الأربعاء، 19 مايو 2010

كيف يجب أن نقرأ القرآن

كيف يجب أن نقرأ القرآن
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
القرآن هو الوحي الوحيد الذي تكفل الله بحفظه لقوله جل جلاله :"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، فقد تنزل الوحي بكتب ورسالات عديدة على الأنبياء والرسل الذين سبقوا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن القرآن هو الوحي الوحيد الباقي من تلك الرسالات والكتب، وما ذلك إلا لعظمة هذا القرآن، وهو ما يوجب التعامل معه بخصوصية نحاول من خلالها الترقّي الى أعلى المستويات البشرية أثناء قراءته.
هل نقرأ القرآن كما نقرأ أي كتاب من كتب البشر،فيتطرق الشك الى نفوسنا أنه يمكن أن يعتريه النقص في الوصف أو المبالغة لاعتبارات بشرية، أو مخالفة الواقع الذي يتناوله، أو التدليس أو الكذب ... الى غير ذلك مما يعتري كتابات البشر، أم يجب أن نقرأ القرآن ونحن نؤمن إيماناً لا شك فيه ولا ريب ، أن ما هو موجود في التدوين موافق لما في التكوين، فما من وصف لله أو لأحد مخلوقاته إلا والوصف مطابق لما تناوله، فالله الذي بدأ القرآن بقوله:"بسم الله الرحمن الرحيم" موافق لما في التكوين وهو بدء كل شيء من عند الله، فليس قبله شيء، وأنه رحمن بكل خلقه مطيعهم وعاصيهم، ورحيم بالمؤمنين، فنؤمن أنه ما من شيء إلا وتتسع له رحمة الله، وما من مؤمن الا واختصه الله بشيء زائد عن الرحمة وهو أنه به رحيم.
وعندما نقرأ قول الله عز وجل :" وما كان لنفس أن تموت الا بإذن الله كتاباً مؤجلاً "، فإن هذه الكلمات دلالتها قاطعة على أن الموت لا يكون الا في الوقت الذي اقته الله وأجله، وأن الموت لا يكون إلا لهذا السبب، أي انتهاء الأجل، فلا يقع موت الا بإذن الله، ولا يكون موت الا بانتهاء الأجل، فالإنسان قد يموت في حالات متعددة ولكنه لا يموت الا بسبب واحد وهو انقضاء الأجل، عند ذلك لا يكون المسلم جباناً فهو يتذكر قول خالد بن الوليد الذي يقول فيه : " ما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، ثم أموت على فراشي كما يموت البعير" ، فيدرك المسلم أن طعنة الرمح لو كانت تقتل لقتلت خالداً، وكذلك ضربة السيف، فالموت كائن لا محالة عند انتهاء الأجل وليس لعروض حالات الموت، فقد يموت انسان في حالة لا يموت فيها غيره،وقد لا يموت في حالة يموت في مثلها غيره، لماذا يكون هذا؛ لأن الله يقول:" وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلا"، فلا يكفي أن نقرأ هذه الكلمات ولا نعتقد أن لها واقعاً خارجياً، بل يجب اليقين على أن هذه الكلمات المدونة في كتاب الله لها ما يماثلها في الواقع التكويني.
وعندما نقرأ مثلاً قول الله عز وجل:" وما من دابة في الأرض الا على الله رزقها"، فلا يكفي أن نعلم أننا نحن من الدواب التي تشملها هذه الآية، بل يجب أن يقع اليقين في قلوبنا أن رزقنا على الله وحده، وأن الرزق بيد الله وحده، سواء كان الرزق كثيراً أو قليلاً فهو من الله، وأنه عندما يعطي فإنما يعطي من خزائنه التي لا تنضب، وعندما يمنع فليس لشح ولا لقلة او نضوب للرزق، بل قد يكون هذا لمصلحة العبد. عندما نؤمن أن الرزق من الله فلا تحاسد ولا تباغض بين المؤمنين، ولا يعني هذا الإيمان عدم الأخذ بالأسباب، فقد جعل الله الأسباب غالباً تؤدي الى النتائج، ولولا ذلك لما كانت هناك عمارة لهذا الكون من قبل الإنسان.
لا يمكن حصر الأمثلة ، ولكن المهم هو الإيمان أن ما في كتاب الله من آيات متلوة ليست كالشعر الذي يقوله الشعراء ، ابيات تنضخ شجاعة وعزة في رجال لباسهم الذل والخنوع ، بل القران كلام له واقع مطابق له في الكون، فعندما نقرأ عن الله أنه "سميع" لا بد أن يقع في نفوسنا وقلوبنا أن الله فعلاً سميع بحيث لا يعزب عنه صوت في الكون كله ، فيسمع كل ما يسمع وما لا يسمع، وكذلك عندما نقرأ عن الله أنه "بصير" فهو فعلاً كذلك، فيرى النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، بذلك فقط نخجل من الله السميع البصير أن نرتكب المعصية وهو يرانا ويسمعنا، فيستقيم سلوكنا في الحياة الدنيا.

مدونة الصرفندي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق