السبت، 15 مايو 2010

الفساد السياسي سبب ضعف الأمة

الفساد السياسي سبب ضعف الأمة
بقلم: أ. سعيـــد الصرفنـــدي
كلما تفكر أحد من أبناء الأمة عن سبب ضعف الأمة مع وجود مقومات الدول العظمى عندنا؛ فإن المؤشر يقوده جبراً الى السبب الأعظم، وهو الفساد السياسي، فالدول الكبرى والأمم العظمى تحتاج الى مقومات منها الثروات الطبيعية والثروة البشرية والموقع الاستراتيجي، وكلها موجودة عند الأمة العربية الاسلامية، ولكنها عناصر جامدة ومعطلة لا تفعل فعلها بسبب الأنظمة الاستبدادية التي تعاني منها هذه الأمة، وطبيعي أن الأنظمة المستبدة تلجأ الى كبت الطاقات والقدرات الفردية والجماعية، كل ذلك بالقوة والجبروت ؛ لأنها تفتقد الحجة والدليل الذي يبرر وجودها وبقاء تسلطها على رقاب الأمة، فليس لهم من سبيل ودليل الا قول فرعون لقومه كما جاء في كتاب الله عز وجل :" ما أريكم الا ما أرى وما أهديكم الا سبيل الرشاد".
لقد عرفت الأمة الإستبداد السياسي منذ بداية الدولة الأموية، فقد سلب معاوية حق الأمة في اختيار الحاكم، عندما أجبر الناس على مبايعة يزيد خليفة له، وقد كانت سنة سيئة عمل بها المسلمون حتى اليوم، وفي هذا مخالفة للقرآن العظيم الذي جعل امرهم شورى بينهم لقوله تعالى : " وأمرهم شورى بينهم"، ومعلوم أن النكرة تفيد العموم، أي ان لفظ "أمرهم" يعم كل أمر من امور المسلمين، ومن أعظم أمورهم تنصيب الحاكم بينهم، فدل على أن تنصيب الخليفة أو الحاكم يجب أن يكون شورى بين المسلمين، فهو في هذه الحالة فقط يستحق السمع والطاعة، أما حين يسلط على العباد والبلاد فيجعل ثرواتها نهباً له ولأعداء الأمة فلا سمع ولا طاعة الا جبراً وقهراً، وهذا هو حال الأمة الاسلامية المقهورة والمغلوبة من حكامها بقوة أجهزتها الأمنية التي تراقب وتعاقب على كل أمر يمس مصلحة الحاكم وأسياده.
الفساد السياسي يتطلب من الحاكم الفاسد واعوانه اموراً عديدة منها الفساد الأخلاقي، وهذا أمر متحقق في البلاد العربية والاسلامية، بل هو محمي بقوة السلطان، فالمجون والخمر والدعارة خرجت من الأماكن المظلمة التي كانت تمارس فيها، لتصبح في الهواء الطلق، وفي بعض الدول التي كانت تغلق البارات والأندية الليلية في شهر رمضان، لم تعد تفعل ذلك منذ سنوات، فالخمر والدعارة مباحة حتى في شهر رمضان، كذلك فإن الفساد السياسي يقتضي إفساد عملية التعليم ، وهذا حاصل أيضاً في معظم البلاد العربية والاسلامية، فمناهج التعليم مناهج غريبة على الطالب الذي تربى وفق قيم محددة؛ إذ معظم المناهج وخاصة في العلوم الانسانية، كانت نتاج تجارب بحثية على عينات تعيش في ظروف مختلفة كل الاختلاف عن المجتمعات العربية والاسلامية، فجاءت هذه المناهج كبذرة تزرع في غير أرضها، فكانت غير منتجة، وهكذا الفساد في كل جوانب الحياة.
ومن مستلزمات الفساد السياسي وجود علماء وفقهاء يشغلون الناس بالحديث عن الطهارة والنجاسة وفتاوى الحيض والنفاس، ويحرمون على الناس وعلى أنفسهم الاشتغال بالسياسة، صحيح أن الطهارة والنجاسة من أمور الدين التي يجب على المسلم معرفتها لأن الطهارة شرط من شروط صحة الصلاة، ولكن كثيراً من الناس لا يفهم لماذا يتم تضخيم أمور الطهارة والنجاسة مع أن الآيات والأحاديث التي تناولتها قليلة جداً، وفي المقابل لا يتم الحديث عن شروط الحاكم الواجب الطاعة حسب نصوص الكتاب والسنة، ولا يتم الحديث عن محاسبة الحاكم كما فعل المسلمون مع الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم.
لقد وجد من كتب عن السياسة من علماء المسلمين ، وكانت هذه الكتابات تبريراً للظلم السياسي والزاماً للأمة على طاعة الخلفاء، وما كتبه الماوردي في كتابه " الاحكام السلطانية" خير مثال على ذلك؛ إذ اعتبر أن مبايعة واحد من أهل العقد والحل يوجب طاعة الأمة للخليفة المبايع من هذا الفرد، وغالباً ما يكون هذا الفرد من حاشية السلطان الذين يأكلون من "باطيته".
الفساد السياسي هو الذي يمنع الأمة من استنهاض طاقاتها الإبداعية في كل جوانب الحياة، لذلك لا يكون الخلاص من حالة التخلف والتردي التي تعيشها الأمة بالنهضة الاقتصادية والعمرانية والتعليمية، بل بعودة أمر تنصيب الحاكم الى الأمة مرة ثانية، فلا يجوز أن تبقى الأمة مطية لطبقة أو عائلة حاكمة هنا وهناك، بل لا بد من مشاركة الأمة كلها في اختيار الحاكم، والطريقة المثلى هي الانتخابات، حيث يتنافس الاشخاص او الاحزاب على طرح برامج للحكم، فإذا فشلوا اختارت الأمة غيرهم، وهذا يقودنا الى القول بالعقد الاجتماعي Social Contract بين الحاكم والحكوم.
الدولة الاسلامية دولة مدنية بمرجعية دينية، وهذا هو الطريق للتخلص من الفساد والاستبداد السياسي الذي تعاني منه الأمة في هذا الزمان، ولن تقوم لها قائمة الا اذا ازالت عن كاهلها هؤلاء الحكام الذي نصّبوا على رقابها بالقوة والبطش والجبروت فجعلوا ثروات الأمة وكرامتها مستباحة مقابل الحفاظ على عروشكم وامتيازاتهم.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق