الثلاثاء، 23 فبراير 2010

هل تريد امريكا تحقيق السلام

هل تريد أمريكا تحقيق السلام
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
إن اهتمام الولايات المتحدة ب"عملية السلام" في الشرق الأوسط لا يلغي أن هناك استرتيجيات محددة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وأن الاهتمام بعملية السلام يجب ان لا يتعارض مع تحقيق تلك الاستراتيجيات، وإذا حدث تعارض فالأولوية للاستراتيجيات التي تحقق مصالحها، وليس هناك أي قيمة اخلاقية تسعى امريكا لتحقيقها، وهذا يعني أن امريكا ليست معنية بتحقيق عملية سلام حقيقية تكون نتيجتها دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 ، وليس صحيحاً في هذا المقام اعتبار اوباما أن تحقيق سلام في الشرق الاوسط يقع على رأس سلم اولوياته.
عندما تم تعيين عضو الكونغرس متشل كمبعوث خاص للشرق الأوسط، كان يعلم اوباما أن تعيين هذا الشخص او ذاك في مثل هذه المهمة لا يقدم ولا يؤخر شيئاً، فإن مواقف اطراف الصراع لن تتغير لأن هناك نوايا حسنة عند متشل او لأن له تجربة سابقة في حل بؤر نزاع اخرى في العالم؛ إذ لم تسفر جهود متشل حتى الآن عن أي نجاح يذكر، فهو لم ينجح في اطلاق "العملية" فضلاً عن انجازها، مع أن الجهود التي بذلت ظاهراً تعتبر جهوداً جبارة، ودلالة ذلك سلبية جداً، فإذا كان اطلاق العملية السلمية يحتاج الى كل هذا الزخم والجهد ، فما الذي يحتاجه التوصل الى سلام عادل ؟!.
لقد اعلن اوباما ومتشل ان المطلوب تحقيق ثلاثة أمور هي: وقف الاستيطان واطلاق مفاوضات ثنائية اسرائيلية فلسطينية بوكالة حصرية امريكية، والضغط على الدول العربية للقيام بمراثون تطبيعي يشمل دول الخليج وعلى رأسها السعودية. هذه الاهداف لم يتحقق منها شيء، فقد رفضت اسرائيل تجميد الاستيطان مما احرج القيادة الفلسطينية التي اعلنت فشل منهج المفاوضات، فلم تنجح امريكا حتى الآن بجمع الطرفين في مفاوضات مباشرة، كذلك لم تزدد وتيرة التطبيع، مما حدى بوسائل الاعلام الاسرائيلية والامريكية لتضخيم حدث مصافحة مسؤول سعودي لمسئول اسرائيلي.
كل ذلك جعل امريكا تعلن أن هدفها اصبح تجميداً جزئياً للاستيطان مع استثناء القدس وما يعرف بالنمو الطبيعي في المستوطنات، إضافة الى الهدف الآخر وهو اطلاق مفاوضات بين اطراف الصراع بدون شروط مسبقة، وهذا الموقف ينسجم تماماً من مواقف اسرائيل التي لا تقبل بتجميد الاستيطان في القدس، باعتبارها خارج التسوية، وأن الاستيطان فيها هو بناء في منطقة اسرائيلية ستبقى الى الأبد كذلك، اما اطلاق المفاوضات بدون شروط مسبقة فهو ينسجم أيضاً مع الموقف الإسرائيلي الذي يرفض كل التفاهمات السابقة بين الفلسطينيين والحكومات الاسرائيلية السابقة، وهذا يعني البدء من نقطة الصفر، وليس استكمال المفاوضات من النقطة التي وصلت اليها.
هذه المواقف الأمريكية المتساوقة مع السياسة الاسرائيلية، أدت الى حالة إحباط لأطراف عديدة أهمها وأكثرها تأثراً هو محمود عباس الذي اعلن عن نيته عدم الترشح في الانتخابات المقبلة!!
لقد كان تراجع اوباما لصالح تحقيق السياسات الداخلية، فتمرير قانون التأمين الصحي مثلاً كان اهم من تحقيق انطلاقة على مسار المفاوضات، وهذا معناه البحث عن بدائل لحالة الجمود القائمة، فبدأ التفكير بالمفاوضات غير المباشرة؛ إذ تكون هذه المفاوضات سلماً ينزل من خلاله محمود عباس عن الشجرة التي صعد عليها، ويظهر في نفس الوقت اهتماماً امريكاً بعملية السلام، ويمنع في الوقت نفسه الحديث ولو همساً عن بدائل للعملية السلمية من خلال انتفاضة جديدة.
إن ما تعرضه اسرائيل من خلال متشل عبر التخفيف من الضغوط اليومية على الفلسطينيين برفع بعض الحواجز في الضفة الغربية واطلاق سراح بعض السجناء وتحويل مناطق جديدة في الضفة الى تصنيف"A " لا يبدو أنه انجاز يمكن البناء عليه، فهذه التنازلات ستكون سبباً في تزايد الضغط على الجانب الفلسطيني؛ إذ سيبدو أن اسرائيل قدمت تنازلات ما، والمطلوب من الجانب الفلسطيني أن يتجاوب مع هذه النوايا الحسنة فيعود الى المفاوضات بدون شروط مسبقة.
إن الجمود الذي تشهده العملية السلمية أدى الى الحراك السياسي الذي شهدته المنطقة في الأسابيع الأخيرة، ومن ضمنه تسويق وزيرة الخارجية الامريكية كلنتون لمواقف نتناهو، وخاصة في منطقة الخليج، وهذا الحراك لا يقصد منه في الحقيقة انجاز شيء ما على مسار التسوية بقدر ما هو قنابل دخانية تغطي على حالة الفشل التي شهدتها السياسة الامريكية بخصوص الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، فقد أثبتت التجربة أن الإبقاء على حالة عملية سلام بلا نتائج أفضل من جمود بلا نتائج، فعملية سلام بلا نتائج تبقي الأمر بيد أمريكا وتمنع معارضيها من طرح بدائل تتعارض مع مصالحها

السبت، 20 فبراير 2010

المفاوضات غير المباشرة منزلق جديد

المفاوضات غير المباشرة منزلق جديد
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة كمحصلة للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لم تعد فكرة واقعية، فلم تسفر ثمانية عشرة عاماً من المفاوضات الا عن نعي سيء الإخراج لتلك المفاوضات على لسان الدكتور صائب عريقات، فلم تكن الظروف مناسبة لإنجاز فكرة الدولة الفلسطينية ولن تكون ضمن قواعد اللعبة الحالية التي تنسحب عليها موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية.
إسرائيل عندما استجابت للشروع في المفاوضات كانت تعلم أن مسيرة سلام طويلة الأمد تنتظر الفلسطينيين دون تحقيق شيء لهم، بل كانت المفاوضات حاجة اسرائيلية ملحة، فالقنبلة السكانية بدأت تقلق السياسيين بعدما وضعت مراكز الابحاث والإحصاء ارقامها المخيفة أمامهم، فالمستقبل القريب يؤشر على أن اليهود سيتحولون إلى أقلية في دولة ثنائية القومية، مما يهدد مستقبل اسرائيل ككيان يفترض أن يكون ذا طابع يهودي، وهذا من الأسباب التي دعت إسرائيل للموافقة على فكرة الحكم الذاتي الذي انبثق عن اتفاقية أوسلو، وهو كذلك وراء الدعوة الحالية للضغط على الفلسطينيين للاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، مما يمهد بعد الاعتراف بها كذلك لترحيل عرب 48، وهو تصور بدأ كثير من السياسيين الاسرائيليين يطرحونه بقوة، فلا يعقل أن يكون الكيان الفلسطيني المنتظر كياناً عربياً خالصاً، بينما اسرائيل دولة ثنائية القومية، وهذا سيخلق في المستقبل واقعاً مقلقاً يحتاج الى حل قد لا تستطيع اسرئيل الإقدام عليه في حينه.
كذلك كانت اسرائيل تريد من خلق كيان الحكم الذاتي، السيطرة على مصادر المياه الفلسطينية، وهو ما فعلته من خلال الجدار العازل الذي تلوى كالأفعي، لا لاعتبارات تتعلق بالأرض، بل لاعتبارات تتعلق باحواض المياة التي تحت الأرض، فقد سيطرت اسرائيل من خلال الجدار على معظم مصادر المياه ضمن حدود عام 1967، وهي الآن اجوج للإبقاء على سيطرتها على المياه في ظل التوجهات التركية الجديدة التي يظهر منها عدم التناغم التام مع السياسات الاسرائيلية، فقد كانت هناك تعهدات تركية لتزيد اسرائيل بالمياه في حالة تحقق السلام في الشرق الاوسط.
لذلك كانت لدى اسرائيل، مدعومة من امريكا، رؤية لعملية السلام وكانت للفلسطينيين رؤية مغايرة لنتائج العملية السلمية، ولكن محددات السياسة الاسرائيلية كانت تقود العملية السلمية لتحقيق انجازات وليس لتقديم تنازلات، وكذلك كان الجانب الفلسطيني، ولكن الظروف والملابسات التي وافق فيها الفلسطينيون على المشاركة في العملية السلمية كانت تقودهم حتماً الى تقديم تنازلات، أو في أحسن الأحوال كانوا قنبلة دخانية تستغلها اسرائيل لفرض وقائع على الأرض، يستحيل بعدها تجاوزها والقفز عنها.
لقد جاء تعثر المفاوضات بعدما أثبت اوباما أنه لا يختلف كثيراً عن بوش، وأن الآمال التي عقدها العرب ومعهم الفلسشطينيون عليه، كانت بسبب اسقاطهم لحالة الأنظمة العربية و دول العالم الثالث، التي تتغير السياسات فيها بتغير الاشخاص، ولم يفهموا أن دولة عظمى كالولايات المتحدة الامريكية لا يحكمها اشخاص بل مؤسسات راسخة لها استرتيجيات ترتبط بتحقيق المصالح العليا للشعب الامريكي، فكانت مواقف اوباما الحقيقية لا تختلف عن مواقف بوش، بل إن اوباما تحدث عن يهودية الدولة مما يعني ارتماءً مطلقاً في احضان السياسة الاسرائيلية فيما يتعلق بالنزاع العربي الاسرائيلي.
إن تراجع اوباما عن نص وروح الخطاب التصالحي مع العالم الاسلامي، الذي القاه في جامعة القاهرة، وتراجعه مؤخراً عن شرط تجميد الاستيطان لاستئناف المفاوضات، شكل صفعة عنيفة ومهينة للسلطة الفلسطينية، وجعل الرئيس محمود عباس يعيش في متاهة لا يدري لها مخرج، فالعودة للمفاوضات من شأنها ان تمس بكرامة محمود عباس وتظهره بمظهر الرجل الضعيف الذي ينساق وراء الإغراءات والضغوط الاسرائيلية والامريكية، كذلك فإن الامتناع عن العودة لطاولة المفاوضات كفيل بأن يعصف بمستقبله السياسي، بل بمستقبل الفئة المتنفذة والمستفيدة من بقاء السلطة الفلسطينية، وهذا من شأنه تقوية الخصم السياسي وهو حركة حماس.
من هنا كانت فكرة المفاوضات غير المباشرة التي تؤكد المعطيات على قبول جميع الاطراف بها، مخرجاً للسياسة الامريكية والاسرائيلية، ولكنها مأزق جديد للفلسطينيين، فامريكا تريد من الفلسطينيين والاسرائيليين الدخول في مفاوضات غير مباشرة من اجل الحفاظ على "عملية" السلام، وليس من اجل تحقيق السلام، فلم تطرح وزيرة الخارجية الامريكية في زيارتها الاخيرة للمنطقة اي ضمانات لتحقيق سلام حقيقي، بل أرادت تحريض العرب على ايران فقط.
المفاوضات غير المباشرة، على أمل ان تصبح مباشرة بعد اسابيع قليلة أو أشهر قليلة، هي مصيدة للفلسطينيين واستمرار في الاذعان للواقع الذي تخلقه اسرائيل في القدس والمستوطنات المقامة في الضفة الغربية، ولذلك يجب ان يمتنع محمود عباس من المشاركة في هذه المفاوضات والقيام بعدد من الخطوات منها:
1. انجاز المصالحة مع حركة حماس، فلم تكن اسرائيل اكثر ازدراء للسلطة مما هي عليه بعد الانقسام، فالمصالحة كفيلة بتقوية عباس امام الضغوط الاسرائيلية والامريكية.
2. التراجع عن وحدانية الخيار، والاعلان عن المفاوضات باعتبارها احد الخيارات امام الشعب الفلسطيني، اما الاستعداد لقمع اي انتفاضة ومقاومة للاحتلال فلا تزيده الا وهناً على وهن، وتجعل اوراقه مكشوفة امام اسرائيل ، وضعيفة ولا يحسب لها أي حساب.
3. عدم ابقاء رعاية المفاوضات حكراً على امريكا، فعلى محمود عباس أن يعلن أمام العالم ان الرعاية الامريكية الحصرية لعملية السلام أضرت كثيراً بالعملية السلمية وحرفتها عن مسارها ، وأن البديل هو مشاركة دولية فاعلة.
4. عدم القبول بفكرة المفاوضات غير المباشرة؛ لأنها منزلق جديد وخطير للقضية الفلسطينية خاصة في ظل عدم وجود ضمانات بتجميد الاستيطان وعدم وضوح مرجعية هذه المفاوضات.
بدون ذلك ستكون الموافقة على المفاوضات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، استجابة للضغوط والمطالب الاسرائيلية، مما يعني اطلاق رصاصة الرحمة على الحلم الوطني الفلسطيني، وسقوط القضية الفلسطينية الى منحدر لا يمكن انتشالها منه على المدى المنظور.
ssarafandi@hotmail.com

الثلاثاء، 9 فبراير 2010

رداً على جورج كتن الذي هاجم القرضاوي

رداً على جورج كتن الذي هاجم القرضاوي
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
كتب جورج كتن على صفحات دنيا الوطن بتاريخ 9/2/2010 مقالاً بعنوان " الشيخ القرضاوي المثير للجدل"، ولم يتوقف كاتب المقال عند مهاجمة الشيخ القرضاوي بل تعدى ذلك الى مهاجمة الاسلام واحكامه القطعية، وحيث أن الرد على مثل هذه الأقلام واجب ديني إضافة الى كونه واجب اخلاقي، رأيت أن أرد على مقاله بمقال يفند الإفتراءات والأباطيل التي اشتمل عليها المقال.
في البداية لا بد من الإشارة الى أن الكاتب يعتبر من الأقلام الحاقدة على الاسلام والمسلمين والحركات الاسلامية، وخاصة حركة الإخوان المسلمين، وبالتالي له مواقف مشينة من حركة حماس تحديداً، ولا اعتقد أن شخصاً يهاجم الاسلام وأحكامه كما سيتضح من المقال، قادر على فهم الاسلام، إضافة الى كونه نصرانياً .
في بداية المقال يحاول"جورج" أن يسوق مقدمة صحيحة ليدلس في النتائج، فهو يقول :" لا اعتقد أن أحداً يطلق صفة القداسة على فضيلة الشيخ القرضاوي فهو انسان مثلنا تماماً يخطئ ويصيب وهو قابل للنقد"، هذه المقدمة الصحيحة لا يختلف معه فيها أحد، فالقرضاوي ليس مقدساً، ولا يجوز أن يكون أحد من البشر مقدساً في ديننا الإسلامي، ولكن خلفية الكاتب النصرانية، التي تقدس البشر، جعلته يعتقد أن المسلمين يقدسون أشخاصاً، وهذا ليس بصحيح، فالمسلمون يؤمنون أن كل إنسان قابل للنقد، سواء كان النقد موجهاً للفكر أو كان موجهاً للسلوك، وفي هذا المقام يحفظ المسلمون القول الذي ينسب الى الامام مالك وهو يشير الى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" كلٌ يؤخد منه ويرد عليه الا صاحب هذا القبر" فلا يوجد أحد عند المسلمين يتصف بالقداسة.
ثم ينتقل الى مسألة أخرى فيقول:" وليس صحيحاً أن مواقفه وآرائه التي يتوفر لها النشر في مجال واسع - ليس أقله قناة الجزيرة واسعة الانتشار-، تقتصر على تعليم المسلمين دينهم أي شأن يخص المسلمين فقط وليس أصحاب الاديان الاخرى كما يرى البعض، فهو مسيس حتى العظم ومن أهم من يخلطون الدين بالسياسة ويستخدمون الدين في خدمة السياسة والعكس صحيح" ، هذا الكلام ينسجم مع ما يريده الحكام الظلمة الذين حكموا البلاد والعباد بأحكام الكفر التي تتعارض مع ما يؤمن به جمهور الناس، ومنعوا قيام أحزاب على أساس الاسلام؛ لأنها في الحقيقة معول هدم للظلم والبغي والعدوان الذي يمارسه حكام المسلمين ضد شعوبهم، فقد أراد هؤلاء الحكام مسخ الإسلام وجعله علاقة كهنوتية بين الإنسان وخالقه، وهذا في الحقيقة يخالف طبيعة الاسلام التي تناولت العلاقات الثلاث: علاقة الإنسان بخالقة وعلاقة الانسان بنفسه وعلاقة الإنسن بسواه من الناس، ولكن خلفية الكاتب النصرانية جعلته يسقط نظرته على الاسلام، فالمسيحية عنده دين كهنوتي لا علاقة له بالحياة فأراد أن يجعل الإسلام كذلك، ومن هنا فهو ينكر على الحركات الاسلامية انشغالها بالسياسة، وهو ما دفعه لاتهام الشيخ القرضاوي بانه "مسيس حتى العظم"، وهنا لا بد من الإشارة أن هذه الأفكار من شخص يدعي أنه "تقدمي" لا تخدم الا حكاماً ظلمة وطغاة، سلطوا على رقاب العباد فجعلوا ثروات الأمة ومقدراتها نهباً للدول الاستعمارية، وساموا شعوبهم أصناف الذل والهوان وكل ما يتعارض مع حقوق الإنسان التي يتشدق بها كاتب المقال وأمثاله، فتحريم انشغال الحركات الاسلامية بالسياسة معناه، أن السياسة حكر على الحكام أو طبقة من الشعب، وأن المسلم يجب أن يساق وفق ما يريده الحكام ولو كانوا لا يمثلون احداً من الشعب، سواء كان التمثيل فكرياً أو من خلال صناديق الاقتراع.
ثم ينتقل الى نقطة أخرى وهي مناقشة أفكار القرضاوي الاسلامية فيقول:" لذاك من حق أي كان مناقشة مواقفه السياسية والمدنية التي نرى أنها عموماً تتعارض مع ما نراه مناسباً لمجتمعاتنا المبتلية بالاستبداد والتي من المفضل لها ألا تستبدله بالاستبداد الديني في الدولة التي يدعو لها تنظيم الإخوان والشيخ القرضاوي"، فواضح أنه لا يقول بأن مواقف الشيخ القرضاوي تتعارض مع الدين، بل تتعارض مع ما يريده هو، ولو كان الذي يقوله الشيخ القرضاوي موافقاً للاسلام ولما يؤمن به المسلمون، يريد من المسلمين أن يتخلوا عن دينهم الذي أنزل من عند الله ليلحقوا بدين كهنوتي كما يريده هو. أما حرصه المُدّعى على الشعوب العربية والاسلامية، التي تعيش في ظل الاستبداد، فهو لا يعلم أن الاستبداد حدث فقط بابتعاد الحاكم عن الحكم بالاسلام، ففي ظل الحكم بالاسلام الحقيقي المنزّل على رسول الله، لا يمكن أن يكون هناك ظلم أو استبداد، ولكن الكاتب لا يستطيع أن ينفصل عن خلفيته المسيحية، فهو لا يرى الا الظلم والاستبداد الذي نشرته الكنيسه في حياة الشعوب الأوروبية، فيريد منا ديناً لا علاقة له بالسياسة ولا بالدنيا، ويزعم أمثاله أن اوروبا تقدمت وازدهرت بسبب فصل الدين عن السياسة؛ فكان لا بد لنا، إذا اردنا التقدم، أن نفصل بين الدين والسياسة، وهذا لا يمكن أن يكون، فالمسيحية لا علاقة لها بالحياة المدنية والسياسية، وعندما سيطرت عليهما، كانت سبباً في الانحطاط والتخلف، أما الاسلام فهو على العكس تماماً، ولا يكون التخلف والانحطاط إلا بجعله كما هي طبيعته، دين له علاقة بكل شيء.
ثم يدخل من باب الإفتراء مجدداً ليقول بأن القرضاوي يريد دولة دينية، وهو يعلم، ويجب ان يعلم لو كان منصفاً، أن معظم الحركات الاسلامية، ومنها الاخوان المسلمون، لا يقولون بالدولة الدينية، وانما يقولون بأن الدولة في الاسلام هي دولة مدنية، فالدولة الدينية عند المسلمين هي دولة كهنوتية، وهذا يخالف تصور القرضاوي وغيره من المسلمين عن الدولة الاسلامية المدنية التي يختار الناس فيها حاكمهم، وهو ليس ظل الله على الارض، بل خادم للامة يطبق عليها احكام الاسلام التي قبلها جمهور الناس.
ثم يظهر الكاتب عداءه لأحكام الاسلام حيث يقول:" كما أننا لا نرى أنه يمكن التعايش بين فتاوى دينية في شؤون الدنيا والقوانين المدنية الحديثة التي يسنها ممثلو الشعب المنتخبون التي تتعارض مع النصوص الدينية الممارسة منذ مئات السنين والتي لم تعد صالحة للعصر: منها مثلاُ الرق الذي لم يكن محرماً دينياً وهو الآن جريمة ضد الإنسانية، أو العقوبات الجسدية مثل الجلد والرجم وقطع الايدي والارجل التي هي من النصوص الدينية والتي باتت تعتبر من الافعال الهمجية، أو قتل المرتد المتعارض كلياً مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أكد حق الإنسان في تغيير دينه كما يشاء، أو الحق في الزواج بين زوجين من ديانات مختلفة المسموح به بين المسلم والمرأة من ديانات اخرى والمحرم بالعكس؟
فهو يرى أن أحكام الاسلام التي ثبتت بطريق قطعي، ما هي الا أفعال همجية، وهنا يُظهرالكاتب فعلاً حقده الدفين على الاسلام واحكام الاسلام التي يؤمن المسلمون بأنها من عند الله العليم العظيم، ويريد من المسلمين التنازل عنها لأنها لا تتناسب مع حضارة الفجور والخمر والمخدرات والجريمة والايدز التي تسود العالم في ظل غياب الاسلام عن الحياة.
إن أوروبا التي جاءت الى بلاد المسلمين إبّان الحروب التي اطلقوا عليها "الحروب الصليبية" اصيبت بالذهول لما رأته: فبينما كان القسيس عندهم هو الوحيد الذي يقرأ، وجدوا في بيوت المسلمين مكتبات عظيمة، وكل مسلم يستطيع قراءة القران، وبينما كانت روما اكبر دائرة إدارية، وجدوا ان بعض حارات المسلمين في امهات المدن الاسلامية اعظم منها وأكبر، ووجدوا حاكما لا ينتمي الى عائلة وسلالة الحاكم السابق، بينما كان الحاكم عندهم ينتمي الى عائلة تعتبر ظل الله على الارض لا يصلح للحكم الا من كان منها ..الخ.
اما حكم قطع يد السارق الذي يعتبره مظهراً همجياً، فقد منع الاسلام وجود أجواء يحتاج الناس فيها الى السرقة، فالاسلام بما فيه من احكام تجعل الناس والدولة مسؤولين عن الفرد لتلبية حاجاته الاساسية، فإذا سرق الانسن بعد ذلك وبالشروط المعروفة للقطع، فلا بد من علاج ناجع، وقد كان هذا العلاج ناجعاً، فلم تقطع الا ايادِ معدودة طوال التاريخ الاسلامي، وهنا لا بد نسأله ما هو الحكم المناسب للسارق، الا ترى أن السجون في امريكا واوروبا وباقي دول العالم تحولت الى مدارس وجامعات للاجرام بسبب عدم وجود حكم القطع للسارق، فقطع يد السارق اشاع أمنا وطمأنينة لا تعرفها حضارة الكاتب في القرن الواحد والعشرين.
اما دفاعه بعد ذلك عن محمود عباس، فليس هناك ما يدعو للدفاع عن الشيخ الذي بيّن في اكثر من مناسبة سياق الكلام الذي ذكره في مسألة رجم عباس.
ثم يظهر مرة ثالثة ورابعة وخامسة حقده على الاسلام، ورسول الاسلام، وذلك حينما استنكر غضبة الشيخ القرضاوي على الرسوم الدنماركية المسيئة لرسول الله، فهو لا يعرف قدر نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وأنه ليس كأحد من الزعماء الدينيين في الغرب، بل رسول غيرت رسالته الكرة الأرضية، واخرجت العالم من الظلمات الى النور، فالشعوب الحية تغضب اذا اهينت رموزها البشرية، فكيف لا تغضب الامة وعلماؤها اذا اهين نبيها التي لا يكتمل ايمانها الا بجعله أغلى منها جميعاً، وقد استشاط غضباً هذا الكاتب اللئيم بسبب موقف القرضاوي من البابا الذي اهان رسول الاسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بادعائه أن الاسلام انتشر بالسيف ... الى آخر التفاهات التي قالها في المانيا في حينه.
اما قوله :" وهو-أي القرضاوي_ يستشهد بالآيات التي تحض على التعامل بالحسنى مع أهل الكتاب ويتجاهل الآيات التي تحض على قتالهم وتدفيعهم الجزية صاغرين "، هنا يظهر الكاتب أن حقده ليس على الشيخ القرضاوي، بل على القرآن الذي اشتمل على احكام القتال والسلم، وليعلم الكاتب ان الشيخ القرضاوي لا يعترف بنسخ الأيات التي تأمرنا بالتعامل بالحسنى مع اهل الكتاب، ما داموا غير مقاتلين للمسلمين.
واخيراً، فإن كل ما قاله الكاتب بعد ذلك ينضح حقداً على الاسلام والمسلمين، يحتاج من اصحاب الاقلام المخلصة والغيورة الرد عليه وعلى أمثاله حسبة لوجه الله.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

الاثنين، 8 فبراير 2010

مستقبل المصالحة الفلسطينية

مستقبل المصالحة الفلسطينية
بفلم : أ. سعيــد الصرفنــدي
اعتبر كثير من المتفائلين أن زيارة الدكتور نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، الى قطاع غزة، خطوة مهمة لكسر الجليد بين حركتي فتح وحماس، حتى ظن هؤلاء المتفائلين أن انجاز ملف المصالحة الوطنية بات قريبا جداً، وهذا تبسط للمسألة لا يتناسب مع حقيقة النزاع بين حركتي فتح وحماس، واعتقد أن من رأى ذلك فقد قرأ الواقع الفلسطيني قراءة خاطئة؛ إذ يعتمد هذا التحليل على اعتبار أن الصراع بين الحركتين هو صراع على السلطة والكرسي، ولو كان الأمر كذلك لكان الوصول الى حل وسط سهلاً وميسرا، فالصراع على المناصب والسلطة لا يكون الا من إطراف براغماتية، والحل الوسط من أهم ما يؤمن به البراغماتيون.
عندما ظهرت نتائج انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 بدأت الحركات الوطنية من جهة وحركة حماس من جهة أخرى بترتيب أوضاعها لتتناسب من الحالة الناشئة، فحركة فتح لم تعترف بالواقع الجديد، وحركة حماس رأت أن التفويض الشعبي لها عبر صناديق الانتخابات يؤهلها لتسيير الاوضاع وفق برنامجها الذي فازت بالاستناد إليه، ومن هنا بدأن معركة الصراع على الصلاحيات، بحيث حرمت القيادة الجديدة من السيطرة على مؤسسات السلطة المدنية والعسكرية ، وحرمت من حق التعامل السياسي الخارجي، على اعتبار أن العلاقات الخارجية من شؤون منظمة التحرير وليس من شؤون الوزارة الفلسطينية، علماً أن الحكومة التي يرأسها سلام فياض الآن تشتمل على وزير خارجية نشط هو الدكتور رياض المالكي يمثل فلسطين في المحافل الدولية.
ثم بدأت بعد ذلك مرحلة التضييق والحصار على الحكومة الجديدة لخلق حالة من الفوضى تمنع حماس من تنفيذ يرنامجها، فقد تم التحريض لفرض حصار على حكومة حماس، وساهمت إسرائيل بذلك من خلال منع تحويل قيمة الضرائب التي تجبيها لمصلحة السلطة الفلسطينية، مما خلق حالة مناسبة للإضرابات المفتوحة التي اعلنتها حركة فتح من خلال سيطرتها على نقابة الموظفين العموميين، كذلك ظهر التمرد في أوساط الأجهزة الأمنية، مما خلخل الأرض تحت أرجل حكومة حماس، في محاولة لإسقاطها، وفقاً لخطة الجنرال الأمريكي دايتون؛ لذلك تصاعدت حدة المواجهات حتى تم الحسم العسكري لمصلحة حماس في قطاع غزة بتاريخ 14/6/2007.
المحاولات السايقة لرأب الصدع بين الحركتين أدت الى التوصل الى " وثيقة الوفاق الوطني" التي لم تصمد مطولاً؛ بسبب الضغوطات الأمريكية والإسرائيلية على حكومة حماس للاعتراف بشروط الرباعية وأبرزها الاعتراف بإسرائيل.
بعد العدوان الصهيوني على قطاع غزة، أرادت مصر التغطية على دورها في الحرب من خلال تشديد الحصار على قطاع غزة، بدعوة الأطراف الفلسطينية المتنازعة لجولات حوار استمرت عدة أشهر، وكانت هذه الجولات قاسية جداً لأنها كانت تعتمد على محاولة إخضاع حماس لشروط الرباعية، وفي النهاية قدمت حماس مواقف لينة بحيث اصبح توقيع الورقة ممكناً، ولكن حركة حماس في النهاية طلب منها التوقيع على ورقة معدلة لا تتطابق مع التفاهمات التي تمت بينها وبين حركة فتح، مما يدل على أن مصر لم تكن وسيطاً بين الحركتين بل طرفا ضد حركة حماس.
لم تكن الاوضاع على الارض تخدم حركة فتح، فالغطرسة الاسرائيلية في التعامل مع السلطة من جهة ومن جهة اخرى استمرار الاستيطان في الضفة واجرءات التهويد المتعاقبة في القدس، كذلك تراجع اومابا عن روح ونص الخطاب الذي القاه في جامعة القاهرة، كل ذلك جعل حركة فتح والسلطة الفلسطينية في موقع ضعف لا تستطيع معه اكمال مشوار المصالحة الوطنية.
اما عن آفاق المصالحة فهي بعيدة لأسباب عديدة منها:
1. توقيع اتفاق اوسلو شكل انعطافاً تاريخيا في حياة الشعب الفلسطيني، إذ شكلت تلك الاتفاقيات تحولاً في رؤية منظمة التحرير الفلسطينية للصراع مع الكيان الصهيوني،فقد تم الاعتراف بدولة"اسرئيل" مقابل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، مع أن الظروف كانت مواتية للاعتراف من قبل الكيان الصهيوني بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 ، وتبع ذلك تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني بشكل مسرحي عام 1996، مما عنى تغييراً في الرواية والرؤية الفلسطينية للصراع، كل ذلك ساهم في وجود نقمة على السلطة الفلسطينية، سيما حالة الفساد التي واكبت بدايات تشكل السلطة، مما جعل من اتفاقات اوسلو سبباً في الانفصال النفسي والمشاعري بين اغلبية الشعب الفلسطيني وبين سلطة أوسلو، فالشعب الفلسطيني أعرض عن "جماعة اوسلو" وانحاز لشعارات المقاومة وعدم الاعتراف بإسرائيل، مما مهد الطريق لانتصار حماس المدوي في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، مما أوجد بروزاً لتيارين من الصعب تلاقيهما، تيار المفاوضات حتى الممات، وتيار المقاومة ولو في حدها الادنى المتمثل ب"ثقافة المقاومة"، وكان لتبلور هذين الاتجاهين على الساحة الفلسطينية السبب الأعظم في عدم تحقق المصالحة حتى الآن، ومانعاً من تحققها في المستقبل القريب.
2. الضعف الذي تعانيه حركة فتح مقابل القوة المتنامية لسلام فياض، يجعل المعتدلين من حركة فتح يضعون لإرادة فياض، بل يمكن القول صراحة أن كثيراً من قيادات فتح تم شراؤها لمصلحة تيار فياض، ومما يدل على قوة فياض وضعف فتح؛ أن احداً لم ينتقد مشاركة فياض في مؤتمر هرتسيليا، بل خرج شخص كحسام خضر يمدح موقف فياض ومشاركته في المؤتمر، ففياض له رؤية وبرنامج يتمثل في بناء مؤسسات دولة سيقيمها بعد سنتين، وهذه الخطة لا تنسجم مع انجاز ملف المصالحة.
3. الفيتو الامريكي- الاسرائيلي لم يعد مسألة خافية على أحد، فأمريكا سنت تشريعات تمنع بموجبها تقديم مساعدات مالية للسلطة في حال وجود أي وزير من حماس، وهو ما يفترض حدوثه في حالة المصالحة، فالسلطة ممثلة بمحمود عباس اعلنت مرارا وتكرارا أنها تريد مصالحة تنهي الحصار وليس مصالحة تبقي عليه، وهذا معناه أن السلطة لا تريد انجاز ملف المصالحة الا بشروط امريكا وإسرائيل، وهو ما لن تفعله حركة حماس.
4. في حال إكراه حركة حماس على توقيع المصالحة فسوف تكون مصالحة هشة وهذا سبب عدم حدوثها حتى الآن، ومانع حقيقي من انجازها قريباً؛ لأنها ستكون طريقاً لاستئناف المفاوضات.
sarafandisaed@yahoo.cm