الأحد، 20 ديسمبر 2009

ردا على الأخ رمضان عيسى

رداً على الاخ رمضان عيسى بقلم:أ. سعيد الصرفندي
طرح الاخ رمضان عيسى مجموعة من الأسئلة في تعليقه على مقال بعنوان " الإخوان المسلمين بين الاممية وسايكس-بيكو للدكتور زياد سعد ، وكانت الأسئلة كما يلي:
هل الايمان بالله ورسوله يوصل المؤمن للجنة ، أم لا ؟ هل يجب لدخول الجنة الانتماء لتنظيم ديني ؟ هل الانتماء للتنظيم والاخلاص له لا يخل بوحدانية الايمان بالله ؟ هل انشقاق المنظمات الدينية وتكوين منظمات جديدة بنفس الفكر ، هو انشقاق لمصلحة أفراد ، أم بمبررات دينية ؟ هل الموت في معارك بين المنظمات الدينية يوصل للجنة ؟
وسوف أحاول الإجابة على تلك الأسئلة بدءً من السوال الأول :
هل الايمان بالله ورسوله يوصل المؤمن للجنة ، أم لا ؟
لا شك أن الإيمان بالله من أعظم أركان الإيمان في الاسلام، والايمان بالله يتطلب التعرف على الله، ولا تكون المعرفة يقينية الا إذا كان العقل هو الطريق لهذا الايمان، وحيث أنني تعرفت –بحكم دراستي الأكاديمية- على معظم العقائد والديانات والأفكار، فلم أجد أحداً غير المسلم مطالبٌ باستعمال عقله لاثبات عقائده، وأبرزها الإيمان بالله.
والإيمان بالله لا ينفصل عن الإيمان بأسمائه وصفاته، فالإيمان فقط بوجود الله لا فضل فيه ولا ينجي يوم القيامة؛ لأن هذا الإيمان فطري، فلم تعرف البشرية الإلحاد إلا في العصر الحديث، أما قديماً فلم يكن الإلحاد الا حالات فردية لم تتحول الى تيار فكري او شعبي، وقد أثبت الله جل جلاله أن المشركين كانوا يؤمنون بوجود الله، فقالوَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ * اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ" حتى أن الآلهة التي صنعوها بأيديهم لم يزعموا انها الإله الخالق الكبير، فقالوا :" مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ".
فالفطرة التي يمكن تشويهها أحيانا ولكن لا يمكن إلغاؤها، تعترف في ظروف معينة بوجود الله وضرورة التوجه اليه لطلب الغوث والمعونة عندما تنقطع الأسباب المادية، وهذا يجده كل إنسان في نفسه، وإن كابر وأنكر ذلك بعقله.
ولذلك عندما يطالبنا الله بعبادته، فإنه يطلب منا معرفته، فلا عبادة على الحقيقة الا بمعرفة المعبود، ولا تتحقق العبادة بالمعنى الكامل، اي المملوكية لله الا بمعرفته، فالله يملكنا ملكية مطلقة وليست ملكية اعتبارية كملكيتنا للاشياء، فالإنسان قد يملك عبداً ولكنه لا يستطيع حرقه أو تعذيبه لأن ملكيته له مقيدة باحكام، والانسان كذلك يملك اعضاءه ولكنه لا يستطيع بترها؛ لأنه يملكها ملكية مقيدة، أما الله فإن ملكيته لنا ملكية مطلقة، يجب أن نكون بكل فكرنا وإحساسنا، بكل جوارحنا عبيداً لله الواحد الأحد.
فالإيمان الذي ينجي عند الله ويدخل صاحبه الجنة هو الإيمان المبني على العقل في أصله، فالموجودات كلها إما مخلوقة لخالق أو غير ذلك، ونحن كمسلمين نقر بأنها مخلوقة لخالق، فالنظام الذي تخضع لها الكواكب مثلاً، إما أن يكون من الكوكب على انفراد أو من اجتماع الكواكب أو من الله أو من قوة غير الله، والقول بأن كل كوكب وضع نظامه فاسد عقلاً ولا يقول به أحد من العقلاء، وكذلك اجتماع الكواكب لوضع نظام لها فهو أفسد من سابقه، فلا يبقى الا القول بأن النظام من عند الله أو من عند غيره، والكواكب تسير وفق نظام دقيق مرده العلم، فلا بد من القول بان الخالق عالم، وهذا الخالق عندنا هو الله، فمن هو عند من لا يؤمن بالله. وما هو مصدر النظام عند من لا يؤمن بالله.
معرفة الله والإيمان به تدخل الطمأنينة على قلب المؤمن، فهي تجيب على السؤال العظيم في حياة البشر : من أين جاء الانسان، وما هي الغاية من وجوده، والى أين المصير بعد الموت؟ وكل من لم يؤمن بالله فإنه يعيش خوفاً واضطراباً فكرياً وسلوكياً لأنه لم يجد جواباً مقنعاً لعقله وموافقاً لفطرته.
اما الإيمان برسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو جزء من الايمان بفكرة النبوة التي توافق العقل، فالله جل جلاله جعل هناك نظاماً وناموساً لهذا الكون، وخرقه عقلاً لا يتأتى الا بموافقة الله، وعندما جاء الانبياء بالمعجزات الحسية التي تخرق ناموس الكون استسلمت عقولهم لذلك وآمنوا بأن الذي يفعل ذلك نبي مرسل من عند الله، اما بخصوص محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فكانت معجزته القرآن، وكل عاقل مضطر للنظر في مصدرية القرآن يجب ان يقول : القرآن إما من عند محمد وادعى أنه من عند الله ، أو أن هناك من ساعده على كتابته ونسبة ذلك الى الله، أو يكون من عند الله حقاً ، والحقيقة أنه ليس هناك مصدر رابع حتى يناقشه العقل. والمسألة بكل بساطة أن العرب مجتمعين وهم أهل الفصاحة والبلاغة عجزوا مجتمعين مع حاجتهم الى اثبات كذب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عجزوا عن معارضته والإتيان بمثله، وما يصدق عليهم من العجز ينسحب عليه كفرد، فما عجزوا عنه مجتمعين يعجز عنه منفرداً، فلا يبقى إلا الاعتراف بأنه من عند الله. وبذلك فكل من آمن بالله ورسوله وعمل بمقتضى هذا الايمان فإنه يستحق دخول الجنة؛ لأن الله لا يليق به الكذب، وقد وعد من آمن وعمل صالحاً أن يدخل الجنة، والأمر كذلك. وليت المقام يتسع للتفصيل ولكن بما قلناه كفاية في هذا الأمر.
اما السؤال الثاني : هل يجب لدخول الجنة الانتماء لتنظيم ديني ؟
هذا لم يقل به أحد من المسلمين، فالإنتماء لتنظيم ديني ليس فرض عين، ولكن عمل التنظيم قد يكون فرض كفاية، فالجهاد مثلاً إذا قام به تنظيم ما فإنه فرض كفاية، أي اذا قام به البعض سقط الإثم عن باقي المسلمين، وقد يكون عمل التنظيم أو الجماعة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا بطبيعته لا يستطيعه كل الناس لأنه يتطلب العلم الشرعي وعلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا أمر لا يستطيعه كل مسلم؛ لذلك لم يقل أحد من علماء المسلمين أن الانتماء لتنظيم ديني من مستلزمات دخول الجنة.
أما السؤال الثالث: هل الانتماء للتنظيم والاخلاص له لا يخل بوحدانية الايمان بالله ؟
لا أدري إذا كان السؤال مضبوطاً، ولكنني سأحاول الإجابة: إذا كان الانتماء لتنظيم ديني باعتبار انه وسيلة لخدمة الاسلام فإن المنتمي للتنظيم الديني مأجور، فما لا يتم الواجب الا به فهو واجب – مع الإشارة الى تقسيم الواجب الى عيني وكفائي-، أما اذا كان الانتماء للتنظيم من أجل المصلحة الشخصية أو الحزبية، والطاعة العمياء للتنظيم حتى لو أمر بما يخالف امر الله قطعاً، فهو شرك لا شك فيه.
اما السؤال الرابع: هل انشقاق المنظمات الدينية وتكوين منظمات جديدة بنفس الفكر ، هو انشقاق لمصلحة أفراد ، أم بمبررات دينية ؟
إذا كان الإنشقاق على أساس الأفكار نفسها التي قام عليها التنظيم الأم، دون اختلاف في الاصول او الفروع؛ فإنه لا يكون من أجل الله ولكن من أجل المصلحة الفردية ولو كانت المبررات دينية.
أما السؤال الأخير: هل الموت في معارك بين المنظمات الدينية يوصل للجنة ؟
لا شك أن الذي يحمل السلاح على المسلمين باعتبارهم مسلمين فليس منهم؛ أما إذا كان يغلب على الظن أن القتال لخدمة الاسلام فإن الله يحاسب الناس على نياتهم وإن أخطأوا، وهذا ليس تبريراً للقتل، فلا يجوز قتل المسلم الا خطئاً، لقول الله جل جلاله:" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً".
لا اقول انني اجبت إجابات شافية، خاصة لمن لا يؤمن بالاسلام؛لأن هناك مسائل فرعية لا يقبلها الا من آمن بالأصول وهي: الإيمان بالله ورسوله وأن القرآن من عند الله .
sarafandisaed@yahoo.com
ssarafandi@hotmail.com
مدونة: sarafandisaed.blogspot.com

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أشكرك يا أستاذ سعيد على هذه المقالة الرائعة ، علمية فى الأسلوب ورقى فى الطرح ، وقوة فى الحجة ، وفقك الله لكل خير وأنار قلبك وعقلك.

    ردحذف