الثلاثاء، 8 ديسمبر 2009

كيف نفهم الحديث والسنة النبوية

كيف نفهم الحديث والسنة النبوية ؟
بقلم : أ. سعيــد الصرفنــدي*
لا خلاف بين المسلمين على اعتبار السنة النبوية الشريفة بأنها الأصل الثاني من أصول الدين بعد القرآن الكريم، وأنه لم يكن هناك علم من العلوم الشرعية استغرق من وقت العلماء وجهدهم كما اسستغرق علم الحديث بكل أقسامه، وأن هناك مناهج إبداعية في علوم الحديث عرفتها الامة الاسلامية ولم تتوفر لغيرها من الأمم، إلا أن هذه المناهج كانت مناهج علمية، مما يقتضي عقلاً أنها ليست مناهج مقدسة، فكثير من المناهج العلمية في البحث والتأليف لا يمكن فصلها عن مستوى المعرفة التي تراكمت في زمانها، فما يمكن أن يكون قد حاز درجة الكمال في زمان، يمكن أن يكون دون ذلك بكثير في زمن آخر.
لقد بذل العلماء المسلمون جهوداً جبارة في اثبات نسبة الأحاديث الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن هذه الجهود كانت غالباً منصبة على سند الأحاديث، ولم يكن هناك مؤلفات مستقلة تتناول متن الأحاديث بالنقد خاصة ما صح سندها عند العلماء؛ لأن منهجهم كان اعتبار الحديث صحيحاً بصحة سنده؛ لذلك كان تقسيم علم الحديث الى سند ومتن، تقسيماً نظرياً وليس تقسيماً واقعياً.
وقد كان هناك جهود جبارة أيضاً في شرح متون الأحاديث ومحاولة فهم معانيها، ولكن هذا الشرح كان تجزيئياً(اي فهم كل حديث بمعزل عن النصوص الأخرى)ولم ينتج عنه فهم للاحاديث على أساس قواعد الاسلام العظيمة التي ترجمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته. فقد يأتي حديث نبوي يعالج واقعة محددة في حياة المجتمع المسلم أو حياة الفرد المسلم، وهذه المعالجة قد تكون خاضعة لمحددات زمانية ومكانية، فلا يجوز تعميم هذه المعالجة في كل زمان ومكان. وليس معنى هذا القول بعدم صلاحية الاسلام لكل زمان ومكان، ولكنه قول بأن النص الواحد الذي يرتبط بالزمان والمكان لا يجوز أن يكون قاعدة عامة، بل يفهم في سياق القواعد العامة التي جاء بها الاسلام. ولفهم المقال لا بد من المثال: يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" لا تبع ما ليس عندك"، وهذا الحديث واضح في دلالته؛ إذ لا يجوز عقد البيع إذا كان المبيع أي محل العقد غائباً. هذا الحديث لا يجوز أن يكون قاعدة عامة في البيوع، فلا يقال أن محل العقد يجب ان يكون حاضراً في يد البائع كلما جرى عقد بيع، لأن هذا يشكل حرجاً على الناس.
وفي المقابل اباح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيع السَلَمْ، وهو بيع يسلّم فيه المشتري الثمن الى البائع مع تأخير تسليم السلعة، كأن يشتري التاجر زيتاً أو تمراً في وقت لا يكون فيه الزيت أو التمر موجوداً، فيبيع التاجر ما ليس عنده، مع ان الحديث الأول نهى عن بيع ما ليس موجوداً عند البائع. مما يدل على أن النهي عن بيع ما ليس عندك، ليس نهياً مطلقاً، فما يمكن أن يكون موجوداً في وقت التسليم ولو بغلبة الظن، يمكن بيعه، أما ما لا يمكن تسليمه بغلبة الظن فلا يجوز بيعه، كأن يشتري انسان من صيادٍ سمكاً قبل أن يصيده، فهو بيع لما لا يقدر على تسليمه. وهنا تتجلى عظمة التشريع الاسلامي الذي يمنع الغش والخداع في البيع والشراء، ولو من باب الاحتمال، وينشيء قواعد عامة في البيوع إن لم تكن لها مخالفة فالبيع صحيح.
الثابت أن كثيراً من الأحاديث رويت بالمعنى، مما يفقدها كثيراً من مقاصدها، فالراوي عن اثنين أو ثلاثة قبله، قد يروي الحديث بالمعنى دون الفقه في معاني الحديث ومقاصد الشريعة ومعرفة أحوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيأتي بالفاظ ومعانٍ غريبة أحياناً عن سياق الشريعة الاسلامية. حتى أن الاختلاف الناتج عن الرواية بالمعنى لم يسلم منه صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كاختلاف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مه أبي هريرة، وعمر بن الخطاب وابنه عبد الله، وابن عباس مع عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهم-. وقد أحجم كثير من الصحابة عن الإكثار من الرواية خوفاً من فوضى الرواية بدون دراية، فقد يروى أحدهم قولاً أو فتوى يتوهم السامع أنها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أفتى أبا هريرة بأن من أصبح جنباً فلا صيام له، مع أن هذا يخالف ظاهر القرآن، الذي أحل الجماع حتى آخر لحظة من الليل، قال تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ)، وطبيعي أن من جامع حتى ىخر لحظة من الليل في رمضان فقد أصبح جنباً، ولكن صيامه صحيح؛إذ ليست الطهارة شرطاً من شروط صحة الصيام حسب الآية الكريمة.
يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه فقه السيرة : إن ما عانت منه الامة الاسلامية على مر التاريخ من الفهم الخاطئ والتأويل الفاسد للحديث والسنة لم تعانه من آلاف الاحاديث الموضوعة المختلقة"، وقيل : كم من قول صحيح آفته الفهم السقيم. وقد أدى هذا الإشكال، أي الفهم السقيم للنص الصحيح، الى خلاف بين فقهاء المسلمين وأهل الحديث، فقد أتهم أهل الحديث الفقهاءَ بأنهم يخالفون النص الصريح، في حين اتهم الفقهاءُ أهلَ الحديث بأنهم لا يفكرون فيما يروونه وينقلونه.
لذلك كان العلاقة بين المنقول وفهمه تحتاج الى منهج جديد، فلا يكفي الاعتناء بسند الحديث ومتنه ثبوتاً ونفياً، دون تطوير منهج سليم في فهم دلالات النصوص لاستخراج قواعد شرعية عامة يمكن من خلالها اعطاء حكم لكل المستجدات، ويمكن أن يكون هناك مناهج مختلفة، لأن الذي يقول بخطأ أو نسبية الحق في المناهج العلمية لا يصح أن يقول بأن هذا المنهج هو الحق الذي لا حق سواه.
من هنا فلا بد من محاولة وضع تصور للمنهج الذي يغلب على الظن أنه اقرب الى الصواب في فهم الحديث والسنة.
1. هناك فرق بين المنطوق وبين المفهوم، فالمنطوق هو ما يفهم مباشرة من سماع النص أو قراءته، والمفهوم هو ما ينتج عن اعمال الفكر في النص لاستخراج دلالات ليس موجودة فيه. صحيح أن المنطوق يقدم على المفهوم في حالة التعارض، ولكن المفهوم أرقى من المنطوق؛ لأنه ناتج عن التدبر والتفكر والتحليل للنص، فقد يشتمل النص على خصوصية لا يراها الانسان في النص؛ إذ قال علماء الأصول بالعلة الاستنباطية، وهي علة موجودة في المفهوم وليس موجودة في المنطوق، فالمنطوق دلالاته ضيقة بحسب الألفاظ، أما المفهوم فإنه أوسع دلالة من المنطوق لأنه يحتاج الى استحضار مجموعة من النصوص والقواعد للوصول اليه. وبذلك يكون الفهم الصحيح لنصوص الحديث والسنة مرتبطاً بمعرفة كافية للحالة التي ورد النص في سياقها، وعلاقته بالنصوص الأخرى ضمن قواعد اللغة العربية واصول الشريعة الاسلامية والاطلاع على سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
2. اعتبار نصوص الحديث والسنة نصوصاً يستدل بها على الأحكام الجزئية عندما لا يوجد دليل من المفهوم المستنبط من مجموع نصوص الكتاب والسنة.
3. إذا تعارض منطوق القرآن أو مفهومة مع ما وصلنا منسوباً الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى لو صح سنده فإننا نؤخره؛ لأن القرآن مقطوع بنسبته الى الشارع وما وصلنا حتى بسند صحيح فهو مظنون فيه.
4. يقتضي فهم الجديث والسنة فهماً صحيحاً، الاطلاع على الظروف والاحوال التي لابست النص؛ إذ أن مناسبة الحديث فقط لا تكفي لاستنباط الحكم؛ بل لا بد من معرفة الأجواء التي جاء في سياقها النص، ويفضل معرفة الفضاءات التي ورد في ظلها النص، فقد يكون هناك نص جاء في حالة ضعف المسلمين في المدينة، كما هو اقتراح النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أهل المدينة باعطاء ثلث الثمار لغطفان؛ إذ لا يعمل بهذا في حالة قوة المسلمين.
5. كثير من أفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم نقلت الينا من قبل الصحابة رضي الله عنهم، وهذا معناه أن الناقل للفعل ينقل فهمه، وهذا الفهم يتأثر بجملة من العوامل والمؤثرات، فلا يجوز أن يصبح قاعدة خاصة إذا تعارض هذا النقل بعد تحوله الى نص مكتوب مع نقل آخر لنفس الحادثة.
لا أدعي أنني كتبت وأصلت لمنهج محدد في فهم الحديث والسنة ولكنها مدخل لتناول هذا الموضوع بالبحث والكتابة مستقبلاً من ذووي الاختصاص في العلوم الشرعية.
sarafandisaed@yahoo.com
ssarafandi@hotmail.com
مدونة: sarafandisaed.blogspot.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق