الثلاثاء، 9 فبراير 2010

رداً على جورج كتن الذي هاجم القرضاوي

رداً على جورج كتن الذي هاجم القرضاوي
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
كتب جورج كتن على صفحات دنيا الوطن بتاريخ 9/2/2010 مقالاً بعنوان " الشيخ القرضاوي المثير للجدل"، ولم يتوقف كاتب المقال عند مهاجمة الشيخ القرضاوي بل تعدى ذلك الى مهاجمة الاسلام واحكامه القطعية، وحيث أن الرد على مثل هذه الأقلام واجب ديني إضافة الى كونه واجب اخلاقي، رأيت أن أرد على مقاله بمقال يفند الإفتراءات والأباطيل التي اشتمل عليها المقال.
في البداية لا بد من الإشارة الى أن الكاتب يعتبر من الأقلام الحاقدة على الاسلام والمسلمين والحركات الاسلامية، وخاصة حركة الإخوان المسلمين، وبالتالي له مواقف مشينة من حركة حماس تحديداً، ولا اعتقد أن شخصاً يهاجم الاسلام وأحكامه كما سيتضح من المقال، قادر على فهم الاسلام، إضافة الى كونه نصرانياً .
في بداية المقال يحاول"جورج" أن يسوق مقدمة صحيحة ليدلس في النتائج، فهو يقول :" لا اعتقد أن أحداً يطلق صفة القداسة على فضيلة الشيخ القرضاوي فهو انسان مثلنا تماماً يخطئ ويصيب وهو قابل للنقد"، هذه المقدمة الصحيحة لا يختلف معه فيها أحد، فالقرضاوي ليس مقدساً، ولا يجوز أن يكون أحد من البشر مقدساً في ديننا الإسلامي، ولكن خلفية الكاتب النصرانية، التي تقدس البشر، جعلته يعتقد أن المسلمين يقدسون أشخاصاً، وهذا ليس بصحيح، فالمسلمون يؤمنون أن كل إنسان قابل للنقد، سواء كان النقد موجهاً للفكر أو كان موجهاً للسلوك، وفي هذا المقام يحفظ المسلمون القول الذي ينسب الى الامام مالك وهو يشير الى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" كلٌ يؤخد منه ويرد عليه الا صاحب هذا القبر" فلا يوجد أحد عند المسلمين يتصف بالقداسة.
ثم ينتقل الى مسألة أخرى فيقول:" وليس صحيحاً أن مواقفه وآرائه التي يتوفر لها النشر في مجال واسع - ليس أقله قناة الجزيرة واسعة الانتشار-، تقتصر على تعليم المسلمين دينهم أي شأن يخص المسلمين فقط وليس أصحاب الاديان الاخرى كما يرى البعض، فهو مسيس حتى العظم ومن أهم من يخلطون الدين بالسياسة ويستخدمون الدين في خدمة السياسة والعكس صحيح" ، هذا الكلام ينسجم مع ما يريده الحكام الظلمة الذين حكموا البلاد والعباد بأحكام الكفر التي تتعارض مع ما يؤمن به جمهور الناس، ومنعوا قيام أحزاب على أساس الاسلام؛ لأنها في الحقيقة معول هدم للظلم والبغي والعدوان الذي يمارسه حكام المسلمين ضد شعوبهم، فقد أراد هؤلاء الحكام مسخ الإسلام وجعله علاقة كهنوتية بين الإنسان وخالقه، وهذا في الحقيقة يخالف طبيعة الاسلام التي تناولت العلاقات الثلاث: علاقة الإنسان بخالقة وعلاقة الانسان بنفسه وعلاقة الإنسن بسواه من الناس، ولكن خلفية الكاتب النصرانية جعلته يسقط نظرته على الاسلام، فالمسيحية عنده دين كهنوتي لا علاقة له بالحياة فأراد أن يجعل الإسلام كذلك، ومن هنا فهو ينكر على الحركات الاسلامية انشغالها بالسياسة، وهو ما دفعه لاتهام الشيخ القرضاوي بانه "مسيس حتى العظم"، وهنا لا بد من الإشارة أن هذه الأفكار من شخص يدعي أنه "تقدمي" لا تخدم الا حكاماً ظلمة وطغاة، سلطوا على رقاب العباد فجعلوا ثروات الأمة ومقدراتها نهباً للدول الاستعمارية، وساموا شعوبهم أصناف الذل والهوان وكل ما يتعارض مع حقوق الإنسان التي يتشدق بها كاتب المقال وأمثاله، فتحريم انشغال الحركات الاسلامية بالسياسة معناه، أن السياسة حكر على الحكام أو طبقة من الشعب، وأن المسلم يجب أن يساق وفق ما يريده الحكام ولو كانوا لا يمثلون احداً من الشعب، سواء كان التمثيل فكرياً أو من خلال صناديق الاقتراع.
ثم ينتقل الى نقطة أخرى وهي مناقشة أفكار القرضاوي الاسلامية فيقول:" لذاك من حق أي كان مناقشة مواقفه السياسية والمدنية التي نرى أنها عموماً تتعارض مع ما نراه مناسباً لمجتمعاتنا المبتلية بالاستبداد والتي من المفضل لها ألا تستبدله بالاستبداد الديني في الدولة التي يدعو لها تنظيم الإخوان والشيخ القرضاوي"، فواضح أنه لا يقول بأن مواقف الشيخ القرضاوي تتعارض مع الدين، بل تتعارض مع ما يريده هو، ولو كان الذي يقوله الشيخ القرضاوي موافقاً للاسلام ولما يؤمن به المسلمون، يريد من المسلمين أن يتخلوا عن دينهم الذي أنزل من عند الله ليلحقوا بدين كهنوتي كما يريده هو. أما حرصه المُدّعى على الشعوب العربية والاسلامية، التي تعيش في ظل الاستبداد، فهو لا يعلم أن الاستبداد حدث فقط بابتعاد الحاكم عن الحكم بالاسلام، ففي ظل الحكم بالاسلام الحقيقي المنزّل على رسول الله، لا يمكن أن يكون هناك ظلم أو استبداد، ولكن الكاتب لا يستطيع أن ينفصل عن خلفيته المسيحية، فهو لا يرى الا الظلم والاستبداد الذي نشرته الكنيسه في حياة الشعوب الأوروبية، فيريد منا ديناً لا علاقة له بالسياسة ولا بالدنيا، ويزعم أمثاله أن اوروبا تقدمت وازدهرت بسبب فصل الدين عن السياسة؛ فكان لا بد لنا، إذا اردنا التقدم، أن نفصل بين الدين والسياسة، وهذا لا يمكن أن يكون، فالمسيحية لا علاقة لها بالحياة المدنية والسياسية، وعندما سيطرت عليهما، كانت سبباً في الانحطاط والتخلف، أما الاسلام فهو على العكس تماماً، ولا يكون التخلف والانحطاط إلا بجعله كما هي طبيعته، دين له علاقة بكل شيء.
ثم يدخل من باب الإفتراء مجدداً ليقول بأن القرضاوي يريد دولة دينية، وهو يعلم، ويجب ان يعلم لو كان منصفاً، أن معظم الحركات الاسلامية، ومنها الاخوان المسلمون، لا يقولون بالدولة الدينية، وانما يقولون بأن الدولة في الاسلام هي دولة مدنية، فالدولة الدينية عند المسلمين هي دولة كهنوتية، وهذا يخالف تصور القرضاوي وغيره من المسلمين عن الدولة الاسلامية المدنية التي يختار الناس فيها حاكمهم، وهو ليس ظل الله على الارض، بل خادم للامة يطبق عليها احكام الاسلام التي قبلها جمهور الناس.
ثم يظهر الكاتب عداءه لأحكام الاسلام حيث يقول:" كما أننا لا نرى أنه يمكن التعايش بين فتاوى دينية في شؤون الدنيا والقوانين المدنية الحديثة التي يسنها ممثلو الشعب المنتخبون التي تتعارض مع النصوص الدينية الممارسة منذ مئات السنين والتي لم تعد صالحة للعصر: منها مثلاُ الرق الذي لم يكن محرماً دينياً وهو الآن جريمة ضد الإنسانية، أو العقوبات الجسدية مثل الجلد والرجم وقطع الايدي والارجل التي هي من النصوص الدينية والتي باتت تعتبر من الافعال الهمجية، أو قتل المرتد المتعارض كلياً مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أكد حق الإنسان في تغيير دينه كما يشاء، أو الحق في الزواج بين زوجين من ديانات مختلفة المسموح به بين المسلم والمرأة من ديانات اخرى والمحرم بالعكس؟
فهو يرى أن أحكام الاسلام التي ثبتت بطريق قطعي، ما هي الا أفعال همجية، وهنا يُظهرالكاتب فعلاً حقده الدفين على الاسلام واحكام الاسلام التي يؤمن المسلمون بأنها من عند الله العليم العظيم، ويريد من المسلمين التنازل عنها لأنها لا تتناسب مع حضارة الفجور والخمر والمخدرات والجريمة والايدز التي تسود العالم في ظل غياب الاسلام عن الحياة.
إن أوروبا التي جاءت الى بلاد المسلمين إبّان الحروب التي اطلقوا عليها "الحروب الصليبية" اصيبت بالذهول لما رأته: فبينما كان القسيس عندهم هو الوحيد الذي يقرأ، وجدوا في بيوت المسلمين مكتبات عظيمة، وكل مسلم يستطيع قراءة القران، وبينما كانت روما اكبر دائرة إدارية، وجدوا ان بعض حارات المسلمين في امهات المدن الاسلامية اعظم منها وأكبر، ووجدوا حاكما لا ينتمي الى عائلة وسلالة الحاكم السابق، بينما كان الحاكم عندهم ينتمي الى عائلة تعتبر ظل الله على الارض لا يصلح للحكم الا من كان منها ..الخ.
اما حكم قطع يد السارق الذي يعتبره مظهراً همجياً، فقد منع الاسلام وجود أجواء يحتاج الناس فيها الى السرقة، فالاسلام بما فيه من احكام تجعل الناس والدولة مسؤولين عن الفرد لتلبية حاجاته الاساسية، فإذا سرق الانسن بعد ذلك وبالشروط المعروفة للقطع، فلا بد من علاج ناجع، وقد كان هذا العلاج ناجعاً، فلم تقطع الا ايادِ معدودة طوال التاريخ الاسلامي، وهنا لا بد نسأله ما هو الحكم المناسب للسارق، الا ترى أن السجون في امريكا واوروبا وباقي دول العالم تحولت الى مدارس وجامعات للاجرام بسبب عدم وجود حكم القطع للسارق، فقطع يد السارق اشاع أمنا وطمأنينة لا تعرفها حضارة الكاتب في القرن الواحد والعشرين.
اما دفاعه بعد ذلك عن محمود عباس، فليس هناك ما يدعو للدفاع عن الشيخ الذي بيّن في اكثر من مناسبة سياق الكلام الذي ذكره في مسألة رجم عباس.
ثم يظهر مرة ثالثة ورابعة وخامسة حقده على الاسلام، ورسول الاسلام، وذلك حينما استنكر غضبة الشيخ القرضاوي على الرسوم الدنماركية المسيئة لرسول الله، فهو لا يعرف قدر نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وأنه ليس كأحد من الزعماء الدينيين في الغرب، بل رسول غيرت رسالته الكرة الأرضية، واخرجت العالم من الظلمات الى النور، فالشعوب الحية تغضب اذا اهينت رموزها البشرية، فكيف لا تغضب الامة وعلماؤها اذا اهين نبيها التي لا يكتمل ايمانها الا بجعله أغلى منها جميعاً، وقد استشاط غضباً هذا الكاتب اللئيم بسبب موقف القرضاوي من البابا الذي اهان رسول الاسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بادعائه أن الاسلام انتشر بالسيف ... الى آخر التفاهات التي قالها في المانيا في حينه.
اما قوله :" وهو-أي القرضاوي_ يستشهد بالآيات التي تحض على التعامل بالحسنى مع أهل الكتاب ويتجاهل الآيات التي تحض على قتالهم وتدفيعهم الجزية صاغرين "، هنا يظهر الكاتب أن حقده ليس على الشيخ القرضاوي، بل على القرآن الذي اشتمل على احكام القتال والسلم، وليعلم الكاتب ان الشيخ القرضاوي لا يعترف بنسخ الأيات التي تأمرنا بالتعامل بالحسنى مع اهل الكتاب، ما داموا غير مقاتلين للمسلمين.
واخيراً، فإن كل ما قاله الكاتب بعد ذلك ينضح حقداً على الاسلام والمسلمين، يحتاج من اصحاب الاقلام المخلصة والغيورة الرد عليه وعلى أمثاله حسبة لوجه الله.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق