السبت، 22 مايو 2010

كيف نفهم القرآن؟

كيف نفهم القرآن ؟!
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
لو أن محاضراً تحدث أمام جمع من الناس في موضوع ما، فإن استيعاب السامعين يتفاوت بحسب تفاوت قدراتهم، فمن كانت عنده معلومات سابقة عن الموضوع، كان استيعابه أكثر ممن لا خلفية له عن موضوع المحاضرة، ومن كان تحصيله العلمي اعلى، كانت نسبة استيعابه اعلى ممن هو أدنى منزلة منه، فلا يمكن أن يكون استيعاب الجميع وفهمهم واحداً مع أن الكلام الذي تحدث به المحاضر هو نفس الكلام الذي سمعه جميع الحاضرين، وقد يُفهم الكلام على مقتضى مصلحة السامع او مخالفتها، كذلك تقاس فكرة المحاضر وفق المعايير الفكرية التي يتبناها السامع، فإذا وافقها كان المتكلم ممدوحاً وإذا خالفها كان مذموماً.
ومع الفارق بين كلام الله وكلام البشر، الا أن التفاوت في فهم كلام الله حاصل لا محالة بين الناس، ولا يمكن أن يقال بأن أحداً من أتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم استطاع أن يحيط بمدلولات القرآن المطلقه، لأن ذلك معناه حصر دلالة القرآن بزمان أو مكان؛ وهذا ممتنع لأن القرآن لا تنقضي عجائبه، فلا يفهم الا وفق ضوابط وشروط وأحوال، منها:
1. أن كلاً منا يأخذ من القرآن بحسب إنائه، وطبيعة البشر المحسوسة تدل على تفاوت آنية البشر، فمنهم من يضيق إناؤه الى مستوى الكأس، فلا يأخذ عند قراءته للقرآن الا بحسب هذا الإناء، ومنهم من يكون إناؤه كالبحر المحيط، فيأخذ من القرآن أقصى ما تستطيعه الطبيعة البشرية، وطبيعي أن تكبير الآنية أو تصغيرها يعود في بعض جوانبه الى الإنسان نفسه، فالإخلاص عند قراءة القرآن يزيد من قدرة الانسان على الفهم لكلام الله، وتقوى الله في كل جوانب الحياة تورث فهماً وعلماً لهذا الكتاب العظيم.
2. إن فهم القرآن يتجاوز حدود الزمان والمكان، فلا يمكن حصر فهمه في زمان أو مكان معين؛ لأن القرآن كتاب هداية للبشرية جمعاء، فهو قادر على الهيمنة على كل معطيات الوجود الانساني الى قيام الساعة، فالآيات التي فهمت في الزمن القديم على نحو ما، يمكن أن تتسع دلالاتها لتفهم فهماً جديداً فتعالج مشكلاتٍ حادثةٍ ومستجدةٍ في حياة المسلمين وحياة البشرية جمعاء.
3. إن القول بأننا ملزمون بفهم سلف الأمة للقرآن فيه تجنٍ على القرآن وعلى سلف الأمة أنفسِهم، ولا يفهم من هذا اهمال وتجاوز فهم السلف الصالح للقرآن، فهو فهم يستأنس به ولكنه ليس فهماً مطلقاً للقرآن؛ إذ هو محكوم بالزمان والمكان الذي عاشه سلف الأمة، وهو فهمهم في زمانهم، ويجب أن يكون لنا فهمنا في زماننا، خاصة اذا كانت المسائل التي نتناولها مسائل حادثةٍ ومستجدة. ومن أعجب ما نسمعه من المتمسكين بفهم السلف الصالح، أنهم يخالفون السلف أنفسَهم، فالسلف الصالح تميز بالإجتهاد وبذل الوسع في فه القرآن وعدم التقليد، فجاء من يزعم السلفية ليقلدهم ويتوقف عند فهمهم بدل الاقتداء بهم باعتبارهم مجتهدين.
4. القرآن تناول الماضي، وذلك بالحديث عن الأمم والرسالات السابقة، وتناول الحاضر عبر الوجود النبوي الذي ترجم القرآن ترجمة لا يقدر عليها الا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتناول المستقبل عبر صياغة القواعد والنظريات التي تكشف سنن المجتمعات البشرية لنتكئ عليها في فهم ومعالجة القضايا الناشئة الى قيام الساعة.
5. هناك منطوق للنصوص القرآنية، وهناك مفهوم ومقاصد. صحيح أن علماء الأصول قرروا انه يقدم المنطوق على المفهوم في حال تعارضهما، ولكن هذا ليس هو المقصود هنا، إذ المقصود هو تجاوز حدود دائرة النص الضيقة والخروج الى فضاءات المقاصد لتلك النصوص، وقد كان من المبدعين في هذا السيق الامام الشاطبي في كتابه الشهير " الموافقات"، فنكون بذلك قد تجاوزنا مرحلة القطيعة والأمية في القرآن، ويكفي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول للبيد عندما اشكل عليه قول الرسول ان العلم يذهب، فقال له ثكلتك امك يا لبيد او ليس هؤلاء اليهود والنصارى بأيديهم التوراة والإنجيل ولا ينتفعون بشيء مما فيهما.
6. القرآن منهج صحيح لا شك فيه، ولا يحتاج الى تجريب لاختباره، ومن الأحكام العقلية المسلّم بها عند العقلاء أن العلة الواحدة لا تنتج معلولات متناقضة، فالقرآن كان ولا يزال مصدر اشعاع فكري وسلوكي،ولا يمكن ان يأتي زمان يكون فيه مصدر جهل وظلم فكري وسلوكي، ولذلك فالأمة لا تفتقر الى المنهج؛ إذ المنهج موجود، ولكنها تفتقر الى فهم يوصل الى تحقيق المنهج، فالتمسك بالموروث القديم لا ينتج فهماً يواكب الحاضر، إذ يجب التحرر من تقديس أفهام السابقين وإنزال هذه الأفهام منزلة الوحي المنزل.
7. سواء كانت " إقرأ " اول كلمة نزلت من القرآن، أو أن القرآن اشتمل عليها، فإنه لا يعقل أن تكون هناك قراءة للقرآن بدون تدبر، بل عاب الله جل جلاله على من يقرأ القرآن دون تدبر لقوله تعالى :" أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها"، ولا يكون التدبر الا بالفهم العميق الموصل الى انكشاف كل شيء بنور القرآن ، فلا يكفي الإهتمام بأحكام تلاوته وحفظه غيباً دون تدبره، فإن هذا مخالف للغاية المقصودة من إنزاله وهي التي بينها الله بقوله :" كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر اولوا الألباب"، فإن الأمة إن لم تفعل ذلك اقترب منها وصف الله حيث يقول:" والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعميانا".
8. عندما نقرأ القرآن فالمطلوب منا ان نترقى الى مستوى القرآن، فتسمو ارواحنا وتتسع مداركنا وتتفتح ابواب العلم وتغلق ابواب الجهل امامنا، ولا يجوز أن نشد القرآن عندما نقرؤه الى مستوانا، بل أن نرتفع نحن الى مستوى القرآن.
والى لقاء مقبل عبر نسمات القرآن العظيم.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق