السبت، 20 فبراير 2010

المفاوضات غير المباشرة منزلق جديد

المفاوضات غير المباشرة منزلق جديد
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة كمحصلة للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لم تعد فكرة واقعية، فلم تسفر ثمانية عشرة عاماً من المفاوضات الا عن نعي سيء الإخراج لتلك المفاوضات على لسان الدكتور صائب عريقات، فلم تكن الظروف مناسبة لإنجاز فكرة الدولة الفلسطينية ولن تكون ضمن قواعد اللعبة الحالية التي تنسحب عليها موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية.
إسرائيل عندما استجابت للشروع في المفاوضات كانت تعلم أن مسيرة سلام طويلة الأمد تنتظر الفلسطينيين دون تحقيق شيء لهم، بل كانت المفاوضات حاجة اسرائيلية ملحة، فالقنبلة السكانية بدأت تقلق السياسيين بعدما وضعت مراكز الابحاث والإحصاء ارقامها المخيفة أمامهم، فالمستقبل القريب يؤشر على أن اليهود سيتحولون إلى أقلية في دولة ثنائية القومية، مما يهدد مستقبل اسرائيل ككيان يفترض أن يكون ذا طابع يهودي، وهذا من الأسباب التي دعت إسرائيل للموافقة على فكرة الحكم الذاتي الذي انبثق عن اتفاقية أوسلو، وهو كذلك وراء الدعوة الحالية للضغط على الفلسطينيين للاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، مما يمهد بعد الاعتراف بها كذلك لترحيل عرب 48، وهو تصور بدأ كثير من السياسيين الاسرائيليين يطرحونه بقوة، فلا يعقل أن يكون الكيان الفلسطيني المنتظر كياناً عربياً خالصاً، بينما اسرائيل دولة ثنائية القومية، وهذا سيخلق في المستقبل واقعاً مقلقاً يحتاج الى حل قد لا تستطيع اسرئيل الإقدام عليه في حينه.
كذلك كانت اسرائيل تريد من خلق كيان الحكم الذاتي، السيطرة على مصادر المياه الفلسطينية، وهو ما فعلته من خلال الجدار العازل الذي تلوى كالأفعي، لا لاعتبارات تتعلق بالأرض، بل لاعتبارات تتعلق باحواض المياة التي تحت الأرض، فقد سيطرت اسرائيل من خلال الجدار على معظم مصادر المياه ضمن حدود عام 1967، وهي الآن اجوج للإبقاء على سيطرتها على المياه في ظل التوجهات التركية الجديدة التي يظهر منها عدم التناغم التام مع السياسات الاسرائيلية، فقد كانت هناك تعهدات تركية لتزيد اسرائيل بالمياه في حالة تحقق السلام في الشرق الاوسط.
لذلك كانت لدى اسرائيل، مدعومة من امريكا، رؤية لعملية السلام وكانت للفلسطينيين رؤية مغايرة لنتائج العملية السلمية، ولكن محددات السياسة الاسرائيلية كانت تقود العملية السلمية لتحقيق انجازات وليس لتقديم تنازلات، وكذلك كان الجانب الفلسطيني، ولكن الظروف والملابسات التي وافق فيها الفلسطينيون على المشاركة في العملية السلمية كانت تقودهم حتماً الى تقديم تنازلات، أو في أحسن الأحوال كانوا قنبلة دخانية تستغلها اسرائيل لفرض وقائع على الأرض، يستحيل بعدها تجاوزها والقفز عنها.
لقد جاء تعثر المفاوضات بعدما أثبت اوباما أنه لا يختلف كثيراً عن بوش، وأن الآمال التي عقدها العرب ومعهم الفلسشطينيون عليه، كانت بسبب اسقاطهم لحالة الأنظمة العربية و دول العالم الثالث، التي تتغير السياسات فيها بتغير الاشخاص، ولم يفهموا أن دولة عظمى كالولايات المتحدة الامريكية لا يحكمها اشخاص بل مؤسسات راسخة لها استرتيجيات ترتبط بتحقيق المصالح العليا للشعب الامريكي، فكانت مواقف اوباما الحقيقية لا تختلف عن مواقف بوش، بل إن اوباما تحدث عن يهودية الدولة مما يعني ارتماءً مطلقاً في احضان السياسة الاسرائيلية فيما يتعلق بالنزاع العربي الاسرائيلي.
إن تراجع اوباما عن نص وروح الخطاب التصالحي مع العالم الاسلامي، الذي القاه في جامعة القاهرة، وتراجعه مؤخراً عن شرط تجميد الاستيطان لاستئناف المفاوضات، شكل صفعة عنيفة ومهينة للسلطة الفلسطينية، وجعل الرئيس محمود عباس يعيش في متاهة لا يدري لها مخرج، فالعودة للمفاوضات من شأنها ان تمس بكرامة محمود عباس وتظهره بمظهر الرجل الضعيف الذي ينساق وراء الإغراءات والضغوط الاسرائيلية والامريكية، كذلك فإن الامتناع عن العودة لطاولة المفاوضات كفيل بأن يعصف بمستقبله السياسي، بل بمستقبل الفئة المتنفذة والمستفيدة من بقاء السلطة الفلسطينية، وهذا من شأنه تقوية الخصم السياسي وهو حركة حماس.
من هنا كانت فكرة المفاوضات غير المباشرة التي تؤكد المعطيات على قبول جميع الاطراف بها، مخرجاً للسياسة الامريكية والاسرائيلية، ولكنها مأزق جديد للفلسطينيين، فامريكا تريد من الفلسطينيين والاسرائيليين الدخول في مفاوضات غير مباشرة من اجل الحفاظ على "عملية" السلام، وليس من اجل تحقيق السلام، فلم تطرح وزيرة الخارجية الامريكية في زيارتها الاخيرة للمنطقة اي ضمانات لتحقيق سلام حقيقي، بل أرادت تحريض العرب على ايران فقط.
المفاوضات غير المباشرة، على أمل ان تصبح مباشرة بعد اسابيع قليلة أو أشهر قليلة، هي مصيدة للفلسطينيين واستمرار في الاذعان للواقع الذي تخلقه اسرائيل في القدس والمستوطنات المقامة في الضفة الغربية، ولذلك يجب ان يمتنع محمود عباس من المشاركة في هذه المفاوضات والقيام بعدد من الخطوات منها:
1. انجاز المصالحة مع حركة حماس، فلم تكن اسرائيل اكثر ازدراء للسلطة مما هي عليه بعد الانقسام، فالمصالحة كفيلة بتقوية عباس امام الضغوط الاسرائيلية والامريكية.
2. التراجع عن وحدانية الخيار، والاعلان عن المفاوضات باعتبارها احد الخيارات امام الشعب الفلسطيني، اما الاستعداد لقمع اي انتفاضة ومقاومة للاحتلال فلا تزيده الا وهناً على وهن، وتجعل اوراقه مكشوفة امام اسرائيل ، وضعيفة ولا يحسب لها أي حساب.
3. عدم ابقاء رعاية المفاوضات حكراً على امريكا، فعلى محمود عباس أن يعلن أمام العالم ان الرعاية الامريكية الحصرية لعملية السلام أضرت كثيراً بالعملية السلمية وحرفتها عن مسارها ، وأن البديل هو مشاركة دولية فاعلة.
4. عدم القبول بفكرة المفاوضات غير المباشرة؛ لأنها منزلق جديد وخطير للقضية الفلسطينية خاصة في ظل عدم وجود ضمانات بتجميد الاستيطان وعدم وضوح مرجعية هذه المفاوضات.
بدون ذلك ستكون الموافقة على المفاوضات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، استجابة للضغوط والمطالب الاسرائيلية، مما يعني اطلاق رصاصة الرحمة على الحلم الوطني الفلسطيني، وسقوط القضية الفلسطينية الى منحدر لا يمكن انتشالها منه على المدى المنظور.
ssarafandi@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق