الأحد، 6 ديسمبر 2009

رداً على من انتقد العوا في مسألة الخلافة

رداً على من انتقد العوا في مسألة الخلافة
بقلم : أ . سعيــد الصرفنــدي
كتب محمود طرشوبي في دنيا الوطن رداً على الدكتور محمد العوا، حول موقفه من الخلافة وقوله أنها من اختراع الصحابة، ولكنه أثبت رأي العوا من أن هذا الاختراع من البدع المحمودة.
لا بد من الإشارة ابتداءً الى أن هناك الكثير من القضايا التي لم يكن عليها دليل من كتاب الله، وقد اراد أصحابها ان يقيموا دليلاً على ما يقولون، فذهبوا الى كتاب الله فلووا أعناق النصوص التي يخالف ظاهرها ما توصلوا اليه، فكان هناك ما يسمى بالتأويل الفاسد في تفسير القرآن، حيث تم فصل النصوص عن بعضها البعض، وهذه آفة المنهج التجزيئي في التفسير، وهو منهج يتناول كل آية منفصلة عن باقي آيات القرآن، والأولى هو اتباع المنهج الموضوعي؛ أي المنهج لذي يجمع كل النصوص التي تناولت مسألة واحدة، ثم استخراج الفهم المناسب حتى لا تتعارض آيات القرآن ولا يكذب بعضه بعضاً؛ فكان فهم القرآن بهذه الطريقة قد أتاح إقامة الدليل على مسائل متناقضة، فالجبرية وجدوا من القرآن ما يدعم وجهة نظرهم، ووجد المرجئة أيضاً ما يدل على وجهة نظرهم، ووجد من قال بخلق القرآن دليلاً على قوله من القرآن، ونفى خصومهم بالقرآن أن يكون القرآن مخلوقاً ... الى آخر هذه الافهام السقيمة للقرآن؛ ذلك أن هناك من تبنى فكراً ثم جاء الى القرآن ليستند اليه في صحة ما توصل اليه، مع أن الأصل أن نأتي الى القرآن دون مواقف مسبقة ثم نبحث في القرآن بحثاً متدبراً، نعيد فيه الآيات المتشابهات الى الآيات المحكمات.
ولما لم يجد بعض من ذهب برأيه مذهباً ما دليلاً من القرآن، حتى بالتأويل الفاسد، لجأ الى أحاديث تثبت مذهبه، وقد كان تعظيم المسلمين لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، سبباً في انتحال الأحاديث التي تؤيد وجهة النظر لهذا الفريق أو ذاك.
ولما كانت الخلافات بين المسلمين منذ نشأتها، غالباً هي خلافات سياسية محضة، كان لا بد من الاستناد الى أحاديث تثبت وجهة النظر السياسية التي اعتمدها هذا الفريق أو ذاك، حتى أصبحت الخلافات بعد ذلك تتخذ طابعاً دينياً، فكان أول خلاف بين المسلمين مباشرة بعد وفاة رسولنا الكريم خلاف طابعه سياسي، فقد انبرى الأنصار لتنصيب خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتداعوا في سقيفة بني ساعدة لاختيار الخليفة، وهذا معناه أن الأنصار جميعاً لم يكن عندهم معرفة بالأحاديث التي ظهرت بعد سنوات طويلة من أن الخلافة في قريش، ولا يعقل أن يخفى هذا الأمر على الأنصار جميعاً، فإن هذا الأمر من أعظم الأمور فلا يجوز أن يموت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس عندهم خبر ينظم هذا الأمر من بعده، وهنا يقع من ينكر جهلهم بالروايات التي تناولت الأمر، في مأزق عظيم، لأنه يهمز ويلمز الى أن الأنصار لحبهم للزعامة والرئاسة اخفوا وانكروا الروايات التي تتناول أحقية قريش بالخلافة. وهذا لا يليق بمقام صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
كذلك كان جواب الأنصار لأبي بكر وعمر : منا أمير ومنكم أمير، ليدل دلالة واضحة أن الانصار فهموا إمكانية تعدد الأمراء او الخلفاء في نفس الوقت، وهذا مخالف لما ساد بعد ذلك من روايات تجعل الخليفة واحداً ولا يجوز التعدد، فلو كان معروفاً بينهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما" لما اقترحوا ان يكون هناك أمير من الأنصار وأمير من المهاجرين، فإن هذا معناه جهلهم بأمر يستوجب فاعله القتل وسفك الدم، وهذا محال شرعاً وعقلاً، ومما يؤكد على ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أجابهم بقوله " سيفان في غمد واحد لا يجتمعان"، واقل ما يقال في هذا: أنه جواب سياسي من قائد سياسي يعرف أن الحال كان يقتضي ذلك المقال، فالأمر المفاجئ لكثير من الصحابة رضوان الله عليهم، وهو وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحدث زلزالاً عنيفاً في المدينة فكان الأمر يتطلب سرعة اتخاذ القرار للحفاظ على المجتمع المسلم.
ومع ذلك فقد فهم الصحابة الكرام أن هذا الأمر سياسي بامتياز، حيث امتنع عدد منهم من مبايعة أبي بكر، وهذا أيضاً دليل على أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يدركون أن البيعة من شؤون الدنيا وليس امراً شرعياً أو عقائدياً، فلا يجوز لمسلم أن يقول بأن سعد بن عبادة مات ميتة جاهلية لأن هذا طعن في صحابي جليل؛ ذلك أنه لم يكن مشهوراً بين الصحابة ما روي بعد ذلك لأسباب سياسية:" من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية"، فهل يعقل شرعاً وعقلاً أن لا يعمل سيد الأنصار بهذا الحديث فلا يبايع فيموت ميتة جاهلية، إنه والله طعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك تشكيك في فضائل الحسين بن علي، فقد امتنع عن مبايعة يزيد بن معاوية، فاستحق ان يموت ميتة جاهلية والعياذ بالله، كذلك خرج على يزيد وثار عليه، وهذا معناه جهله بالروايات والاحاديت التي تذم الخروج على الحاكم الا اذا ظهر منه كفر بواح، فإما أن الحسين بن عليس ظهر له الكفر البواح من يزيد أن أنه سيلقى الله ولا حجة له، اعاذنا الله من قول هذا الرأي السخيف.
إذن نظام الحكم في الاسلام عند من يقول به، يقوم على جملة من الأحاديث التي أوردناها بالنص او بالمعنى، وهذه النصوص لم تكن معروفة للصحابة كما تدل الروايات والاستنتاجات للوقائع التي جرت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو أنهم كانوا يعرفونها ولكنهم لم يعملوا بها، وبهذا يسقط الاستدلال بها على اعتبار انها ادلة تبين نظاماً سياسياً في الاسلام.
وبالعودة الى ان الخلاف كان بين المسلمين منشؤه سياسي، ولكن بعد أن جعل الأمويون الخلافة ملكاً عضوضاً فقد ناسب وجود احاديث تذم من يتخلف عن مبايعتهم، وان المتخلف سيموت ميتة جاهلية، وكذلك طاعة ولي الأمر ولو ظلم واكل مال الناس بالباطل وجلد أبشارهم، وأنه لا يجوز تعداد الخلفاء منعاً لأي فئة أو جماعة تريد اقامة خلافة على انقاض خلافتهم ... الى آخر ذلك .
الخلافة في الاسلام نظام سياسي، يختار الناس من يشاءون وفق عقد اجتماعي له ضوابط شرعية لا يجوز مخالفتها، ولكنه ليس نظاماً حدد الشرع تفاصيلة بل حدد ضوابطه وقواعده العامة وتركت التفصيلات للناس انفسهم .
لذلك لا تجد اتفاقا بين علماء المسلمين على معنى الدولة الاسلامية، فالمفكرين المسلمين المعاصرين والحركات الاسلامية لا تخرج في تعريفها للدولة عن المعنى المعاصر للدولة الذي صاغه الفقه الدستوري المعاصر.
sarafandisaed@yahoo.com
فلسطين جوال : 0599430794

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق