الثلاثاء، 23 فبراير 2010

هل تريد امريكا تحقيق السلام

هل تريد أمريكا تحقيق السلام
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
إن اهتمام الولايات المتحدة ب"عملية السلام" في الشرق الأوسط لا يلغي أن هناك استرتيجيات محددة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وأن الاهتمام بعملية السلام يجب ان لا يتعارض مع تحقيق تلك الاستراتيجيات، وإذا حدث تعارض فالأولوية للاستراتيجيات التي تحقق مصالحها، وليس هناك أي قيمة اخلاقية تسعى امريكا لتحقيقها، وهذا يعني أن امريكا ليست معنية بتحقيق عملية سلام حقيقية تكون نتيجتها دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 ، وليس صحيحاً في هذا المقام اعتبار اوباما أن تحقيق سلام في الشرق الاوسط يقع على رأس سلم اولوياته.
عندما تم تعيين عضو الكونغرس متشل كمبعوث خاص للشرق الأوسط، كان يعلم اوباما أن تعيين هذا الشخص او ذاك في مثل هذه المهمة لا يقدم ولا يؤخر شيئاً، فإن مواقف اطراف الصراع لن تتغير لأن هناك نوايا حسنة عند متشل او لأن له تجربة سابقة في حل بؤر نزاع اخرى في العالم؛ إذ لم تسفر جهود متشل حتى الآن عن أي نجاح يذكر، فهو لم ينجح في اطلاق "العملية" فضلاً عن انجازها، مع أن الجهود التي بذلت ظاهراً تعتبر جهوداً جبارة، ودلالة ذلك سلبية جداً، فإذا كان اطلاق العملية السلمية يحتاج الى كل هذا الزخم والجهد ، فما الذي يحتاجه التوصل الى سلام عادل ؟!.
لقد اعلن اوباما ومتشل ان المطلوب تحقيق ثلاثة أمور هي: وقف الاستيطان واطلاق مفاوضات ثنائية اسرائيلية فلسطينية بوكالة حصرية امريكية، والضغط على الدول العربية للقيام بمراثون تطبيعي يشمل دول الخليج وعلى رأسها السعودية. هذه الاهداف لم يتحقق منها شيء، فقد رفضت اسرائيل تجميد الاستيطان مما احرج القيادة الفلسطينية التي اعلنت فشل منهج المفاوضات، فلم تنجح امريكا حتى الآن بجمع الطرفين في مفاوضات مباشرة، كذلك لم تزدد وتيرة التطبيع، مما حدى بوسائل الاعلام الاسرائيلية والامريكية لتضخيم حدث مصافحة مسؤول سعودي لمسئول اسرائيلي.
كل ذلك جعل امريكا تعلن أن هدفها اصبح تجميداً جزئياً للاستيطان مع استثناء القدس وما يعرف بالنمو الطبيعي في المستوطنات، إضافة الى الهدف الآخر وهو اطلاق مفاوضات بين اطراف الصراع بدون شروط مسبقة، وهذا الموقف ينسجم تماماً من مواقف اسرائيل التي لا تقبل بتجميد الاستيطان في القدس، باعتبارها خارج التسوية، وأن الاستيطان فيها هو بناء في منطقة اسرائيلية ستبقى الى الأبد كذلك، اما اطلاق المفاوضات بدون شروط مسبقة فهو ينسجم أيضاً مع الموقف الإسرائيلي الذي يرفض كل التفاهمات السابقة بين الفلسطينيين والحكومات الاسرائيلية السابقة، وهذا يعني البدء من نقطة الصفر، وليس استكمال المفاوضات من النقطة التي وصلت اليها.
هذه المواقف الأمريكية المتساوقة مع السياسة الاسرائيلية، أدت الى حالة إحباط لأطراف عديدة أهمها وأكثرها تأثراً هو محمود عباس الذي اعلن عن نيته عدم الترشح في الانتخابات المقبلة!!
لقد كان تراجع اوباما لصالح تحقيق السياسات الداخلية، فتمرير قانون التأمين الصحي مثلاً كان اهم من تحقيق انطلاقة على مسار المفاوضات، وهذا معناه البحث عن بدائل لحالة الجمود القائمة، فبدأ التفكير بالمفاوضات غير المباشرة؛ إذ تكون هذه المفاوضات سلماً ينزل من خلاله محمود عباس عن الشجرة التي صعد عليها، ويظهر في نفس الوقت اهتماماً امريكاً بعملية السلام، ويمنع في الوقت نفسه الحديث ولو همساً عن بدائل للعملية السلمية من خلال انتفاضة جديدة.
إن ما تعرضه اسرائيل من خلال متشل عبر التخفيف من الضغوط اليومية على الفلسطينيين برفع بعض الحواجز في الضفة الغربية واطلاق سراح بعض السجناء وتحويل مناطق جديدة في الضفة الى تصنيف"A " لا يبدو أنه انجاز يمكن البناء عليه، فهذه التنازلات ستكون سبباً في تزايد الضغط على الجانب الفلسطيني؛ إذ سيبدو أن اسرائيل قدمت تنازلات ما، والمطلوب من الجانب الفلسطيني أن يتجاوب مع هذه النوايا الحسنة فيعود الى المفاوضات بدون شروط مسبقة.
إن الجمود الذي تشهده العملية السلمية أدى الى الحراك السياسي الذي شهدته المنطقة في الأسابيع الأخيرة، ومن ضمنه تسويق وزيرة الخارجية الامريكية كلنتون لمواقف نتناهو، وخاصة في منطقة الخليج، وهذا الحراك لا يقصد منه في الحقيقة انجاز شيء ما على مسار التسوية بقدر ما هو قنابل دخانية تغطي على حالة الفشل التي شهدتها السياسة الامريكية بخصوص الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، فقد أثبتت التجربة أن الإبقاء على حالة عملية سلام بلا نتائج أفضل من جمود بلا نتائج، فعملية سلام بلا نتائج تبقي الأمر بيد أمريكا وتمنع معارضيها من طرح بدائل تتعارض مع مصالحها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق