الأحد، 6 ديسمبر 2009

معيار الحق في الافكار

معيار الحق في الأفكار بقلم: أ. سعيد الصرفندي
تاريخ النشر : 2009-07-05
القراءة : 1670

معيار الحق في الافكاربقلم: أ. سعيد الصرفنديمما ابتلي به الناس عموماً والمسلمون في هذا الزمان خصوصاً، هو التعصب للفكرة التي يعتنقها الانسان، سواء كانت فكرة متعلقة بالدين أو السياسة أو غير ذلك، ولا يجد كثير من الناس دليلاً على صدق الفكرة التي يعتنقونها الا اعتناقهم لها، وإذا غيروا أفكارهم التي كانوا يقيمون الدليل عليها؛ فإنهم يريدون من الآخرين اللحاق بهم واتباع أفكارهم فالحق معهم أينما كانوا، فهم معيار الحق الوحيد ولا يجوز أن تناقش أفكارهم ولا أن تدخل دائرة البحث؛ إذ يجب أن تكون أفكارهم مسلمات عند الآخرين.لمثل هؤلاء نقول أن هناك معاييرً لقبول الفكرة وصوابيتها غير أشخاصكم الكريمة، إذ ليس شرطاً أن يكون كل حامل فكرة ما على الحق دائماً، وإلا فكيف نفسر اختلاف الناس واتباعهم أفكاراً متناقضة ومختلفة، مع أن كل طرف يدافع عن أفكاره باعتبارها مسلمات لا يجوز تجاوزها والقفز عنها.هل الأسلام اعتبر مسائله حقاً مطلقاً بشكل اعتباطي، أم أقام الدليل على صحة تلك المسائل. عندما أرد الحق جل وعلا أن يناقش الكفار في عقيدتهم لم يقل أنها باطلة ابداءً مع أنها كذلك، الا أنه قال لهم " قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"، فأنتم تعتقدون عقيدة معينة وهذه العقيدة لا تصبح عقيدة حقةً باتباعكم إياها فقط، وإلا فكل العقائد المخالفة لكم يجب أن تكون صحيحة، والعقل السليم يجزم بان اجتماع النقيضين محال، فما دام الناس يعتنقون أفكاراً مختلفة ومتناقضة أحيانا فهم مضطرون الى إثبات صحتها بمقاييس العقل السليم أو استعمال القوة والارهاب حتى يقول الآخرون بأن فكرتهم صحيحة.قد يقول قائل: هل يصلح العقل مقياساً للحكم على صحة الأفكار، أم أن هناك مقاييس أخرى: من خلال الواقع المحسوس فإن كل المناهج البحثية التي يستخدمها الانسان لتحصيل المعرفة في كل شيء فإنها تعود الى العقل وحكم العقل . فالباحث الذي يؤمن بأن الحس يوصل الى المعرفة لا يستخدم كل محسوس من أجل الوصول الى قاعدته، فمثلاً عندما نقول بأن الماء يتمدد بالبرودة، هل تم التوصل الى هذه النتيجة من خلال وضع كل الماء في الكون ليصل الى مرحلة التمدد؛ أم أن هناك حالات ثبتت بالتجربة المحسوسة ثم استنتج العقل أن جنس الماء يجري عليه هذا القانون ، وقس كل شيء على ذلك.الحكم العقلي هو الذي يعتمد عليه، وهو الوحيد الموصل الى معرفة حقائق الأشياء، حتى لو قال البعض أن الحكم العقلي قد يكون متناقضاً أحيانا، إذ كون الاحكام العقلية متناقضة في بعض الاحيان هو حكم عقلي وإلا فكيف عرفت أن الاحكام العقلية متاقضة بدون حكم عقلي.لا شك أن هناك حقائق مطلقة في هذا الكون مثل وجود الله والموت وغيره مما ثبت الدليل العقلي على صحته،او جاء ضمن دليل عقلي مقطوع به كالقرآن، وكذلك أيضاً هناك حقائق نسبية، تختلف باختلاف قدرات الناس الذي يكتشفونها، فهناك من يكتشف نسبة من الحقيقة، وهذا الاكتشاف محكوم بجملة من العوامل منها قدرات هذا الانسان العقلية ومدى تطور وتراكم المعرفة الانسانية في زمانه.اما الأفكار المتعلقة بالنظام السياسي والإجتماعي، وأقصد به الآليات، فإنها أفكار يبتكرها الناس بسبب اجتماعهم وحياتهم في تجمعات انسانية؛ إذ يحتاجون الى نظام فيما بينهم، وهذا معناه أن مستوى تطور المجتمع هو الذي يوحي واحياناً يفرض جزءاً من النظام والقانون، وهذا ما يجعل المعارف المتعلقة بالمجتمعات البشرية معارف نسبية لا يجوز التعصب لها والتحزب على أساسها.ومن ضمن الأفكار التي يحتاجها الانسان تلك المتعلقة بالآخر، مع أن " الآخر" اصطلاح فضفاض ولكنه: كل من لا يدخل في " نحن " فهو آخر . هذه الأفكار تحتاج أن تنمو في اجواء طبيعية يتشكل مناخها من ثقافة القبول بالآخر، وهذه هي الاشكالية التي نحتاج الى حلها، هل نحن والآخر يمكن أن نعيش ونتعايش مع اختلاف افكارنا أم لا بد أن تكون العلاقة علاقة تصادم دائما.الاسلام الذي يشتمل على أعلى تصور للمجتمعات البشرية يؤكد عى تلك الحقيقة وهي أننا يمكن أن نتعايش مع الآخرين مع اختلاف تصوراتنا وافكارنا وعقائدنا، وهذه مشكلة المسلمين مع غيرهم ؛ إذ حينما يتحدث مفكروه عن صدام الحضارات كما فعل صامويل هانتغتون في اطروحتهClash Of Civilizations وفرانسيس فوكاياما في كتابه End of History ، التي أدت الى هجمة أمريكا على العالم الاسلامي، فإن كثيراً من مفكري الاسلام ومنظريه في هذا الزمان يتحدثون عن حوار الحضارات، إذ يمكن أن تكون الحضارات موجودة في نفس الوقت دون أن تتصارع، تختلف في الكليات والجزئيات دون أن تتصارع .نحن أحوج ما نكون كمسلمين ودعاة الى الاسلام الى إقامة الدليل على صحة أفكارنا لا أن نجبر الناس بالقوة على اعتناق افكارنا، فبدون الدليل على صحة الفكرة والدين يفقد الانسان تميزه عن الآخرين ، لقد ولى الزمن الذي يقول الناس فيه لما يعرض عليهم " هذا ما وجدنا عليه آبائنا " ، إذ ليس كون أبائنا اعتنقوا هذه الفكرة أو تلك، يجعلها صحيحة ، بل لا بد من معيار اتفق الناس عليه وهو العقل .sarafandisaed@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق