الأربعاء، 9 مارس 2011

ثورات الشعوب العربية سنة إلهية

ثورات الشعوب العربية سنة إلهية
بقم: أ. سعيــد الصرفنــدي
كل مؤمن يعتقد أن هناك قوانين الهية تتحكم في حركة المادة، كالجاذبية ودرجة الغليان وقابلية التفاعل الذري والكيماوي بين بعض العناصر دون بعض، ولكن قليلاً منا يدرك أن المجتمعات أيضاً لها قوانين الهية تتحكم فيها، وسنن تفعل فعلها وإن كانت بصورة أقل حدّية من قوانين الفيزياء والكيمياء0 والقران أفرد مساحة واسعة للتاريخ في سوره وآياته حين تناول الامم والشعوب التي نشأت ثم اندثرت، وطبيعي أن هذه الإشارات القوية والواضحة لعلم الاجتماع في القرآن مقصودها تلافي المجتمع المسلم لأسباب السقوط التي أثرت في تلك المجتمعات وتجاوزها.
السنن الاجتماعية لم يفرد لها العلماء المسلمون كتباً مستقلة، ولكن ذلك لا يعني اشتمال النصوص القرآنية والنبوية عليها، وأول من كتب في هذا العلامة ابن خلدون في مقدمته الشهيرة، حيث بيَّن طبيعة البشر باعتبارهم عاجزين كأفراد من انتاج كل ما يحتاجونه لاشباع غرائزهم وحاجاتهم العضوية، فكان لا بد من الاجتماع للتعاون على متطلبات الحياة، ومن ذلك نشوء الدولة.
لقد أكد القران أن المجتمعات تخضع للسن الاجتماعية باعتبارها مجتمعات وليس تجمعاً للأفراد، قال تعالى:" ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" ، فقد نصت الآية على أن المجتمعات بمعنى الدول لها أجل محدد، وما دام لها أجل فمعناه ان لها بداية ولها نهاية، والنهاية هنا ليس كنهاية الافراد، بل بسبب جملة من القوانين المتحكمة في هذا المجتمع، فالافراد نهايتهم واجلهم فردي، والمجتمعات اجلها جمعي، ومن الآيات التي تناولت هذة السنة الاجتماعية قوله تعالى:" وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ {15/4} مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ {15/5}.
ومن السنن التي نحتاج الاشارة اليها هنا هي سنة التغيير، قال تعالى:" إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ " فلا تغيير الا اذا اراد الناس تغيير واقعهم، وما جرى حتى الآن في الثورات العربية منسجم مع هذه السنة، حيث لم يكن من الممكن أن تتغير الاحوال في مصر وتونس لولا ارادة التغيير التي نبعت من الناس أنفسهم، فعندما لم تكن ارادة التغيير موجودة بقيت الاحوال على ما كانت عليه سنوات طويلة، وما اسهل ان تتغير الحياة في اي مجتمع بمجرد وجود ارادة التغيير، فقد خنعت الشعوب العربية طويلاً امام حكامها، فسامها الحكام الوان الذل والعذاب، خافوا من الحكام واجهزتهم الامنية، فسلطوا عليهم زبانية لا تخشى الله ولا تتقيه.
وكذلك النعم التي انعم الله بها على الامم والشعوب لا ينزعها عنهم الا إذا غيروا ما بأنفسهم، قال تعالى:"ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {8/53}، ومن أمثلة ذلك سقوط الأندلس، فقد كانت من أعظم النعم على المسلمين، ولم تسلب منهم الا عندما ركن الناس الى الدنيا وشهواتها، فتغيرت نفوسهم وافكارهم وغاياتهم وشهواتهم، فنزعت منهم تلك النعمة العظيمة. صحيح أن الفئة المتنفذة تقف أمام التغيير وهذه ايضاً من السنن الاجتماعية التي عرض لها القران، قال تعالى:" وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ {34/34}، ولكن هذا لا يعفي الشعوب التي تسكت على هؤلاء المترفين الذين تحكموا برقاب العباد وثروات البلاد، قال تعالى: " وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {8/25}، فلم تكن الفتنة التي اصابت الشعوب العربية في حكامها واستمرارها سنوات طويلة الا بسبب سكوتهم على أولئك الحكام.
لكل ما ورد، نجد فعلاً أن هناك سنناً تتحكم في مسيرات الشعوب، لا تتبدل ولا تتغير، فمن أراد الخلاص من الطواغيت وجلاوزتهم لا يكتفي بالدعاء عليهم، بل لا بد له من التخلص من الجبن والخوف، وان يقف في وجوههم شامخاً كالطود العظيم، ليقول لهم كفى ! لقد آن الأوان للتغيير، آن الأوان لأن تحكم الشعوب وفق قناعاتها وافكارها وما تريد.
sarafandisaed@yahoo.com
مدونتي الخاصة " مدونة الصرفندي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق