الأربعاء، 20 يناير 2010

في كل بلد عربي دايتون

في كل بلد عربي دايتون

بقلم : أ. سعيــد الصرفنــدي

عندما قدم الجنرال دايتون محاضرته المشهورة التي أحرجت السلطة الفلسطينية عموماً وحركة فتح خصوصاً، والتي قدم فيها خطته العبقرية لصناعة الفلسطيني الجديد، اعتقد الكثير من الناس أن هذه المهمة انيطت بدايتون فقط في مناطق السلطة الفلسطينية وبشكل حصري في الضفة الغربية.

جوهر النظرية الدايتونية هو خلق انسان فلسطيني لا ينتمي الى تاريخ فلسطين ولا يعرف عنه شيئاً، ولا يعتقد أن اليهود أعداء له أو خصوم، كل همه في الحياة المأكل والمشرب وملذات الحياة التافهة.

هذا الفكر الدايتوني بدأ يعطي ثماره على ارض الواقع، من خلال إفساد العملية التعليمية التي أنتجت طلاباً في يعض المدارس وصلوا الى المراحل الثانوية ولا يتقنون القراءة والكتابة، ولا يعرفون شيئاً عن تاريخ فلسطين وثوراتها وقياداتها، ولا يملكون فكراً محدداً ولا متابعة للقضايا السياسية والاجتماعية بالقدر الذي يتابعون فيه أخبار أحدث الهواتف النقالة . كذلك الناظر إلى تلفزيون فلسطين يدرك عمق الأزمة التي يعاني منها الإعلام الفلسطيني الرسمي ومساهمته بحسب طاقته المتواضعة في تسهيل مهمة دايتون.

كذلك نجد أن العالم العربي تطبق فيه نظرية دايتون، وقد تجلت تطبيقات نظريته في الحرب التي شنها العدو الصهيوني على قطاع غزة 2008-2009، فقد كان العرب(معظمهم) يشاهدون ما يحدث في غزة على شاشات الفضائيات دون أن يؤثر ذلك في سلوكهم، فالطفل العربي الذي يعمل والده عسكرياً في جيش عربي ، لا يرى حرجاً في ان يحمل والده كل النياشين والرتب العسكرية ثم يرى طفلاً او امرأة تدمي حالتها قلوب الكلاب، ولا تسأله زوجته اذا كانت هذه النياشين حقيقية فلماذا لم يتم تحرير فلسطين أو عمل شيء لأهل قطاع غزة.

العالم العربي كله يتم سوقه الى "القرن الامريكي" الذي تعتبر الدايتونية أهم تجلياته، فلم يعد المقصود فلسطيني جديد بل عربي جديد، وقد نجحوا في ذلك، سواء كان ذلك بالإكره أو الإفساد، فالشعب المصري الجديد في أغلبه لا يستطيع أن يحرك ساكناً تجاه ما تقوم به مصر من مساهمة في حصار قطاع غزة وتجويعه وجملة ممارسات التي كان آخرها "جدار الموت" الفولاذي الذي تبنيه امريكا واسرائيل بأيدٍ مصرية على الحدود المصرية مع قطاع غزة، في الوقت الذي اهتزت فيه مصر كلها بسبب مباراة كرة قدم مع الجزائر، فقد تم تجييش المصريين ووسائل اعلامهم للمساهمة في الحرب الكروية على الجزائر.

مواقف التضامن التي يقوم بها الغربيون، أو العرب الذين يعيشون في الغرب، لا تثير حفيظة العربي الجديد، فهو يشاهد ما يحدث في غزة خصوصاً وفي فلسطين عموماًُ، ولا يتأثر بذلك أبداً.

العالم العربي فقدت فيه الاحزاب القومية برامجها او القدرة على تطبيق برامجها، وليس ذلك بسبب عجز تلك البرامج، بل بسبب عدم جاهزية الانسان العربي الجديد لاستيعاب أي فكر يربطه بالعرب الآخرين وقضاياهم.

بقايا الحركات اليسارية والماركسية فقدت تأثيرها ومصداقيتها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية، فقد انحازت هذه الاحزاب والحركات الى المخطط الامريكي في منطقة الشرق الاوسط، ولم يعد لها برنامج يميزها عن برامج الاحزاب التي تسير في ركاب امريكا علناً.

الحركات الاسلامية هي التي تحاول ان تقف في وجه هذه النظرية الدايتونية، إذ طبيعة الفكر الإسلامي لا تنسجم مع تلك الافكار.

لذلك يمكن القول ان الدايتونية فكرة بدأت تتحكم في العالم العربي لخلق العربي الجديد، الذي يرتبط في احسن الاحوال بقضاياه القطرية فقط وينسلخ عن قوميته وعقيدته التي تشكل منطلقاُ فكرياً له، مما يسهل بقاء العالم العربي محكوماً من حكام جعلوا مقدرات الامة نهباً للاستعمار بكل اشكاله وألوانه.

هذا الواقع الذي بدأ يتجلى ويتضح يوما بعد يوم بحاجة الى مراجعة فكرية من المفكرين والعلماء بكل تخصصاتهم للوقوف في وجه هذه الموجة التي اصبحت واقعاً وليس امراً متوقعاً.

لا بد من تظافر الجهود القومية والدينية للتصدي لمحاولات خلق العربي الجديد بالمقاييس الدايتونية، والعمل بشكل دؤوب لخلق عربي جديد مرتبط يعروبته ودينه ليرتقي العالم العربي الى المكانة التي تتناسب مع إمكاناته وتاريخه والمستقبل الذي يليق يه.

sarafandisaed@yahoo.com

ssarafandi@hormail.com

مدونة الصرفندي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق