الاثنين، 19 يوليو 2010

تخريجة العودة للمفاوضات...!!!

تخريجة العودة للمفاوضات ...!!!
بقلم: أ. سعيــد الصرفنــدي
أحياناً يتفاجأ حتى المحللون السياسيون والكتاب من قدرة السياسيين المحترفين على اجتراح حلول إبداعية لقضايا يظهر أنه لا حل لها، وهذا طبيعي جداً، فالسياسي المحترف لا يقف عاجزاً امام أية معضلة، بل لا يكون سياسياً من لا يستطيع البحث عن بدائل وخيارات جديدة، ولذلك فإنني أجزم أن العودة للمفاوضات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، أو صنف ثالث لا نعرفه حتى الآن، ستكون قريبة جداً، فنحن نثق بقدرات السياسي الفلسطيني والعربي على فتح الاقفال المغلقة على الكتاب والصحفيين والمحللين السياسين، لا ندري كيف سيكون ذلك، ولكننا متأكدون انه سيكون !!!
يأتي هذا بعد أن وصلت مسرة المفاوضات الى طريق يبدو أنه مسدود، ولكن لا بد من الإشارة أن هناك باب آخر مسدود وهو باب الخيارات، فلم يعد أمام الفلسطينيين والعرب الا خيار المفاوضات سواء كان هذا اختيارهم بمحض ارادتهم أم هو الخيار الوحيد الذي يملى عليهم مقابل الاستقرار النسبي القائم في بلادهم.
ومع ذلك فإنه ليس محرماً أن نحاول معرفة التخريجة المقترحة للعودة الى أحد أشكال المفاوضات، سيما إذا استعرضنا الحالة الفلسطينية والعربية، التي تؤكد أن العودة للمفاوضات حتمية لا محالة.
فلسطينياً، السلطة الفلسطينية التي أعلنت على لسان كبير مفاوضيها الدكتور صائب عريقات قبل عدة أشهر عن فشل خيار المفاوضات، كانت أعجز من أن تطرح خيارات أخرى غير الخيار الفاشل، وكان هذا في الحقيقة سقوطاً مدوياً من ناحية سياسية، فالقيادة السياسية للشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت نير الاحتلال، تعلن فشل خيارها الوحيد وهو "المفاوضات" ، وتعجز عن التلويح بأية خيارات أخرى، وهذا معناه إظهار العجز، بل الإعلان عنه بطريقة إبداعية!، وكان من الطبيعي بعد ذلك، أن يتنبه من أعلن عن فشل المفاوضات، أو أن يتم تنبيهه، أن هذا الموقف كان خاطئاً من ناحية سياسية، فالشعب الفلسطيني بدأ ثورته ضد الاحتلال الصهيوني وهو لا يعرف الا خياراً واحداً ، وهو المقاومة، وهو خيار لم يستعمل حتى نهايته الطبيعية، فقد تم إفشاله قسراً من خلال الدخول في لعبة الحل السلمي، ثم توقيع أتفاقية اوسلو سيئة السمعة والصيت، وقد تم إقناع جزء من الشعب الفلسطيني بالحالة الوردية التي سيعيشها كمحصلة للمفاوضات، ولكن بعد الاعلان عن فشل المفاوضات فإن الحديث عن خيار المقاومة سيتعزز، فكراً وممارسة، فالشعب الفلسطيني سيكون سعيداً لسماع ثقافة المقاومة حتى لو لم يتم ممارستها عملياً، وهذا كان أحد الأسباب الرئيسية للعودة الى طاولة المفاوضات بشكل ابداعي، وهو المفاوضات غير المباشرة، فالشعب الفلسطيني، لم يرَ خلال فترة المفاوضات الا مزيداً من الاستيطان، والتهويد، وخلق وقائع على الأرض، لا يمكن ازالتها في المستقبل، فيزداد غضبه على الاحتلال وعلى من يفاوض هذا الاحتلال، ويميل نفسياً الى من يتحدث عن المقاومة، أو على الأقل ثقافة المقاومة، التي تفترض في حدها الادنى كراهية الاحتلال والأمل بالتخلص منه، والنظر اليه باعتباره عدواً لا صديقاً نتبادل معه العناق والقبل. من هنا فإن مصلحة السلطة الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح،أن لا تتوقف المفاوضات؛ لأن هذا يشكف عجزها وعدم أهليتها لقيادة الشعب الفلسطيني، ويسمح بتعالي الأصوات المؤيدة لخصمهم السياسي، ومن هنا فالسلطة بحاجة الى أي تخريجة يتم من خلالها العودة الى طاولة المفاوضات.
عربياً، أظهرت الدول العربية تاريخياً عجزها، بسبب ارتباطها بالسياسة الأمريكية، عن تقديم أي انجازات على صعيد القضية القومية الأولى للشعوب العربية، وكان من أعظم لحظات السعادة العربية رسمياً، دخول منظمة التحرير الفلسطينية في مفاوضات مع اسرائيل؛ إذ استطاعت هذه الدول جر المنظمة الى المربع الذي يمنع أحداً من المزاودة عليها، فقد جربت هذه الدول خيار الحرب بنية الهزيمة، واقنعت الشعوب العربية بعجزها عن اللجوء الى خيار الحرب مرة أخرى، فلم يبقَ الا خيار السلام من خلال المفاوضات، فكان خيار المفاوضات فعلاً هو الخيار الذي تملكه الدول العربية في التعامل مع القضية الفلسطينية، وتوقف هذا الخيار معناه كشف عوراتهم؛ ويكشف ضعفهم وعجزهم، وتخاذلهم وتنازلهم أمام الحكومة الإسرائيلية، فهم-أي العرب- بحاجة الى بقاء مسار المفاوضات مع علمهم أنها لن تحقق شيئاً، ومستعدون للضغط على الفلسطينيين اذا تمنعوا من أجل العودة الى طاولة المفاوضات، وهذا مقتضاه البحث بشكل خلاق وابداعي عن التخريجة المطلوبة.
أما اسرائيلياً وأمريكياً، فلا نحتاج الى تحليلٍ لموقفهما ومعرفة حاجتهما الى التخريجة المطلوبة، حتى لو لم تضمن الحفاظ على ماء وجه الفسطينيين والعرب، ما دامت هذه المفاوضات قادرة على ابتزاز المفاوض الفلسطيني وانتزاع غطاء للاستيطان والتهويد.
السياريوهات المحتملة: احدها، التئام اجتماع عربي، يعلن هجوماً لفظياً قاسياً على نتانياهو، ووصفه بأنه يسعى لتخريب العملية السلمية، وانه ليس من مصلحة اسرائيل التوصل الى حل نهائي للقضية الفلسطينية ، وأن العودة لطاولة المفاوضات هي حصار لحكومة نتنياهو وهي حرب شرسة لا بد خوضها، ولن يتناسى البيان الإشادة بصمود الشعب الفلسطيني وقيادته العظيمة والحكيمة . وهذا من أكثر السياريوهات سذاجة ولكن الدول العربية لا تعبأ بذلك، فالمهم العودة الى طاولة المفاوضات.
أما الاحتمال الآخر فهو تقديم ضمانات أمريكية فضفاضة، سواء كانت مكتوبة أو شفوية، يفسرها الفلسطينيون والعرب على غير مقصدها ومرادها، ويعتبرونها كافية للعودة الى طاولة المفاوضات دون تحديد سقف زمني الى أن تتغير الأوضاع الاقليمية والدولية، بشكل يخدم السياسة الامريكية والاسرائيلية فتكون" الاعطيات والهبات الاسرائيلية" غاية يتم النضال من أجلها في المستقبل.
وهناك سيناريو اخر يمكن حصوله وهو: اعلان امريكي بالضغط العلني على الفلسطينيين عبر الاعلان عن وقف المساعدات الاوروبية المقدمة للسلطة اذا لم يتم انجاز تقدم على المسار السياسي، مما يجبر السلطة على العودة الى المفاوضات تحت ضغط الاحتجاجات الجماهيرية التي يقودها الموظفون الذين لم يقبضوا رواتبهم حتى حينه، وهذا هو اكثر السناريوهات المرضية لإسرائيل حتى تمارس تأييدا علنياً لمصلحة الحزب الديموقراطي في انتخابات الكونغرس المقبلة.
أما السيناريو الآخر، فهو اسقاط حكومة نتنياهو بدعم أمريكي غير معلن، حيث تدخل "العملية السلمية" فترة سبات يمتد لأكثر من عام، ترتاح فيها الدول العربية والسلطة الفلسطينية من ضغط وقف المفاوضات، ثم من المؤكد في ظل الخارطة الحزبية في اسرائيل أن تكون الحكومة القادمة اكثر يمينية، والحكومة الأمريكية القادمة ستكون على الاغلب جمهورية، فتعود المفاوضات مرة أخرى لتدور في دوامة جديدة بحجة أن التوازن الدولي ليس لمصلحة العرب والفلسطينيين وأن المفاوضات هي الخيار الوحيد الواقعي.
ومع ذلك قد يفاجئنا العرب بتخريجة لم ترها عين ولا سمعتها أذن ولا خطرت على قلب بشر.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونة الصرفندي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق