الثلاثاء، 8 ديسمبر 2009

البيان الأوروبي ضراط على البلاط ...!!!

البيان الأوروبي ضراط على البلاط ...!!!
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي*
البيان الصادر في بروكسل عن الاتحاد الأوروبي، والذي اعتبر بموجبه القدس "العاصمة المستقبلية لدولتين" فلسطينية واسرائيلية في اطار تسوية يتم التفاوض بشأنها ، يعتبر هذا البيان إمعاناً في التضليل والتزوير، فالبيان المتوقع كان غير ذلك؛ إذ اعتبرت الأطراف التي تراهن على نزاهة الموقف الاوروبي وانعتاقة عن الموقف الامريكي أن الموقف المتوقع يقضي بالاعتراف بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، ولكن التعديلات التي جرت على صيغة البيان تدل على أن سياسة الإتحاد الأوروبي تدور في فلك السياسة الاسرائيلية والأمريكية.
لا بد من التذكير أن أوروبا من خلال زعيمتها بريطانيا، تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن مأساة الشعب الفلسطيني التي بدأت بإصدار وعد بلفور، مروراً بتسهيل قيام دولة يهودية في فلسطين وما نتج عن ذلك من تشريد لأهل فلسطين استمر حتى الآن.
لقد تضمن البيان استياء وزراء خارجية الدول الأوروبية و"قلقهم العميق" من تعطيل العملية السلمية، وهذا يكشف عن حقيقة المراد من هذا البيان، وهو الضغط على الجانب الفلسطيني للعودة الى المفاوضات، ليس من أجل تحقيق شيء من وراء هذه المفاوضات، ولكن للإبقاء على العملية السلمية امعاناً في التضليل والمراوغة، فهم يعلمون أن هذه المفاوضات لم تحقق شيئاً للجانب الفلسطيني، وأكثر العالمين بخفايا تلك المفاوضات هو كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات، الذي اعلن خلافاً لكتابه الشهير " الحياة مفاوضات"، أن المفاوضات لم تحقق شيئاً.
البيان الأوروبي محاولة مكشوفة لملئ الفراغ الحاصل بعد توقف المفاوضات، إذ يأتي البيان محاولة لجعل موضوع الصراع الفلسطيني موضوعاً حياً في وسائل الاعلام، تلوكه السنة السياسيين بين مؤيد ومعارض، وإظهار أوروبا باعتبارها طرفاً يملك طوق نجاة للمفاوضات الغارقة.
اوروبا من خلال بيان بروكسل تؤكد أن الحل المستقبلي يكون من خلال اتفاق الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، وهذا معناه أن اسرائيل هي التي تحدد مستقبل القدس، وإسرائيل تقوم في الوقت نفسه بخلق أمر واقع يستحيل معه الآن، وليس بعد عشرات السنين، العودة الى ما كان الوضع عليه قبل حرب حزيران عام 1967، فالقدس اليوم ليست كما كانت في عام 1967، إذ كان يمكن الضغط على اسرائيل للعودة بسهولة الى حدود الرابع من حزيران 1967،خاصة مع وجود قرار مجلس الأمن رقم 242، الذي كان يمثل الشرعية الدولية، أما الآن فالاتحاد الاوروبي يعلم علم اليقين أن القدس لا يمكن أن تقسم لأسباب عديدة منها السياسية والديموغرافية والأهم من ذلك الاسباب الدينية والعقائدية، فلا يمكن لحزب او قائد في اسرائيل أن يتنازل عن القدس؛ لأن هذا يمثل انتحاراً سياسياً لأي زعيم أو حزب في اسرائيل، وهذا الزعيم أو الحزب ليس له وجود في الوقت الحالي ولا في المستقبل، فالشعب الاسرائيلي يزداد تطرفاً في كل يوم، ودليل ذلك الخارطة السياسية التي تدل على توجه الإسرائيليين الى الاحزاب المتطرفة والدينية وزوال حزب كبير كحزب العمل كان يعتبر حزباً يسارياً يمكن تحقيق تسوية سلمية بينه وبين الفلسطينيين، ليصبح هذا الحزب عبر زعيمه باراك، لاهثاً وراق حقيبة وزارية في حكومة الليكود، الذي خرج منه الاقل تطرفاً بتشكيل كاديما، ليبقى حزب الليكود متطرفاً نقياً ليس فيه تيارات "معتدلة".
الملفت للإنتباه هو تقبل السلطة الفلسطينية لهذا البيان، مع اعتباره محطة وليس نهاية، على حد قول الدكتور سلام فياض، فالبيان يتحدث عن المفاوضات التي خبرتها السلطة الفلسطينية خلال ثمانية عشر عاماً، واكتشفت أنها مفاوضات عقيمة لا تؤدي الى شيء، فلماذا الترحيب بالبيان الأوروبي الذي يحيل الى مفاوضات خاسرة سلفاً.
يبدو أن المقصود من البيان الأوروبي هو إجبار السلطة الفلسطينية على العودة الى طاولة المفاوضات، فهي ، أي اوروبا، التي تمول نفقات السلطة الفلسطينية،فلا يجوز أن تبقى ممولة للسلطة دون أن تتأثر السلطة بمواقفها، وهذا معناه عودة سريعة لمسار المفاوضات، فأي تلكوء في العودة الى طاولة المفاوضات معناه التوقف او التلويح بالتوقف عن دعم نفقات السلطة الفلسطينية، وهذا معناه نهاية السلطة عملياً، ولأن هذا الأمر غير ممكن لاعتبارات كثيرة أهمها ارتباط مصالح المتنفذين بوجود السلطة، مما يعني استعدادهم للعودة للمفاوضات وإزلة العقبات التي تقف في وجه ذلك ولو أدى الى اقالات أو تصفيات جسدية.
ومع ذلك فلا يمكن وضع أوروبا كلها في سلة واحدة، فهناك دول تتصاعد فيها لهجة الاعتراف بالماساة الفلسطينية على يد اسرائيل، ولكن هذه المواقف لا تكفي لاحقاق الحقوق الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها مرحلياً إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران عام 1967। بدون دعم هذا المطلب واتخاذ اجراءات عملية لمعاقبة اسرائيل فإن هذا البيان يبقى ضراط على البلاط.
*كاتب وباحث في القضايا الاسلامية والفكرية
sarafandisaed@yahoo.com
ssarafandi@hotmail.com
مدونة: sarafandisaed@blogspot.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق