الاثنين، 8 فبراير 2010

مستقبل المصالحة الفلسطينية

مستقبل المصالحة الفلسطينية
بفلم : أ. سعيــد الصرفنــدي
اعتبر كثير من المتفائلين أن زيارة الدكتور نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، الى قطاع غزة، خطوة مهمة لكسر الجليد بين حركتي فتح وحماس، حتى ظن هؤلاء المتفائلين أن انجاز ملف المصالحة الوطنية بات قريبا جداً، وهذا تبسط للمسألة لا يتناسب مع حقيقة النزاع بين حركتي فتح وحماس، واعتقد أن من رأى ذلك فقد قرأ الواقع الفلسطيني قراءة خاطئة؛ إذ يعتمد هذا التحليل على اعتبار أن الصراع بين الحركتين هو صراع على السلطة والكرسي، ولو كان الأمر كذلك لكان الوصول الى حل وسط سهلاً وميسرا، فالصراع على المناصب والسلطة لا يكون الا من إطراف براغماتية، والحل الوسط من أهم ما يؤمن به البراغماتيون.
عندما ظهرت نتائج انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 بدأت الحركات الوطنية من جهة وحركة حماس من جهة أخرى بترتيب أوضاعها لتتناسب من الحالة الناشئة، فحركة فتح لم تعترف بالواقع الجديد، وحركة حماس رأت أن التفويض الشعبي لها عبر صناديق الانتخابات يؤهلها لتسيير الاوضاع وفق برنامجها الذي فازت بالاستناد إليه، ومن هنا بدأن معركة الصراع على الصلاحيات، بحيث حرمت القيادة الجديدة من السيطرة على مؤسسات السلطة المدنية والعسكرية ، وحرمت من حق التعامل السياسي الخارجي، على اعتبار أن العلاقات الخارجية من شؤون منظمة التحرير وليس من شؤون الوزارة الفلسطينية، علماً أن الحكومة التي يرأسها سلام فياض الآن تشتمل على وزير خارجية نشط هو الدكتور رياض المالكي يمثل فلسطين في المحافل الدولية.
ثم بدأت بعد ذلك مرحلة التضييق والحصار على الحكومة الجديدة لخلق حالة من الفوضى تمنع حماس من تنفيذ يرنامجها، فقد تم التحريض لفرض حصار على حكومة حماس، وساهمت إسرائيل بذلك من خلال منع تحويل قيمة الضرائب التي تجبيها لمصلحة السلطة الفلسطينية، مما خلق حالة مناسبة للإضرابات المفتوحة التي اعلنتها حركة فتح من خلال سيطرتها على نقابة الموظفين العموميين، كذلك ظهر التمرد في أوساط الأجهزة الأمنية، مما خلخل الأرض تحت أرجل حكومة حماس، في محاولة لإسقاطها، وفقاً لخطة الجنرال الأمريكي دايتون؛ لذلك تصاعدت حدة المواجهات حتى تم الحسم العسكري لمصلحة حماس في قطاع غزة بتاريخ 14/6/2007.
المحاولات السايقة لرأب الصدع بين الحركتين أدت الى التوصل الى " وثيقة الوفاق الوطني" التي لم تصمد مطولاً؛ بسبب الضغوطات الأمريكية والإسرائيلية على حكومة حماس للاعتراف بشروط الرباعية وأبرزها الاعتراف بإسرائيل.
بعد العدوان الصهيوني على قطاع غزة، أرادت مصر التغطية على دورها في الحرب من خلال تشديد الحصار على قطاع غزة، بدعوة الأطراف الفلسطينية المتنازعة لجولات حوار استمرت عدة أشهر، وكانت هذه الجولات قاسية جداً لأنها كانت تعتمد على محاولة إخضاع حماس لشروط الرباعية، وفي النهاية قدمت حماس مواقف لينة بحيث اصبح توقيع الورقة ممكناً، ولكن حركة حماس في النهاية طلب منها التوقيع على ورقة معدلة لا تتطابق مع التفاهمات التي تمت بينها وبين حركة فتح، مما يدل على أن مصر لم تكن وسيطاً بين الحركتين بل طرفا ضد حركة حماس.
لم تكن الاوضاع على الارض تخدم حركة فتح، فالغطرسة الاسرائيلية في التعامل مع السلطة من جهة ومن جهة اخرى استمرار الاستيطان في الضفة واجرءات التهويد المتعاقبة في القدس، كذلك تراجع اومابا عن روح ونص الخطاب الذي القاه في جامعة القاهرة، كل ذلك جعل حركة فتح والسلطة الفلسطينية في موقع ضعف لا تستطيع معه اكمال مشوار المصالحة الوطنية.
اما عن آفاق المصالحة فهي بعيدة لأسباب عديدة منها:
1. توقيع اتفاق اوسلو شكل انعطافاً تاريخيا في حياة الشعب الفلسطيني، إذ شكلت تلك الاتفاقيات تحولاً في رؤية منظمة التحرير الفلسطينية للصراع مع الكيان الصهيوني،فقد تم الاعتراف بدولة"اسرئيل" مقابل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، مع أن الظروف كانت مواتية للاعتراف من قبل الكيان الصهيوني بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 ، وتبع ذلك تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني بشكل مسرحي عام 1996، مما عنى تغييراً في الرواية والرؤية الفلسطينية للصراع، كل ذلك ساهم في وجود نقمة على السلطة الفلسطينية، سيما حالة الفساد التي واكبت بدايات تشكل السلطة، مما جعل من اتفاقات اوسلو سبباً في الانفصال النفسي والمشاعري بين اغلبية الشعب الفلسطيني وبين سلطة أوسلو، فالشعب الفلسطيني أعرض عن "جماعة اوسلو" وانحاز لشعارات المقاومة وعدم الاعتراف بإسرائيل، مما مهد الطريق لانتصار حماس المدوي في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، مما أوجد بروزاً لتيارين من الصعب تلاقيهما، تيار المفاوضات حتى الممات، وتيار المقاومة ولو في حدها الادنى المتمثل ب"ثقافة المقاومة"، وكان لتبلور هذين الاتجاهين على الساحة الفلسطينية السبب الأعظم في عدم تحقق المصالحة حتى الآن، ومانعاً من تحققها في المستقبل القريب.
2. الضعف الذي تعانيه حركة فتح مقابل القوة المتنامية لسلام فياض، يجعل المعتدلين من حركة فتح يضعون لإرادة فياض، بل يمكن القول صراحة أن كثيراً من قيادات فتح تم شراؤها لمصلحة تيار فياض، ومما يدل على قوة فياض وضعف فتح؛ أن احداً لم ينتقد مشاركة فياض في مؤتمر هرتسيليا، بل خرج شخص كحسام خضر يمدح موقف فياض ومشاركته في المؤتمر، ففياض له رؤية وبرنامج يتمثل في بناء مؤسسات دولة سيقيمها بعد سنتين، وهذه الخطة لا تنسجم مع انجاز ملف المصالحة.
3. الفيتو الامريكي- الاسرائيلي لم يعد مسألة خافية على أحد، فأمريكا سنت تشريعات تمنع بموجبها تقديم مساعدات مالية للسلطة في حال وجود أي وزير من حماس، وهو ما يفترض حدوثه في حالة المصالحة، فالسلطة ممثلة بمحمود عباس اعلنت مرارا وتكرارا أنها تريد مصالحة تنهي الحصار وليس مصالحة تبقي عليه، وهذا معناه أن السلطة لا تريد انجاز ملف المصالحة الا بشروط امريكا وإسرائيل، وهو ما لن تفعله حركة حماس.
4. في حال إكراه حركة حماس على توقيع المصالحة فسوف تكون مصالحة هشة وهذا سبب عدم حدوثها حتى الآن، ومانع حقيقي من انجازها قريباً؛ لأنها ستكون طريقاً لاستئناف المفاوضات.
sarafandisaed@yahoo.cm

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق