السبت، 12 ديسمبر 2009

المسلمون بين النص الديني والمقاصد

المسلمونَ بين النص الديني والمقاصد بقلم: أ. سعيد الصرفندي

تاريخ النشر : 2009-07-28 03:19:36
الزيارات : 701
التعليقات : 1

المسلمونَ بين النص الديني والمقاصد
بقلم: أ. سعيد الصرفندي
كلما ظهرت أصواتٌ مجددةٌ في صفوف علماء المسلمين ومفكريهم، في محاولةٍ منهم لفهم النص الديني فهماً منسجماً مع بعدي الزمان والمكان ، ظهرت في المقابل فئة تستل سيف النص لتشهره في وجوه المجددين وتتهمهم بأقذع التهم، فهم خارجون على النص القطعي الدلالة ، وأنهم جهلة لا يمتلكون مقومات الاجتهاد المعتبرة، فلا يجوز لهم اصدار أحكام توصف بالشرعية.
هناك نصوص كثيرة، يسوق الفقهاء وأصحاب العلوم الشرعية مناسبة نزولها إن كانت قرآناً، وسبب قولها إن كانت من أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فمناسبة النزول تمكننا من فهم النص فهماً يتناسب مع الواقعة التي نزل في شأنها، ولكن الأهم من ذلك ما يمكن أن نطلق عليه " أجواء النزول وفضاءاته" ، وهو مبحث يحتاج الى كتابات مستفيضة، تؤكد على أن النص جاء منسجماً مع ما هو أكبر من الواقعة التي نزل بشأنها، فهم منسجم مع العرف الدولي الذي كان سائداً ومنسجماً مع حال المجتمع المسلم في قوته وضعفه ...الخ. إن التمسك بالشكل يعني وقوف بعض المسلمين عند حدود النص دون الوقوف على مقاصد النص وأن مفاعيل هذا النص ومصاديقه متغيرة بحسب الحال الذي يقرأ فيه.
إن الإهتمام بحفظ النصوص والمتون في مراحل مبكرة من التاريخ الفقهي الاسلامي، أضعف القدرة على رؤية العلاقة الجدلية بين النص وابعاده المختلفة ومن ضمنها بعدي الزمان والمكان ، وأصبح استدعاء النص هو الأسهل، فكلما حدثت واقعة جديدة تم اشهار النص بدلالاته القديمة ليحكم في هذه المسألة المستجدة، مع أن النص الذي تم استحضاره جاء في ظروف وأحوال تختلف عن الأحوال والظروف التي جاءت فيها الواقعة الجديدة.
قد يأتي النص في واقعة ما ليحقق مصلحة معتبرة شرعاً، ولكنه يهمل تحقيق مصالح شرعية أخرى لأنها أقل منها شأناً في حينه، ولكن الواقع الجديد قد يتطلب تحقيق مصلحة أخرى غير المصلحة التي حققها أو اراد النص تحقيقها في حينه؛ لذلك كان البحث عن المقاصد أولى من التمسك بالشكل والقالب، وطبيعي أن هذا متعلق بالمتغير وليس بالثابت ، مع الإعتراف بأن حل اشكالية الثابت والمتغير في الاسلام ليس سهلاً.
إن الإهتمام بالشكل والقالب على حساب المقاصد أدى مع الزمن الى إحساس كثير من المسلمين أن الفكر الإسلامي لا يستطيع وضع حلول للقضايا الناشئة والمستجدة في حياة البشرية، علماً أن عالمية الإسلام تفترض أنه قادر على معالجة كل ما يستجد ، وأن هذه الخاصية ليست في النص وحده بل في مقاصد النص وغاياته ومآلاته، فبدل أن تتسع دائرة تأثر المجتمع بالاسلام من خلال الخضوع لمقاصد النص تتقلص مساحة تأثيرة من خلال الوقوف عند حدود الشكل والقالب.
من الأمثلة على الوقوف عند حدود الشكل والقالب التقليدي ما يكون عند الحديث عن المجتمع والدولة، فهناك من لا يرى المجتمع المسلم الا صورة طبق الأصل لمجتمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومجتمع الخلفاء الراشدين ، وما عداه ليس مجتمعاً اسلامياً بل قد يصفه بالمجتمع الجاهلي مع ظهور معظم شعائر الاسلام فيه، وهذا تصور قاصر للمجتمع، فإنه لو فقد بعض خصائصه وبقيت فيه أغلب خصائص المجتمع المسلم فإنه مجتمع مسلم . كذلك عند الحديث عن الدولة والنظام السياسي فهناك من لا يرى هذا النظام الا في حدود النص الذي كان في الأصل منسجم مع زمانه ومكانه، فلا يجوز الوقوف عند النص الوارد في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم " من بايع إماماً فأعطاه صفقة يدة ..."، لنقول بأن البيعة للحاكم يجب ان تكون باليد وأن يكون هناك صفق أي إخراج صوت عند المصافحة بقصد البيعة، هذا فهم عقيم للنص، لأن النص جاء في وقت كان فيه الحاكم ومن بايعه في مكان لا يزيد عن حي من أحياء القاهرة مثلاً ، أما عندما تكون البيعة من الملايين فلا يمكن أن تتم بصفق اليد .
من المخجل أن نرى من لا يستطيع متابعة التغيرات التي تجري على المجتمع، متمسكاً بالشكل والنص، مع أن هناك من الفقهاء القدامى من تنبه الى ذلك، فمثلاً الأحناف قالوا بجواز إخراج قيمة زكاة الفطر مالاً ، أي يتم تقويم ما جاء في النص من تمر أو إقط أو غيره، فيتم اخراجه مالاً ، مع أن هناك من يصر حتى في زماننا أن يخرج زكاة الفطر طعاما، مع عدم حاجة الفقير للطعام في زماننا؛ فالطعام كان غاية الغايات للفقير في زمانه ، اما الآن فهناك احتياجات للفقير تتجاوز الطعام.
إن التمسك بالشكل والقالب قد يكون لأسباب عدة منها الخوف والحرص على نقاء الاسلام، إذ يعتقد هؤلاء أن فتح باب التجديد والاجتهاد وفهم النص مرتبطاً بتغير الزمان والمكان قد يُدخِلُ الى الاسلام ما ليس منه، كذلك قد يكون السبب هو البلادة الفكرية ، لأن ملاحظة المقاصد وربط النص بها يحتاج الى عقول متحفزة متابعة لكل جديد، قادرة على رؤية القوانين التي تحكم في المجتمع، وتقدير المصلحة المتحققة من إعمال روح النص ومقاصده.
يمكن تقسيم الاسلام الى عقائد وعبادات من جهو والى معاملات من جهة أخرى، ومما يلفت الإنتباه أن القرآن يجمل ويفصل في العقائد والعبادات وتحتل الآيات التي تتناول هذا الجانب مساحة كبيرة، وفي نفس الوقت كانت مساحة المعاملات أضيق من ذلك بكثير مع أن مساحة المعاملات في حياة أي مجتمع هي أوسع من دائرة العقائد والعبادات، وما ذلك إلا لأن المعاملات تقع في دائرة المتغيرات لا في دائرة الثوابت، فما كان يحقق مصلحة في زمان ما قد لا يحققها في زمان آخر.
إن علماء الأمة ومفكريها مدعوون الى الجمع بين الاجتهاد في فهم النص والإجتهاد في تنزيل النص على الواقع، والتخلص من الفصل التعسفي بين النص والواقع،فالإسلام الذي تناول كل فضاءات المعرفة الإنسانية لا يعجزه وضع حلول لكل مستجدات الحياة من خلال الفهم المتجدد للنصوص، فلا يبقى المسلم أسيراً للشكل والقالب على حساب المضمون .
sarafandisaed@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق