الأربعاء، 27 يناير 2010

مساهمة في الجدل حول مسلسل "يوسف الصدّيق"
بقلم : أ. سعيــد الصرفندي
كثر الجدل هذه الأيام حول مسلسل " يوسف الصدّيق" وهو المسلسل الذي تبثه قناة "المنار" التابعة لحزب الله، وهو مسلسل يتناول حياة النبي يوسف عليه السلام ضمن الخطوط العريضة التي وردت في سورة يوسف مع اضافات تفصيلية لا ذكر لها في القرآن واستدعتها اصول الإخراج لأي عمل تلفزيوني، وهو يأتي في سياق مجموعة من المسلسلات التي أنتجتها ايران متناولة قصصاً قرآنياً كقصة أصحاب الكهف وقصة مريم عليها السلام.
لقد صدرت فتاوى كثيرة تحرّم تجسيد الأنبياء والملائكة من خلال التمثيل، وهذه الفتاوى منها قديم قبل انتاج وعرض مسلسل "يوسف الصديق"، ومنها فتاوى صدرت متناولة المسلسل تحديداً، ولا بد من الإشارة الى أن هذه الفتاوى كلها صدرت من علماء السنة العرب والمسلمين، مما دفع البعض لاعتبارها موقفاً سنّياً ضد عمل شيعي ايراني، فلم تظهر أيّ فتوى من أي عالم شيعي تحرم هذا العمل أو تحرم عرضه.
المتتبع لحديث الناس عن مسلسل "يوسف الصدّيق"، يلمس إقبالاً شديداً لمتابعة المسلسل، وبديهي أن غالبية المتابعبن لم يخطر في بالهم أن هناك حكماً شرعياً يتناول تجسيد شخصيات الأنبياء أو حكماً شرعياً يتناول مشاهدة المسلسل، وهذا دليل على ضعف الثقافة الدينية، فالأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي، ولكن كثيراً من الناس يسأل عن الحكم الشرعي بعد القيام بالفعل، وهنا نلمس تقصير العلماء في الوصول الى حياة الناس وتبيان الأحكام الشرعية العملية المتصلة بحياة الناس.
من اسباب متابعة المسلسل عند كثير من الناس أن القصة القرآنية التي يقرأونها مجملة في سورة يوسف، وجدوها بأدق التفاصيل في عمل درامي مشوق جعلهم يتعرفون على معلومات كثيرة لا مجال لذكرها في الروايات التي وصلتنا عن حياة يوسف عليه السلام، ولكنها تأتي أحياناً منسجمة مع الأفكار الكلية التي عرضها القرآن، كقيام يوسف عليه السلام في السجن بالدعوة الى الله الواحد ، صحيح أن التفاصيل في المسلسل ليست آتية من روايات عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنها تأتي ضمن إطار الدعوة للتوحيد التي قام بها يوسف عليه السلام في السجن.
ومن أسباب متابعة المسلسل، أن حياة الناس تعتمد في حصولها على المعلومات من القنوات الفضائية، فنحن أمّة تركت القراءة، وقد يكون ذلك بسبب طبيعة حياة الناس العملية؛ فأصبح التلفاز هو مصدر المعلومات الوحيد الذي يستند اليه معظم الناس، فكان الفضول لمعرفة تفاصيل قصة مجملة في القرآن، خاصة وأن العمل من ناحية درامية وفنية بذل فيه الكثير من أجل أن يكون مشوقاً، وقد كان.
وبالعودة الى الفتاوى التي صدرت حول هذا المسلسل أو غيره مما يتم فيه تجسيد شخصيات الأنبيء والملائكة؛ فإن هذه الفتاوى تحتاج الى توضيح وتفصيل، فقد اختلط الأمر عند من أفتى ومن سمع الفتوى، حيث أن الفتوى تحرم تجسيد الانبياء والملائكة، ولكن كثيراً من الناس فهم أن مشاهدة المسلسل حرام، بل أوصلها بعضهم الى الكفر، وبديهي أن هناك مسألتين كلٌ منهما يحتاج الى تبيان الحكم الشرعي المتعلق به، فالتمثيل الذي يجسد الأنبياء والملائكة شيء، ومشاهدة المسلسلات التي تشتملها شيء آخر.
بعض الناس لا يتقبل مشاعرياً تصوير نبي من أنبياء الله عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة وأتم التسليم، لما للأنبياء من مكانية عالية ومنزلة عظيمة في نفوس المسلمين، ولكن هذه الحالة المشاعرية لا ينبثق عنها حكم شرعي، ولا يجوز أن يلحق العلماء بأهواء العوام ومشاعرهم؛ إذ الأصل في مشاعر الناس أن تكون تبعاً للحكم الشرعي الذي يبينه العلماء ، فهم الذين يوقعون بفتواهم عن رب العالمين، ولكن للأسف فإن الفتاوى التي صدرت حول الموضوع لم ترقَ حتى الآن الى مستوى الفتوى المعتمدة على النص، فالحكم الشرعي عند معظم الفقهاء هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين أو العباد، على الخلاف المشهور في تعريف الحكم الشرعي، وهذا معناه أن الحكم الشرعي لا بد أن يستند الى الكتاب أو السنة أو ما أرشدا اليه، ولكن الفتاوى التي صدرت كلها- على حد علمي- استندت الى باب سد الذرائع، وهو باب مقبول عند بعض الفقهاء ومرفوض عند آخرين منهم؛ لأنه باب لا يمكن ضبطه بضوابط واضحة ومقبولة عند الجميع.
الأدلة نوعان، عقلية ونقلية، والحكم الشرعي يستند الى الأدلة النقلية؛ لأن الأدلة العقلية متفاوتة بحسب قدرات الناس المتفاوتة، فقد يكون الخصم أشد قدرة في ابطال حجة عقلية طرحها صاحبها، فكان وصف الأفعال والأشياء لله وحده، فلا يجوز أن نحرم أو نحلل بدون دليل، وهذه مسألة محسومة شرعاً؛ إذ يقول الله جل جلاله :" ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله ". ولا يخفى على الكثيرين أن هناك فتاوى صدرت مع بداية ظهور التلفزيون وانتشاره، تحرم الصورة المتلفزة، فإذا بمن أفتى بذلك أو من تلاميذه من يبث محاضراته ودروسه من خلال الفضائيات، بل أصب لهم فضائيات خاصة يبثون أفكارهم من خلالها، وتنقل صلاة الحرم المكي والمدني من خلالها، كذلك أصدر بعض العلماء فتاوى تحرم الصور المتحركة ، فإذا بالصور المتحركة طريقاً لتعليم الصلاة واركان الاسلام واخلاق الاسلام.
لذلك فإن إصدار فتوى تتعلق بتجسيد شخصيات الأنبياء والملائكة تحتاج الى دراسة واسعة وعميقة ترتبط بالزمان الذي نعيشه وفق القواعد الشرعية المتفق عليها عند العلماء، وخاصة علماء الأصول، فالفقيه يستند في فتواه الى القواعد الأصولية التي وضعها علماء الاصول.
اما الشق الثاني من المسألة، وهو مشاهدة مسلسل "يوسف الصدّيق"، فإنها مخرجّة على قاعدة "ناقل الكفر ليس بكافر"، فمن باب أولى أن مشاهدة الكفر ليس كفراً ولا حراماً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أحداً لا يستطيع وصف مشاهدة المسلسل بالكفر، فالأصل أن المشاهدة أمر مباح حتى يأتي دليل التحريم.
من المفارقات العجيبة أن معظم الذين أفتوا بحرمة مشاهدة مسلسل" يوسف الصدّيق" قد شاهدوا حلقات معينة منه، مما جعل المشاهدين لا يقتنعون بحرمة المشاهدة.
sarafandisaed@yahoo.com
ssarafandi@hotmail.co,
مدونة الصرفندي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق