولكنه لا يكفر من يقول بهذا القول . ولكن فكرة التكفير والهجرة خبت حتى زالت .ثم ظهرت أفكار السلفية الجهادية التكفيرية، والتي هي امتداد لفكر الخوارج، ففعلوا ما فعلوا في بلاد المسلمين من استباحة للدماء والأعراض بحجة أن هذه المجتمعات مجتمعات كافرة، فالحاكم لا يحكم بما انزل الله والفرد الذي لا يكفر الحاكم فهو كافر.من المؤسف أن كثيراً من الجماعات التكفيرية تضم بين صفوفها ، بل بين قياداتها من لم يحصل العلم الشرعي المعتبر ، والمعرفة عندهم انتقائية وليست منهجية، فتجد الواحد منهم قد قرأ لابن تيمية شيئاً فهمه كما يريد هو لا كما قاله ابن تيمية، فالناس في اقوالهم محكم ومتشابه، فلا يجوز التمسك بجملة هنا او هناك للإستدلال على صحة القول ، ومعلوم أن منهج ابن تيمية في التكفير لا يتوافق مع فكر الجماعات التكفيرية التي تجعل من ابن تيمية عمدة لها .لقد نص ابن تيمية كما نص غيره من العلماء على أن تكفير المعين لا يجوز الا إذا انتفت موانع التكفير وتحققت شروطه ، ومن الموانع التي ذكرها حتى بعض التكفيريين المعاصرين كأبي محمد المقدسي ما يمكن اجماله ب:1. الجهل : فالجهل مانع من موانع التكفير ، ويكفي أن يقول ابن تيمية عن الرجل الذي طلب من أبناءه عند موته أن يحرقوه ثم يذروه في يوم عاصف "فلئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه احدا من العالمين" فلما جمعه الله قال لم فعلت ذلك : قال من خشيتك يا رب، فيقول ابن تيمية : هذا رجل انكر قدرة الله على بعثه وجمعه ، وهذا الانكار كان جهلاً بصفة من صفات الله ، ولكن الله غفر له. الا أن الجماعات التكفيرية لا تعترف بأن الجهل مانع من موانع تكفير المعين.2. التأويل : قد يتأول المعين فعلاً كفرياً فيفعله استناداً الى جواز الفعل بعد التأويل ، فلا يحكم بكفر هذا المعين ولو كان الفعل كفراً .3. عدم بلوغ الحجة، فقد يفعل الانسان فعلاً لم يعلم أنه كفر، ولم يبلغه بالحجة أن الشارع يكفر من فعله .هذه الموانع وغيرها مما اتفق عليه المسلمون بالدليل الواضح، لا تعتبرها الجماعات التكفيرية من موانع التكفير، فلا يلتمسون عذرا لمن أتى بفعل يخالف الشرع مع أن الشرع قد جعل له عذراً .إن تكفير المجتمعات الاسلامية انظمة وأفرادا ، فكرة منحرفة لا تستند الى دليل شرعي ولا الى شبهة دليل، وكل من حمل هذه الافكار يجب ان يحارب فكرياً ومادياً لما لهذه الافكار من خطر على المجتمعات الاسلامية ؛ لأنها تستبيح دماء المسلمين وأعراضهم وفي ذلك فساد في الارض عظيم.sarafandisaed@yahoo.com