الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

ماذا بعد قمة سرت

ماذا بعد قمة سرت ؟!
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
الموقف الذي اتخذته قمة "سرت" لم يكن مفاجئاً في عمومه ولكنه في تفاصيله، كان تعبيراً عن قدرات ابداعية للمتحكمين بالشأن الفلسطيني، فقد أغلقت الأبواب وسدت السبل، ولم يكن قادراً على احداث اختراق الا دهاقنة السياسة الذين فقدوا القدرة على استحضار بدائل وخيارات تنم عن كرامة تليق بالعرب ومن قبل ذلك بالفلسطينيين، فقد أثبتت قرارات القمة عجر العالم العربي الرسمي عن اللجوء الى خيارات وبدائل تخرج عن اجترار خيار المفاوضات، وطبيعي ان الاجترار لا يعطي نفس مكونات الطعام الأصلي، وقد أشارت هذه القرارات الى أن المواقف السياسية الرسمية، عربية كانت أم فلسطينية، لا يصنعها العرب، وإنما تفرض عليهم من دول أخرى على رأسها أمريكا واسرائيل، وذلك لاعتبارات داخلية في اغلب الأحيان، وهذا ما يفسر التمسك بخيار المفاوضات، مع علم السياسيين والعوام من قبلهم، أن هذا الخيار لا يمكن أن يحقق الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية.
إذا كان الحكام العرب لا يدركون حتى الآن طبيعة التحولات الفكرية والسياسية داخل المجتمع الإسرائيلي، فتلك مصيبة، وبقائهم على جهلهم وعلى رقاب شعوبهم، مصيبة أعظم، فالوقائع والتغيرات داخل المجتمع الاسرائيلي تدل على أنه مجتمع تتحكم فيه اطروحات يمينية عنصرية، ولذلك يتصلب القادة السياسيون والاحزاب السياسية العنصرية والفاشية في اسرائيل في مواجهة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، فهذه الاحزاب احزاب تعبر حقيقة عن طبيعة الشارع الاسرائيلي، وكل حزب او قائد سياسي تزداد شعبيته بقدر مواقفه المتطرفة من مثل دعم الاستيطان والتنكر لحقوق الفلسطينيين، لذلك فالواقع الاسرائيلي يصرخ بكل قوة : انهم ذاهبون الى مزيد من التطرف ومزيد من الاستيطان ومزيد من التهويد للقدس والمسجد الأقصى، وأن إمكانية التوصل الى سلام حقيقي مع الفلسطينيين امر مستحيل، وهذا ما يعبر عنه ليبرمان الذي يمثل المجتمع الاسرائيلي تمثيلاً حقيقياً، وما هي الا سنوات قليلة حتى يطلق على ليبرمان" روش ممشلات يسرائيل" أي رئيس حكومة اسرائيل، وهذا الواقع لا يحتاج الى متخصصين لإدراكة، بل كل من يقرأ صحيفة يومية ونشرة اخبارية قادر الى التوصل الى هذه النتيجة، فلماذا لا يدرك الحكام العرب والفلسطينيين ذلك لو كانت مواقفهم هم الذين يصنعونها.
لقد أثبتت الأشهر الأخيرة، أن الموقف الأمريكي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية لم يكن مختلفاً ولا مخالفاً للموقف الاسرائيلي، فمصالح امريكا الحيوية والاستراتيجية تتحقق بالتوافق الكامل مع السياسية الاسرائيلية، فلم تكن المواقف الامريكية خلال مسيرة السلام الا غطاء للسياسة الاسرائيلية، فالاستيطان لم تعارضة امريكا منذ انطلاقة المسيرة السلمية، بل تعلم امريكا ان جزءاً من مساعداتها المالية لاسرائيل يذهب للاستيطان، ولذلك كيف يمكن للقادة العرب الاعتقاد بأن اعطاء مهلة شهر او غير ذلك للولايات المتحدة، يمكن أن يحقق اختراقاً له اهميته، فالمسائل التي يجب الاتفاق عليها لم تكن ثمانية عشر عاماً كافية لحلها أو التوصل الى حل وسط بشأنها، فكيف يمكن لشهر ان يفعل ما لم تفعله عشرات السنوات،وما ذلك الا لأن الوقت ليس عنصراً حاسماً في الموضوع، أي لو كان مزيد من الوقت كافياً لانجاز شيء فلا بأس بمزيد من الوقت، ولكن المواقف المعلنة للقيادة الاسرائيلية وتساوق الولايات المتحدة الامريكية معها، يجعل من المستحيل التوصل الى شيء، بل إن ما كان ممكناً قبل سنوات لن يكون ممكناً في المستقبل، فالاستيطان والتهويد وخلق وقائع جديدة على الأرض مستمر من قبل اسرائيل، وليس امام الطرف الآخر الذي لا يملك خياراً آخر غير المفاوضات، الا القبول او القبول او القبول بالعودة الى طاولة المفاوضات من اجل لا شيء، او عقد اتفاق يتم التنازل فيه عن كل الثوابت والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وهو أمر غير ممكن في الوقت الراهن، ولو تم توقيعه من المفاوض الفلسطيني فإن تسويقه فلسطينياً وعربياً ودولياً أمر غير ممكن ان لم يكن مستحيلاً، بل يمكن القول أن توقيع مثل هكذا اتفاق هو أقصر الطرق لاشتعال المنطقة جحيماً، ولذلك فإن توقيع مثل هذا الاتفاق ليس في مصلحة امريكا واسرائيل والدول العربية؛ لأنه سيطلق العنان للخيار الآخر وهو خيار المقاومة بكل قوة، وبالتالي فالمتوقع هو المراوحة في مربع المفاوضات، احياناً مباشرة واخرى غير مباشرة، أو أشكال جديدة لم تعرفها المفاوضات، فالمشكلة الفلسطينية استثنائية بكل المقاييس، وهذا يتطلب ايضاً استثنائية غير مسبوقة في صناعة أشكال من المفاوضات.
ما هو المطلوب، في ظل عقم المفاوضات ولا واقعية الخيارات المطروحة وفي مقدمتها اللجوء الى مجلس الأمن، حيث يعلم القاصي والداني أن اللجوء لهذا الخيار محكوم عليه بالفشل مسبقاً، وهو قنبلة دخانية، للتغطية على العجز الفلسطيني والعربي، واظهار الفريق المفاوض ومن معه، أن خياراته لم تنضب، وأن هناك إمكانية للجوء الى خيارات وبدائل جديدة، تستغرق من الوقت ما استغرقته مسيرة المفاوضات، وتكون اسرائيل حينها قد كسبت المزيد من الوقت الذي يسمح بخلق واقع جديد، وابتلاع المزيد من الارض الفلسطينية، وفرض شروط جديدة من مثل الاعتراف بيهودية الدولة وغيرها.
إذن ما هو المطلوب ، المطلوب انجاز ملف المصالحة الوطنية واجراء انتخابات على أساس مواقف سياسية واضحة للاحزاب التي تخوض الانتخابات، حتى تكون النتيجة تعبيراً سياسياً عن مواقف وخيارات الشعب الفلسطيني الحقيقية،فلا بد من التخلص من موقف التعالي على الشعب الفلسطيني من خلال اعتبار المفاوض والقيادة المتنفذة في منظمة التحرير هي الحريصة على مصلحة الشعب الفلسطيني، وأن الشعب الفلسطيني شعب لم يبلغ سن الرشد فيحتاج لمن يقوده دون اخذ رأيه، وطبيعي ان الحل النهائي يحتاج الى تمثيل حقيقي للشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده، وهذا يتطلب الاسراع في اعادة هيكلة منظمة التحرير على اسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار التحولات البنيوية والفكرية داخل الساحة الفلسطينية في الداخل والخارج، وبدون ذلك ستبقى المفاوضات طريقاً لانهاء القضية الفلسطينية وفق الشروط الاسرائيلية.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونتي الخاصة " مدونة الصرفندي"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق