الأحد، 18 يوليو 2010

لا تحريف في القرآن بإجماع المسلمين

لا تحريف في القرآن بإجماع المسلمين
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
أجمع المسلمون على أن القرآن الموجود بين أيدينا اليوم، هو الكتاب المنزل من الله بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام، على قلب الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ( نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِن رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمينَ ) وأجمعوا أنه-أي القرآن- هو المصدر الأول للعقائد والأحكام والتشريعات، وهو المعجزة الخالدة الدالّة على صدق رسول الله، قامت به الحجة على المخالفين والخصوم في زمانه صلوات الله وسلامه عليه، وتقام أيضاً به الحجة على الناس جميعاً الى يوم لقيامة، أنه الكتاب المنزل من الله شاهداً بصدق ادعاء النبوة.
لقد نزل القرآن على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، في حياته، فكان يأمر أصحابه الكرام بكتابة الوحي المنزل، ويندبهم الى حفظة واستظهاره، وكان هو صلوات الله وسلامه عليه يقرأه لهم في الصلاة، ويقرأه المسلمون كما سمعوه، فأصبح متواتراً بكل حرف فيه، وما توهم التحريف في القرآن، الا وهم من قلوب مريضة وعقول سقيمة، رفعت منزلة أحاديث ساقطة عن الاعتبار او أحاديث آحاد تعارض ظاهر القرآن، وظاهر القرآن حجة، فلا يحتج بما يخالفه من الروايات بغض النظر عمن رواها، والتي تفيد تحريف القرآن، سواء كان التحريف نقصاً أو زيادة، لأنه مناقض لنص القرآن، فالزيادة ممتنعة لأن الله يتحدى به ولو أضاف بشر اليه شيئاً لاستطاع المتحدى أن يأتي بمثله والله يقول: ( قُل لئنِ اجتَمَعَتِ الاِنسُ والجِنُّ عَلَى أن يأتُوا بمِثْلِ هَذا القُرْآنِ لا يأتُونَ بِمِثْلِهِ وَلوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً )، وكذلك النقص مردود بكتاب الله إذ تكفل الله بحفظه، ولا معنى للحفظ إذا نقص منه شيء، سواء كان النقص بكتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقوله جل جلاله:( وَلَو تَقَوَّلَ عَلَينا بَعضَ الاَقاوِيلِ *لاخذنا مِنهُ باليَمِينِ* ثم لَقَطعنَا مِنهُ الوَتِينَ ) ، أو النقص مطلقاً بفعل العباد لقوله تعالى( إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكرَ وإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)
كذلك فإن التحريف بالزيادة يخالف قوله تعالى: ( وَإنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ * لا يأتِيهِ البَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )..
وقد حرص المسلمون على التصدي لأي خطأ يصدر بقصد أو بدون قصد، فقد روي أن عثمان رضي الله عنه قرأ قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ يَكنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ ولا يُنفِقُونَها في سَبِيلِ اللهِ...) بدون الواو، فقال أُبيّ : لتلحقنّها أو اَضعنّ سيفي على عاتقي ؛ فألحقوها، وما روي عن قراءة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقوله تعالى ( والسَّابقُونَ الاولُونَ مِن المُهاجِرينَ وَالاَنْصَار والَّذِينَ اتَّبَعُوهُم باحْسَانٍ ) فرفع (الانصار) ولم يلحق الواو في (الذين) فقال له زيد بن ثابت : ( وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم باحْسَانٍ )! فقال عمر : (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُم باحْسَانٍ) . فقال زيد : أمير المؤمنين أعلم . فقال عمر : ائتوني بأُبيّ بن كعب ، فأتاه فسأله عن ذلك ، فقال أُبيّ : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهم باحْسَانٍ ) فقال عمر : فنعم ، إذن نتابع أُبيّاً، وكان أبي بن كعب من فقهاء الصحابة وكتاب الوحي وممن جمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومع ذلك لا شك أن كتب كلا الفريقين، سنة وشيعة، اشتملت على أحاديث وروايات يفهم منها تصريحاً أو تلميحاً أن هناك تحريفاً في القرآن، ولكن هذه الروايات لا تلزم كلا الفريقين بالقول بالتحريف، ومن العجيب ان تجد من يقول بنسخ التلاوة، ولا يتهم بالقول بالتحريف، فنسخ التلاوة معناه أن ايات أو سورا من القرآن كانت تقرأ وتعتبر من القرآن فنسخت تلاوتها سواء بقي حكمها او نسخ حكمها مع تلاوتها، وهذا من أسقط الاقوال التي عرفها المسلمون ؛ حيث أن القرآن لا يثبت الا بالتواتر، فكيف تم اعتبار بعض الأقوال آيات ثم القول بنسخ تلاوتها، دون أن تثبت بالتواتر أنها من القرآن ابتداءً.
كيف لا يعتبر ما نسب الى ابن مسعود قوله أن المعوذتين ليستا من القرآن، قولاً بتحريف القرآن، ولكن هذا مما انكره علماؤنا فلا يلزمنا كون هذه الرواية موجودة في كتبنا، وهذا أيضاً موجود تصريحاً في روايات الشيعة، ولكن ذلك ليس بلازم للمذهب، ويعامل كل من يقول بتحريف القرآن معاملة فردية، ولا يحكم بكفر القائل بتحريف القرآن الا إذا كان قوله مستوفياً لشروطه دون وجود موانعه.
إن إنكار علماء معتبرين عند الشيعة التزامهم بالقول بتحريف القرآن ؛ فإننا نحكم أنهم لا يقولون بتحريف القرآن، ولا يقال هنا ان قولهم هذا تقية، مع أن التقية من الفكر الاسلامي الأصيل، ولكنها بشروطها وأحكامها المفصلة في موقعها في كتب التفسير والفقه، فالمسلمون سنة وشيعة يستخدمون التقية مع الكفار، ففي فلسطين مثلاً، تجد شاباً مسلماً إذا دخل بين اليهود اظهر على صدره سلسلة فيها ما يعرف ب"نجمة داوود" واحيانا يكون اسمه محمد ولكن اذا سئل قال ان اسمه"ديفد" مثلاً، ولذلك فإن قولهم-أي الشيعة- في تحريف القرآن لا يصح أن يكون تقية، إذ خطابهم لمسلمين ، الا ان يثبت تكفيرهم لأهل السنة جميعاً، وهذا ما لم نسمعه من أحد منهم، لذلك نقبل منهم هذا القول باعتبارهم مسلمين؛ لأن الأصل في المسلم أنه عدل ثقة حتى يثبت العكس، أي ما يعرف اصطلاحاً ببراءة الذمة.
خلاصة القول أن هذا الموضوع: القول بتحريف القرآن يجب الا يبقى مثار جدل ونقاش دون بينة، وألا يبقى سبباً للقطيعة بين جناحي الامة المسلمة، سنة وشيعة، لأن هناك إجماعاً أن لا تحريف في القرآن.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق