الاثنين، 8 نوفمبر 2010

ردأ على أحمد بوادي الذي هاجم القرضاوي

رداً على أحمد بوادي الذي هاجم القرضاوي
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
ماجستير الدراسات الاسلامية
على صفحات دنيا الوطن قرأت اليوم ، العنوان التالي ” ردا على القرضاوي في تجويزه خلع الحجاب وكشف الصدور ببرك السباحة وألعاب الرياضة بمدارس الاختلاط “ بقلم : أحمد بوادي، ومن باب الاحترام لعلم من أعلام المسلمين، أفنى حياته علماً وتعلماً، ودعوة الى الله، أحسست بالواجب الملقى على عاتق طلبة العلم الذي أحبوا القرضاوي، أن يبينوا وجه الحق في المسألة، وما أكتبه ليس دفاعاً عن القرضاوي، فهو أجل وأكبر من أن يدافع عنه مثلي، ولكنني لما رأيت عدم الانصاف من الأخ أحمد بوادي كتبت ما يلي:
1. يبدأ الأخ أحمد مقاله بما يلي :" وقوفا عن رغبة الأخيار ، للرد على فتوى البهتان والضلال في كشف الصدور ، وجواز التبرج والسفور . للمتساهل بالأعراض والمتلاعب بالأحكام ، والمدلس على العباد ، والمفسد بالبلاد ، المفتي بجواز انضمام المسلم في جيش الكفار لقتال اخوانه من أهل الإيمان ، المبيح للممثلات التائبات بالعودة للتمثيل ، المترحم على بابا الفاتيكان يوسف القرضاوي "، ولا اعتقد أن أحداً من علماء المسلمين يجروء على وصف الشيخ القرضاوي بهذه الأوصاف، ومن يفعل ذلك فهو واحد من اثنين، أن يكون جاهلاً بما عليه الشيخ من علم وتقوى، أو جاهلاً بطريقة الاسلام في الرد على المخالف، ولا يخفى أن منهج الأخ أحمد في وصفه للشيخ القرضاوي هو منهج من يسمون بالسلفية أو الوهابية، حتى أن احدهم من هذا التيار كتب كتاباً أسماه" الرد الكاوي على الكلب العاوي يوسف القرضاوي"، وهذا يُظهر سوء أدبهم مع المخالفين لهم في المنهج والفهم، ولكنها آفة احتكار الحقيقة التي تجعل الآخرين خونة وزنادقة بل وكفاراً في كثير من الأحيان، والمتأمل في فقه الشيخ القرضاوي يجد أنه مجدد في الفقه، خرج من دائرة النصوص الضيقة الى فضاءات المقاصد، وهذا أمر قديم عرفه العلماء الأفذاذ، وخير من بلور فكرة المقاصد كان العالم الكبير الشاطبي في كتابه الأصولي المسمى ب" الموافقات" وجاء في العصر الحديث الشيخ الطاهر بن عاشور في كتابه العظيم " مقاصد الشريعة الاسلامية" وهو عالم موسوعي في العلوم الشرعية من التفسير كما ظهر في التحرير والتنوير الى علم الاصول الى علم الحديث والفلسفة وغير ذلك كثير، وقد اختلفت تعريفات العلماء لعلم المقاصد ولكنه لا يخرج في جوهره عن:" هو علم يدرس الأدلة إجمالاً والأحكام الشرعية الخاصة ويعتني بدراسة المعاني والحكم التي من أجلها شُرعت الأحكام الشرعية وقد تكون عامة وقد تكون خاصة. فعلم المقاصد حقيقة هو علم مرتبط بأُصول الفقه وبالفقه معاً" ومعنى هذا أن القول بالمقاصد هو قول مستند الى النصوص الشرعية من الكتاب والسنة التي تناولت مقاصد الاحكام، ومن أهمها رفع الحرج عن المكلفين، من مثل قوله تعالى:" ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج" ومن السنة النبوية، أن النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام لما بعث معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن، كان من وصيته عليه الصلاة والسلام لهما:"يسرا ولا تُعسرا وبشرا ولا تُنفرا".
وأيضاً قوله عليه الصلاة والسلام:"بُعثت بالحنيفية السمحة"، وهذا إجمالاً وتفصيله في مظانّه من كتب الأصول، ومن هنا يمكن القول أن اختلاف الفقهاء في مسألة ما، هو اختلافهم على اعتبار المصلحة والحرج، فقد يرى فقيه أن هذا الحكم في هذا الوقت فيه حرج، وليس هذا معناه الاعتراض على الحكم الاصلي، فلا يقول القرضاوي مثلاً بأن السفور جائز، ولكنه قد يرى أن التشدد في مكان ما والتقيد بالنص يفوت فرصة عظيمة على المسلمين، ويوقعهم في دائرة الحرج، وهذا ليس تبديلاً للاحكام الشرعية، كما زعم الأخ بوادي في هجومه على الشيخ القرضاوي، فقد وجد النص ووجد في قباله الاجتهاد بسبب تغير الواقع، وهذا كثير في تراثنا الفقهي بدءً من عمر بن الخطاب رضي الله الذي اجتهد في مقابل نص القرآن المتعلق بالمؤلفة قلوبهم؛ إذ هو نص ثابت بكتاب الله جل جلاله، ولكنه اجتهد فرأى أن هذا النص معلل بضعف المسلمين، علمأ أن النص ليس فيه علة ظاهرة، بل هي علة استنباطية، وهي علة غير منضبطة، يعترف بها هذا الفقية ولا يراها غيره، كذلك اجتهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في اعتبار الطلاق ثلاثاً انه ينفذ بلفظ الثلاث ولو كان مرة واحدة، وهذا مقابل النص القرآني " الطلاق مرتان" ولكنه رأى أن حال الناس تغيرت فتهاونوا بلفظ الطلاق، فكان اجتهاده رضي الله عنه في مقابل النص، وكذلك اجتهاده في منع متعة الحج مع ورود النص القرآني بها، وغير ذلك كثير. ثم جاءت مرحلة جديدة في التعامل مع المقاصد، حيث تمت الإشارة الى المقاصد في ثنايا الكتب الاصولية، ومن أول الأصوليين الذين بحثوا في مصنفاتهم المقاصد الشرعية ، والضروريات الخمسة ، وغيرها من مباحث علم المقاصد : إمام الحرمين الجويني في كتابه :(البرهان في أصول الفقه) ، ثم تلاه الإمام الغزالي في كتابه (المستصفى، ثم تلاه الرازي في كتابه (المحصول) ثم تلاهم الآمدي في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام). ثم جاءت مرحلة متقدمة تم فيها افراد كتب مستقلة في موضوع المقاصد وأول من ألف في هذا العلم هو العز بن عبد السلام، الملقب بسلطان العلماء في كتابه (قواعد الأحكام في مصالح الأنام) الذي اهتم فيه بالقواعد الشرعية عند تعارض المصالح . ثم تلاه القرافي في كتابه (الفروق) الذي يُعد من أعظم المصنفات لأنه يبين الفوارق القياسية بين الأحكام الشرعية، ثُم بعد القرافي جاء الشاطبي والذي يعد شيخ المقاصد فألف كتابه (الموافقات)، ومن ثم كان في العصر الحديث كتاب الطاهر بن عاشور افضل ما كتب في هذا السياق.
هذه الاشارات المطولة عن المقاصد والعلماء الذين اهتموا بها، كانت للتأكيد على أنه أمر مختلف فيه عند العلماء ابتداء من حيث حجية المقاصد قبالة النص، فبعض العلماء لا يقولون بالمقاصد ولا يعترفون بها مقابل النص، فالمسألة خلاف منهجي بين العلماء الذين يأخذون بالمقاصد والذين لا يعترفون بها، والقرضاوي ممن يقولون بالمقاصد ورفع الحرج، فإن وقع اجتهاد في توصيف الواقع أو اعتبار الحرج وفوت المصلحة، فهو اجتهاد مقبول لا ينقضه اجتهاد مجتهد آخر، الا عند من لا يؤمن بأن في غير مدرسته مجتهدين وعلماء، فينكر كل اجتهاد خالف اجتهاده او اجتهاد شيخه، وهذا من ضيق الافق وقلة العلم، فلم يعرف الفقه من لا يعرف الاختلاف؛ إذ الاختلاف مشروع إذا كان بين اهل العلم، ولا نشك مطلقاً بأن الشيخ القرضاوي من اهل العلم والاجتهاد. ولكن طبيعة الموضوع، هي التي جعلت الأخ بوادي يهجم على الشيخ القرضاوي هذا الهجوم العنيف؛ فالمسألة متعلقة بالنساء والاعراض، وهو موضوع تتحكم فيه العادات والتقاليد أكثر مما تتحكم فيه النصوص الشرعية عند كثير من المسلمين.
خلاصة القول ان فتوى الشيخ القرضاوي، سواء قبلنا بها ام خالفناها، فهي ليست تغييراً للاحكام الشرعية، بل هي اجتهاد في فهم الواقع وانطباق النص عليه، وهل يشكل التقيد بهذا النص حرفياً حرجاً للمسلمين وتفويت مصلحة ظاهرة أم لا، ولا يجوز أن تكون هذه الفتوى سبباً لهجوم على الشيخ القرضاوي بهذا الشكل الذي يشكك في دينه بل يشتم منه رائحة التكفير.
2. ثم يقول بعد ذلك :" لم أكن أعلم أن الأمر يحتاج إلى تأصيل وتفصيل بقدر ما يحتاج إلى غيرة ورجولة ومروءة. ولم يكن من الانصاف قول ذلك في حق الشيخ القرضاوي؛ إذ يشير الكاتب الى دياثة الشيخ القرضاوي، وهذا غير مقبول من شخص مغمور قبالة عالم مشهور اعترفت الامة بعلمه وفضله، سواء وافقناه أم خالفناه في كل ما يقول، ولك أن تعتبر فتواه زلة، ولكن لا يجوز الطعن في رجولته وغيرته ومروءته، فإن هذا باب واسع خسر من ولج فيه. ولقد اتهم الكاتب كل من يدافع عن القرضاوي بقوله: " أقول : لمن اشتغل بالدفاع عن القرضاوي لكلامي عليه وأخذته الحمية لعرض القرضاوي ولم تأخذه الحمية لأعراض المسلمات من فتوى القرضاوي فليراجع دينه وليراجع أخلاقه لأن القرضاوى قد خدشها وجعلهم محلا للتهمة عندما ارتضوا الدفاع عنه بما يمس وتنتهك فيه الأعراض".ا.هـ ، وهذا والله عين الباطل، فلم نجد نحن في فلسطين أشد غيرة على اعراضنا من شيخنا القرضاوي.
3. ينكر الأخ بوادي على الشيخ القرضاوي، اعتباره العلم للفتاة في بلاد الغرب من الضرورات التي تبيح المحظورات فيقول: " لكن القرضاوي هنا جعل الضرورة الخروج للدراسة والحصول على الشهادة ويجعل من المكوث بالبيت حالة عارضة وتخلف ورجعية . لكننا لسنا ممن يعطي الدنية في ديننا يا قرضاوي "، هذا الكلام يدل على جهل بفقه الشيخ القرضاوي، فهو قد استند الى متشابه من قول الشيخ ليبني عليه موقفاً معادياً ، ولم يرجع الى المحكم من كلام الشيخ في اعتبار التبرج مخالفاً للاسلام ومخالفاً للنصوص الشرعية القطعية ثبوتاً ودلالة، ولكن لو قال لك أحدهم ايها الكاتب المحترم: إذا كانت المرأة بدون شهادة في الغرب فهي اقرب الى اللجوء الى الرذيلة، أو القيام بمهن تمتهن كرامتها حتى تحصل على لقمة العيش او الحياة الكريمة، ألا يكون موقف شيخنا اقرب الى الحق، سيما ونحن نتحدث عن مجتمعات لا يأكل فيها من لا يعمل، الا يعتبر حصول المرأة في هذا المقام ضرورة تبيح المحظور، قد تقول لا، وقد يقول كثير من العلماء وطلبة العلم: نعم، هي ضرورة، فالمسألة أخي الكريم إذن، هي تقدير الواقع، وهذا أمر يختلف فيه العقلاء، فكل انسان يقرأ الواقع متأثراً بجملة من العوامل منها ثقافته وتراثه وتحصيله العلمي ... الخ، ولذلك لايجوز تبعاً لذلك توجيه سهام مسمومة الى الشيخ القرضاوي بسبب اختلافك معه في قراءة الواقع وتحديد الولويات او الضروريات.
4. ثم بعد حشو كثير يقول الأخ الكاتب: " هذا ليس اجتهادا يا من تدعون العقيدة السليمة والغيرة إنها غثاء بل دياثة"
ولا أدري لماذا يخلط الكاتب بين العقيدة وبين الاجتهاد الشرعي، فكم من عالم ساءت عقيدته ولكن فتواه موافقة للحق، وكم من عالم صحيح العقيدة كانت فتواه مضحكة للعلماء وللعوام، كفتوى البخاري رحمه الله بأن الرضاعة من البهيمة توجب الأخوة من الرضاعة بين الرضيعين !!
5. في الختام لا شك أن الموقف المسبق للكاتب ضد الشيخ القرضاوي هو الذي جعل مقاله طافحاً بالتنقص من قدر عالم معتبر عند الأمة، ونظنه معتبراً عند الله، وهذا نعرفه عند المقلدين الذي يلجأون الى مهاجمة من يخالف شيخهم، ولو عرضت ما هاجمه على انه قول لشيخه لبدأ بالدفاع عن ما هاجمه.