الخميس، 6 مايو 2010

مقاطعة ممنتجات المستوطنات اعتراف بإسرائيل

مقاطعة منتجات المستوطنات اعتراف بإسرائيل
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
كتبت بالأمس مقالاً بعنوان" تساؤلات حول مقاطعة منتجات المستوطنات"، ونشر على صفحات دنيا الوطن، وهذا المقال تضمن تساؤلات متعددة حول فكرة المقاطعة، وعندما قرأت المقال ثثانية وثالثة، وجدت أن هناك أفكاراً كثيرة، ولكنها لم تركز كثيراً على جوهر المسألة وهو الاعتراف بدولة اسرائيل.
قد تبدو هذه الفكرة مشككة من البداية ولكنها زبدة المسألة؛ إذ تزيل اللثام عما يعده اللئام من الاعتراف بدولة اسرائيل، فالمبالغة في إظهار هذا الأمر باعتباره شكلاً من أشكال النضال يثير الريبة والشك، فحكومة فياض أضعف من القيام بخطوة يتحدى فيها دولة الاحتلال، ويهدد مصالحه المادية، وهو الذي يعلم أكثر من غيره طبيعة النظام الرأسمالي القائم على تحقيق امر واحد هو المنفعة والمصلحة المادية، وأن حروب النظام الرأسمالي شنت لتحقيق مصالح مادية أو للحفاظ على تلك المصالح المادية.
إن المدقق في مسألة مقاطعة منتجات المستوطنات يجد أنها ابعد واعمق من تحقيق مصلحةٍ للرأسمال الفلسطيني الذي يسعى للسيطرة على السوق المحلية، فالأمر اعقد من ذلك بكثير، خاصة وان السلطة الفلسطينية التي تعرضت لاستفزازات كثيرة من قبل الكيان الصهيوني، لم يكن لها رد عملي بحجة عدم السماح لاسرائيل بتصوير الجانب الفلسطيني باعتباره معطلاً لعملية السلام، فما الذي جرى حتى تقوم حكومة فياض والسلطة الفلسطينية باصدار قرار يتم بموجبه مقاطعة المنتجات الاسرائيلية التي منشؤها المستوطنات.
الشعب الفلسطيني أظهر من خلال نتائج انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 ، أنه ليس مع اتفاقيات اوسلو سيئة السمعة والصيت، وهي الاتفاقات التي كان جوهرها الاعتراف بالكيان الصهيوني، وما زالت حكومة غزة وحركة حماس ومن ماثلها من الحركات الاسلامية تعاني من الحصار والمقاطعة من اجل الاعتراف بشروط الرباعية والتي يعتبر الاعتراف باسرائيل ايضاً هو جوهرها، فلو اعترفت حماس باسرائيل لقضي الأمر .
تلك النتائج، أظهرت أن الشعب الفلسطيني لا يوافق على الاعتراف بإسرائيل، وأن الغاية التي يسعى اليها هي اقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل التراب الفلسطيني، لا فرق بين الخليل وبين تل ابيب، ومن هنا كان الانقلاب على نتائج هذه الانتخابات، بدءً من المقاطعة الدولية بوقف تدفق الاموال على السلطة مما خلق حالة من الارباك الداخلي تم استغلاله من حركة فتح باعلان الاضراب في لمؤسسات الحكومية،مروراً بسلسلة المراسيم الرئاسية التي عطلت قدرة الحكومية الشرعية على تنفيذ برنامجها.
تعهدت اوروبا بدعم الكيان الفلسطيني او السلطة الفلسطينية الناتجة عن اتفاق اوسلو؛ لأنها تعترف باسرائيل، فهي المرة الأولى التي يعترف فيها جسم فلسطيني بحق اسرائيل في الوجود فكانت المكافأة هي الاموال التي تتدفق على وزارة الحكومةالفلسطينية، وعندما اصبحت هذه الحكومة لا تعترف باسرائيل، فقد سقطت كل المبررات لتقديم الدعم لها، فالدعم المالي للسلطة مرهون باعترافها باسرائيل، هكذا بكل وضوح.
لقد ايقنت الدول الأوروبية وامريكا، أن سيطرت حكومة حماس أفشل الرهان على الاعتراف الفلسطيني باسرائيل مقابل المال، فبدأت كل الأطراف مجتمعة للإلتفاف على خيار الشعب الفلسطيني، واجباره على الاعتراف عملياً بدولة اسرائيل من خلال التمييز بين اسرائيل ومنتجاتها وبين المستوطنات ومنتجاتها، واصدار اوامر بمقاطعة منتجات المستوطنات الاسرائيلية المقامة على اراضي الضفة، إذ أن الأمر بالتأكيد لا يشمل القدس الشرقية ولا المستوطنات المقامة عليها.
إن مقاطعة المنتجات الاسرائيلية الاستيطانية لا يعني الا أمراً واحدا : الاعتراف بدولة اسرائيل، فالشعب الفلسطيني عبر انتخابات المجلس التشريعي اعلنها مدوية وصريحة :" لا اعتراف بدولة الكيان الصهيوني"، أي لا فرق بين الضفة الغربية والداخل الفلسطيني، وأن كل منتج في السوق الفلسطينية من انتاج اسرائيلي هو اسرائيلي، سواء كان مصدره المستوطنات أو حيفا ويافا وتل ابيب، وأنه مجبر على التعامل معها ما دامت السوق بحاجة اليها.
الملفت للإنتباه هو الضجة المفتعلة لقرار المقاطعة، وتصويره بأنه قرار ينضح وطنية وشجاعة، مع أنه من أخطر القرارات التي تتخذها السلطة الفلسطينية في رام الله وحكومة فياض، لاجبار الشعب الفلسطيني للتعامل واقعياً مع فكرة الاعتراف بالكيان الصهيوني، فمقاطعة البضائع المنتجة في المستوطنات غير شرعية والبضائع المنتجة في تل ابيب وحيفا شرعية، اليس هذا فعلاً اعتراف بشرعية الكيان الصهيوني في فلسطين، وهو الأمر الذي يرفضه الشعب الفلسطيني، ولكنه اعتراف عملي وليس اعترافاً نظرياً، وهو اعتراف من كل الشعب الفلسطيني وليس فقط اعتراف من القوى السياسية الفلسطينية التي تعترف باتفاقية اوسلو وبالتالي التي تعترف باسرائيل.
إن سلاح المقاطعة يمكن ان يكون فعالاً لو كانت المقاطعة لكل البضائع الاسرائيلية ، وذلك ليس على الاطلاق؛ الا اذا كانت المقاطعة من الخطوات النهائية لانجاز مرحلة التحرر الوطني، اما تصوير المقاطعة الآن وكأنها تخدم فكرة بناء بنية تحتية للدولة الفلسطينية، فهذا مخالف للواقع والمنطق السليم.
نعم، لا يرى المدقق في قرار المقاطعة الا اعترافاً باسرائيل، عبر التمييز بين بضائع شرعية من "اسرائيل" وبضائع غير شرعية من المستوطنات الاسرئيلية، ولكنه اعتراف يتم تصويره بأنه وطنية وبطولة، ولا يقال هنا بأن هذا رؤية للنصف الفارغ من الكأس؛ إذ الكأس كله فارغ في الحقيقة
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق