الأحد، 3 أكتوبر 2010

مقاطعة المفاوضات ثم العودة للمفاوضات

مقاطعة المفاوضات ثم العودة للمفاوضات
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
الموقف الصادر عن قيادة السلطة الفلسطينية والقاضي بعدم العودة للمفاوضات المباشرة الا إذا توقف الاستيطان، يحتاج الى وقفة مطولة من كل مراقب ومحلل سياسي؛ إذ لا يعقل أن يصدر هذا الموقف ويكون حاسماً، من سلطة حسمت أمرها فأصبحت مثل قطعة النقد التي إذا القيت مرة أو ملايين المرات فإن النتائج محصورة بين هذا الوجه او ذاك، ومن السذاجة الاعتقاد أن هناك احتمالات تزيد عن وجه المفاوضات المباشرة أو وجه المفاوضات غير المباشرة، لأن هذا الاحتمال المتخيل، بكل بساطة لا وجود له، وكل موقف هو نتاج الفكر السياسي الذي يقود ويسيطر على عقلية القيادة، أو احياناً المواقف الاستثنائية التي تأتي بفعل جملة من الظروف المؤثرة ، وهذه بطبيعتها مواقف استئنائية لا مواقف مبدئية.
اول الوقفات مع القرار المذكور، هو أن التأكيد على عدم العودة الى طاولة المفاوضات المباشرة، معناه القبول بالعودة الى طاولة المفاوضات غير المباشرة، سيما وأن السلطة عرفت هذا الشكل من المفاوضات، ولو كانت هناك جدية في التوقف عن المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي لما أتوا على اصطلاح المفاوضات المباشرة، أي ان قيادة السلطة لن تعود بناء على هذا القرار الى المفاوضات المباشرة، ولكنها ابقت الباب مفتوحاً امام المفاوضات غير المباشرة، فهي أحد التخريجات التي ستشير بها لجنة المتابعة العربية في اجتماعها القادم، وقد لا يكون بصيغة"مفاوضات غير مباشرة" بل يمكن اعتباره تكليفاً، سواء لمدة محددة أو لا، من الفلسطينيين والجامعة العربية لأمريكا للعمل على جسر الهوة بين الطرفين: اسرائيل والسلطة الفلسطينية.
من الملفت للانتباه أنه لم يتم التطرق الى موضوع التنسيق الأمني مطلقاً، وهو الأمر الذي يدل على عدم جدية السلطة في وقف المفاوضات؛ إذ يعتبر التنسيق الأمني اسرائيلياً هو السبب الوحيد لبقاء السلطة الفلسطينية، وتعتبر الخدمات الأمنية التي تقدم للاسرائيليين ، هي احد اسباب التعنت الاسرائيلي، فالمواطن الاسرائيلي، وفق مراسل النيوزويك في الشهر الماضي، لا يهتم بتحقيق سلام مع الفلسطينيين، وكل ما يهمه هو تحقق الأمن، وما دامت السلطة الفلسطينية تحقق هذا الهدف، فلا حاجة لمعاهدة سلام مع الفلسطينيين.
لذلك يجب أن تعلن السلطة فوراً عن وقف التنسيق الأمني، وأن يترافق ذلك مع وقف مطاردة كل من ينتمون الى فصائل المقاومة، والأفراج الفوري عن عناصرهم من السجون والمعتقلات التابعة للسلطة الفلسطينية.
الوقفة الثانية مع قرار مقاطعة المفاوضات المباشرة،والتي تمثلت في كلمات المتحدثين باسم السلطة وباسم حركة فتح، حيث توافقت على أن البديل هو الذهاب الى مجلس الأمن لطرح القضية الفلسطينية، وهذا المشهد يدل على أمرين لا ثالث لهما : إما سذاجة هؤلاء المتحدثين وترديدهم كلاماً لا يدركون حقيقته أو الاستخفاف بعقول الشعب الفلسطيني، فإذا كانت المفاوضات التي قاربت عقدين من الزمن لم تحقق شيئاً، بل لم تحقق اقل القليل، فهل يعقل ان يحقق الذهاب لمجلس الأمن اقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 67 بما فيها القدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة، خاصة وأن أمريكا تمنع حلفاءها في الإتحاد الأوروبي، من التدخل المباشر في مسار المفاوضات بين الفلسطينيين واسرائيل، علماً ان الاتحاد الاوروبي هو الممول الرئيسي للسلطة الفلسطينية، ومع ذلك لا تسمح امريكا بدور فاعل لاوروبا في العملية السلمية لأن مطالب الأوروبيين متقدمة عن مواقف امريكا، وأمريكا تريد سلاماً وفق الرؤية الاسرائيلية، ولا أدل على ذلك من التنظير ومحاولة التسويق سنوات عديدة لرؤية بوش ، وهي الرؤية التي اخذها معه ولم يعد لها وجود، فكيف يتم الحديث الآن عن مجلس الأمن الذي لم يحقق ما هو أقل من ذلك للفلسطينيين.
إن الرباعية بكل مكوناتها لم تستطع أن تلزم اسرائيل باستمرار تجميد الاستيطان، مع أن أطراف الرباعية يؤمنون بأن الاستيطان يعتبر من العقبات الرئيسية امام العودة لطاولة المفاوضات، ولكنهم لا يفعلون شيئاً لاجبار اسرائيل على تجميد الاستيطان، فكيف بإعطاء الفلسطينيين دولة على حدود 67، ثم إن قرار مجلس الأمن 242 ومن قبله قرار 194 المتضمن حق عودة اللاجئين ما زالت موجودة فما الذي يمنع العالم من تنفيذها، الا أن يكون هذا ليس موقف دول العالم، فليست هناك دولة من الدول الفاعلة على مسرح السياسة الدولية تقول بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 67، ولذلك فإن الحديث عن التوجه الى مجلس الأمن هو بمثابة قنبلة دخانية للتغطية على حالة الفشل والاخفاق التي وصلت اليها السلطة الفلسطينية، واظهار القيادة السياسية بمظهر غير العاجز والقادر على المبادرة واللجوء الى البدائل، طبعاً اذا سمحت أمريكا بعرض القضية في مجلس الامن وهذا لن يحدث، لأنه يلغي تفرد امريكا بالامساك بهذا الملف.
المطلوب العودة الى الخيارات التي يطرحها الشعب الفلسطيني عبر قواه الفاعلة، ولكن طرح الذهاب الى مجلس الأمن خطوة استباقية لتعطيل اي خيار آخر حقيقي يمكن اللجوء اليه.
الوقفة الأخيرة، تتمثل بأن هناك شرائح وفئات نشأت مع نشوء السلطة الفلسطينية، ولم يكن لها علاقة بمرحلة الثورة والبندقية، وهذه الفئات مستعدة للتضحية بكل شيء ، بالوطن والمواطن، مقابل الحفاظ على مصالحها، ومصالحها مرتبطة ببقاء المفاوضات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، مما يعني عدم التنازل عن هذا الخيار، وهذا سيؤدي بالضرورة الى حالة قمع لكل معارضة حقيقية ومؤثرة، مع الابقاء على اشكال هزيلة من المعارضة السياسية، في القاعات المغلقة، والتي تكون اجرتها على حساب السلطة.
تأسيساً على ما ذكر، فالعودة للمفاوضات بإحدى أشكالها حتمية، لأنه ليس هناك خيار آخر أمام السلطة، بل هي لا تؤمن الا بهذا الخيار، وهذا دليل على أن الشعب الفلسطيني بحاجة الى التغيير الذي يعبر عن حقيقة اهدافة وثوابته.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونتي الخاصة: مدونة الصرفندي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق