الأحد، 6 ديسمبر 2009

استجابة للخطاب المفتوح من عاهد ناصر الدين لعلماء الامة

استجابة للخطاب المفتوح من عاهد ناصر الدين لعلماء الأمة
09/07/2009 15:01:00
بقلم: أ. سعيد الصرفندي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: لست أدري إذا كان الخطاب المفتوح الموجه من الأخ عاهد ناصر الدين لعلماء الأمة يشملني أم لا، فليس هناك اتفاق على تعريف العالم شرعاً، فهناك من يعتبر طالب العلم في بداية حياته العلمية عالماً ، فلو أوقف أحدهم عقاراً يكون ريعه لعلماء بلدة ما؛ فإن المستفيد من الوقف كل طالب علم في تلك البلدة، مما شجعني على الكتابة باعتباري أحد الذين يشملهم الخطاب، ولكنني أسال الله أن يتسع صدر الأخ ناصر الدين لسماع ملاحظاتي ،فإن أصبت فبتوفيق من الله وإن كان غير ذلك فمني ومن الشيطان. الملاحظة الأولى : لا بد من التنبه الى أن الاختلاف بين المسلمين- وهو في حقيقة الأمر اختلاف بين العلماء ؛ إذ اختلاف العوام تبع لاختلاف العلماء- ليس الا اختلافاً في المناهج، إذ لو اتحد المنهج لكان الاختلاف يسيرا لا يذكر، كاختلاف العالم مع شيخه في الفروع مع اتفاق في الأصول كما حدث مع أبي حنيفة وتلاميذه، فقد اتفقوا في الأصول وكان الإختلاف يسيراً في الفروع. ليس هناك دليل قطعي على منهج أحدٍ من الجماعات الاسلامية؛ فإن الاختلاف سيبقى قائماً بين المسلمين، ومعنى اختلاف المنهج هو اختلافٌ ايضاً في تحديد أولويات العمل الإسلامي؛ فهناك من يقول أن الوصول الى إقامة الدولة الاسلامية يتم من خلال إصلاح الفرد، فإذا استطعنا الوصول الى الفرد المسلم في كل جوانب المجتمع، الطبيب المسلم والتاجر المسلم والمعلم المسلم و... المسلم ؛ فإن الوصول الى إقامة دولة الاسلام يكون سهلاً ميسوراً ، وفي المقابل هناك من يريد الوصول الى اصلاح قمة الهرم عبر الاستيلاء على السلطة فيكون صلاح الفرد حتمياً بصلاح النظام، فوجود دولة تحكم بأحكام الاسلام وتطبق شرع الله كفيلة بإصلاح الأفراد لأن الدولة تجبر الناس على الانصياع لحكم الإسلام بالقوة إن لم تكن الاستجبة طواعية. وهناك من يعتبر أن مشكلة المسلمين هي انتشار البدع والخرافات، ولن يصلح المجتمع الا بالتخلص منها واتباع سيرة السلف الصالح، دون أن يكون هناك تصور واضح عن مفهوم "السلف الصالح"، ومع ذلك هم من اتباع الحكام المخلصين يذودون عنهم بكل ما اوتوا من قوة لأنهم ، وفي المقابل هناك سلفية من نوع آخر تحمل فكراًً تكفيرياً ويدعو الى جهاد الحكام لخلعهم واقامة دولة الاسلام على انقاضهم، مع أن كلا التيارين يقول بأنه سلفي . وهنا لا أقول أن العوام حائرون، فليس الأمر متعلقاً بهم بل بالعلماء الذين اتخذوا مناهج مختلفة، وكلٌ منهم يستند في منهجه الى دليل يعتبره من أقوى الأدلة على صحة المنهج . فكيف نطلب من هؤلاء أن يكون لهم غاية مشتركة يسعون اليها ويسيرون باتجاهها، فكل منهج حدد الغاية وابتدع من الأساليب ما يوصل اليها. الملاحظة الثانية : أنك سيدي الفاضل حددت الهدف الذي يجب أن يعمل العلماء من أجله سلفاً، فأنت اعتبرت أن هدم الخلافة العثمانية عام 1924 م هي الفاجعة التي ألمت بالأمة الاسلامية وأن كل جهد يجب أن يكون من أجل استئناف الحياة الاسلامية التي توقفت مع سقوط دولة الخلافة! ، لقد كان الأولى بك يا سيدي أن تطلب من العلماء البحث في واقع الأمة الاسلامية والاجتهاد في الطريقة التي يمكن من خلالها تطبيق شرع الله، فهناك من يعتبر - كما أسلفت- الحكام ولاة أمر تجب طاعتهم ولا يجوز الخروج عليهم ، فدولة الاسلام عندهم قائمة، وكل معارضة للحكام هي فكر خارجي، والخوارج كلاب النار على حد زعمهم . وليس هذا جديداً فقد اختلف السلف في التعامل مع الحاكم ، وفي هذا ابطال لمنهج السلفية؛ فلو سألت سلفياً عن الحكم الشرعي في التعامل مع الحاكم الظالم لوجدت ارتباكاً عجيباً فإذا قال لا يجوز الخروج عليهم قلنا له أليس الحسين بن علي الذي خرج على الحاكم الأموي الظالم من السلف الواجب الاقتداء بهم ، واذا قال: لا تجب طاعتهم بل الواجب هو الخروج عليهم لأن في السكوت عنهم مفسدة عظيمة حتى لو وجدنا أدلة توجب السمع والطاعة" الا أن تروا كفراً بواحا عندكم فيه من الله برهان "، قلنا له : أليس عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من السلف ، مع أنه قال بالطاعة للحاكم ولو ظلم ولو أكل الأموال وجدل الأبشار ظلماً وعدواناً . فهل يعقل أن يكون الحسين بن علي رأى من الأمويين كفراً بواحاً عنده فيه من الله برهان، أم كان خارجياً من كلاب النار والعياذ بالله . لا بد من الاجتهاد في هذا الأمر بما يحقق مصلحة الأمة، ومعلوم عند "المالكية" أن المصلحة تخصص عموم النص، فكيف إذا كان الأمر مما لا نص فيه . ومعلوم أن الأمة فيها تيارات مختلفة لكل تيار علماؤه الذي يحددون سلم الأولويات. قد يكون هذا مخالفاً لما تريد ولكنه واقع الأمة الذي لا يمكن القفز عنه وتجاوزه الا من خلال الكلمات التي تغير واقعاً مهما كانت هذه الكلمات قوية . الملاحظة الثالثة: إن الربط بين سقوط دولة الخلافة العثمانية وسقوط فلسطين وما تعانيه بلاد المسلمين هو ربط لا يجوز؛ لأن الناس يقرأون كما تقرأ يا سيدي ويعلمون أن فلسطين ضاعت في زمن الخلافة العثمانية، التي لم يبق لها علاقة بالاسلام الا في الاسم الذي اختارته، فقد احتلت فلسطين من قبل الانجليز عام 1919 أي قبل سقوط " الخلافة" بخمس سنوات، واحتلت مصر قبل ذلك بكثير، وكانت شمال افريقيا لا علاقة لها بالدولة العلية، مقسمة الى دول مختلفة كل دولة يحكمها طاغية، وكانت الجزيرة العربية كلها لا تخضع لسلطان الخليفة، وأقام آل الصباح أول معاهدة مع الانجليز رفعوا بعدها علمهم الخاص ، وكان كله قبل سقوط الخلافة، فلماذا الإصرار على ربط حالة الأمة المزرية بسقوط الخلافة، وكأن حال الأمة الإسلامية كان على خير ما يرام وبدأت الويلات بعد فاجعة سقوط الخلافة العثمانية ، هذا يا سيدى ليس صحيحاً، فالدولة العثمانية التي اهتمت واهتم حكامها وعلماؤها من الصوفيين ببقاء اسم الخلافة ليلبسوا على عوام المسلمين أن هذه الدولة دولة اسلامية واجبة الطاعة ، إذ لم يشعر المسلمون ، وخاصة العرب منهم ، أن هناك خلافة حقيقية تليق بالأمة الإسلامية بحيث تكون أقوى دولة فاعلة على مستوى المسرح الدولي والسياسة الدولية، وتكون أغنى دولة يعيش رعاياها رغد العيش ، فلم يروا الا دولةً ضعيفة يتقاتل ابناء الأسرة المالكة على اغتصابها، وتكون ثروة الأمة نهباً لهم يستخدمونها لتتقوية ملكهم وحكمهم ، لا لرفع مستوى حياة الناس، فلا يشكل أي نموذج يعرض على الناس غير نظام الخلافة العثمانية ، تحدياً سياسياً للناس ، الذين رأوا ان العمل ضدها أو التخلي عنها لا يضيرهم ، فهم كالعبيد الذين لا يهمهم من يكون منتصراً في المعركة لأنهم سيكونون عبيداً للمنتصر ، فلا يستحق الأمر المجازفة بحياتهم من أجل النصر. الملاحظة الرابعة: إن طلب الحصول على العزة لا يكون بإلزام المسلمين بشكل محدد للدولة الاسلامية، لأن مفهوم الدولة ليس ثابتا ولا جامداً ، بل الدولة من صنع الإنسان، والاسلام وضع لها ضوابط ، فلا يجوز القول ان دولة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودولة الخلفاء الراشدين من بعده هي الدولة الاسلامية فقط، وكل ما يخالفها فليست بدولة اسلامية، هذا التصور اليوتوبي للدولة الاسلامية والمجتمع المسلم ليس قائماً الا في أذهان بعض الناس الذي يعجزون عن التعامل مع الواقع، والأسهل عليهم من ذلك هو الحديث عن الماضي التليد، فالأمة الآن تريد أن ترى تصوراً للدولة الاسلامية يستجيب للواقع المعاصر دون الإخلال بالقواعد العامة للإسلام . نعم الأمة تريد دولة معاصرة تضع قواعد نظامها ، فليس مقبولاً الحديث عن دولة اسلامية تضم كل المسلمين في الأرض، لأن هذا لم يكن في يوم من الأيام، لا في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا بعد ذلك؛ إذ كان هناك من يدخل في الاسلام ولا يهاجر الى دار الاسلام، نعم له حكم يختلف عن حكم سكان دار الاسلام فليس لهم ما للمسلمين وليس عليهم ما على المسلمين، ولكنهم كانوا مسلمين وجزءاً من الأمة لاسلامية . الأمة لن تتصور دولة مسلمة يحكمها الحاكم حتى يموت،بل دولة يختار الناس حاكمهم فيها وفق "عقد اجتماعي" لا يخالف الشرع ، فلا توريث في الاسلام ولا أسرة حاكمة، بل الشعب يختار من يشاء بالانتخاب لمدة محدودة حسب الدستور، يحاسب الحاكم وفق آليات يوافق عليها الناس، فكل ظلم من الحاكم يحاسب عليه ، أما أن يقال السمع والطاعة ولو أكل مالك وجلد ظهرك، فليس مقبولاً، ولا يقال هنا أنني أنكر أو اعترض على حديث النبي صلى الله عليه وآله في هذا السياق ، لا، ولكن الحديث جاء في سياق محدد، فلا يريد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأمة أن تسكت على الحاكم الظالم ، بل يقدر الأمر حسب مصلحة الأمة فإذا كانت تعيش مرحلة يكون فيها الخروج على الحاكم بسبب ظلمه، مما يؤدي الى منكر أعظم أو الى التلويح بهدم كيان الأمة فلا يجوز الخروج عليه، أما أن يكون السمع والطاعة في كل زمان مع الظلم والاعتداء فقط بسبب كون الحاكم يسمى خليفة فهذا مما يتعارض مع الأدلة القطعية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يمكن أن يأمر الشرع بالسمع والطاعة مع الظلم من الحاكم في كل حين . الملاحظة الأخيرة : من المؤسف أنك ختمت رسالتك ودعوتك لعلماء الأمة أن يعملوا لاعادة الخلافة مع العاملين الذين يتقون الله، ومعلوم أن وصف العاملين المخلصين والذين يتقون الله لا ينطبق عندك الا على حزب التحرير ، فكل عالم على الأقل يعلم ذلك، وفي هذا تزكية للنفس، وتجاوز لفهم الآخرين وفكرهم، لأنك حصرت العمل في اقامة الخلافة، وليس في الدولة الاسلامية التي قد تختلف حسب رؤية بعض العلماء عن رؤية حزب التحرير. المطلوب هو دعوة العلماء لوضع تصوراتهم عن الدولة الاسلامية وكذلك طريقة الوصول اليها، ثم بعد ذلك تجنيد الطاقات للوصول اليها ، وليس الزام العلماء والأمة بتصور محدد ثم اتهام كل من يخالفه بأنه ليس مخلصاً ولا واعياً . أسأل الله العلي العظيم أن يكون هذا الرد قربة الى الله ، ونصيحة تكون استجابة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الدين النصيحة" . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته على أمل أن تكون هناك رسائل كثيرة تشمل النصيحة إنشاء الله.
sarafandisaed@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق